أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - هناء 6















المزيد.....


هناء 6


أمين بن سعيد
(Amine Ben Said)


الحوار المتمدن-العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 08:21
المحور: كتابات ساخرة
    


ثم كان السبت، وكانت مارينا، وكانت أسماء...
عندما وصلتُ، رأيتُها من بعيد، تقف مع أخرى، بجانب مركب. وظهر لي كأنه شجار، من تشنج حركات من تقف معها. ثم، لاحظتْ أسماء قدومي، فالتفتتْ لي من معها، ثم كلمتْها، وتركتْها سائرة في اتجاهي لتغادر المارينا. وقبل أن نتقاطع بقليل قالت غاضبة: "أذلّ إنسان رأيتُه في حياتي!! أليس عندكَ ذرة كرامة؟!! كيف تقبل وأنتَ تعلم أنها لا تريد الرجال؟! حقا غبتَ يوم وُزِّعتْ الأنفة والكرامة!! اتفوه!!!"... فـ... تبعتْها عيناي حتى صعدتْ الدرجات وغادرتْ، دون أن أتحرّك من مكاني. ثم استدرتُ ونظرتُ لأسماء وشاورتُ لها متعجبا، وعندما اقتربتُ منها...
- جيد أن حمل السلاح ممنوع عندنا وإلا كانت قتلتني! من...؟
- معا منذ مدة، أعتذر عن
- لا بأس لا تهتمي... مازلتِ في نفس النادي؟
- جلد وليس نادي
- جيد... منذ زمن لم يحدث شيء سار معي، لكن صاحبتكِ هذه
- لا تهتم لها، أعتذر مرة أخرى ولن يتكرر ذلك... أتذكر أنكَ كنتَ أكثر لباقة من هذا!
- آه... نعم... معكِ حق! لكن، كانت لحظات لأهضم ما حدث... إذن... لننطلق... اتبعيني...
- إلى أين؟
- أحسن مكان في المارينا بما أنكِ فرضتِها
- إذا لم يُعجبني، أُرسلها عليكَ!
- لا شكرا!! وسيُعجبكِ
بعد أن جلسنا واخترتُ وطلبتُ...
- المفاجأة السارة كانت لي
- نعم... أنا أيضا
- كأنه قدر رفض أن ينتهي ما بدأناه
- لا أؤمن بالقدر... لم أندم على شيء... ربما كوني لم أفهمكِ إلا بعد وقتٍ
- أنا ندمتُ... ليس بعد أن انقطعت اتصالاتنا مباشرة، لكن بعد مدة... حدث شيء وتذكرتكَ فندمتُ
- شيء؟
- نعم، عرفتُ أحدا بعدكَ...
- و؟
- لم يفهم
- أي؟
- يعني... مثلما تعرفني... لا أ... لا أحب الـ... تعرف
- نعم
- و... عندما... لم يتوقف
- ماذا؟!
- يعني... تَوقّفَ... لم يحدث شيء... لكن... لم تكن نيتي أن يتألم... أحبّني وأرادني زوجة... ولم أستطع أن أشرح له كل شيء
- وهجرتِه؟
- لا، هو فعل، ظن ذلك صدا ورفضا له، ولم يكن الأمر كذلك... لم أستطع قول كل شيء
- لم أفهم؟ تقصدين البنات؟
- نعم، لم أستطع
- غريب! وكيف سمحتِ بذلك؟
- أحبّني كثيرا، ورأيتُ أني لو صارحتُه فإن ذلك قد يُدمِّره
- لا يُشبهكِ تصرف كهذا، ولماذا فعلتِ معي؟
- لم أفعل! أنتَ شككتَ وسألتَ
- لا أتذكّر
- ليلة غضبتَ وقلتَ: "لاجنسية؟ مثلية؟ أم ماذا؟"
- لا أفهم، كيف سمحتِ بأن يُحبكِ مثلما قلتِ؟
- أحب الرجال أيضا، نسبة قليلة نعم، لكني أحبهم
- بطريقتكِ! لا يهم... أحب الوضوح ومنذ البدء... عموما أنا سعيد بأني تخلصتُ من مدير بنكي السابق!
