أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - ادم عربي - العمل!














المزيد.....

العمل!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8388 - 2025 / 6 / 29 - 00:50
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


بقلم : د. ادم عربي

"العمل" هو أصل كل ثروة في المجتمع، وهو أهم نشاط إنساني لأنه شرط بقاء الإنسان نفسه. ومع ذلك، يمكن تعريف الحضارة البشرية، ماديا وروحيا، بأنها المجتمع الذي حقق من التطور الصناعي والتقني، ومن تجاوز نمط الملكية الرأسمالية، ما يمكّن الإنسان من بلوغ أعلى درجات التحرر من العمل. فالعمل هنا ليس أي نشاط يقوم به الإنسان، بل هو مفهوم اقتصادي تاريخي لا ينطبق إلا على النشاطات التي تندرج ضمن شروط الإنتاج المجتمعي.

في المجتمعات البشرية الأولى، كانت الطبيعة مصدر الإطعام المباشر للإنسان. فقبل أن يبدأ الإنسان بإنتاج حاجاته الأساسية، وعلى رأسها الغذاء، عاش زمنا طويلا مستهلكا ما تقدمه له الطبيعة من دون عناء. هذه المرحلة تحمل خصائص بدائية لكنها تحمل في طياتها ملامح المجتمع الأعلى الذي يحقق حاجاته دون استلاب.

واستلهما من الجدلية الهيجلية، يبدو أن مجتمع المستقبل سيعيد، على نحو متطور، إنتاج العلاقة الأولى مع الطبيعة، حيث يتحرر الإنسان من العمل المباشر عبر وساطة الروبوتات. في هذا المجتمع، يتولى الإنسان الآلي مهمة إنتاج ما يشبع الحاجات الإنسانية، بينما يكتفي البشر بأدوار إشرافية وتنظيمية. هذه العودة إلى "الطبيعة المعيلة" ستكون على هيئة عبودية معكوسة، حيث الإنسان سيد، والروبوت عبد.

لكن الرؤية في النظام الرأسمالي الحالي مشوهة بكثافة لا تخفى على كل لبيب ، فالتعامل مع الأوراق المالية والربح المتولد عنها يحجب إدراك الحقائق الاقتصادية البسيطة. تنتشر نظريات ومفاهيم يغلب عليها طابع الوهم، فتُستبدل الرؤية الواضحة بالمضاربة.

لنفترض مثالا ملموسا، الطين مادة تنتجها الطبيعة، لكنها لا تتحول إلى إناء صالح للاستعمال إلا بيد الإنسان. هذا التحول يمر عبر جهد وعمل وأدوات، أي أنه نتاج تفاعل بين الإنسان والمادة. ومن هنا نفهم أن كل إنتاج حقيقي يتطلب ثلاثة عناصر: مادة العمل، الجهد البشري، وأداة العمل. والنتيجة يجب أن تكون شيئا ذا فائدة، أي له قيمة استعمالية.

لكن هذه القيمة الاستعمالية لا تتحول إلى قيمة تبادلية إلا من خلال عملية المبادلة. فالإناء الذي يصنعه الإنسان لنفسه لا يُعد سلعة، أما إذا صُنع بغرض المبادلة أو البيع، فإنه يصبح سلعة حقيقية. وفي هذه السلعة تتجسد قيمة العمل المبذول. فالمادة الخام لا تُحسب ضمن القيمة في مثالنا السابق " وعاء الطين"، بل يُحتسب العمل الحي فقط.

وبما أن العمل المنتج للغذاء هو أصل كل حضارة، فإن إنتاج فائض غذائي، أي أكثر مما يحتاجه المنتجون أنفسهم، كان شرطا لتقسيم العمل ونشوء الحرف والمهن الأخرى، بما فيها النشاطات الفكرية. فقبل الفلسفة والفن، لا بد من تلبية الحاجات الأساسية.

مع ذلك، لا يمكن تمييز عصر عن آخر بمجرد ما يُنتج، بل بكيفية الإنتاج. فإنتاج القمح، مثلا، لم يتوقف يوما، ولكن هناك فرق جوهري بين إنتاجه بأدوات بدائية في ظل ملكية خاصة، وبين إنتاجه بوسائل حديثة ضمن علاقات إنتاج مختلفة. لذا، "كيفية الإنتاج"، من حيث التقنية والبنية الاجتماعية، أهم من "ما يُنتج".

لنأخذ الآن مثالا تطبيقيا، صانع الأحذية. قبل أن يبدأ بهذه الحرفة، باع شيئًا ذا قيمة، كقطعة أرض مثلا، مقابل كمية من الذهب. استخدم هذا الذهب في شراء الأدوات والمواد اللازمة للعمل، مثل المعمل، المعدات، الجلود، وغير ذلك. هذه الأشياء تمثل عملاً ميتا سبق أن أُنتج من قبل آخرين. وعندما بدأ بصناعة الأحذية، أعاد استهلاك هذه الأدوات وأدخل جهده الخاص، أي العمل الحي، فصنع ألف زوج من الأحذية.

