أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية الإبراهيمي - أزهار في ظلال الذاكرة (قصة قصيرة)














المزيد.....

أزهار في ظلال الذاكرة (قصة قصيرة)


نادية الإبراهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 18:44
المحور: الادب والفن
    


اندفعت مسرعة نحو الحافلة، تركض بقلق في قلبها، لم تعر الطقس الماطر انتباها، كما اعتادت في كل مرة تنشغل فيها أفكارها. كانت مشغولة بطلبية جديدة، هذه المرة مميزة جدًّا بالنسبة لها، فقد طلب الزبون عددا كبيرا من باقات الزهور التي تزين طاولات الأفراح، وهو ما يعني أنها ستتمكن من تسديد جزء من ديونها الثقيلة التي تكاد تعصف بها.
لم تعد لتأخذ معطفها أو مطريتها، فهي لا تريد أن تضيع دقيقة واحدة، مستعجلة للانتهاء من العمل، فقد أعدت نفسها لإحضار كل ما يلزمها في الوقت المناسب. قالت في نفسها: "ربما تتوقف الأمطار وتشرق شمس الربيع، الشتاء يودع الطبيعة الغاضبة بدموع متفرقة، تاركًا المجال لغريمه أن يرسم على الكون بسمة الربيع العطرة، ليشفيَ الجروح التي خلفها برده ورياحه القاسية، وتغني الطبيعة بألحان الأمل".
كانت تعتقد أنَّ الأجواء ستتغير قريبا، حيث لن تعرف إنْ كان الجو صافيًا أم غائمًا، لكنه هكذا في هذا الوقت من العام: لا يستطيع أحد التنبؤ بتقلباته.
تمكنت أخيرا من شراء كل المقتنيات التي تحتاجها بعد جهدٍ كبيرٍ مع تجار الورود الاصطناعية، الذين تجمّدت مشاعرهم، حتى أصبحت زهورهم هي الأخرى بلا روح، بلا عطر، لا تحمل إلا رائحة البلاستيك.
كان السيد نور الدين، التاجر الذي تتعامل معه منذ سنوات، هو الأمل الوحيد لها في وسط هذا السوق القاسي. فقد اعتادت عليه، وهو كان يعرف احتياجاتها الخاصة، ويجهز لها الزهور التي تطلبها بكل عناية. لهذا السبب، لم تفكر في شراء الزهور من أحد غيره، وفاء له.
مسرعة، حملت أكياسها المملوءة بالأزهار، وصعدت إلى الحافلة. نظرت سريعا بحثا عن مقعد شاغر، ثم قالت في نفسها "الحمد لله، يوجد مكان في آخر الحافلة". لم تنتبه إلى الشخص الذي كان جالسًا بجانبها. ألقت بنفسها على المقعد، واستغرقت في أفكارها. كانت تتحدث مع نفسها: "إذا انتهيت من هذه الطلبية بسرعة، سأتمكن من تسديد بعض من ديوني قبل الموعد المحدد، إنْ شاء الله، سيعجب الزبون بعملي، وقد يطلب مني تجهيز طلبية أخرى".
فجأة، أفاقها من شرودها صراخ الرجل الجالس بجانبها. انفجر الرجل غاضبًا بعد أن تراكمت عليه همومه. لم تكن هي تدرك حجم معاناته.
"ابتعدي عني! لمَ تلتصقين بي؟ ألا تخجلين من نفسك؟ هل تظنين أنك فوق أريكة بيتك؟!"
صُدمت من أسلوبه الفظ، ولم تفهم سبب غضبه. كانت تظن للحظة أنه ربما مريض أو مجنون. بدا الرجل في العقد الرابع من عمره، شعره قد أغزاه الشيب، وكان يرتدي نظارة سميكة تطل منها نظرة حزن عميقة. كان يمسك بمطريته بكلتا يديه، ويضعها بين رجليه.
استفاقت من صدمتها، وجعلت نفسها تهدأ، ثم قالت: "ماذا بك، سيدي؟ لماذا تصرخ في وجهي وتتهمني بما لم أفعله؟ ماذا فعلت بحقك؟"
"احترمي نفسك واعتدلي في جلوسك!" كان صوته يزداد غضبا.
شعرت بإحراج عميق، فتراجعت عن الرد، واكتفت بالصمت. فكرت أنها ربما قد تسببت في إزعاجه دون قصد، فأصابها شعور بالندم. اعتذرت له بصدق، وقالت إنها كانت مرهقة ولم تنتبه عند جلوسها إلى وجوده.
لكن نظرات الركاب كانت تلاحقها، تحمل بين طياتها مئات الأسئلة، وتكشف عن فضول لا يُخفي. شعرت بموجة من الخجل، لكن في أعماقها، كان هناك شيء آخر ينهشها. وضعت بين يديها أكياس الزهور التي حملتها، محاولة أن تبتعد قليلا عن هذا الشخص، فتجلس على حافة المقعد.
ورغم أن جسدها ابتعد، إلا أنَّ روحها بقيت عالقة في ذلك اللقاء، الذي أعاد لها ذكريات قديمة مؤلمة. عاد بها الزمن إلى أيام مضت، كانت قد حاولت طيَّها والنسيان، لكن هذا الرجل أثار تلك المشاعر الميتة في قلبها. لم تكن قد حذفت اسمه من حياتها، لكن الأحداث اليومية كانت دائما ما تُعيده إليها، تذكرها بما حاولت نسيانه.
جلست هناك، عيونها تترقرق بالدموع، وتفكر في حالها الذي أصبح يزداد سوداوية يوما بعد يوم. تساءلت في نفسها: "هل أصبحت عديمة الإحساس؟ هل ماتت كل مشاعري؟"
وفي تلك اللحظة، أدركت أنها ما زالت أسيرة ماضيها، رغم كل محاولاتها للابتعاد عنه.



