أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - كُتاباً على شكل تُجار!














المزيد.....

كُتاباً على شكل تُجار!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8314 - 2025 / 4 / 16 - 22:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بقلم : د . ادم عربي

هل من المقبول أنْ يتناقض الإنسان مع ذاته من أجل الربح؟ وهل يمكن أنْ يصبح السوق هو المعيار الوحيد للسلوك، حتى لو تعارض مع القيم والمعتقدات الشخصية؟ هذه الأسئلة لم تأت من فراغ، بلْ طرحها كارل ماركس نفسه في مؤلفه الأشهر "رأس المال"، حين أشار بذكاء إلى سلوك أرباب العمل الذين يتاجرون ببضائع تتنافى كلياً مع قناعاتهم الدينية والأخلاقية.
تاجر يبيع السجائر بينما يمنع أولاده من الاقتراب منها، وآخر يروّج لمنتجات تحرمها ديانته دون أنْ يرف له جفن. هل نسمي هذا "براعة في التجارة" أم "انهزاماً أخلاقياً" أمام إغراء السوق؟.

الجدل هنا ليس حول الربح بحد ذاته، بلْ حول آلية تبريره. لقد بات طبيعياً، بلْ ومقبولاً اجتماعياً، أنْ ينفصل السلوك الاقتصادي عن الضمير الشخصي، تحت ذريعة أنَّ "الضرورة لها أحكام"، وأنَّ من لا يجاري السوق سيفترسه المنافسون ،إنَّه منطق قاسٍ، ولكنه واقعي ، ومع هذا الواقع، بدأت العدوى تتسلل إلى حقل الفكر أيضاً، فصرنا نشهد كُتاباً ومفكرين لا يختلفون كثيراً عن أولئك التجار، ينتجون أفكاراً لا يؤمنون بها، فقط لأنها "مطلوبة" في السوق الثقافي والسياسي، فما الفرق إذن بين بائع سلعة مادية وبائع فكرة؟

كان في الماضي من أهل الفكر مَنْ يبدأ بحثه بأطروحة محددة، فإذا قادته الموضوعية إلى عكس ما كان يرجو، قبل النتيجة بشجاعة وأعلن انحيازه إليها. اليوم، اختفى هذا النموذج النبيل، وحل محله كاتب لا يسأل نفسه: "ما الحقيقة؟"، بلْ يسأل: "هل سيروق هذا الكلام لهذا المسؤول؟ هل ستعجب هذه الفكرة تلك الجهة؟". وهكذا، يكتب وكأنه آلة مبرمجة، بلا شعور أو مبدأ، مستنسخاً فكر الآخرين لإرضاء أصحاب السلطة أو التأثير.

قد يقول قائل: أليس من حق الكاتب أنْ ينتمي سياسياً؟ نعم، بلْ من واجبه أنْ يفعل إذا كان انتماؤه نابعاً من قناعاته. لكن، أنْ يتحول إلى سلعة سياسية، يتنقل من ولاء إلى آخر بحسب المردود، فهنا مكمن الفساد، إنَّنا لا نتحدث عن الانتماء، بلْ عن الاتجار به.

ولعل الأسوأ من هؤلاء هم أولئك الذين لا يملكون من "المؤهلات" سوى قدرتهم على التزلف والنفاق ، فأحدهم لا يتردد في مدح رئيسه بوصفه الأجمل والأكفأ، ثم يخرج من مكتبه ليتحدث عنه باحتقار، هذا النموذج منتشر، لا في القاع فقط، بلْ على طول السلم الإداري والاجتماعي، يروج لنفسه عبر نفي الآخرين، ويتسلق بإذلال الذات.

ولا عجب إنْ ظهرت في مثل هذه الأجواء ظاهرة "بواب العمارة" الذي يتصرف كأنه مالكها، لأنَّ في بيئتنا مَنْ لا يرى الإنسان ككائن له قيمة ذاتية، بل كوسيلة، كسلعة، بلْ أرخص سلعة في السوق ، وفي مجتمع يُختزل فيه الإنسان إلى "وظيفة" أو "مصلحة"، من الطبيعي أنْ تتحول الكلمة إلى سلعة بدورها، تباع وتشترى، وينخفض سعرها كلما زاد عرضها وقلّ الطلب.

وما النتيجة؟ لا تسأل أين الكتّاب والمفكرون في لحظات الأزمات، فقد اعتادوا الجوع إلى حد الموت. وإنْ أردت دليلاً، فانظر إلى صحفنا، التي لو أغلقت جميعها واستُبدلت بصحيفة واحدة تنشر الإعلانات والوفيات، لما شعر أحد بفراغها. هل الذنب ذنب القراء؟ لا، بلْ ذنب صحافة عزلت نفسها عن المجتمع، لم تفهمه، ولم تعد قادرة على خدمته حتى لو فهمته.
وهكذا، لا عجب أنْ ينهار الفكر حين يُعامل كالبضاعة، ولا غرابة في أنْ نضيع وسط هذا الضجيج الذي يصمّ الآذان ولا يُغني العقول. فهل ما زال بيننا من يسأل: لماذا صمت المفكرون؟ أم أننا نفضّل الصمت لأن الجواب أشد إيلاماً من السؤال؟.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لو كان الفساد رجلاً لقتلته!
- أبدية الأسى!
- ترمب يُقوض سيطرة الدولار!
- مسخ مفهوم الأكثرية!
- أربعة أعداء للديمقراطية!
- الاعتذار!
- في التربية!
- وحدة الفلسفة والعلم أمر ممكن!
- إمبريالية على الطريقة الأفلاطونية!
- نساء ٣
- الفلسفة والعلم والحقيقة -جدلياَ-!
- متى نتعلَّم صناعة الأسئلة؟!
- ثدي الموت!
- الرأسمالية الأوروبية سلاحها العنصرية!
- حكايتي معك!
- تناقضات في قوة الاقتصاد الأمريكي!
- ما زالت المرأة العربية عبدة للعبيد !
- الحتمية ماركسياً ودينياً!
- متى تأخذ الطبقة العاملة مصيرها بيدها؟!
- تطوير الآلة وتأثيرها على المجتمعات!


المزيد.....




- مصر تبدأ أولى خطوات -تحرير- سوق الكهرباء لجذب القطاع الخاص.. ...
- ما العلاقة بين الأطعمة فائقة المعالَجة والوفاة المبكرة؟
- وزير الخارجية الأمريكي: أوقفنا منح تأشيرات لمن يأتون لإحراق ...
- احتجاجات تقاطع كلمة نتنياهو في ذكرى الجنود القتلى
- عون يؤكد سيطرة الجيش على معظم جنوب لبنان و-تنظيفه-
- ترامب يعرب عن استيائه من -ضخ الأموال- الأمريكية في أوكرانيا ...
- قضية هزت مصر.. احتفاء بانتصار العدالة لطفل دمنهور
- حماس: تصريحات نتنياهو بشأن رفح تعكس جنون الهزيمة ووهم الانتص ...
- الجزائر - العراق: تبون يتسلم رسميا دعوة لحضور القمة العربية ...
- الخارجية المغربية تعلن قرار إنهاء مهام سفير المملكة لدى تونس ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - كُتاباً على شكل تُجار!