- أنا أيضا... ماما وبابا غادرا
- يعني؟
- لا شيء
- ربما يسرح خيالي بعيدا... لذلك سألتُ
- لا تكن قاسيا عليه... دعه يسرح أحيانا
- تبا!
- عندهم حمام في هذا المكان؟
- واحد للنساء وواحد للرجال
- بجانب بعض؟
- فقدتُ شهية الأكل
- اتبع الشهية التي غلبتْ
- ...
- أعتذر الآن... الأكل شهي، لكن يجب أن أذهب إلى الحمام... وأعتقد أني سأتأخر بعض الوقت...
- غريب... أشعر كأني نبي يرى المستقبل!
- كيف؟
- أرى نفسي بعدكِ بثوان أقصد الحمام وأتأخر أيضا!
- انتهى عصر الرسل والأنبياء!
- بعد ثواني سنتأكد هل انتهى أم مازال...
بعد أن عدنا من الحمام...
- أنتَ نبي حقا!
- أنفكِ... اليمين
- ماذا؟
- شيء أبيض وليس بأبيض... لا أعلم كأنه كريمة أو يوغرت
- آه... عندكَ حق... لكن... انتظر، طعمه مالح
- مالح؟
- مع قليل من الهريسة! لم أغسل فمي عزيزي، لا تشعر بالتهاب... هناك؟
- بعض الشيء
- الذنب ذنبكَ! أنتَ من طلبتَ مشتقات الفلفل الحار...
- نبي يعلم الغيب ويُخطئ في أمور الدنيا... لستُ بدعا من الأنبياء!
- أنا سعـ...
- انتظري
- ...؟
- ماذا كان ذلك؟
- أفتقدكَ، تفتقدني... أم عندكَ جواب آخر؟
- لا أعلم... أبقى عند "مفاجأة سارة"
- لم تفتقدني؟
- أفتقدكِ يعني أني أتذكركِ دائما، وهذا... لم يحدث
- وعندما التقينا؟
- حدث الذي تعرفين
- أي؟
- ...
- لماذا تُنكر؟ معقول؟
- لم أُنكر
- رجاء دعك من هذا! عندي ربما صفر فاصل صفر رغبة في الرجال ورأيتَ ماذا حدث! وهل أنتَ ممن يفعل ذلك مع أول من تعترضكَ؟!
- أسماء، قلتُ لك بالأمس أني مدينة خراب، لا أريد ولا أستطيع السماح بآمال قد تكون أوهاما
- مدينة خراب بعد الذي حصل في الحمام؟
- الرغبة حضرتْ
- معي
- نعم
- ولو كانت غيري؟
- لا يوجد مكان لغيركِ الآن
- يعني؟
- يعني منذ سنين، لا أحد
- وفجأة!
- نعم، كنتِ المفاجأة السارة
- لا ترد على الموبايل؟
- غير مهم
- هي نفسها التي اتصلتْ بالأمس؟
- أسماء، يتصل بي كثيرون، ما هذا الكلام؟
- حدس أنثوي لا غير، ربما أكون مخطئة...
- ... لستِ مخطئة
- متى هجرتَها؟
- قلتُ أني وحيد منذ سنوات، قصتها مُعقّدة ومؤلمة
- عرفتَ كل شيء عني
- تلك الشرسة تقصدين؟
- نعم... وأحبها
- ماذا قلتِ لها عني؟
- الحقيقة
- كل الحقيقة؟
- نعم
- والمستقبل؟
- أريد أن أكون معه إذا كان هناك مجال
- وقبلتْ؟
- ستقبل
- وهل هناك مجال؟
- أنتَ من يستطيع الاجابة لا أنا... وأظنه يبدأ بالتي تتصل بكَ طوال الوقت
- بعدكِ بمدة، عرفتُ...
- واو! تغيّر وجهكَ
- نعم، كانت مهمة جدا بالنسبة لي، لم تصل أي امرأة قيمتها وأهميتها... لكنها أفسدتْ كل شيء
- أحببتها؟
- أكثر من أي شيء!
