الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي
(Echahby Ahmed)
الحوار المتمدن-العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 04:51
المحور:
كتابات ساخرة
لم يكن شتنبر في بدايته سوى صفحة أخرى من التقويم، لا تختلف عن غشت ولا يوليوز، لولا أنّ جيوب الناس تستيقظ مذعورة كلما لمحته. فالمشهد يتكرر ببرود قاتل: آباء وأمهات يتوزعون بين المكتبات والأسواق، يحملون لوائح مدرسية تشبه نشرات الأدوية، مكتوبة بأحرف صغيرة تثير الصداع أكثر مما تثير الحماس.
هناك، وسط رفوف الكتب والدفاتر، تُرى الوجوه مكفهرة، والعيون متسائلة: أهذا دفتر حقًا أم سند ملكية؟ أهذه محفظة لتلميذ أم حقيبة سفر إلى المريخ؟ الأثمنة تصعد بلا سقف، والآباء ينزلون بلا مظلة. فلا الدولة حاضرة بحماية، ولا السوق تعرف معنى للرحمة.
المشهد كله ينطق بالسخرية السوداء: أطفال يختارون أقلاماً ملوّنة بفرح بريء، بينما آباؤهم يحسبون في صمت كيف سيقتطعون ثمنها من لحم الأسبوع. أمّ تمسح الغبار عن محفظة قديمة وتعد ابنها أن "المهم هو العلم"، فيما الطفل ينظر بحزن إلى زملاء الغد الذين سيلوحون بمحافظ جديدة تلمع تحت شمس الساحة. وأب يخرج من المكتبة فارغ اليدين تقريبًا، لكن مثقلاً كمن خرج من محكمة نطق القاضي فيها بحكم نافذ.
ومع ذلك، تظل الدولة غائبة عن مسرح الدخول المدرسي كما غابت عن مسرح العرس المجلجل في ازغنغان: لا رقابة على الأسعار، ولا دعم حقيقي للأسر، وكأنها تسلّم المواطن لمصيره مع تجار الورق والقماش. وحده المواطن يجرّ نفسه إلى هذه الحلبة، يتلقى الضربة تلو الأخرى، ويواصل اللعبة مكرهاً، مردداً في داخله: "سنعلّم أبناءنا بالديون، كما علّمناهم بالصبر."
وفي النهاية، يبقى السؤال معلقًا، لا يجيب عنه وزير ولا برلمان: من أين لهذا البلد أن يفاخر بالتعليم، وهو يحوّله كل شتنبر إلى موسم دموع وديون؟
#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)
Echahby_Ahmed#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