|
(حين يُجتهد في مورد النص: أزمة القضاء العراقي بين غياب المساءلة وتواطؤ الصمت المؤسسي)
سعد محمد مهدي غلام
الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 18:23
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
(عدالةٌ مع وقف التنفيذ: من مؤسسة دستورية إلى أداة لتعميق الفوضى)
المقدّمة: التحديات الهيكلية للقضاء العراقي
(القضاء بين المبدأ والواقع)
في أي نظام ديمقراطي، يُعتبر القضاء الضامن الأخير للحقوق والحريات، والسد المنيع ضد العبث بالنصوص القانونية. لكن في العراق، تحوّل من حارس للعدالة إلى ساحة للاجتهادات المنحرفة، حيث تُختزل النصوص الصريحة في تأويلات ضيقة أو انحرافات صريحة، وسط غياب شبه تام للمساءلة وتواطؤ مؤسسي يتجلى في الصمت والتبرير. هذه الأزمة ليست مجرد خلل إجرائي عابر، بل انهيار تدريجي لمعيارية العدالة، ينذر بتحويل القضاء إلى أداة للانتقاء السياسي أو الانتقام، بدلًا من أن يكون ملاذًا للمظلومين. فكيف وصل القضاء العراقي إلى هذه الحال؟ وما هي الآليات التي تكرّس هذه الأزمة؟
إن واقع القضاء العراقي اليوم لا يعكس مجرد أخطاء مهنية، بل يكشف عن أزمة هيكلية تتجذر في طبيعة النظام السياسي وتأثيراته على استقلال القضاء. فمنذ 2003، واجهت المنظومة القضائية انحرافات وإشكالات نشأت من تجربة انتقال ديمقراطي هشّة، مما يستدعي مراجعة جذرية. ففي بلدٍ تئنّ مؤسساته تحت وطأة المحاصصة، والولاءات العابرة للدستور، يجد المواطن العراقي نفسه في مواجهة دولة بلا ضمير قانوني، وسلطة قضائية مأزومة، لا تملك إلا الصمت، أو المواربة، أو الانحياز. بين اجتهادات تتجاوز النصوص وخصوصًا بعد القرار 14/الهيئة العامة/2022 – 31/8/2022: "تفسير النص القانوني يعود إلى المحكمة المختصة عند النظر في النزاع الموضوعي، ولا سلطان حتى للمحكمة الاتحادية بعد ردها للطعن الدستوري." الذي فتح باب السلطة التقديرية على مصراعيه، وحدى ببعض المحاكم إلى تجاوز النصوص الواضحة باجتهادات لا مسوغ لها...
، وهيئات رقابية مكبّلة، ومحاكم تنسج أحكامها من ظنون لا من وقائع، يتكشّف أمامنا واقعٌ مرير: أن القضاء العراقي لم يعد حارسًا للعدالة، بل في كثير من الأحيان، أصبح شريكًا في إنتاج الظلم. وما يزيد الأمر خطورة، أن هذا الانهيار لا يبقى في حدود أروقة المحاكم، بل ينعكس أثره على مجمل البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية: من تصاعد سطوة العشائر، إلى شيوع الرشوة والتزوير، ومن فوضى المخدرات إلى تهتك النسيج الأسري والتعليمي، كل ذلك في ظل غياب قاضٍ لا يُشترى، ولا يُؤمَر، ولا يُخشى .
في هذه المعالجة التحليلية، نحاول أن نضيء على مكامن الخلل الجوهرية التي أصابت السلطة القضائية في العراق، ونربط بينها وبين الظواهر الأعمق التي تتغلغل في المجتمع، لنقول بصوت عالٍ: لا عدالة بلا قضاء مستقل، ولا إصلاح دون مساءلة حقيقية لمنظومة القضاء.
أولًا: الإطار النظري والقانوني لاستقلال القضاء
1.1 المبادئ الدستورية لاستقلالية القضاء ينص الدستور العراقي في المادة (19) على أن "القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون"، كما نصت المادة (88) على أن "السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقاً للقانون". هذا الإطار يتماشى مع المبادئ الدولية، ومنها المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية الصادرة عن الأمم المتحدة التي تنص على "تمكين القضاء من الفصل في المسائل المعروضة عليه بحياد، وعلى أساس الوقائع ووفقًا للقانون، دون تأثيرات غير مبررة". لكن التطبيق العملي كشف عن تحديات كبيرة، منها تدخلات سياسية، واستقالات رؤساء وأعضاء في المحكمة الاتحادية العليا بسبب ضغوط غير قانونية.
