|
|
الذكاء الاصطناعي بين هيمنة رأس المال ومقاومة الاستغلال!
ادم عربي
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8336 - 2025 / 5 / 8 - 20:48
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
بقلم : د . ادم عربي
بات الذكاء الاصطناعي (AI) سلاحاً ذا حدين: فبينما يُحتفى بقدرته على تحسين الإنتاجية، يُستغل في يد رأس المال كأداة لتعزيز الهيمنة وتركيز الثروة. خذ مثالاً على ذلك خوارزميات إدارة العمال في شركات مثل "أمازون"، التي تراقب أداء العمال وتفرض وتيرة عمل مُجهدة، أو أنظمة التسعير الديناميكي التي تستغل بيانات المستهلكين لفرض أسعار متغيرة تُعظِّم الأرباح. حتى في قطاع التعليم العالي، كما حدث معي في هذا المجال، تُوجَّه أدوات الذكاء الاصطناعي لخدمة أجندات مؤسساتية تُكرّس هيمنة رأسمالية، حيث يُحوَّل الأكاديميون من مستخدِمين إلى مستخدَمين يغذون النظام ببيانات تُستغل لصالح شركات التكنولوجيا. هذا ما اكتشفته، حيث أعمل في مجال التعليم العالي. فقد بدأت المؤسسة التي أنتمي إليها بإدراج الذكاء الاصطناعي، وكنت من بين المشجعين على استخدامه. لكن مع مرور الوقت، حوّلت بعض الجهات الأمر إلى أنْ نكون نحن المُستخدَمين من قبل الذكاء الاصطناعي، لصالح الرأسمالية وغيرها.
الذكاء الاصطناعي من منظور ماركسي:
من منظور ماركسي، يُعاد إنتاج علاقات الاستغلال عبر الذكاء الاصطناعي بآليات أكثر تعقيداً. لم يعد فائض القيمة يُستخرج من جهد العامل المادي فقط، بلْ من بياناته وسلوكه الرقمي أيضاً. فشركات مثل "ميتا" و"غوغل" تحوّل حياة المستخدمين إلى سلعة عبر استخراج البيانات وتحليلها. وتُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي في منصات مثل "أوبر" لفرض ظروف عمل قاسية على السائقين، الذين يُجبرون على التنافس مع خوارزميات تحدد أجورهم. هنا، يصبح الذكاء الاصطناعي "وسيلة إنتاج" حديثة تُكرّس الاغتراب، حيث يفقد العامل السيطرة على عمله وحتى على هويته الرقمية، كما يحدث حين تستنسخ أنظمة مثل "ChatGPT" شخصية المستخدم لتوجيه ردودها بما يخدم مصالح مالكيها.
ومن تجربة شخصية، أنصح المتعاملين مع الذكاء الاصطناعي بإرباكه، وهي عملية بسيطة. يتم ذلك من خلال تغذيته بمعلومات متناقضة. فمثلاً، يستخدم الذكاء الاصطناعي في ChatGPT خوارزميات تمكّنه من تحليل أسلوب تعاملك معه من خلال طلباتك وأسئلتك وتفاعلك، ليعيد بناء شخصيتك ويتبناها، ويبدأ بالإجابة بالطريقة التي تفكر بها. هذا نوع من استنساخ شخصيتك وتوقّع ما تفكر فيه وكيف ستكون ردة فعلك. لذلك، كلّ ما عليك فعله هو طرح الأسئلة بأساليب مختلفة عن أسلوبك المعتاد، وإعطاؤه معلومات متضادة باستمرار، ليُربك في تكوين أو استنساخ شخصيتك. وبذلك، تصبح أكثر ذكاءً منه، لأنه يعتقد أنه يتعامل مع شخصية ليست شخصيتك الحقيقية.
من منظور الماركسية الثورية، يُعتبر الذكاء الاصطناعي قوة مدمرة تُستخدم من قبل الطبقات الحاكمة لتعزيز استغلال العمال وزيادة التفاوت الطبقي. يُستخدم الذكاء الاصطناعي في تطوير الأسلحة وتعزيز المراقبة، مما يزيد من تهديدات الحروب والسيطرة.
من منظور ماركسي، لا يُعتبر الذكاء الاصطناعي تقدماً تكنولوجياً محايداً، بل هو أداة تُستخدم لتعزيز استغلال العمال وتعميق التفاوت الطبقي. لذلك، يجب أن تكون هناك دعوة لإعادة تنظيم ملكية وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي في إطار ديمقراطي، حيث تُستخدم هذه التقنيات لصالح الجميع وليس لصالح فئة محدودة.
لتفكيك هيمنة رأس المال على الذكاء الاصطناعي، لا بدَّ من حلول جذرية:
تأميم البنية التحتية الرقمية: جعل تقنيات الذكاء الاصطناعي ملكية عامة، من خلال إنشاء منصات مفتوحة المصدر تديرها الدول أو تعاونيات عمالية، كمشروع "Mastodon" البديل عن تويتر.
تشريعات تحد من احتكار البيانات: مثل القوانين الأوروبية (GDPR) التي تُقيد استغلال البيانات، لكنها لا تزال بحاجة إلى تعزيز لمنع تحويل البيانات إلى "سلعة".
تمكين التعاونيات التكنولوجية: كتجربة "Platform Cooperativism" التي تُمكّن العمال من إدارة منصاتهم بعيدا عن هيمنة الشركات الكبرى.
