أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - في الإرادة!














المزيد.....

في الإرادة!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 18:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ما زال مفهوم الإرادة ، ذلك المحرك الخفي لأفعال البشر وصانع منعطفات التاريخ ، يفتقر إلى الجهد العلمي الكافي الذي يرفع منسوب المعرفة به. فالكثيرون ما يزالون يفسرونه بمنأى عن المنطق العلمي، منقسمين بين مبالغةٍ في تقديس قوته أو إنكارٍ لأثره ، ففريقٌ يراه عصا سحرية تحول المستحيل إلى واقع، وآخر يراه وهماً زائفاً في عالم تسيره إرادة عليا ليست من جنس البشر، حيث الإنسان كالنهر لا يملك تغيير مجراه ، فما قدر الله كان وسيكون.

لقد اطّلع نيتشه على ذلك الجدل الشرقي القديم حول التسيير والتخيير وعلاقة القضاء والقدر بالإرادة الحرة، فالتفت إلى تناقضٍ جوهري فحواه هو إذا كان كل شيء مقدّراً، فلماذا لا يُعدّ الاختيار نفسه جزءاً من هذا القدر؟ لكن نيتشه ، في فلسفته التي تمجد الإنسان ، رفض إعدام الإرادة الحرة، بلْ رأى فيها السلاح الأوحد لارتقاء الفرد إلى مرتبة "الإله" قوةً وبأساً وإنما كان ساخراً من مفهوم الشرقيين للإرادة .

وفي رصيد الإرادة وما قيل عنها حكاياتٌ خالدة ،فغاندي يؤكد أنها "القوة الحقيقية التي لا تقهر"، وسالاك يرى أن صاحبها "لا يمكث طويلاً في محطات الفشل"، ونابليون يمحو كلمة مستحيل من قاموسه قائلاً للجبال إذا كانت عائقاً أمام الجند فلتزل من الأرض!. أما طاغور فيختصر المعركة بقوله: "المستحيل يقيم في أحلام العاجز"، والمتنبي يلخصها في بيتٍ خالد:

على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ
وتَصْغُر في عين العظيم العظائمُ

لكن عظمة الإرادة لا تنفي سخف تفسيرها خارج العلم. فالفهم الشائع لحرية الإرادة ، بوصفها فعلَ كل ما نشتهي دون قيود ، يساوي في عواقبه الاستسلامَ للجبرية. كلا الرؤيتين تنتج عبداً: الأول عبدٌ لرغباته الجامحة، والثاني عبدٌ لقدرٍ مُفترض. فهل تكمن الحرية في رفض القيود أم في وعيها؟


الإرادة الحقيقية ليست مجرد تمنٍّ أو عزم، بلْ هي زواجٌ بين القرار والفعل. لا معنى لرغبتك في عبور النهر إنْ لم تبحث عن وسيلةٍ تتفق مع قوانين العبور، إما بتعلّم السباحة أو صنع قارب. هنا ينهار المبدأ المكيافيلي "الغاية تبرر الوسيلة"، فالوسيلة الناجحة يجب أنْ تكون من جنس الغاية. وحدها التجربة تُعلّمنا أنَّ الوسيلة الفاسدة تقتل الغاية النبيلة.


الإرادة الحرة ليست تمرداً على القوانين، بلْ وعياً بها. إنها ابنة "الضرورة" ، تلك القوانين الموضوعية التي لا نخلقها ولا نلغيها ، فأنت كجنديٍ يجب أن تطيع قائدك (الضرورة) قبل أنْ تصبح قائداً. هكذا روّض الإنسان فيضان النهر حين وعى قوانينه فبنى السدود، وحلّق في السماء حين اكتشف أسرار الديناميكا الهوائية بعد قرونٍ من سقوط عباس بن فرناس.


في أعماق الإرادة تكمن "الحاجات" و"المصالح" ،الأولى كالجوع الذي يدفعك للعمل كشرطٍ للبقاء، والثانية كالنزاع بين رغباتك ورغبات الآخرين. إرادتك ليست كياناً مجرداً، بلْ هي مرآةٌ تعكس واقعك كما الجمل الذي تشكلته الصحراء. وحين تقف حائراً بين "أريد" و"لا أريد"، فاعلم أنَّ الصراع ينبع من تناقض حاجاتك نفسها. فلا توجد إرادةٌ خالصةٌ من الشوائب ، فرديةً كانت أم جماعية ، لأنَّ ما تصدر عنه (الحاجات والمصالح) متناقضٌ في جوهره.

وفي ختام معركة الإرادات ، حيث يسعى كلٌ منا لتحقيق ما يريد، يولد "التاريخ" طفلاً غير متوقع ، واقعٌ لم يخطط له أحد، لكنه يظهر لأنَّ البنية الموضوعية مهّدت لولادته. هنا يتحقق المعنى العميق لـ "الحرية" كوعيٍ بالضرورة: أنْ تعرف القوانين فتمتثل لها، لا لتبقى عبداً لها، بلْ لتجعلها تُنجز ما تريد. فهل نرفع كأس الشاي الذي أعددناه وفق قوانين الكيمياء تحيةً للإرادة الواعية التي تصنع المستحيل، لا بالتمني، بلْ بفهم قواعد اللعبة؟



#ادم_عربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحياةُ هي أيضاً فلسفة!
- قليلٌ من الجدل!
- جدار من وهم!
- معارضون ضد الشعوب!
- سعيُّ الرأسماليين وراء الربح الإضافي!
- ما لا يدركه الليبراليون: الحرية كقناع للعبودية الحديثة!
- العقد شريعة الأقوياء!
- خرائط بلا أرض!
- حين يتحزّب الجميع ضد الجميع!
- ضحكتْ عليه امرأة !
- تشوّه الإدراك لفكرة الانتقال الزمني!
- ما يُتَعَمَّد تجاهله في دساتيرالعرب!
- العمل!
- امرأةٌ جميلةٌ!
- فائض الغذاء وجوع المليارات!
- مجتمع الحقوق!
- طريقةُ فهم المفاهيم!
- نجوم بلا لهب!
- مفهوم -فاليريزم- (Valerism) كما ورد في كتاب The Physics of C ...
- جدليةُ الإحساس!


المزيد.....




- -فخ جديد-.. مصادر: رئيس أركان الجيش الإسرائيلي حذّر نتنياهو ...
- مستشفى الشفاء بعد 22 شهرًا من الحرب: غرف مدمّرة وطبابة معدوم ...
- -ميتا- تعين خبيرا في الذكاء الاصطناعي براتب 250 مليون دولار ...
- اليد الميتة: ما لا تعرفه عن سلاح روسيا الذي قد يُنهي العالم ...
- -وعد إقامة دولة فلسطينية فارغ ومتأخر جداً- – مقال في نيويورك ...
- قبيل جلسة للجمعية العامة.. محاولات أمريكية لرفع العقوبات الأ ...
- الحكومة الإسرائيلية تصادق على مخططات استيطانية جديدة تقسّم ا ...
- إسرائيل تعلن -القضاء- على عنصر من حزب الله في لبنان متهم بتو ...
- منها إطالة الإحساس بالشبع.. فوائد صحية مذهلة لبذور الفلفل
- لاريجاني يعود لواجهة القرار الأمني بإيران.. هل تبدأ مرحلة ال ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - في الإرادة!