أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - نحنُ أُمَّةٌ لا تَشكو أبداً فراغاً معرفياً!














المزيد.....

نحنُ أُمَّةٌ لا تَشكو أبداً فراغاً معرفياً!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8317 - 2025 / 4 / 19 - 02:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نحنُ أُمَّةٌ لا تَشكو أبداً فراغاً معرفياً
بقلم : د . ادم عربي

مع كلِّ معلومة نضيفها إلى فهمنا (لشيء ما)، ينشأ تلقائياً جهلٌ آخر (حول ذات الشيء). وهذا الجهل المصاحب أشبه بـ"حيزٍ فارغ" أو "ثقب" تحمله في طياتها المعرفة المُتجددة .

ذلك الفراغ المعرفي الذي أثار حيرتي، فقلت في نفسي: أهو نتاج السؤال نفسه أمْ نتاج الجواب؟ أدعوكم للتفكير العميق معي في هذا الأمر، أي في إجابة هذا التساؤل المحير.

وقد انتهيت إلى الإجابة التالية: الجواب هو الذي يخلق الفراغ المعرفي دائماً (وليس السؤال)، في حين أنَّ السؤال هو وسيلتنا لسد ذلك الفراغ.

كلُّ إجابة تقدمها تحمل في طياتها ثغرةً ما (سواءٌ ظهرت لك أو لغيرك). وهذه الثغرة المعرفية تتطلب سداً سريعاً، لأن الطبيعة تكره الفراغ ،والفراغ لا يقتصر على العالم المادي بلْ يمتد إلى عالم المعرفة والإجابات.
في رحلة المعرفة المتصاعدة التي لا تنتهي، نجد دائماً أنَّ السؤال يقودنا في النهاية إلى إجابة، وهذه الإجابة تفتح أمامنا فراغاً معرفياً، وهذا الفراغ بدوره يولد سؤالاً جديداً، ليصبح هذا السؤال الجديد هو الوسيلة لسد ذلك الفراغ.

هل تعاني الأمة العربية من نقص معرفي؟
بالطبع لا!
وهذا دليل واضح على أنَّها تمتلك معرفة شاملة في كل مجال لا يعتريها أي خلل أو نقص. إنَّها معرفة محكمة لا تشوبها ثغرة، بلْ هي معرفة تامة، كاملة، مطلقة، لا تحتاج إلى إضافة!
فإذا ظن المرء أنَّه يمتلك إجابات لا تشوبها شكوك، فلماذا يطرح الأسئلة أصلاً؟ السؤال وسيلة لسد الفراغ، فإذا انعدم الفراغ، انعدمت الحاجة إلى السؤال!
لقد وصلت المعرفة إلى ذروتها في كلِّ شيء، وانتهى دور التساؤل!
وهذا ، في رأيي ، هو الشعار الذي ترفعه أمتنا!.

حان الوقت لنترك هذا النمط من التفكير وراء ظهورنا، ونغير نظرتنا إلى الأمور؛ لأنَّ الاستمرار فيه لنْ يؤدي إلّا إلى الدمار الفكري والحضاري. فالأمة التي تعتمد فقط على "الإجابات الجاهزة" كمخزونها الفكري الوحيد، هي أمة بلا روح حتى لو طال عمرها!

لا تَسير الأمم على درب التقدم، بلْ تنحدر إلى الخلف حين تُسيطر عليها نزعتان متطرفتان: نزعة التعظيم المفرط للذات، ونزعة نقد الذات بشكل قاسٍ ومبالغ فيه.
وفي حالات كثيرة، نلاحظ أنَّ بعض الشعوب تجمع بين هاتين النزعتين، فتارةً تُبالغ في تبجيل نفسها، وتارةً أخرى تُبالغ في لومها ، وتتنقل من طرف إلى آخر.
لنتجنب المبالغة في المدح والتمجيد، فهو أشبه بالسقوط في الهاوية، لا ينجذب إليه إلّا الفارغون الذين لا يكتسون سوى رداء الغرورولا يجنح له إلاَّ الصفر الذي لا لبوس يلبسه إلاَّ الغرور. ولنحافظ على النقد الذاتي أو تقويم الذات، فهو بلا شك ضروريٌ لنا، لكن دون مبالغة أو إسراف في لوم النفس، لأنَّ الخطوة الأولى نحو "التقدم" هي إدراك نقاط الضعف والعيوب والانحرافات والتخلف فينا... فالأخطر من كل ذلك هو أنْ تفقد أعيننا وعقولنا القدرة على رؤية واقعنا المتردي، أو ترفض الاعتراف به.

في صميم حديثنا عن واقعنا المرير كعرب، لا بدَّ من الإشارة إلى أمرين بالغي البساطة والأهمية، ومع ذلك لم نتمكن من إتقانهما حتى الآن: أولاً، فن رفض الأشياء بقول "لا" وتطبيق ذلك عمليًاً، فما زلنا أمة تُكثر من "نعم" بمعناها السلبي. وثانياً، فن طرح الأسئلة، إذْ نحن أمة تعشق الإجابات، ولدينا مخزون لا ينضب من "الأجوبة المطلقة الجاهزة" التي نلجأ إليها دائماً.