1.2 لا اجتهاد في مورد النص تنص المادة (2) من القانون المدني العراقي على أنه "لا مسوّغ للاجتهاد في مورد النص"، وهو ما يعني منع أي تأويل يفرغ النص من معناه أو يتجاوزه، حفاظًا على سيادة القانون، وضمانًا للأمن القانوني، وتحقيقًا للعدالة. اجتهاد القاضي في مورد النص حين ينحرف عن المعنى الظاهر يُعد خرقًا خطيرًا يضرب الثقة بالمؤسسة القضائية، ولا يجوز تبريره بسوء فهمٍ لمفهوم السلطة التقديرية التي لا تَسري بوجود نص قانوني صريح.
ثانيًا: الاجتهاد في مورد النص.. انتهاك صريح للقانون
2.1 الاجتهاد المحظور: من التأويل إلى الانحراف ينطوي التجاوز على النص على صور عديدة: كإسقاط دفوع جوهرية دون بيان الأسباب (مخالفة للمادة 159 مرافعات)، أو تجاهل أحكام تمييزية نافذة (مثل قرار الهيئة الموسعة 88/2024)، وتذرع القاضي بسلطة التقدير كذريعة لخرق النصوص والسوابق.
2.2 التصديق الوهمي: مخالفة الوقائع
ورد في أحد قرارات محكمة البداءة عبارة "وقد صُدّق القرار تمييزًا"، في حين أثبتت الوقائع أن القرار كان مردودًا شكليًا فقط. ورغم تقديم أدلة قاطعة على ذلك، صدق فرية قرار محكمة البداءة دون تحري تحقيق قرار محكمة التمييز هذا الخلل، مما أدى إلى ضياع حقوق المتقاضين.
2.3 محكمة التمييز: بين التصحيح والإهمال
تجاهل قرار محكمة التمييز الحقيقة رغم وجود وقائع جوهرية تؤثر في النتيجة، وهو خرق للمادتين (203) وعلة وجه التحديدة الفقرة خامسًاو (219) مرافعات، وعلى وجه التحديد الفقرتين الاولى والثانية من( أ )من المادة أعلاه، ويعكس غياب التحقق والرقابة الفعالة حتى داخل أعلى مؤسسة قضائية.فالقرار البدائي وقع في جميع المحضور وفق تكييف المادة 203 وخصوصا الفقرتين الاولى والخامسة منه
2.4 التباين الاجتهادي: أزمة ثبات قضائي
أهمل قرار محكمة التمييز قرارًا نافذًا (88/2024) يُجيز إعادة رفع الدعوى بعد الرد الشكلي، وحكم بعكسه، مما يدل على غياب الاتساق، وتضارب السوابق القضائية، ويهدد الأمن القانوني للمواطنين.
2.5 الصمت المؤسسي: غياب المساءلة
تحولت قرارات محكمة التمييز إلى مجرد أختام تصديق دون تفعيل حقيقي لموجبات التمييز وحقوق الخصوم بالطعن التمييزي وفق احكام المادة 203، وغضّ مجلس القضاء الأعلى الطرف عن الانحرافات، بل قرر منع نشر الأحكام قمعًا لمبدأ الشفافية المتوخاة بقرارات القضاء لضمان النزاهة والعدالة والتحديد من كشف حقيقة القرارات المخالفة للقوانين النافذة في مجتمع ينص دستوره على الديمقراطية والتي تستوجب ان تحكمها القوانين ...
ثالثًا: المساءلة المؤسسية للقضاة
3.1 ألتزام القاضي بالنص القانوني والواجب القضائي: وفق قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979المعدل و قرار مجلس القضاء الأعلى رقم (3) لسنة 2006 في مدونة القواعد والمبادئ التي يجب على القضاة الالتزام بها لضمان نزاهتهم واستقلالهم وحيادهم. إن القاضي ملزم بأداء واجبه بأمانة وحياد ، ويترتب على مخالفة ذلك آثار تأديبية . لكن هذا النص أصبح معطلاً في الممارسة.