- ولماذ
- لأنها أحبتني... أحببتُها لا يعني علاقة "زوج"... لم أنظر إليها لحظة واحدة كحبيبة
- صديقة مقرّبة تغيرتْ مشاعرها؟
- لم تكن صديقة، لم تكن أختا أيضا، ولم تكن حبيبة... كانت شيئا خاصا
- ولماذا لا ترد على اتصالاتها؟
- ليست هي من تتصل، منذ أكثر من ثلاث سنوات انتهى كل شيء
- من؟
- أختها
- لم أفهم؟
- ستعمل هنا بعد الصيف، أساعدها بأشياء
- فقط؟
- ... لم أستطع تجاوزها... وفي ابقائي الاتصال مع أختها
- ألهذه الدرجة؟‍
- المرأة الوحيدة التي أحببتُ
- عندها مكانة خاصة أفهم، لكن هذه لا يُقال عنها "حب"!
- لا عزيزتي، يُقال وأكثر!
- وكيف كانت تجري الأمور بينكما؟
- عادية... كان عندي صاحبات لكنها كانت تمرّ قبلهن
- مقارنة لا تجوز
- ربما... أردتكِ أن تعلمي أن الذي حدث منذ قليل، كان أول مرة بعد أن انتهت علاقتي بها
- وما دخل هذا بذاك؟
- عندما كانت موجودة، كانت عندي علاقات. وعندما غابت غاب معها كل شيء
- لا زلت لا أفهم، ولا أرى الرابط؟!
- لا أعلم... لكن كأنها أم أو أخت أو صديق عمر أو شيء من هذا القبيل، وعندما فقدتُه فقدتُ معه كل شيء... كل رغبة... عالم كامل مبني على أساس ما، وعندما تهدّم، سقط كل ذلك العالم
- العالم يُبنى على الحبيبة وليس على التي تصفها؟!
- وعرفتِ الآن أني لستُ ممن يفعلون ذلك
- والآن؟ أين هي الآن؟ ماذا تفعل؟
- اليوم خطبتها
- ماذا؟!
- ما بكِ؟
- هذا يُفسّر كل شيء إذن!
- اهدئي ما بكِ؟ ويُفسِّر ماذا؟
- الآن، أنا، نحن!! أنا مجرد إلهاء!!
- لا تكوني بهذا السخف! لم أقل أنها حبيبة ولا يعنيني في شيء أن تُخطب أو تتزوج! الذي عناني أنها هدمتْ ذلك الشيء النقي الذي ربطني بها! قطعتُ علاقتي بها عندما قالت أنها تُحبني كعشيق، وذلك كان عندي كأن أختا أو أما قالت لي نفس الكلام!
- ...
- هناك أشخاص في حيواتنا، تكون لهم منزلة خاصة، ومعاملة خاصة تتجاوز كل شيء... قبل سنوات لم أفهم جيدا، وعليه لم أقبل الذي عندكِ. وجودنا الآن هنا، يعني أنكِ من هؤلاء الأشخاص الذين تكون معاملتهم خاصة، ولا تخضعين للقوانين التي يخضع لها الجميع... عندكِ صاحبة، ماذا تفعلين معي؟ وماذا أفعل معكِ وأنتِ مرتبطة؟ وفق قوانين الجميع أنتِ "خائنة"، لكن وفق ما يُميِّزكِ عنهم، أنا وأنتِ ننشط داخل ذلك الحيّز الذي يخص الرجال فيكِ، ولا علاقة للمرأة التي معكِ به.
- الأمر أسهل عليكَ
- أسهل؟
- في الجهة الأخرى لا يوجد رجل بل امرأة، بالنسبة لي توجد امرأة
- ألم تسمعي ما قلتُ؟!
- سمعتُ أنكَ تُحبها
- وسمعتُ أنكِ تُحبينها!
