ادم عربي
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8413 - 2025 / 7 / 24 - 02:55
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
سعيُّ الرأسماليين وراء الربح الإضافي!
بقلم : د . ادم عربي
عندما يُقال إنَّ ماركس فكّك أسرار الاقتصاد الرأسمالي، فإنَّ أكثر من يُسيء لفكره هم أولئك الذين يتبنّونه شكلياً، ويشوّهونه مضموناً، لا بسبب كراهيتهم له، بلْ بسبب جهلهم بتعقيد طريقته. في الواقع، ماركس لا يمكن اختصاره في شعارات عن العدالة الاجتماعية أو توزيع الثروة. إنه يقدم لنا خريطة التناقضات التي تحكم حركة رأس المال، ويعرّينا أمام القوانين التي تحكم عالمنا، حتى ونحن نعتقد أننا نتحكم فيه.
في قلب النظام الرأسمالي، لا توجد سكونية. فإنتاجية العمل تتحرك على الدوام بهدف الربح، ووفق هذه الحركة تُقسّم الفروع الصناعية إلى ثلاث:
فروع متأخرة وهي التي تستخدم تقنيات قديمة، وتستهلك وقتاً أطول من المعدل العام لإنتاج نفس السلعة.
فروع في المتوسط وهي التي تنسجم مع الإنتاجية الاجتماعية السائدة.
فروع رائدة وهي التي تسبق الآخرين تقنياً، وتنتج أسرع وبكفاءة أعلى.
والسؤال هنا ليس كم ساعة عمل بُذلت فعليا في الإنتاج، بلْ كم ساعة كان ينبغي أنْ تُبذل وفقا للمستوى العام. فالعامل الذي ينتج سلعة في خمس ساعات بينما المعدل الاجتماعي ثلاث ساعات، يُهدر ساعتين من العمل الاجتماعي. وبالعكس، من ينتجها في ساعة واحدة بينما المعدل ثلاث، فإنه يُوفّر ساعتين من العمل الاجتماعي.
ماركس يشرح هذا بمنتهى الصرامة ، حيث يقول :
"الزمن اللازم اجتماعيا هو الزمن المطلوب لإنتاج قيمة استعمالية ما في ظل ظروف إنتاجية طبيعية، وبدرجة متوسطة من المهارة والكثافة، السائدة في المجتمع." (رأس المال، ج1)
بناءاَ عليه، فإن كل من يتجاوز هذا المتوسط إنتاجاً، يربح ربحاً عالياً ، وكل من يتأخر عنه، يكون ربحه قليلاً والذي ضمن المتوسط يكون ربحه طبيعياً ، على أنْ لا نغفل أهمية كبرى وهي أنَّ الربح العالي للمصنع المتطور ناتج من استحواذ هذا المصنع على جزء من فائض القيمة من المصانع المتخلفة عنه تكنولوجياً ، ففائض القيمة العام لانتاج سلعة ما هو مجموع فوائض القيمة المنتجة في مصانع مختلفة لهذه السلعة .
في هذا السياق نفهم أنَْ الرأسمالي لا يسعى لتوظيف أكبر عدد من العمال فحسب، بلْ لتكثيف إنتاجية كل ساعة عمل. فبفعل التكنولوجيا، تتحول ساعة واحدة من العامل المتطور إلى ما يعادل عشر ساعات من العامل غير المتطور في مشروع متخلّف مثلاً .
لكن المفارقة الصادمة هنا ، أنَّ القيمة التبادلية للسلعة التي أُنتجت بهذه الساعة الواحدة، لا تعكس هذا "الجهد المضاعف". لماذا؟ لأنَّ السوق لا يهتم بعرق العامل، بلْ بـ"العمل المجرد الضروري اجتماعياً".
أي أنَّ العامل في المشروع المتطور قد ينتج في ساعة واحدة ما يُنتجه العامل التقليدي في عشر ساعات، لكن هذا الإنتاج لا يُقيّم بعشر ساعات من العمل، بلْ يُقيّم فقط وفق المعدل الجديد الذي ترسّخه التكنولوجيا. وبهذا الشكل، تنخفض القيمة التبادلية للسلعة كلما ارتفعت الإنتاجية التقنية، لا لأنها صارت بلا فائدة، بلْ لأنها باتت تُنتَج بأقل جهد بشري.
ماركس يقول:
"كلما أصبحت وسائل الإنتاج أكثر كفاءة، كلما قلّ العمل اللازم لإنتاج السلعة، وبالتالي قلت قيمتها." (رأس المال، ج1)
وبذلك، لا يعود الربح الإضافي ناتجا عن السِعر، بلْ عن الفارق بين ما تُنتجه الآلة في ساعة، وما يعتقد السوق أنه كلف ساعة.فالآلة بما تحويه من ساعات وجهد سابق وميت تقوم بنقله للسلعة دون زيادة أو نقصان .