كم مرة كان ينبغي عليك أنْ تقول "لا"، ومع ذلك لمْ تفعل؟ رغم حاجتك الماسّة إلى قولها، ورغم إدراكك لمصلحتك في النطق بها، ومعرفتك أنَّ الصواب كان يقف إلى جانبك لو أنَْكَ قلتها.

هذا التساؤل يكشف جانباً آخر من أوجه التخلف الحضاري الذي نعيشه، إذا افترضنا أننا نعي بالفعل هذه المعاناة ونشعر بها.

فالسؤال بحد ذاته علم وفن وذكاء وتجربة، يطالبنا بأنْ نرتقي لمستواه، لكننا لم نلبِ هذا التحدي إلّا بما يعكس تمسكنا بأنَّ نكون أمة تكتفي بالأجوبة الجاهزة والمطلقة. لا جديد يظهر في عالم المعرفة والفكر والعلم والاكتشاف إلّا وسارعنا إلى نسبه لأنفسنا، ولو من خلال الادعاء بأنَّ أصله يعود إلينا على شكل بذرة أو نواة أو بداية غامضة!

فأين هو ذلك السؤال الراهن الكبير الذي تعجز معارفنا القديمة وأجوبتنا الجاهزة عن تقديم جواب له؟ تلك المعارف التي لا تقبل سوى الحقائق المطلقة ولا تترك مجالاً للشك أو المراجعة!

ما زلنا، حتى اليوم، نُفسّر كل جديد ذي قيمة في ميادين العلم والمعرفة والاكتشافات الحديثة على أنه مجرد إثبات آخر على سبقنا في الوصول إليه، أو على الأقل في امتلاك البذور الأولى التي أدّت إليه. نتعامل مع ما يقدمه الآخرون من جديد وكأنَّه انعكاس لما كنا نملكه نحن في الماضي، وكأنَّ كل "جديدهم" هو "قديمنا"، وكل "قديمنا" هو أساس "جديدهم".

ولا نعترف بجهلنا، ولا نشعر به، ولا نحاول إدراكه؛ فكيف يمكن لأمة لا تعي جهلها أنْ تُبحر في عوالم العلم والمعرفة وتسبر أغوارها؟

لقد آن الأوان أنْ نودّع الأجوبة الجاهزة والمطلقة وداعاً لا رجعة فيه، وأنْ نتهيأ بجدية لاستيفاء متطلبات تحولنا إلى "أمة تسأل"، تعيش عقولها في ظل "الشك الديكارتي". آن لنا أنْ نتعلّم فنّ السؤال، لأنه ليس مجرد أداة، بلْ علم وفن بحد ذاته، وأنْ نغذّي فينا الخيال، لأنَّ الخيال يفوق المعرفة أهمية. فبينما يقودنا المنطق من نقطة إلى أخرى ضمن حدود مرسومة، فإنَّ الخيال يمكن أنْ يأخذنا إلى آفاق لا حد لها.

عندها فقط، قد يظهر بيننا من يشبه ذلك "الجاهل العظيم" الذي وصل إلى أعلى درجات المعرفة، ليقول بصدق العالم المتواضع: "كل ما أعرفه هو أنني لا أعرف شيئًا"!



#ادم_عربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كُتاباً على شكل تُجار!
- لو كان الفساد رجلاً لقتلته!
- أبدية الأسى!
- ترمب يُقوض سيطرة الدولار!
- مسخ مفهوم الأكثرية!
- أربعة أعداء للديمقراطية!
- الاعتذار!
- في التربية!
- وحدة الفلسفة والعلم أمر ممكن!
- إمبريالية على الطريقة الأفلاطونية!
- نساء ٣
- الفلسفة والعلم والحقيقة -جدلياَ-!
- متى نتعلَّم صناعة الأسئلة؟!
- ثدي الموت!
- الرأسمالية الأوروبية سلاحها العنصرية!
- حكايتي معك!
- تناقضات في قوة الاقتصاد الأمريكي!
- ما زالت المرأة العربية عبدة للعبيد !
- الحتمية ماركسياً ودينياً!
- متى تأخذ الطبقة العاملة مصيرها بيدها؟!


المزيد.....




- ترامب عن أعداء أمريكا: إذا هددتم الشعب الأمريكي فجنودنا قادم ...
- العيوب بدل الكمال ومصير الألماس.. لماذا يلجأ صناع المجوهرات ...
- إسرائيل تهاجم مستودعات شهران لتخزين النفط في إيران
- إسرائيل تفعل كامل أنظمتها الدفاعية أمام ضربات إيران.. إليك ك ...
- مستشار سابق للبنتاغون يحذر: الحرب ضد إيران قد تجر واشنطن إلى ...
- السلطات المصرية تحيل 4 سودانيين إلى المحاكمة الجنائية
- اكتشاف غامض في القارة القطبية الجنوبية: موجات راديو غريبة قا ...
- -فارس-: إيران تسقط 44 مسيرة إسرائيلية على الحدود
- شركة -بازان- الإسرائيلية تعلن إصابة أحد أنابيب مصافي التكرير ...
- السلطات الإيرانية تتخذ خطوة انتظرها المصريون لتعزيز العلاقات ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - نحنُ أُمَّةٌ لا تَشكو أبداً فراغاً معرفياً!