- وقلتُ أنها امرأة وليست رجلا
- وقلتُ أنه ليس حب حبيبة
- أعظم! وهي الوحيدة التي أحببتَ
- نعم، ولا أتصور أن يصل أحد منزلتها... ذكرا كان أو أنثى
- أعتذر عن هذا النقاش... كأننا معا منذ سنوات، في حين أننا لم نكن! بالأمس فقط التقينا مجددا
- نعم، أنا أيضا
- إذن، نواصل؟
- المفاجأة سارة، ولا مانع عندي... فقط صاحبتكِ...؟
- الكلام الذي قلتَه منذ قليل، يصح فقط في هذا البلد المتخلف
- عن نسبة الرجال؟
- نعم، عندما نُحب لا نُشارك
- لا ينطبق عليكِ هذا الكلام
- ينطبق، لكني أنانية
- لا أنظر للذكور أنا
- لو كنتَ، كنتَ ستُلزَم باللعب في نادي فقط
- عندما يفرض عليّ مَن معي نعم... من معكِ لم تفعلْ وتنازلتْ
- وهذه أنانية مني
- ربما، لكن ما يعنيني أني لم أسرق، ولم أفتكّ ما ليس لي من غيري
- لا أمل عندي في أن تقبل بالتعرّف إليك وبقبولكَ
- أعتذر، لكنها لا تعنيني في شيء
- أعرف
- من سيدفع؟
- ماذا؟ المُضيف بالطبع! أنتَ!
- ولماذا لا يكون من اختار المكان وفرضه؟
- غير لطيف
- إذن الأغنى!
- أنتَ
- بل أنتِ! تنهبون البلد ومن فيه!
- عدنا!
- طيب، وكوكتيل البروتين الذي...؟
- كنتَ موافقا على حدّ علمي، أم أجبركَ أحد؟! ثم، لولاي ما عرفتَ أنكَ نبي!
- نعم... عندكِ حق... أستسلم!
- عندي رجاء
- ما هو؟
- أجبها!
- غدا ستأتي، سأريها شققا للكراء
- أرجوك!
- طيب... ... سناء... بهدوء... لا أسمعكِ جيدا... ماذا! أين أنتِ الآن؟ مارينا!! أين؟ اللعنة! انظري عن يساركِ... رأيتني؟ طيب تعالي!
- جميلة
- انتظري سأعود...
قالت لي سناء مرات، أنها لم تعد أختَ هناء، بل "فقط سناء"، ولم آبه كثيرا بقولها حتى تلك اللحظة التي كانت فيها ولادتها الحقيقية، ودخولها عالمي بهويتها الذاتية لا كتابعة أبدية لهناء... الذي أتذكره أني لم أر أحدا غيرها، وكأن المارة والحركة والضجيج والموسيقى والمراكب والنوارس وكل شيء غاب في عينيّ، ولم أر غيرها! كنتُ غاضبا وصرختُ في وجهها: "ماذا تفعلين هنا؟! ولماذا لم تُعلميني؟! وماذا لو لم أكن موجودا أصلا وكنتُ في مكان آخر خارج المدينة؟! وماذا كنت ستفعلين وقتها؟! وما هذا الذي تلبسين؟! لم تُغيّري ملابسكِ حتى؟!" وختمتُ بـ "متى ستكبرين؟!" لم تُجبني، وظلتْ واقفة، تنظر إلى الأرض كذلك الصغير الذي يصرخ فيه أبوه، وعندما سكتُّ، أنزلتْ رأسها أكثر، وقالت بصوت خافت: "اتصلتُ مرات، لكنكَ لم تُجبْ"، وبكتْ، فارتجف كل جسدها وهي واقفة أمامي، ولم ترفع عينيها ولم تزد شيئا عما قالت... عندها، شعرتُ بالخجل من نفسي، وبشيء يُشبه تحنن ذلك الأب على صغيره، بعد أن بالغ في عتابه والقسوة عليه، فتقدمتُ نحوها وحضنتُها، واعتذرتُ... فزاد بكاؤها وقاوَمَتْه لتقول: "لا أعرف كيف أتيتُ إلى هنا! لم أستطع البقاء معهم! كلهم لحى وأخمرة وهناء ستتزوجهم! لم أستطع! سامحني لكن لا أحد عندي غيركَ!"
عندما عدتُ إلى عالم الناس، تذكرتُ أسماء، فاستأذنتُ من سناء أن تنتظرني قليلا...
- ماذا؟ ستتركني؟
- آسف... اعذريني... أتصل بكِ بعد؟
- هل هي بخير؟
- لا، وعليّ أن أعتني بها... آسف
- الأختُ؟
- نعم... سأعوضكِ، أعد بذلك
- لستَ مطالبا بذلك... اعتن بها جيدا
- أشكر تفهمكِ
- جميلة، وددتُ التعرف عليها
- لا أمل لكِ معها
- ككل البنات... اذهب الآن
- ماذا قصدتِ؟
- مرة أخرى... اعتن بها جيدا
- سأتصل بكِ... شكرا على تفهمكِ
عندما عدتُ لسناء، كانت تنظر إلينا، المسافة كانت تقريبا خمسة أمتار بين مكان وقوفها وبين طاولة المطعم...
