أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - الوطن ليس قطعة أرض فحسب،بل فكرة تتبدل!














المزيد.....

الوطن ليس قطعة أرض فحسب،بل فكرة تتبدل!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8432 - 2025 / 8 / 12 - 02:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


‎‎لم يعد القرن الحادي والعشرون مجرد امتداد زمني لتاريخ الأمم، بل جاء كزمن صاخب يطيح بالكثير من المفاهيم التي ظن البشر أنها راسخة. والعولمة، التي تشبه النار في الهشيم، لم تقتصر على الأسواق والاقتصاد، بل امتدت لتطال الأسس التي تقوم عليها رؤيتنا لأنفسنا والعالم من حولنا. ومن بين أكثر المفاهيم تعرضا لهذا التحول، يبرز مفهوم "الوطن"، الذي يحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى إعادة تعريف جذرية تُلائم محتواه الواقعي الجديد، بعدما اتسعت الهوة بين صورته الموروثة وواقع الأوطان المتبدّل.

‎في ثقافتنا الشرقية، ظلّ "الوطن" مركزا للتقديس والتمجيد، رمزا خالدا يتجاوز أي انتماء آخر. ومع ذلك، .ورغم سعي كثير من الاسلاميين الحثيث لإبعاد عقول العامة من المسلمين ومشاعرهم عن تلك الصورة الذهنية المثالية للوطن.... ورغم هذا، ظلّ التصور الشعبي الشائع للوطن قائما على أنه رقعة أبدية من الأرض، ملكية خاصة لقاطنيها جيلاً بعد جيل، بينما الشعب نفسه متغيّر، متحرك، يختلط بأعراق وثقافات أخرى، بفعل منطق دولة المواطنة والتجنيس، ثم بفعل موجات الهجرة والتداخل الثقافي في زمن العولمة.

‎لكن هذه الرؤية، التي تفترض "وطنا سرمديا" لشعب محدد، لا تصمد أمام التاريخ. فالتجربة التاريخية للأمم تبرهن أن الأرض تعاقبت عليها شعوب شتى، وأنه لا وجود لوطن لم يعرف الهجرة أو الغزو أو الاختلاط. لذلك، فإن أسطورة "الوطن الأبدي" لا تقل وهما عن أسطورة "العرق النقي" أو  يذهبون في قولهم إلى منطق ورؤية شبيهة، رغم أنّ تاريخ الأوطان والأمم يبرهن، بلا انقطاع، على أن فكرة "الوطن السرمدي"  أي الأرض التي تملكها جماعة بشرية بعينها منذ فجر التاريخ  ليست سوى خرافة، لا يضاهيها في زيفها إلا أسطورة "العرق النقي الخالي من الشوائب".
‎ . ولو التزمنا بهذا المنطق، لكان لزاما إعادة توزيع الأوطان جميعها، إذ إن كل وطن هو، في جوهره، أرض تعاقبت عليها جماعات بشرية مختلفة.

‎مع ذلك، للوطن بعد سيكولوجي لا يمكن إنكاره: هو ذلك المكان الذي، لو أُعطيت الخلود في غيره، لظلّت نفسك تنازعك للعودة إليه. هذه الرغبة نراها في المهاجرين الذين غادرت أقدامهم أرضهم لكن ظل قلبهم فيها. فشبابنا، الذين دفعتهم الظروف إلى الهجرة للغرب بحثا عن حياة كريمة، يحنّون باستمرار إلى مسقط رأسهم، وأهلهم، وأصدقائهم، وذكرياتهم. غير أن مصالحهم الجديدة، في أوطانهم البديلة، تتحكم في قرارهم، فتتسع الهوة بين رغبتهم في الزيارة ورغبتهم في العودة النهائية. ومع الوقت، يتجنّسون بجنسيات جديدة، ويحصلون على حقوق مواطنة كاملة، فيتحول الوطن الجديد، بفعل العولمة، إلى منافس حقيقي للوطن القديم.