3.2 التحديات العملية للمساءلة
رغم وجود هيئة إشراف قضائي، إلا أن فاعليتها محدودة أمام غطاء حزبي أو ميليشياوي يحمي بعض القضاة من المحاسبة، ما جعل نصوص المساءلة حبرًا على ورق.
3.3 التدخل السياسي في القضاء
تشمل التدخلات: فرض أسماء في التعيين القضائي، الضغط في القضايا ذات الطابع السياسي، وتحريك الإعلام للتأثير في الأحكام. كل ذلك يقوّض استقلال القضاء ويشكك في نزاهته.
رابعًا: تطبيقات تشي بإشكالات الاختصاص والإجراءات منها:-
4.1 إبطال القسام النظامي تبعًا لبطلان الشرعي
"قرار الهيئة الموسعة المدنية رقم 78/2007 قرر صراحةً أن كلاً من القسامين الشرعي والنظامي يجب أن يصدر عن المحكمة المختصة مكانياً بحسب محل السكن الدائم للمتوفى، عملاً بالمادة 310/1 من قانون المرافعات. ومن هذا المبدأ يُستنتج أن بطلان القسام الشرعي لعدم الاختصاص المكاني يقتضي إبطال القسام النظامي المبني عليه، لكونه قد بُني على إجراء باطل افتقد أحد شروطه الجوهرية." تجاهل ذلك أدى إلى إهدار العدالة في عدد من القضايا.
4.2 الفهم القاصر لقوانين الإرث والتركة
"لقد أدى التأويل المشوَّه للمادة المرجعية بفقرتيها (1194/1 و1194/2) من القانون المدني إلى إقصاء بعض الورثة من حقوقهم الانتقالية الثابتة، لا لسبب سوى ضعف التدريب القضائي، وغياب الرجوع إلى السوابق والاجتهادات، وانعدام التخصص في محاكم البداءة، ولا سيما في مناطق الوسط والجنوب. وفي مخالفة صريحة للقانون، تجاهلت محكمة بداءة قاعدة حلول الفروع محل أصولهم المتوفين، وأخضعت الحقوق الانتقالية لأحكام الميراث الشرعي، مستندة إلى المادة 74 من قانون الأحوال الشخصية، التي تنظم الوصية الواجبة ضمن ثلث التركة، على الرغم من أن حقوق الانتقال لا تخضع لهذه الأحكام. وبهذا الخلط، تم توزيع الحصص كما لو أنها ميراث شرعي، لا حقوق مدنية مستقلة، مما يكشف عن فقر مفاهيمي والشرعي. ومع فداحة هذا الانحراف، صادقت محكمة التمييز على القرار، مما مثّل خرقًا مزدوجًا: للنص المدني الواضح، وللاجتهاد القضائي المستقر، وكرّس عمليًا حالة من التمييز والحرمان لا يسندها أي نص قانوني نافذ."
خامسًا: وجوبية التسبيب والعلنية
5.1 التسبيب في الأحكام
المادة (159) مرافعات تلزم المحكمة ببيان أسبابها القانونية. لكن بعض الأحكام تُصدر دون تسبيب، أو تُهمل دفوعًا جوهرية، مما يضعف حق الدفاع، ويقوّض الثقة بالقضاء.
5.2 منع النشر وتضييق الشفافية
قرار مجلس القضاء الأعلى بمنع نشر قرارات المحاكم بحجة "حقوق المؤلف" يتعارض مع قانون الإثبات، ويمثّل تراجعًا عن مبدأ علنية الأحكام، ويحول دون تطوير الاجتهاد القضائي ومراقبته.
سادسًا: التأهيل القضائي والمعهد القضائي
6.1 ضعف برامج التدريب
يركز المعهد القضائي غالبًا على الجانب النظري، ويُهمِل الممارسة العملية وأخلاقيات القضاء.
6.2 إصلاح التأهيل القضائي
ينبغي أن تشمل برامج التدريب المستمر: قواعد التفسير، الاجتهاد المنضبط، أخلاقيات المهنة، وتبادل الخبرات مع المؤسسات الإقليمية والدولية.
سابعًا: المساءلة المستقلة
7.1 إنشاء هيئة رقابة قضائية مستقلة
تحتاج المنظومة القضائية إلى جهاز رقابي مستقل فعليًا، يتمتع بصلاحيات دستورية وشفافية، ومحصّن من المحاصصة والتدخلات السياسية.
