أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - التفسير المثالي والواقعي للسياسة!














المزيد.....

التفسير المثالي والواقعي للسياسة!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8347 - 2025 / 5 / 19 - 21:35
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في عالم السياسة الواقعي هو ذلك الميدان الذي يتجلى فيه الصراع بين القيم والمصالح؛ إذْ يجد الإنسان نفسه ممزقاً بين التزامه بالمبادئ التي يعتنقها، وبين التصرف وفق ما يخدم مصالحه، حتى لو تعارضت كلياً أو جزئياً مع تلك المبادئ. أما في ميدان المال والأعمال والتجارة، فالكفّة تميل بوضوح نحو المصالح، حيث تُقصى المبادئ، مهما بلغ سموّها، إذا وقفت في طريق تحقيق المنفعة. ففي هذا الحقل، للمصلحة الكلمة العليا، ولا شيء يسمو فوقها.

مع بروز العولمة وانتشارها، أخذ عالم السياسة يقترب تدريجياً في طبيعته من عالم المال والأعمال، إلى حد بات فيه من العسير التفريق بينهما. وهذا التقارب المتزايد بين المجالين كان من أبرز أسبابه تصاعد مظاهر الفساد في الحقل السياسي، وازديادها مع مرور الوقت.

إنَّ امتلاك نظرة موضوعية، أي القدرة على رؤية الأشياء كما هي بالفعل وبتقديرها الحقيقي، ليس أمراً متاحاً دائماً في المجال السياسي، سواء على مستوى البصر أو البصيرة. ولا شك أنَّ جوهر أزمة الفهم السياسي يكمن أساساً في صعوبة التفسير والتعليل. فنحن، في الواقع، لا نختلف ولا ينبغي لنا أنْ نختلف حول حقيقة أساسية وهي أنَّ الظواهر والأحداث السياسية يمكن فهمها في ضوء أحد مبدأين لا ثالث لهما: إما من منظور مثالي فكري، أو من زاوية واقعية عملية.

لو لم يكن المبدأ المثالي قادراً على تفسير الأحداث والظواهر السياسية وتعليلها، لما وجد من يبالغ في تقدير دوره إلى حد القول: إنَّ الفكر هو من يحكم العالم. غير أنَّ موضع الخلاف الحقيقي، والذي لا مفر من الاختلاف حوله، يتعلق بسؤال أعمق وأكثر جوهرية: إذا كان كل من المبدأين المثالي والواقعي يصلح لتفسير عالم السياسة، فأيّهما الأسبق في التفسير؟ وأيهما يُعَدّ الأساس الذي يُفَسَّر الآخر على ضوئه؟

أنا ممن يرون أنَّ المبدأ الواقعي هو الذي يفسر المبدأ المثالي بأشكاله وتجلياته المختلفة؛ إذْ إننا، عند تتبع سلسلة الأسباب المثالية ، سنبلغ في نهايتها نقطة يظهر فيها السبب الحقيقي على أنه في جوهره "واقعي "، بينما تكون النتيجة المتشكلة عنه "مثالية". وبذلك، يمكن القول إنَّ الفكر يحكم العالم، لكن حكمه ليس مطلقاً أو استبدادياً، بلْ هو خاضع لـدستور يُمثّل الواقع وشروطه وقوانينه.

ولا تظنوا أنَّ هذا الطرح مجرد تأمل نظري أو فلسفي بعيد عن معترك الحياة، فهو في الحقيقة متصل بها اتصالاً عميقاً، حتى وإن خُيِّل إلينا في بعض الحالات أنَّ الصلة ضعيفة أو غير واضحة.

لو طرحت سؤالاَ على من يؤمنون بـالمبدأ المثالي لتفسير الأحداث، وسألتهم عن منشأ الحرب، لكان جوابهم الفوري أنَّ الحرب تنبع من ميل فطري إلى الشرّ داخل النفس البشرية. وهم يرون أنَّ تحقيق السلام يتطلب معالجة هذا الشر، عبر تهذيب أرواح محبي الحروب، وتوعيتهم بمساوئها، وتحذيرهم من نتائجها الكارثية، إضافة إلى ترسيخ ثقافة السلام في أذهانهم. وكأنَّ الحرب، في نظرهم، لا تقوم على أسباب واقعية ملموسة، قد تدفع حتى أكثر الناس تسامحاً، من رجال الدين والكهنة، إلى أنْ يصبحوا جنرالات في ميادينها!