‎تاريخيا، كان مفهوم الوطن أكثر التصاقا بالثقافة الفلاحية: قطعة أرض ثابتة، يحرثها صاحبها ويورثها لأبنائه، هي مرادف للوطن في مخيلته. أما القبائل البدوية، فكانت بعيدة عن هذا المعنى، إذ عاشوا متنقلين، ما جعلهم أقرب إلى "أُممية بدائية" لا تعترف بحدود ثابتة.

‎ومع نشوء الدولة القومية في القرنين التاسع عشر والعشرين، خاصة في الغرب الصناعي الرأسمالي، أفرز النظام الرأسمالي طبقتين أساسيتين: العمال والرأسماليين. العمال، كما قال ماركس، "لا وطن لهم"، إذ لا يمكن سلبهم ما لا يملكونه، والرأسماليون تحرروا بدورهم من قيود الوطن، فصار رأس المال عابرا للحدود. وهكذا، أخذ وزن الوطن في التراجع، حتى جاءت العولمة لتقترب من هدم الوطن القديم وبناء وطن جديد، يختلف عنه أكثر مما يشبهه.

‎لكن عالمنا العربي يسير في مسار آخر: من الحلم القومي "وطني حبيبي… الوطن الأكبر" إلى الانكماش في أوطان صغيرة، ثم إلى "أوطان الطوائف" وأشباهها. وكأن الدين، الذي تم تديين السياسة والدولة باسمه، قد تسلل ليعيد صياغة مفهوم الوطن نفسه، فيتحول من إطار جامع إلى أطر ضيقة، مذهبية وطائفية، تنفي بعضها بعضا.

‎إعادة تعريف الوطن ليست إذن ترفا نظريا، بل ضرورة تاريخية تفرضها التحولات الجارية. فإما أن ندرك أن العالم يعيد صياغة الأوطان وفق معايير جديدة، أو نبقى أسرى تصورات قديمة، بينما الواقع من حولنا يتشكل على نحو مختلف تماما.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقال قديم لاينشتاين!
- في الإرادة!
- الحياةُ هي أيضاً فلسفة!
- قليلٌ من الجدل!
- جدار من وهم!
- معارضون ضد الشعوب!
- سعيُّ الرأسماليين وراء الربح الإضافي!
- ما لا يدركه الليبراليون: الحرية كقناع للعبودية الحديثة!
- العقد شريعة الأقوياء!
- خرائط بلا أرض!
- حين يتحزّب الجميع ضد الجميع!
- ضحكتْ عليه امرأة !
- تشوّه الإدراك لفكرة الانتقال الزمني!
- ما يُتَعَمَّد تجاهله في دساتيرالعرب!
- العمل!
- امرأةٌ جميلةٌ!
- فائض الغذاء وجوع المليارات!
- مجتمع الحقوق!
- طريقةُ فهم المفاهيم!
- نجوم بلا لهب!


المزيد.....




- ترامب يمدد الهدنة التجارية مع الصين تسعين يوما قبل ساعات من ...
- حفتر يعين نجله صدام نائبا له
- ترامب عن خطة إسرائيل بشأن غزة: تذكروا السابع من أكتوبر
- ثلاثة خيارات صعبة أمام حزب الله
- اغتيال صحفيي الجزيرة.. هل تنجح إسرائيل في إسكات الحقيقة؟
- ترامب عن قمته مع بوتين: ربما خلال دقيقتين سأعرف ما إذا كان س ...
- بقيمة 7.7 مليار دولار.. -باراماونت- تبرم عقداً لبث -يو إف س ...
- جورجينا تستعرض خاتما.. هل تتزوج رونالدو أخيرا؟
- ليبيا: خليفة حفتر يعين نجله نائبا له - فما هي مهامه؟
- دوجاريك: إسرائيل تقتل الصحفيين لمنعهم من نقل ما يحدث بغزة


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - الوطن ليس قطعة أرض فحسب،بل فكرة تتبدل!