#نادية_الإبراهيمي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهدية (قصة قصيرة)
- قصة قصيرة : ظل في الغابة
- سلسلة رسائل من الأزمنة المنسية الجزء الاول
- برد الغياب (قصة قصيرة)
- أديم ذكرياتك
- الشعر بين الأمس واليوم
- قراءة هايكو الفراق والحنين
- حين يلتقي الضوء بالظل
- قراءة في مرآة -القديس-
- هايكو الفراق والحنين
- أثار على الرمال
- ألم الفراق
- قرار
- رسائل من الأزمنة المنسية
- كيف لي أن أعود إلى نفسي ؟!
- في الغياب
- الميراث
- البحر الأسود
- يا نفس
- مطاردة شغف


المزيد.....




- العمارة التراثية.. حلول بيئية ذكية تتحدى المناخ القاسي
- صدور -الأعمال الشعرية الكاملة- للشاعر خلف علي الخلف
- القدس تجمع الكشافين.. فعاليات دولية لتعزيز الوعي بالقدس وفلس ...
- زوار المتنزهات الأميركية يطالبون بسرد الوقائع الحقيقية لتاري ...
- استجابة لمناشدتها.. وفد حكومي يزور الفنانة المصرية نجوى فؤاد ...
- -أنقذ ابنه من الغرق ومات هو-.. تفاصيل وفاة الفنان المصري تيم ...
- حمزة شيماييف بطل العالم للفنون القتال المختلطة.. قدرات لغوية ...
- لتوعية المجتمع بالضمان الاجتماعي .. الموصل تحتضن اول عرض لمس ...
- -شاعر البيت الأبيض-.. عندما يفتخر جو بايدن بأصوله الأيرلندية ...
- مطابخ فرنسا تحت المجهر.. عنصرية واعتداءات جنسية في قلب -عالم ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية الإبراهيمي - أزهار في ظلال الذاكرة (قصة قصيرة)