أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ادم عربي - لا يَتَخَلَّص الإِنسان مِنَ الوَهم إِلّا بِتَجرِبَتِهِ!














المزيد.....

لا يَتَخَلَّص الإِنسان مِنَ الوَهم إِلّا بِتَجرِبَتِهِ!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8330 - 2025 / 5 / 2 - 15:58
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لَطالما تَردَّدَت عَلَى أَلسنَة بَعضِ المُنتَقِدِين عِبارة مَألوفَة مَفادُها أَنَّ شُعوبنا لا تَستَحِق الدِّيمقراطِيَّة، وَلَن تَنالَها مُطلَقاً. فَهُم يَرون أَنَّ مَصيرَنا يَتَأرجَح بَين خِيارَين لا ثالِث لَهُما: إِمّا البَقاء تَحتَ مُظَلَّة أَنظِمَة حُكم اِستِبدادِيَّة تُوَفِّر الأَمنَ والِاستِقرار وَتُحافِظ عَلَى تَماسُك المُجتَمَع، أَوِ الِانزِلاق نَحو الفَوضَى العارِمَة الَّتِي تَجُر مَعَها وِيلاتٍ لا تَنتَهِي، كَالحُروب الأَهليَّة، والِانقِسامات، والخَراب الِاقتِصادِي، وزَوال الأَمن، هَذا ما أَبرزَت نَتائِج الرَّبيع العَرَبِي.

وَيَتمادى بَعض هؤُلاء فِي تَحليلَاتِهِم، فَيَدَّعون أَنَّ الإِنسان العرَبِي بِطَبيعَتِهِ بَعيد عَن الدِّيمقراطِيَّة، بَلْ غَير قابِل لَها، وَكَأَنَّ هُناك ما يُشبِه "الخَلَل الجِينِي" الَّذِي يَجعَلُهُ غَير مُؤَهَّل لِمُمارسَة الدِّيمقراطِيَّة أَو فَهمِها. وَيُرجعون ذَلِك إِلى خَلفِيَّة تَاريخِيَّة وَثَقافِيَّة مُرتَبِطَة بِما يُعرَف بِ"الِاستِبداد الشَّرقِي"، وَكَأَنَّ الِاستِبداد قَدَر لا فِكاك مِنهُ فِي مَنطِقَتِنا.

لا خِلاف عَلَى أَنَّ "الإِرادَة الحُرَّة" لِلشَّعب هِيَ جَوهَر النِّظام الدِّيمقراطِي، لَكِن هَل هَذِهِ الإِرادَة دائِماً ما تُفضِي إِلى أَنظِمَة دِيمقراطِيَّة بِحَق؟ أَلا يُمكِن أَنْ تُسفِر اِنتِخابات حُرَّة وَنَزيهَة عَن صُعود قُوًى تُناقِض مَبادِئ الدِّيمقراطِيَّة ذاتِها، أَو تُؤَدِّي إِلى قِيام نِظام لا يَمُت بِصِلَة لِلدَّولَة المَدَنِيَّة الحَديثَة؟

هَذا التَّناقُض يَتَجَلَّى بِوُضوح فِي واقِعِنا العَرَبِي الإِسلامِي، حَيث بِإِمكَان أَغلَبِيَّة شَعبِيَّة، بِكامِل حُرِّيَتِها، أَنْ تَمنَح السُّلطَة لِحِزب دِينِي، يُمَنهِج سَيطَرَتَهُ عَلَى الدَّولَة وَيَبدَأ بِفَرض رُؤيَتِهِ الدِّينِيَّة عَلَى المُجتَمَع بِأَكمَلِهِ. وَالسُّؤال هُنا: هَل يُمكِن لِمَن يَتَمَسَّك بِالواقِعِيَّة الدِّيمقراطِيَّة أَنْ يُنكِر أَنَّ أَغلَب النَّاس فِي مُجتَمَعاتِنا يَرَون فِي عِبارَة "الإِسلام هُوَ الحَل" حَلاً لِكُل أَزماتِهِم؟