- أفسدتُ عليك موعدكَ، سامحني
- لم يكن موعدا، معرفة قديمة التقيتُها صدفة بالأمس... أكيد لم تأكلي؟
- لا رغبة عندي
- عم سالم عنده الحل
- لا أريد الذهاب هناك، المكان باهظ
- باهظ؟ من قال لكِ ذلك! تأكلين ثم نتكلم... انتظري، أتصل به
في السيارة وقبل أن أشغّل المحرك، نظرتُ أمامي، دون الالتفات إليها...
- لن يتكرر ذلك
- ماذا؟
- صراخي... أعتذر مرة أخرى
- لم تُخطئ، أنا من أخطأتُ وأستحق ذلك
- تستحقين أحسن... نذهب إلى النزل الآن
- ببيجاما؟
- ما به؟ جميل، ومن تلبسه أجمل
- أول مرة أخرج بهذه الحالة... سامحني
- هناك من أحيانا يمشي عاريا في الشارع... لا تهتمي
- ...
- عندي حل... إذا وافقتِ
- ماذا؟
- اعتذار رسمي
- لا أستطيع
- تستطيعين كل شيء أنتِ، عليكِ فقط أن تسرعي لكيلا نتأخر عن عم سالم
- أرجوكَ هذا كثير
- هيا، انزلي، وأرجوكِ... عشر دقائق على أقصى تقدير
- أنتَ لا تمزح.
- أمزح كثيرا، لكن ليس الآن، انزلي
عندما دخلنا المحل، طلبتُ من إحدى العاملات التي أعرف أن ترافقها، ودون أن أشعر ذهبتُ إلى رواق العطور، ووقفتُ مباشرة أمام عطر هناء... لم تكن هناء تضع إلا عطرا واحدا، كنتُ من يشتريه لها منذ أن عرفتُها، وفي أجزاء من لحظة غباء منقطعة النظير، مرّت الفكرة بخاطري! أن أهدي سناء مثله! لكني عدلتُ، وابتعدتُ عن ذلك الرواق، وذهبتُ إلى مكان الملابس أين سناء ومن معها... فوجدتُها قد اختارت شيئا لكل يوم، أعادني مباشرة إلى هناء بما أن ذوقيهما كانا متشابهين... دجينز أزرق وبولو أبيض، واخترتُ أنا الحذاء... عند الكاسة، سألتني أخرى عن غيابي لسنوات، وذكرتْ العطر، فسألتني سناء عند مغادرتنا عنه، فأجبتُها.
في طريقنا إلى النزل، وحتى أكملتْ أكلها، عملتُ نفسانيا وكوميديا وروبوت، غايتي كانت أن أنسيها ما كان عندها، وكل الوسائل كانت مشروعة عندي، وأهمها في حالة كتلك ألا أترك من معي لحظة واحدة دون إلهائها في شيء، وكان إلهاؤها سهلا، بنوادر كثيرة من عملي، بمنازل كلها قريبة من منزلي ومن شركتها، بحلويات عليها كلام جميل من عم سالم (لا شيء يستحق!) وبجولة على بيدالو داخل البحر مباشرة بعد الأكل. بعد أن غادرنا النزل، في السيارة...
- شكرا على كل شيء
- فستق؟
- نعم!
- وتُعطيني معكِ قليلا؟
- تعرف أني لا أحب ذلك!
- نعم... أعرف... أأأ... يجب أن أرد على هذا
- ولماذا تنزل؟!
- انتظري... سأعود
عندما عدتُ...
- ماذا قالت لكَ؟
- من؟
- اتصلتُ بها ووجدتها مشغولة، أعرف أنها هي، ماذا قالت؟
- يعني... لا تعرف أين أنتِ وغاضبة بعض الشيء
- وماذا قلتَ لها؟
- أنكِ بخير وستعودين غدا
- ومن قال لكَ أني سأذهب إليهم غدا؟!