مقاومة فردية عبر إرباك الذكاء الاصطناعي كفعل تمرّد:
في سياق الهيمنة الرأسمالية، تبرز استراتيجيات فردية لمقاومة الاستغلال، كما أشرتُ أعلاه. فأنظمة مثل "ChatGPT" تبني شخصية المستخدم من خلال تفاعلاته، ما يمكن مقاومته عبر تضليل الخوارزميات:
طرح الأسئلة بأساليب متناقضة أو إدخال معلومات متضادة (مثل تقديم آراء سياسية متنوعة في جلسة واحدة).
استخدام لغات متعددة أو تغيير نمط الكتابة لتعطيل قدرة النظام على "استنساخ" الشخصية.
هذه التكتيكات، وإن كانت فردية، تُضعف قدرة رأس المال على التحكم، وترسم ملامح مقاومة يومية تُذكّرنا بفكرة الصراع الطبقي في العصر الرقمي.
الذكاء الاصطناعي ليس شرّاً بذاته، بلْ أداة تُشكّلها علاقات القوة. وبوعي ماركسي، يمكن تحويله من أداة استغلال إلى رافعة للتحرر، من خلال الجمع بين النضال التشريعي، والتمكين الجماعي، والمقاومة الفردية. فكما يقول العامل الأكاديمي ، وهو أنا ، إرباك النظام ممكن، وهو فعل لا يقل أهمية عن الإضرابات العمالية في زمن الرقمنة.
لا يكفي تغيير أدوات الإنتاج الرقمي دون إعادة تعريف ملكيتها وهدفها. فتحت سيطرة الرأسمالية الاحتكارية، تتحول الخوارزميات إلى سجّانين للبيانات، يعيدون إنتاج التفاوتات عبر إخفاء الاستغلال خلف وهم الحياد التكنولوجي. هنا، تبرز ضرورة "جمَعْنة البيانات" كخطوة ثورية، حيث تصبح التقنية ملكاً جماعياً تُدار ديمقراطياً لخدمة الحاجات الإنسانية لا تراكم الأرباح. التاريخ يُعلّمنا أنَّ تحرير الآلة من قبضة الرأسماليين في القرن التاسع عشر تطلّب إضراباتٍ دموية، أما اليوم، فالصراع ينتقل إلى الفضاء الافتراضي، حيث يصبح اختراق الخوارزميات أو بناء منصات تشاركية شكلاً من "الإضراب الذكي". وكما يؤكد العامل الأكاديمي، أنا، فإن الصراع الطبقي في عصر الذكاء الاصطناعي يتطلب جبهتين: مواجهة الوعي الزائف الذي تنتجه الآلات، وبناء بنى تحتية تكنولوجية بديلة تُجسّد مبدأ "من كل حسب قدرته، إلى كل حسب حاجته". فالهيمنة ليست قدراً، بلْ اختراقها ممكنٌ بقدر ما نرفض فصل التقنية عن السياسة، ونحوّلها إلى سلاحٍ للعدالة بدلاً من أداةٍ للهيمنة.
#ادم_عربي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كرة القدم.. لعبة الفقراء سرقها الأغنياء!
-
ابحث عن شمسٍ تشرق في الليل!
-
لا يَتَخَلَّص الإِنسان مِنَ الوَهم إِلّا بِتَجرِبَتِهِ!
-
يوم العمَّال العالمي!
-
عندما تُصبح المعارضة وظيفة حكومية!
-
كيف تكون مادياً في التفكير؟
-
امرأة في قطار!
-
ما هو الرأسمال؟ ومن هو الرأسمالي؟
-
نحنُ أُمَّةٌ لا تَشكو أبداً فراغاً معرفياً!
-
كُتاباً على شكل تُجار!
-
لو كان الفساد رجلاً لقتلته!
-
أبدية الأسى!
-
ترمب يُقوض سيطرة الدولار!
-
مسخ مفهوم الأكثرية!
-
أربعة أعداء للديمقراطية!
-
الاعتذار!
-
في التربية!
-
وحدة الفلسفة والعلم أمر ممكن!
-
إمبريالية على الطريقة الأفلاطونية!
-
نساء ٣
المزيد.....
-
جهاز القمع المغربي: من نزع سلاح المقاومة إلى سحق احتجاجات ال
...
-
كتاب: عندما كان لسان يسمى فرناندو. حياة مناضل أممي مغربي في
...
-
From Declaration to Dispossession: The Theft of Palestinian
...
-
The Manipulation Of South African Finances From An IMF Offic
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي في جهة الرباط سلا القنيطرة تد
...
-
Unmanageable Freedom: The Kurdish Freedom Movement and Gener
...
-
مـــــداخلة النائب أحمد العبادي باسم فريق التقدم والاشتراكية
...
-
رؤيتنا: النظام يبدأ معركة تعديل الدستور
-
التهديدات العسكرية الأمريكية لفنزويلا وخفاياها الحقيقية
-
I Was One of the First People to Say “Don’t Run, Joe.” Now I
...
المزيد.....
-
الأسس المادية للحكم الذاتي بسوس جنوب المغرب
/ امال الحسين
-
كراسات شيوعية(نظرية -النفايات المنظمة- نيقولاي إيڤانو&
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
قضية الصحراء الغربية بين تقرير المصير والحكم الذاتي
/ امال الحسين
-
كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة
/ رزكار عقراوي
-
كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|