7.2 الإشراف القضائي الحالي: بلا فاعلية
تنتهك المواد والنظم والتعليمات التي تضبط سلوك القضاء افرادًا ومؤسسات بشكل يومي دون محاسبة، وتحال المخالفات الجسيمة إلى "أخطاء شكلية" مغطاة ، بينما يحمي بعض القضاة خلفياتهم المذهبية والأثنية وولاؤهم السياسي من أي إجراء.
7.3 ضرورة التأهيل والتدريب المستمر
التدريب المهني والدورات التخصصية يجب أن تكون دورية ومُفعّلة فعلًا لا شكلًا، لإنتاج قضاة يمتلكون الكفاءة والاستقلال.
7.4 الشفافية القضائية
يجب إلغاء قرار منع النشر، وإنشاء قاعدة بيانات موحدة للسوابق، مع علنية الجلسات، وتسهيل وصول المعلومات القانونية للجمهور.
7.5 الرقابة المجتمعية والبرلمانية
يجب تفعيل دور البرلمان والمجتمع المدني في الرقابة على القضاء، وتسهيل آليات التظلم، وتشجيع الصحافة القانونية المستقلة.
ثامنًا: التأثيرات الخارجية والإعلام
8.1 الإعلام والتدخل السياسي
وسائل الإعلام تُستخدم للتأثير على القضاة أو تشكيل الرأي العام. ما يُعرف بـ"المحاكمة الإعلامية" يهدد الحياد القضائي، ويجب وضع ضوابط مهنية وأخلاقية صارمة لها.
8.2 استراتيجية الإعلام
تستخدم المؤسسات الإعلامية أجندات موجهة، وخطابات إقناعية، ومنصات رقمية لتوجيه الرأي العام، مما يعزز تدخلها غير المشروع في العمل القضائي.
8.3 الرقابة الحكومية
الرقابة القضائية والإدارية والرقمية تفرض قيودًا غير مبررة على الإعلام، لكنها لا تمنع الفوضى، ما يخلق جدلًا دائمًا حول التوازن بين حرية التعبير والنظام العام.
تاسعًا: العدالة المأسورة
9.1 تشخيص الاختناق
يتقاطع الانهيار القضائي مع اختناقات طائفية، طبقية، وأمنية، وسط مجتمع يئن من التفكك الأسري، انتشار المخدرات، وتضعضع منظومة الضبط القانوني.
9.2 القضاء كأداة للفوضى
في مناخ مسيّس، يصدر القضاء أحكامًا مجاملة، أو مدفوعة بتوازنات اللحظة، ويهمل نصوصًا صريحة مثل المواد 159، 219، و196 من قانون المرافعات.
عاشرًا:
10.1 العدالة المأسورة: حين يفاقم الانهيار القضائي جراح المجتمع العراقي في مشهد عراقي مأزوم، تتكاثف الأزمات البنيوية لتشكّل طوقًا خانقًا على الدولة والمجتمع، وتتحول المؤسسة القضائية – التي يُفترض أن تكون صمّام الأمان الأخير – إلى جزء من معادلة الانسداد، لا إلى أداة لكسرها. فحين تتصدّع ثقة المواطنين بالقضاء، لا يعود انهيار العدالة مسألة قانونية فحسب، بل يصبح خطرًا بنيويًا يتسرّب إلى نسيج الدولة ويضاعف اختلالاتها الاجتماعية والسياسية.
10.2 في ظل واقع سياسي مأزوم يتقاطع فيه الاستقطاب الطائفي مع الفساد الإداري، وينكمش فيه دور المؤسسات المستقلة أمام سطوة المحاصصة والمحسوبيات، تتراجع سلطة القانون لتفسح المجال لمراكز قوى خارجة عن الرقابة. وفي قلب هذا المشهد، يقف القضاء العراقي في مواجهة اختبار تاريخي عسير، وسط غياب الضمانات الكافية لاستقلاله وفعاليته.
10.3 لقد بات شائعًا أن تتعطّل أحكام القوانين الصريحة، أو تُفسَّر على نحو انتقائي يخدم مراكز النفوذ، في محاكم يُفترض أن تحكم باسم الشعب لا لمصلحة جهة أو حزب. والأخطر أن ذلك يجري في مناخ اجتماعي مختنق، يتميّز بتصاعد ظواهر التخلع الأسري، والتفاوت الطبقي الحاد، وتفكك منظومات الضبط المجتمعي، وانتشار غير مسبوق لظواهر تعاطي المخدرات، إلى جانب اتساع دائرة الهجرة الداخلية واليأس الجمعي.
