أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناضل حسنين - أخلاق بلا وحي














المزيد.....

أخلاق بلا وحي


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8440 - 2025 / 8 / 20 - 03:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يُعدّ دور الدين في بناء المجتمعات وتوجيه الأفراد قضية فلسفية واجتماعية معقدة، تتجاوز مجرد الإيمان أو عدمه لتلامس جوهر التنظيم البشري للعدالة، الأخلاق، والسلوك الاجتماعي. يتناول هذا المقال رؤية نقدية لدور الدين، مستنداً إلى تحليل عميق للتجارب التاريخية والمقارنات المجتمعية، ومشككاً في الحتمية التي يفرضها البعض على الدين كركيزة أساسية للمجتمع.
هل المجتمع بحاجة إلى الدين؟
تُطرح هذه القضية كمدخل للنقاش: هل الدين ضرورة حتمية لبناء مجتمع سليم؟ يرى البعض أن الحاجات الأساسية للمجتمع تتمثل في منظومة قوانين عادلة، مؤسسات فاعلة، خدمات متوفرة، وقيم اجتماعية راسخة كالصدق، البر، العدالة، التعاون، والتضامن. هذه الحاجات، وإن كانت تتوافق مع بعض التعاليم الدينية، إلا أنها ليست حكراً عليها. فالتاريخ البشري يزخر بأمثلة لمجتمعات وحضارات، كالسومريين، التي ازدهرت ووضعت شرائع وقوانين تضمن النظام الاجتماعي وتحقق العدالة، وذلك قبل ظهور الأديان المنظمة التي نعرفها اليوم. هذا يشير إلى أن القيم الإنسانية الأساسية والأنظمة الاجتماعية يمكن أن تنبع من مصادر أخرى غير الدين، وأن الدين قد يكون عاملاً مساعداً أو مؤيداً لهذه الحاجات، لكنه ليس بالضرورة العامل الوحيد أو الحصري.
من أكثر النقاط إثارة للجدل في هذا السياق هي قدرة الأديان، في بعض الأحيان، على تبرير سلوكيات تتنافى مع أبسط مبادئ العدالة والأخلاق الإنسانية. يُشار إلى أمثلة حيث بررت الأديان الجريمة، الكذب، السرقة، والاعتداء على حقوق الآخرين. هذه المفارقة تنبع من طبيعة الأديان التي تمنح أتباعها شعوراً بامتلاك الحقيقة المطلقة، مما قد يؤدي إلى تبرير الأفعال باسم الدين. فعندما يُقتل إنسان ويُعتبر القاتل مجاهداً، أو تُسرق الأموال تحت مبررات الغنائم والاغتصاب تحت مبرر السبيْ، فإننا نشهد تحولاً خطيراً في المنظومة الأخلاقية، حيث يصبح الدين أداة لتبرير ما هو غير أخلاقي في المنطق البشري السوي.
تُقدم مقارنة بين المجتمعات العلمانية والدينية كدليل على هذه الفرضية. ففي دول مثل سويسرا، السويد، الدنمارك، وهولندا، حيث الأنظمة علمانية ولا تتدخل في الشؤون الدينية للأفراد، نجد أن العدالة والسلوك الأخلاقي يصبحان جزءاً طبيعياً من حياة الأفراد والمؤسسات. القوانين والدولة تحمي هذا السلوك، وهو نابع من منظومة قيم مدنية. في المقابل، تُظهر المجتمعات التي تتبنى الدين كركيزة أساسية لنظامها الاجتماعي، سواء كانت مسيحية، يهودية، أو مسلمة، مستويات أعلى من التمييز، الصراعات الاجتماعية، وغياب العدالة. الأمثلة الصارخة على ذلك تشمل تبرير انتهاك حقوق الفلسطينيين في إسرائيل باسم أرض الميعاد، أو تبرير قتل الآخرين وانتهاك حقوقهم في سياقات طائفية، كما في العراق. هذه الحالات تُظهر كيف يمكن للمبررات الدينية أن تؤدي إلى سلوكيات ترفضها القيم الإنسانية الأساسية.
تكمن إحدى المشكلات الجوهرية في غياب الاتصال المباشر بين الأفراد والله، مما يفتح الباب أمام الاجتهادات الدينية المتعددة والمتضاربة. فكل شخص أو مرجع ديني يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، ويضع نفسه في مقام الإله ليحدد ما هو حلال وما هو حرام، ومن يدخل الجنة ومن يدخل النار. هذا التعدد في الاجتهادات، وغياب مرجعية موحدة وموثوقة، يؤدي إلى صراعات وتفرقة داخل المجتمع. فاجتهاد شخص قد يتعارض مع اجتهاد آخر، وكل يدعي الصواب، مما يزعزع الاستقرار الاجتماعي ويؤدي إلى تبرير العنف والتمييز باسم الدين.
تُظهر التجربة التاريخية والواقع المعاصر أن المجتمعات التي تتبنى الدين كمنظومة حاكمة لم تنجح بالضرورة في تحقيق العدالة والازدهار الاجتماعي. بل على العكس، فقد أدت في كثير من الأحيان إلى مجتمعات قاسية، دول تبطش بسهولة، وتلفق التهم، وتسرق أموال شعوبها. التدخل الديني في المناهج التربوية والتعليمية يمكن أن يشوه الأطفال، حيث يُلقن الطفل مفاهيم متطرفة أو تمييزية تتعارض مع القيم الإنسانية الأساسية، مثل اعتبار الأم غير المحجبة فاسقة. هذا يوضح كيف أن تحويل التدين إلى وظيفة اجتماعية ومنظومة حقوق اجتماعية قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يختل النظام الاجتماعي تحت مبررات دينية.
يجب أن يُنظر إلى المجتمع ككيان اعتباري، بينما الأفراد هم الحقيقة الجوهرية. لكل فرد الحق في اختيار آرائه وقناعاته، ولا يحق لأحد أن يفرض رأيه على الآخرين بحجة أنه رأي المجتمع. الأنبياء والمرسلون أنفسهم كانوا أفراداً قادوا مجتمعاتهم نحو الهداية، ولم يفرضوا عليهم قناعاتهم بالقوة. الدين والإيمان هما حق فردي مقدس، ولا يجوز تحويلهما إلى أداة للسيطرة أو الإكراه. الإصلاح الحقيقي يبدأ من الفرد، من إصلاح النفس، وليس من محاولة فرض الآراء والمعتقدات على الآخرين.
إن العلاقة بين الدين والمجتمع معقدة ومتشابكة. بينما يمكن للدين أن يكون مصدراً للقيم والأخلاق، فإن تحويله إلى أداة للسيطرة السياسية أو الاجتماعية، أو تبرير الانتهاكات باسمه، يؤدي إلى نتائج كارثية. إن المجتمعات التي تفصل بين الدين والدولة، وتعتمد على القوانين المدنية لضمان العدالة وحقوق الإنسان، غالباً ما تكون أكثر استقراراً وتقدماً. إن احترام الحرية الفردية، والاعتراف بتعددية الآراء، هو السبيل لبناء مجتمعات مزدهرة وعادلة، حيث لا يفرض أحد قناعاته على الآخرين، بل يتعايشون في سلام واحترام متبادل.



