نادية الإبراهيمي
الحوار المتمدن-العدد: 8435 - 2025 / 8 / 15 - 08:29
المحور:
الادب والفن
لم تكن تعرف تمامًا متى بدأت تفقد دفءَ الحروف.
كلّ ما تدركه الآن أن مملكتها الداخلية باتت موحشة، وصدى الصمت يرتطم بجدرانها كنبضٍ شريد فقد إيقاعه.
ذات صباح خريفي، حين كان الضباب يزحف على زجاج نافذتها، جلست تحدّق في لا شيء. أعدّت فنجان قهوتها بنفس الطقوس القديمة، لكنها حين رشفَتْه، لم تتذوق شيئًا سوى مرارة الغياب.
تقول لنفسها:
"هُزمت من اثنين… سلطتهما أقسى من ألف معركة: الصمت والغياب."
كانا ينهشان قلبها بالتناوب، أحدهما يُجمدها والثاني يُشعلها.
أما صمتها، فكان أقرب إلى سجنٍ داخلي… تمردت عليه مرارًا، خانته ببعض الكلمات التي تسربت كالماء من بين الأصابع، لكنها لم تكفِ لإنقاذها.
وجهها الذي طالما قيل إنه "هادئ كالسماء"، أصبح مرآةً متعبة،
نظراتها تفضح هشاشتها… وإن بدت متماسكة.
في تلك الليلة، عادت إلى مرآتها.
همست بانكسار:
"أفتقدك بشدة… حتى طيفك المغرور تآمر عليَّ واجتاحته الضبابية."
تذكرتُه. لا اسمه، لا ملامحه الكاملة، فقط دفء صوته، حين كان يناديها:
"يا وشاح الصباح، يا مملكتي الجميلة."
لكنه رحل.
ربما لم يكن يعلم أن رحيله سيُجفف أطراف حواسها.
وأنّها ستتجمّد بين مدٍّ يقذفها نحو النضج، وجزرٍ يسرق منها الأمان.
مشاعرها هجرت مملكتها.
وروحها… نُفيت إلى مكانٍ لا تُعرف فيه الأسماء، ولا يُكتب فيه العزاء.
أمسكت بدفترها القديم.
كتبت رسالة… لم تُعنونها.
قالت فيها:
"بالأمس، استحضرت كل ابتساماتك، لأخيط منها وشاحًا أقي به برد الغياب… وعندما عانقتني نظراتك في مخيلتي، شعرت كأنني أسترد أنفاسي. لا تطل هذا الغياب، فالصمت يوشك أن يعلن حدادًا على اللغة، والحنين يكاد يصرخ باسمي دون صوت… إرجع، وفُكّ حداد حروفي."
أغلقت دفترها.
واختارت أن تضعه على عتبة الذاكرة…
فلربما، إذا عاد، يقرؤه ذات مساء.
أو ربما، حين يُعاد توزيع الضوء في مملكتها، ستقرأه هي… وتبتسم.
#نادية_الإبراهيمي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