حَتَّى حِين تَفشَل هَذِهِ التَّجارِب الدِّينِيَّة فِي إِدارَة الدَّولَة، فَإِنَّ الإِخفاق لا يُحَمَّل عَلَى الفِكرة نَفسِها، بَلْ عَلَى مَن طَبَّقَها، إِذْ يُقال إِنَّهُ أَساء الفَهم، أَو لَمْ يُجَسِّد "الإِسلام الحَقِيقِي"، الَّذِي يَبدو فِي أَذهان العامَّة كَجَوهَر مِثالِي يُشبِه المَفهوم الكَانتِي لِلجَوهَر ؛ مَوجود لَكِنَّهُ غَير قابِل لِلإِدراك!

وَلا أَرى أَنَّ هَذا الإِشكال يُعالَج بِتَوصِيف الشَّعب بِالجَهل، أَو بِانعِدام الوَعي، أَو بِأَنَّهُ مُسيَّر لا يَملك القُدرة عَلَى إِدراك مَصلَحَتِهِ، أَو بِأَنَّهُ خاضِع لِهَيمنَة فِكرِيَّة تَدفَعُهُ لِلتَّصَرُّف ضِد مَصلَحَتِهِ. كَذَلِك، لا يُمكن سَحب الشَّرعِيَّة السِّياسِيَّة مِنَ الشُّعوب لِأَنَّها لا تَرقى إِلى مُستَوَى الوَعي المَأمول، فَالشَّرعِيَّة لا تُقاس بِمَقاييس العُلوم الدَّقِيقَة، بَلْ تُستَمَد مِنَ النَّاس كَما هُم، بِوَعيِهِم وَمُعتَقَداتِهِم وَثَقافاتِهِم.

وَفِي رَأيِي، فَإِنَّ التَّناقُض الجَوهري يَكمُن فِي أَنَّ النِظام الدِّيمقراطِي يَقوم عَلَى الإِرادَة الحُرَّة لِلشَّعب، لَكِنَّ هَذِهِ الإِرادَة الحُرَّة لا تَضَمَن بِالضَّرورَة إِنتَاج نِظام دِيمقراطِي. وَهَذِهِ المُفارَقَة يَجِب أَنْ تَكون مِحوَر تَأَمُلنا لِفَهم ما آلَت إِلَيهِ الكَثِير مِن ثَورات "الرَّبيع العَرَبِي"، الَّتِي لا تَزال فِي طَور التَّشَكُّل.

وَلِمَن يُؤمِنون بِالقِيَم الدِّيمقراطِيَّة الغَربِيَّة، وَمِنهُم كاتِب هَذِهِ السُّطور، أَقول: لا يُمكِن فَرض الدِّيمقراطِيَّة عَلَى المُجتَمَعات بِالقُوَّة دُونَ تَقوِيض جَوهرها. فَكَيف يُمكِن التَّوفِيق بَين اِحتِرام إِرادَة الشُّعوب وَفَرض مَبادئ دِيمقراطِيَّة غَربِيَّة قَد لا تَجِد لَها جُذوراً راسخَة فِي الوَعي الجَمعي المَحلي؟

نَعَم، لا خِلاف عَلَى أَهَمِّيَّة الدَّولَة المَدَنِيَّة الدِّيمقراطِيَّة، وَكَم نَأمل أَنْ تَكون ثَمَرَة الرَّبيع العَرَبِي؛ لَكِن هَل يُرجى مِن مُجتَمَعات لَم تَعِش بَعد الحَياة الدِّيمقراطِيَّة إِلّا مِن خِلال ظِلالِها أَنْ تُقيم صَرح هَذِهِ الدَّولَة؟ وَكَيف تَقوم دِيمقراطِيَّة فِي بِيئَة تَكاد تَخلو مِنَ "الدِّيمقراطِيِّين" الحقِيقِيِّين، أَو لا يَزِيد عددُهُم عَن عَدَد القِيَم الَّتِي يَتَغَنَّون بِها أوْ قيم الديموقراطية نَفسها؟