ولو طرحت عليه سؤالاً عن سبب فشل محاولات السلام المتكررة بين إسرائيل والفلسطينيين، لكان رده الفوري: المشكلة في أنَّ الدولة العبرية لا ترغب في السلام. فهو يرى أنَّ الحل يكمن في جعلها تُحبّ السلام، بأنْ نعمل على إقناعها بمنافع ومزايا مبادرة السلام العربية، وعندها فقط قد يتغير موقفها وتميل إلى السلام.

ولو سألته عن السبب وراء الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل في مواجهة العرب والفلسطينيين، لردّ سريعاً قائلاً: المشكلة في تقصير العرب في إيصال روايتهم العادلة إلى الولايات المتحدة. فهو يرى أنَّ العرب لو بذلوا جهداً أكبر، واستثمروا وقتاً أطول في توعية صُنّاع القرار في الدولة الأقوى عالمياً بطبيعة قضيتهم، لساهم ذلك في تنوير رؤيتهم، وربما دفعهم إلى الوقوف إلى جانب "الحق"، وبالتالي إلى نصرة العرب.

ولو سألتَه عن الدافع وراء الغزو الأميركي للعراق، لردّ على الفور قائلاً: إنَّ المسألة دينية بحتة، فالصليب، من خلال ممثليه في إدارة الرئيس بوش، قرر إعادة إشعال الحرب الصليبية ضد الهلال. أما الحديث عن النفط، في نظره، فليس له وزن حقيقي؛ لأنه مجرد دافع مادي تافه، لا يمكن مقارنته بما هو عقائدي وروحي، فكيف يمكن التسوية بين ما هو دنيوي وما هو ديني؟

في عالم السياسة، نجد دائماً من يسعى لتحقيق مصالحه من خلال نشر الأوهام وتوجيه الأنظار والعقول نحو هيمنة المبدأ المثالي في تفسير وتوضيح الأحداث والظواهر السياسية.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هي الحقيقة من منظور جدلي؟
- فلربما!
- صفورا
- رواتب النواب والوزراء!
- الذكاء الاصطناعي بين هيمنة رأس المال ومقاومة الاستغلال!
- كرة القدم.. لعبة الفقراء سرقها الأغنياء!
- ابحث عن شمسٍ تشرق في الليل!
- لا يَتَخَلَّص الإِنسان مِنَ الوَهم إِلّا بِتَجرِبَتِهِ!
- يوم العمَّال العالمي!
- عندما تُصبح المعارضة وظيفة حكومية!
- كيف تكون مادياً في التفكير؟
- امرأة في قطار!
- ما هو الرأسمال؟ ومن هو الرأسمالي؟
- نحنُ أُمَّةٌ لا تَشكو أبداً فراغاً معرفياً!
- كُتاباً على شكل تُجار!
- لو كان الفساد رجلاً لقتلته!
- أبدية الأسى!
- ترمب يُقوض سيطرة الدولار!
- مسخ مفهوم الأكثرية!
- أربعة أعداء للديمقراطية!


المزيد.....




- صَدمة وقوالب حلوى والكثير من الأمنيات نانسي عجرم تحتفل بعيد ...
- جمال روبرتس بطل جديد لـ -أمريكان أيدول-
- غـــزة: أي تــداعــيــات لــلــعــمــلـيـة الــبــريـة ؟
- ماكرون وستارمر وكارني يهددون إسرائيل بإجراءات -عقابية- بسبب ...
- قادة بريطانيا وفرنسا وكندا يهددون بمعاقبة إسرائيل إذا لم تُو ...
- نائبة المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط في لبنان مجددا ...
- أكثر من 100 دولة تؤكد مشاركتها في مؤتمر الأمن في موسكو
- خبير مصري يحذر من خطر داهم يهدد مصر والسودان بعد تأخير إثيوب ...
- أوشاكوف: ترامب أكد لبوتين أن العلاقات الأمريكية الروسية ستكو ...
- مساعد الرئيس الروسي يحدد مخرجات المحادثة بين بوتين وترامب


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - التفسير المثالي والواقعي للسياسة!