- تكهنتُ وحدي، وربما أكون على صواب
- تُكلمني وكأني بنت عشر سنين
- قررتُ أن أكون في صفكِ، وعندي طرقي لأصل إلى هدفي
- كانت تستطيع أن ترفض، قلتُ لها أنها لا تحب ذلك الـ! وشرحتُ لها ولبابا! لكنهما قبلا! لا أعرف كيف سأتصرف معهم في المستقبل! كرهتُهم كلهم!! والكرز على الكعكة فؤاد!! قلتُ لهم لا أريد رؤيته لكنهم دعوه!!
- عندي اقتراح... مقهى صغير، مقهى صيادين... ليس فخما، لكنه مقبول ومباشرة أمام البحر... الأهم أنه يوجد احتمال رؤية دلافين مارّة، إذا كنا محظوظين... فستق لكِ، ثم قهوة لي، وإذا أردتِ شيئا، وربما... نرى الدلافين... ما رأيكِ؟
في المقهى...
- أريد أن أتكلم، لكني خجلة! أكثرتُ عليكَ!
- سأراقب البحر... ولم تُكثري... لنتكلم، قولي
- عائلة مُخيفة! ليسوا أخوانجية بل سلفية!!
- نعم
- تعرف لماذا فعلتْ ذلك! ... قالت أنه ليس مثلهم، متفتح وليس متزمتا، لكنها تكذب! ثم، تعرف هناء! لا تهتم للدين وتسخر منه فكيف تقبل أن ترتبط بعائلة كتلك؟! وكيف سأتصرف معها في المستقبل؟!
- نتألم أحيانا من مواقف وتصرفات من نحب، لكن بعد أن نقوم بما في استطاعتنا، علينا القبول بالواقع
- الكلام سهل!
- ليس كلاما بل هو الواقع الذي أحيانا لا نستطيع تغييره، وإذا لم نقبله، قد يعود علينا ذلك بالضرر، وهذا ما لا يجب أن يحدث
- ...!!
- لنأخذ مثالا أتعس مما قلتِ، لنفترض أنها تريد الزواج من سعودي أو إيراني، وقررتْ السفر معه، والعيش في بلده. من سيستطيع منعها وقد قررتْ ذلك؟ إذا قلتِ لا تحبه، الجواب سيكون نفسه: هي قررتْ، ولا أحد سيستطيع إجبارها على العدول... أقصى ما ستستطيعين، هو قول رأيكِ وموقفكِ بوضوح، وعندما تفعلين يكون ضميركِ مرتاحا، فقد قمتِ بما عليكِ، وبما تقتضيه تلك العلاقة التي بينكِ وبينها. أكثر من ذلك، لا تستطيعين، بل حتى مواصلة التفكير في الأمر والتحسر والغضب وغيره من المشاعر الهدامة، لا تجوز ولا فائدة ولا نتيجة منها. ثم، إذا كنتِ تريدين أن تُحترم اختياراتكِ، فلماذا لا تفعلين نفس الشيء مع اختياراتها وإن رأيتِها باطلة وخاطئة؟
- لا أستطيع حتى مجرد طرح فرضية القبول بذلك!!
- الآن نعم، لكن مع الوقت ستفعلين... صلة الرحم، وعلاقاتنا عامة، تختلف عن الغربيين، وكثيرا ما نكون أحسن منهم، فلا يوجد عندنا "كل مسؤول عن أفعاله ومواقفه"، و "أنت راشد الآن، تحمّل مسؤوليتكَ وحدكَ": هناك من تكفّل بدراستكِ حتى تخرجتِ... لكن في نفس الوقت، هذه الثقافة فيها ظلم كبير، ولا عدل: الواحد يفعل لكن الجميع يدفعون الثمن...
- لن أدفع أي ثمن!
- أنتِ بدأتِ التسديدَ بالفعل، لا تتركي الغضب يُعميكِ عن حقيقة الواقع المرة، الضرر من تصرفات أهلنا سيمسنا لا محالة، لكن علينا أن نكون أذكياء، فنقلل ما استطعنا من الخسائر. والغضب، والعاطفة عموما، لن تُساعدنا على ذلك، بل ستزيد من حجم الأضرار.
- تراني مخطئة في تركهم وخطوبتهم ومغادرة المنزل؟
- أراك ذكية، وستراجعين بعض المواقف
- لم أخطئ!
