أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - سوسيولوجيا -الآلة-














المزيد.....

سوسيولوجيا -الآلة-


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 19:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


رغم أنَّ "الآلة" شكّلت منذ نشأتها جوهر التحول الصناعي، وأصبحت ضرورة حياتية لكل من العامل وربّ العمل، إلّا أنها لم تحظَ بما يكفي من دراسة في حقل العلوم الإنسانية، وبخاصة علم الاجتماع، الذي يشتغل على فهم العلاقة بين الإنسان ونتاجه الاجتماعي.

فالآلة، في جوهرها، ليست سوى الامتداد الاصطناعي لقوى الإنسان الطبيعية: اليد، العين، الذاكرة، والعضلات. إنها إعادة إنتاج لتلك القوى ولكن بفاعلية مضاعفة ودقة متناهية. فالمقص أو السكين يضاعف قدرة اليد والأسنان على القطع، والمجهر والتلسكوب يوسّعان من مدى الرؤية الطبيعية للعين حتى يكشفا عوالم كانت خفية، فيما يختزن الحاسوب ما تعجز عنه ذاكرة الإنسان المحدودة.

لكن ما يجعل "الآلة" مختلفة عن سائر أدوات العمل البسيطة أنّها لا تعمل بطاقة الجسد البشري وحدها، بلْ تستند إلى قوى الطبيعة نفسها بعد أنْ جرى تطويعها: بخار، كهرباء، أو وقود. فالمحراث اليدوي، مثلاً، أداة عمل، لكنه ليس آلة؛ لأنه يستند في النهاية إلى جهد الجسد.

منذ بدايات التاريخ، كانت أداة العمل هي الوسيط بين الإنسان والطبيعة، وهي القناة التي بواسطتها غيّر الإنسان الأشياء من حوله ليحوّلها إلى وسائل لإشباع حاجاته، وأولها الحاجة إلى الغذاء. وكلما تطورت الأدوات والآلات، تضاعف إدراك الإنسان لحواسه ومعارفه، وتعمّقت سيطرته على قوى الطبيعة. ولهذا فإن تطوّر الآلة يمكن اعتباره المقياس الأصدق لمستوى سيطرة الإنسان على الطبيعة.

بفضل الأدوات والآلات، لم يكتفِ الإنسان باستثمار الطبيعة، بلْ ابتكر بيئته الاصطناعية: المدينة، بما تحويه من شوارع ومساكن ومصانع. ومع هذه البيئة الاصطناعية، ضعفت قبضة "الانتخاب الطبيعي" على مصير البشر. فالإنسان لم يواجه البرد بغطاء من الشعر الكثيف مثل الحيوان، بلْ بصناعة الملابس.

ومن يقارن بين البيئة الاصطناعية في أوروبا الغربية ونظيرتها في إفريقيا يدرك بوضوح أنَّ الإنسان الأوروبي قد فرض سيطرة أوسع على الطبيعة، ومن ثم على مصيره التاريخي، قياساً بالإنسان الإفريقي.

غير أنَّ سيطرة الإنسان على الطبيعة عبر الآلة لا تقف عند حدود المادة فقط، بلْ تمتد إلى السيطرة على الزمان والمكان. السرعة التي منحتها الآلة تعني ضغط المسافات وتكثيف العمل وتجاوز الزمن. وكل تقدم في هذا الميدان هو خطوة نحو حرية أوسع للمجتمع والإنسان.

لكن الإنسان لا يغيّر الطبيعة فحسب بالآلة؛ إنه يتغيّر هو نفسه. فالجدل بين "الذات" و"الموضوع"، بين الإنسان وأدواته، هو ما يفسر تطوره التاريخي والاجتماعي. لكل بيئة اصطناعية إنسانها الخاص: ابن القرية يتشكّل بخصائص بيئته، كما يتشكّل ابن المدينة بسمات مدينته. والاختلاف بينهما هو انعكاس لاختلاف الوسط الذي صنعاه وصنعهما معاً.

ولذلك فإن فهم التاريخ لا يقوم على النظر إلى ما يُنتَج فحسب، بل إلى كيفية الإنتاج. البشر زرعوا القمح في كل العصور، لكنهم لم يزرعوه بالطريقة نفسها؛ واختلاف الوسائل والأدوات هو ما يحدد اختلاف العصور.
ولعل هذا ما جعل مفكرين مثل فرانكلين وبرودون وبرجسون يتفقون على أنَّ الإنسان هو "حيوان صانع للأدوات". فالأداة، والآلة من بعدها، ليست مجرد وسائل إنتاج، بلْ هي ما يصنع الإنسان نفسه من خلالها.
لقد بدأت الحضارة مع العبودية وبالعبودية ، حيث كان العبيد بمثابة "آلات ناطقة" في خدمة سيدهم، كما في روما القديمة. واليوم، ومع دخول البشرية طور "العبودية الجديدة" حيث تحل الآلات الذكية والروبوتات محل العبيد، يقف التاريخ أمام مرحلة قد تكون الذروة في تطور الحضارة الإنسانية.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرية التعبير.. حق أم وهم؟
- متى ينقشع ضباب التدين عن صراعنا الواقعي؟
- الوطن ليس قطعة أرض فحسب،بل فكرة تتبدل!
- مقال قديم لاينشتاين!
- في الإرادة!
- الحياةُ هي أيضاً فلسفة!
- قليلٌ من الجدل!
- جدار من وهم!
- معارضون ضد الشعوب!
- سعيُّ الرأسماليين وراء الربح الإضافي!
- ما لا يدركه الليبراليون: الحرية كقناع للعبودية الحديثة!
- العقد شريعة الأقوياء!
- خرائط بلا أرض!
- حين يتحزّب الجميع ضد الجميع!
- ضحكتْ عليه امرأة !
- تشوّه الإدراك لفكرة الانتقال الزمني!
- ما يُتَعَمَّد تجاهله في دساتيرالعرب!
- العمل!
- امرأةٌ جميلةٌ!
- فائض الغذاء وجوع المليارات!


المزيد.....




- -أريد لعب الغولف في بيونغ يانغ-.. رئيس كوريا الجنوبية يطلب م ...
- إدانات دولية وإسرائيل -تأسف للحادث المأسوي- بعد قصف مستشفى ن ...
- سوريا تندد بـ-توغل- قوات إسرائيلية داخل أراضيها قرب جبل الشي ...
- روسيا تبني مطارات وبنى تحتية لإطلاق مسيّرات -شاهد- الإيرانية ...
- أمير قطر يبحث مع ماكرون التطورات في غزة وأوكرانيا
- إيران تحدد ملفات على طاولة التفاوض مع الثلاثي الأوروبي
- جيش الاحتلال يحاول التنصل من اغتيال الصحفيين بخان يونس
- فوبيا الكيمياء.. العلم يكشف خرافة المنتجات العضوية
- مصور الجزيرة محمد سلامة.. العريس الذي زُف شهيدا
- ترامب يتحدث عن نهاية وشيكة لحرب غزة وينتقد قصف مستشفى ناصر


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - سوسيولوجيا -الآلة-