المفارقة هنا هي أنَّ الربح الإضافي يولد نفيه
الرأسمالي لا يفكر إلا في شيء واحد وهو الربح الإضافي. فهو يعلم أنَّ السبيل إليه هو خفض زمن الإنتاج، عبر تحسين التكنولوجيا. حين ينجح، يحقق ربحاً إضافياً، لأنه يبيع السلعة كما لو كانت كلفت الزمن الاجتماعي السابق، بينما هي كلفت أقل ، وفي هذا الطريق يتنافس الرأسماليون دون اكتراث بجيش العاطلين عن العمل والذين حطت الآلة من وسائل عيشهم .
لكن في هذا التناقض ، ما أنْ ينتشر هذا الأسلوب الإنتاجي الجديد، حتى ينخفض المتوسط العام للإنتاجية الربحية ، وتُعاد صياغة "الزمن الاجتماعي الضروري" من جديد. ومع انخفاض هذا المتوسط أو العودة إلى معدل الربح العام ، تعود القيمة التبادلية للسلعة إلى حقيقتها الجديدة ، ويتلاشى الربح الإضافي الذي كان يُغري به الجميع.
هذا ليس استثناءاً، بلْ قانون:
"كل مشروع يحقق إنتاجية أعلى من المتوسط يحقق ربحاً إضافياً. لكن هذا الربح يزول مع تحوّل التقنية إلى قاعدة عامة."
(ماركس، رأس المال، ج3)
إنها لعبة يتسابق فيها الجميع نحو قمة لا تستقر أبداً. وما أنْ يبلغها مشروع، حتى تنزلق لتصبح قاعاً جديداً.
تسوية الأرباح، وانهيار الفارق
حين تتساوى الإنتاجيات، تنطبق قاعدة ماركس الشهيرة:
"رؤوس الأموال المتساوية تعطي أرباحاً متساوية، مهما اختلفت فروع الاستثمار، ولو كانت في الدعارة."
(رأس المال، ج3، باقتباس تهكمي وساخر صريح)
فما يحدّد الربح لم يعد طبيعة المنتج، بلْ الموقع المؤقت في سباق التكنولوجيا. وكل ربح إضافي هو مؤقت، وكل تفوق تقني يُمهّد لزواله. وهذا السباق المحموم نحو التفوق هو ما يؤدي في النهاية إلى رفع التركيب العضوي لرأس المال: زيادة في رأس المال الثابت (الآلات والتقنيات)، وتقلّص في رأس المال المتغير (العمل الحي).
لكن العمل الحي هو وحده مصدر فائض القيمة. فكلما قلّ، قلّت الأرباح، مهما بلغت كفاءة الآلات. وهكذا:
"يرتفع التركيب العضوي لرأس المال، فينخفض معدل الربح."
(قانون ماركس المطلق في ميل معدل الربح إلى الانخفاض)
قد يقول قائل أنك كنت تتحدث عن الربح الإضافي باستخدام التكنولوجيا ، فكيف قلَّ الآن الربح؟ نقول قلَّ الربح لأننا عُدنا إلى المتوسط العام للربح الجديد دون عمال أو نقص في عدد العمال الذين حطت التكنولوجيا من وسائل عيشهم ، أنا كنت الرأسمالي الذي بادر بشراء أحدث التكنولوجيا في مصنعي وطردت عدد كبير من العمال لإنتاج سلعة ما ، فخفضت قيمتها التبادلية وبعتها بسعر ما ينتجه غيري بطريقة أقل تطوراً وربما أبيعها بسعر أقل وأحقق أرباحاً كبيرة ، لكن ما إنْ لحقوا بي بقية الرأسماليين حتى عدنا إلى معدل الربح العام .
قد تبدو التكنولوجيا في الظاهر محرّكاً للتقدم وهي كذلك ، لكنها في باطنها سلاح مزدوج. إنها تنتج سلعة أرخص، لكنها أيضا تُقلل من قيمتها التبادلية. إنها تعظّم الربح مؤقتاً، لكنها تنقله من يد إلى يد حتى يُمحى أثره. إنها تخلق وهم الثروة، لكنها تمهّد لانكماش الربحية.
بهذا المعنى، لا يُمكن فصل الربح الإضافي عن ديناميكية نفيه. إنَّ كل رأسمالي، وهو يسعى لمزيد من الأرباح، يُغذي في الوقت نفسه التناقض الذي سيسحب البساط من تحت قدميه. والنتيجة؟ أزمة. ثم أزمة. ثم انهيار يبحث عن مخرج.
وكما كتب ماركس:
"إنَّ الرأسمالية لا تموت بهدوء... إنها تنفجر من تناقضاتها."
(رأس المال، ج1)
وهذ لا يعني أنَّ الرأسمالية لا تجد الحلول لمشاكلها ، والهم الأكبر هو الربح ، ولهذا بتنا نرى هذه الأيام التحول إلى الرأسمال المالي ولعبة البورصات والأوراق النقدية وما يتبعها من انهيار لمفهوم القيمة.
#ادم_عربي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