- لم أقل أنكِ أخطأتِ
- قلتَ أنكَ في صفي
- نعم
- وأستطيع التعويل عليكَ
- إذا استطعتُ
- نعم، كل شيء مشروط بالاستطاعة، وأنتَ لن تستطيع
- لا تواصلي في هذا الطريق
- اعذرني... لكنكَ الوحيد التي تستطيع ايقافها الآن!
- ...
- لا تغضب مني! كان ذلك أقوى مني...
- من المفروض ألا اقول ما سأقول الآن بالذات، من المفروض أن أؤازركِ، لكني أرى أنكِ لازلتِ لم تفهمي
- أسحب كلامي وأعتذر... ولستَ في حاجة لقول أي شيء
- لا، سأفعل، وسأضمن أنكِ لن تنسي أبدا ما سأقول... لن تنسي يوم خطوبتها، ومعه لن تنسي الآتي... تشبيه بسيط، كلما مرّت ببالكِ أنه يمكن أن يوجد اتصال بيني وبينها، تذكريه: لنقل أنها مثلية، وقالت لكِ أنها تحبكِ... نعم، ذلك الحب، وعندما رفضتِ، قررتْ أن ترتبط برجل... مَن الوحيدة التي تستطيع منعها من أن تُدمّر حياتها؟ أنتِ... هذا ترجمة ما قلتِ.
- ...
- أظلمتْ، ولم يمرّ لا دلفين ولا حتى سردين... حظ سيء
- هناك اثنان في مدخل المقهى
- على كلٍّ اسم
- أبناء المالِك؟
- المقهى عتيق وفيه أساطير تقول أن من ملَك أولا لم يكن عنده بنات
- أسماء مؤنثة؟
- ملاك وإيمان
- عشيقتان؟
- سألتُ مرة أحد الصيادين، فقال أنهم يروون أنه عاش مع امرأة ومنها أنجب بنتين
- عنده بنات إذن
- لم يكن متزوجا من المرأة، وزوجها كانت عقيما
- القصة قديمة؟
- يُقال أنها حدثت بداية القرن، زمن الاستعمار
- وزوجها؟ قبل بالبنتين؟
- أوهمتْه زوجته أنهما منه، ولم يعلم... لكن يُقال أنه أراد تسفير عشيقها بعيدا عن المدينة أيام الحرب الكبرى الأولى، لكنه لم يُفلح لأن ضباطا فرنسيين كانت تُعجبهم قهوته... أسطورة لطيفة وبروبجندا للمقهى
- كيف تكون دعائية والمكان يحبه المستعمِرون؟
- تدارك الرواة ذلك، والمقهى أصبحتْ مكانا للثوار والمناضلين!
- والدلافين؟
- حقيقية... تُرى أحيانا من مكانكِ
- رأيتَها؟
- نعم، مرة واحدة، عند الغروب
- كيف عرفتَ أني أحب الدلافين؟
- لم أكن أعرف
- منها؟
- لم أكن أعرف، الآن عرفتُ منكِ
- البائعة أخذتني مباشرة إلى ماركة الدجينز التي أحب... وحدها فعلتْ ذلك؟
- لا علم لي، طلبتُ منها أن ترافقكِ، فقط.
- صدف كثيرة...
- غدا تختارين مسكنكِ
- نعم... ممنونة كثيرا لكل ما فعلتَ من أجلي
- الأهم قادم... هيا قومي
- إلى أين؟
- جعتُ
- عم سالم؟
- أحسن...
وما إن ركبنا في السيارة، اتصلتْ أسماء...
- لم تتصل ففعلتُ
- كنتُ سأفعل بعد قليل
- صادق
- كنتُ سأفعل ما إن أصل منزلي
- قلتُ صادق... وحدكَ؟
- لا
- لم تُغادر؟
- لا
- ستنام عندكَ؟
- نعم
- تستطيع زيارتي إذا رغبتَ... بعد أن تحكي لها قصة جميلة، تُقبِّلها على خدها، وتطمئن أنها نامتْ
- أودّ ذلك، لكن... لا أستطيع
- احذر، قد لا يتكرّر ما حدث اليوم
- أبقى متفائلا
- جيد، اتصل متى تسمح لكَ، ربما لن يكون الموبايل عندي...