إذا كانت تكلفة المواد والأدوات مائة غرام من الذهب، وباع الأحذية جميعا مقابل مائتي غرام، فإن الفائض المحقق، وقدره مائة غرام، يمثل فائض القيمة. هذه الزيادة لم تأتِ من المواد أو الأدوات، بل من العمل الحي الذي أضافه الحذاء إلى تلك المدخلات. هنا تتجلى بوضوح فكرة فائض القيمة، وهي الفرق بين ما يُنفق على وسائل الإنتاج، وما يتحقق من قيمة عند بيع المنتج.

من هذا الفائض، ينفق الحذاء على معيشته، ويعيد استثمار جزء منه، ويدفع جزءا كضرائب للدولة لقاء خدماتها. وقد يفضل بيع إنتاجه لتاجر بسعر أدنى من القيمة الحقيقية، لسرعة التصريف، بينما يحقق التاجر الربح عند إعادة البيع.

جزء آخر من الفائض قد يُعاد توزيعه في شكل إنفاق ثقافي، فربما يشتري الحذاء لوحة فنية من رسام محترف، داعما بذلك نشاطا لا يُنتج سلعا مادية لكنه يعتمد هو الآخر على الفائض.

وإذا قرر التوقف عن العمل، فقد يُقرض رأسماله لمصرفي يستثمره بدوره بإقراضه لنجار لقاء فائدة. وحين يُعاد السداد، تُوزع الفائدة بين المصرفي والحذاء، مما يعزز دورة رأس المال.

وإذا رغب الحذاء في التوسع دون امتلاك رأس المال الكافي، يمكنه جمع مساهمات من آخرين مقابل أسهم. وقد تُباع هذه الأسهم لاحقا في سوق مالية. إذا زاد الطلب على الأسهم ارتفع سعرها وحقق المشتري ربحا، وإذا قل الطلب انخفض السعر وخسر المساهم.وهذه عملية غير منتجة لأي ثروة للمجتمع فما خسره زيد ربحه عبيد ، مع ملاحظة أن هذا النمط من الاقتصاد هو الشائع ،ط هذه الأيام ، وإن دل على شيء فهو انهيار اقتصادي عالمي وجني سريع للأرباح دون عمل كلاعب القمار .
لكن تجدر الإشارة إلى أن كل ما يتحقق من ربح أو خسارة في سوق الأسهم لا يضيف ولا ينقص من الثروة الحقيقية للمجتمع شيئا. فالثروة الحقيقية تكمن في السلع المنتجة، لا في المضاربات.

السلعة، بوصفها شيئا نافعا أنتجه العمل، تمثل أساس الثروة المجتمعية. وكل قيمة حقيقية تُضاف إلى السلعة هي ما يغرف منه كل من العامل ورب العمل والتاجر والمصرفي وسائر من يعيش خارج قطاع الإنتاج المباشر، بما في ذلك الفنان والعالم ورجل الدين والجندي وحتى المومس.

واخيرا، يجب توضيح أمرين، أولا أن كمية العمل تُقاس بالزمن، وأن ساعة من العمل المعقد قد تعادل عدة ساعات من العمل البسيط، وثانيا أن بعض الأشياء لا تملك قيمة تبادلية، لكنها تُباع ويُحدد سعرها وفق قانون العرض والطلب، وهو ما يميز السوق الحديثة.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امرأةٌ جميلةٌ!
- فائض الغذاء وجوع المليارات!
- مجتمع الحقوق!
- طريقةُ فهم المفاهيم!
- نجوم بلا لهب!
- مفهوم -فاليريزم- (Valerism) كما ورد في كتاب The Physics of C ...
- جدليةُ الإحساس!
- في فلسفة نسبية -الآن-!
- نساء٣
- في الزمن!
- هل رأيت يوماً ذكراً خالصاً؟
- بعضٌ من جدل فلسفة التغيير!
- صرخةُ العدم!
- التفسير المثالي والواقعي للسياسة!
- ما هي الحقيقة من منظور جدلي؟
- فلربما!
- صفورا
- رواتب النواب والوزراء!
- الذكاء الاصطناعي بين هيمنة رأس المال ومقاومة الاستغلال!
- كرة القدم.. لعبة الفقراء سرقها الأغنياء!


المزيد.....




- هل تستطيع إيران إنتاج قنبلة نووية في السر؟
- صادرات النفط الإيراني إلى الصين تسجل أعلى مستوياتها في يونيو ...
- ما تأثير العقوبات الأميركية الجديدة على الاقتصاد السوداني؟
- مياه المحيطات يتغير لونها والعلماء قلقون من تداعيات اقتصادية ...
- ترامب يعود لانتقاد باول ويعلن سعيه لرئيس للفدرالي يخفض الفائ ...
- وول ستريت تتحدى المخاوف الاقتصادية وتسجل أفضل أداء شهري
- ضريبة الدخل في عُمان خطوة نحو الاستدامة المالية أم تحد جديد؟ ...
- تحديات تواجه سوريا للانخراط في نظام سويفت وتداول الدولار
- “فرصة ذهبية”.. سعر جرام الذهب عيار 21 سعر الذهب اليوم السبت ...
- 3 مليارات دولار خسائر إسرائيل المباشرة في حربها مع إيران


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - ادم عربي - العمل!