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة: مقبرة الصحافة وصمت العالم
- تحليل: العالم يعيد كتابة الرواية
- ما وراء نوايا احتلال مدينة غزة
- فكر معي: هل نعبد الله حبًا أم طمعًا؟
- حل الدولتين: ستار دخان على فضيحة أخلاقية عالمية
- لماذا يكتب مستقبل فلسطين بغير الحبر العربي؟
- رحيل عبقري لم يعرف التنازل في حياته..!
- العرب يرقصون وغزة تحترق
- فلسطين: فضيحة العرب
- المسجد والكنيسة.. كلاهما بيتنا
- حين يكون الحب شبهة أمنية..!
- العقيدة القديمة والخوف من المجهول
- غزة بين فكّي الاحتلال والتهجير
- نربي القاتل ونبكي القتيل..
- مآذن الصمت العربي
- لماذا علينا، نحن عرب الداخل، أن نقلق؟
- إسرائيل: صناعة رأي عام خائف ومُدجّن
- تآكل حرية التعبير لدى عرب الداخل
- أيمن عودة في مرمى الاغتيال السياسي
- من الكنيست إلى الشارع: العنصرية بلا خجل


المزيد.....




- إرنست ديفيد بيرغمان يهودي ألماني أسس البرنامج النووي الإسرائ ...
- ترامب: تحقيق السلام في أوكرانيا قد يفتح لي أبواب الجنة!
- ترامب: أريد أن أحاول -دخول الجنة- إن أمكن
- مصر.. ساويرس يوضح سبب ترحمه على عصام العريان القيادي الراحل ...
- ترامب يريد -دخول الجنة- بعد طموحه بنوبل للسلام
- سوريا.. الكشف عن سبب وفاة شاب في الجامع الأموي
- قمة كابل الثلاثية تضع تعهدات حركة طالبان على المحك
- المغاربة والمسجد الأقصى.. صلات أصيلة وعطاء ممتد
- نفق وأعمال حفر إسرائيلية جديدة داخل ساحة البراق غرب المسجد ا ...
- قوات الاحتلال تقتحم كفل حارس شمال سلفيت لتأمين الحماية للمست ...


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناضل حسنين - أخلاق بلا وحي