- سأعيد الكرّة
- قد تملّ...
- رأيي العكس
- فقط أريد أن أعرف وأجبني بصراحة
- نعم؟
- مجرد أخت للتي تكلمتَ عنها؟
- نعم
- بما أنكَ قلتَ... طيب أتركك الآن وأرجو ألا أكون قد أزعجتكَ
- بالتأكيد لا
- أكيد، وواضح من أجوبتكَ بنعم ولا
- أنا نبي! والأنبياء لا يكذبون!!
- نعم... عليكَ الصلاة والسلام... قبِّلها لي
- حاضر
- على رقبتها من الخلف...
- وتلك الشرسة؟
- ليست معي... لا تزال غاضبة
- هذا يُفسِّر ذاك... ليلة سعيدة
- سأفكر فيها وفيكَ
- من؟
- سارة
- سأفكر في رخصة الأسلحة...
- قد تمنعني من أن أراكَ
- سنتكلم في ذلك لاحقا... أترككِ الآن، أمامي شرطة...
عندما قطعتُ الاتصال...
- لم أر أي شرطي...
- مررنا بمركز كامل للشرطة!
- نعم، لكن لا يوجد شرطي ليوقفكَ ويحرر لك خطية...
- جملتي صحيحة وصادقة...
- نعم!
- يُسمّى ذلك تورية
- ماذا؟
- أسماء عربية قديمة من عصور غابرة
- المعلقات؟
- نعم... من بيتٍ من تلك القصائد
- لا أعلم لماذا يسمونه بيتا؟!
- وماذا تريدين أن يسمونه؟ شباك؟
- بلكونة أحسن!
- المهم... بلكونة القصيد وصلنا! لا شيء وراءنا، وغلال البحر أمامنا، فهلمي بنا!
- ستطبخ؟
- أطبخ؟ تمزحين أم ماذا! لا أعرف حتى سلقَ بيضة! اتبعيني...



#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)       Amine_Ben_Said#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هرطقات في هيكل البداوة العروبية اليهودية
- عن وإلى -شذاذ الآفاق- (2) حديثُ النضال الحقيقي
- قليل من العدمية لا يضر...
- المؤمن، المُغيَّب والمغيَّب جملة وتفصيلا (3)
- فلسطين وإسرائيل: تبا لكما!!!
- المؤمن، المُغيَّب والمغيَّب جملة وتفصيلا (2)
- المؤمن، المُغيَّب والمغيَّب جملة وتفصيلا (1)
- الإلحاد والملحد والوطنية (3) الأمازيغية
- الإلحاد والملحد والوطنية (2) -لا وطنية مع وهم الثنائيات-.
- عن وإلى -شذاذ الآفاق-
- -تأملات- في ثديي أ. فينوس صفوري
- (لم يُنشر التعليق لأنه لم يُعجِب المراقب)
- ملاك أولى 2-2
- ملاك أولى 1-2
- البيدوفيليا وحكم الإعدام... تأملات...
- عن -الأول في فصله-...
- إيران وإسرائيل: أما آن لحكم البدو أن ينتهي؟!
- هناء 5
- هناء 4
- إيمان


المزيد.....




- الشيف الأردنية ناصر تسخّر دراستها لفنون الطهي لمواجهة التجوي ...
- الشيف الأردنية ناصر تسخّر دراستها لفنون الطهي لمواجهة التجوي ...
- حماس تنفي الرواية الإسرائيلية بشأن هجوم مستشفى ناصر
- أفضل فيلم رعب لعام 2025.. -أسلحة- يكشف وجها جديدا للخوف
- رحيل الفنانة سليمة خضير.. وداع أيقونة الدراما العراقية
- كريستيان سنوك هورغرونيه.. المستشرق الذي دخل مكة متخفيا تحت ا ...
- الموت يغيب الفنانة العراقية سليمة خضير
- ألفريد هوبير مع القرآن.. رحلة مستشرق ألماني بين الأكاديميا و ...
- بعد رفضه سفير الاحتلال الجديد.. -إسرائيل- تخفض التمثيل الدبل ...
- بعد رفضه سفير الاحتلال الجديد.. -إسرائيل- تخفض التمثيل الدبل ...


المزيد.....

- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - هناء 6