وَلِكَي لا يُساء فَهم الكَلام، أُؤَكِّد أَنَّ المُجتَمَع المدَنِي الدِّيمقراطِي يُنتِج الدَّولَة المدَنِيَّة، وَهَذِهِ الأَخِيرَة بِدَورِها تُكَرِّس مَزِيداً مِنَ المَدَنِيَّة وَالدِّيمقراطِيَّة فِي المُجتَمَع في تَفاعل مُستمر، وَهُوَ تَفاعُل جَدلي لا بُدَّ مِن تَحرِيرِهِ وَتَمكِينِهِ.

مِن هُنا، فَإِنَّ عَلَى قوَى التَّغيير أَنْ تَعمل عَلَى إِسقاط الأَنظِمة الِاستِبدادِيَّة كَخُطوَة أُولى لا بُد مِنها. وَيَجِب أَيضاً أَن يُسمَح لِلشُّعوب أَنْ تَختَبِر اِختِيارَاتِها، حَتَّى تِلك الَّتِي تَنطَوِي عَلَى أَوهام. فَالتَّجرِبَة خَير مُعَلِّم، وَغالِباً لا يَتَخَلَّص الإِنسان مِنَ الوَهم إِلّا بِتَجرِبَتِهِ.

صَحِيح أَنَّ الوُصول إِلى مُجتَمَع مَدَنِي دِيمقراطِي وَدَولَة مَدَنِيَّة دِيمقراطِيَّة يَتَطَلَّب زَماناً اِنتِقالِيَّاً طَوِيلاً، لَكِنَّهُ لَن يَتَحَقَّق أَبَداً إِذا لَم نُنجِز "مُهِمَّة السَّاعَة" وهي إِسقاط الحُكم الدِّكتاتورِي؛ فَما مِن بَديل أَسوَأَ يُمكِن أَنْ يَحُل مَحَلَّهُ.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم العمَّال العالمي!
- عندما تُصبح المعارضة وظيفة حكومية!
- كيف تكون مادياً في التفكير؟
- امرأة في قطار!
- ما هو الرأسمال؟ ومن هو الرأسمالي؟
- نحنُ أُمَّةٌ لا تَشكو أبداً فراغاً معرفياً!
- كُتاباً على شكل تُجار!
- لو كان الفساد رجلاً لقتلته!
- أبدية الأسى!
- ترمب يُقوض سيطرة الدولار!
- مسخ مفهوم الأكثرية!
- أربعة أعداء للديمقراطية!
- الاعتذار!
- في التربية!
- وحدة الفلسفة والعلم أمر ممكن!
- إمبريالية على الطريقة الأفلاطونية!
- نساء ٣
- الفلسفة والعلم والحقيقة -جدلياَ-!
- متى نتعلَّم صناعة الأسئلة؟!
- ثدي الموت!


المزيد.....




- تونس ـ السجن لرئيس الحكومة الأسبق ومسؤولين سابقين في قضية -ا ...
- مصر.. البلشي يحسم مسألة سباق نقيب الصحفيين
- لبنان يعرب عن تضامنه مع سوريا في وجه -الاعتداءات الإسرائيلية ...
- الولايات المتحدة تلغي نظام الإعفاء من التأشيرة مع رومانيا
- توصيات الجامعة الربيعية لأطاك المغرب المنظمة بالرباط أيام 25 ...
- ناشطة بأسطول كسر الحصار: قلقون من احتمال حدوث هجوم إسرائيلي ...
- كيف استخدمت الدعم السريع المسيّرات لتغيير مسار الحرب؟
- غارات إسرائيلية جديدة على سوريا ودوي انفجارات في دمشق
- محللون: إسرائيل تستثمر هشاشة الوضع بسوريا لفرض وقائع ميدانية ...
- غارات إسرائيلية تستهدف مناطق متفرقة في سوريا


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ادم عربي - لا يَتَخَلَّص الإِنسان مِنَ الوَهم إِلّا بِتَجرِبَتِهِ!