10.4 ومع تغلغل الفساد في جسد الدولة، يبرز القضاء بوصفه أحد أبرز مواطن الاختلال، حيث تتفشّى فيه ممارسات خطيرة كالتزوير، والرشوة، والتأثير العشائري، وضغوط المليشيات، وتدخّل الكيانات الحزبية في التعيينات القضائية أو توجيه الأحكام. كل ذلك يحدث في ظل غياب فعّال للرادع القانوني، وضعف الرقابة القضائية الفعلية، وتهتك الوازع الأخلاقي والضمير المهني لدى بعض القضاة الذين أصبحوا بمنأى عن المساءلة بفعل الحصانات الضمنية والعلاقات السياسية.
10.5 قد أدّى ذلك إلى شيوع نمط من الأحكام القضائية لا يستند إلى براهين قانونية بقدر ما يستند إلى توازنات اللحظة أو ضغوط ما وراء المنصة. فأحكام تُصدر بلا تسبيب قانوني، أو تُبنى على وقائع غير محققة، أو تُهمل دفوعًا جوهرية بحجة الشكليات، وهي ممارسات تمسّ جوهر العدالة وتنتهك موادًا صريحة من قانون المرافعات كالمواد (159) و(219) و(196)، فضلاً عن نص المادة (13) من قانون التنظيم القضائي التي تُلزم القاضي بأن يؤدي مهامه بأمانة وحياد.
الخاتمة: (هل من مخرج؟)
إن أزمة القضاء العراقي ليست أزمة نصوص، بل أزمة إرادة. ولإنقاذ ما تبقى من هيبة القضاء، لا بد من:
1. إصلاح هيئة الإشراف القضائي بجعلها مستقلة عن مجلس القضاء الأعلى، ومحصنة من الاختراقات السياسية.
2. إجبار المحاكم على نشر أحكامها لضمان الشفافية.
3. تفعيل المساءلة القانونية ضد القضاة المخالفين، وخاصة الذين يخالفون النص الصريح.
وبالمحصلة، فإن الإصرار على إخفاء القرارات، والتواطؤ في تمرير الاجتهادات المنحرفة، والسكوت عن الأخطاء الجسيمة في الأحكام، كلّها تؤسس لأزمة حقيقية في بنية العدالة في العراق، لا تنفع معها المجاملة أو البيانات الشكلية.
إن التحديات التي يواجهها القضاء العراقي تتطلب حلولاً جذرية وإصلاحات هيكلية شاملة. فالعدالة لا تُبنى على الصمت، بل على الشفافية والمساءلة. والكرامة القضائية لا تُصان بالتستر على الأخطاء، بل بالاعتراف بها وتصحيحها.
لذلك، تستوجب الحالة الراهنة مساءلة جادة، وتطوير جهاز رقابي قضائي مستقل محصن من الطائفية والعشائرية والانتماءات الحزبية، تكون وظيفته مراقبة الأداء القضائي مضمونياً لا شكلياً.
إن الكرامة القضائية لا تُبنى على الصمت، بل على المكاشفة، ولا تُصان بالهالة، بل بالتصويب، فالعدالة لا تخشى الرقابة، بل تطلبها. والإصلاح الحقيقي يتطلب شجاعة في مواجهة التحديات، وإرادة سياسية لتحقيق التغيير، وتضافر جهود جميع أطياف المجتمع العراقي لبناء نظام قضائي يليق بتطلعات الشعب العراقي نحو العدالة والكرامة.
إنشاء قاعدة بيانات سوابق قضائية لوقف التناقض الاجتهادي. العدالة لا تُبنى بالصمت، بل بالجرأة في مواجهة الخلل. والقضاء العراقي لن يستعيد ثقة الناس إلا إذا تحول من قضاء الصمت إلى قضاء المساءلة.
ويشكل استقلال القضاء وحرية الإعلام ركيزتين أساسيتين لأي نظام ديمقراطي عادل. في العراق، تتقاطع تحديات الأحزاب السياسية، الضغوط الإعلامية، والرقابة الحكومية لتؤثر سلبًا على هذه الركائز. تحقيق إصلاح حقيقي يستلزم عزيمة سياسية، تطوير أطر قانونية وتنظيمية شفافة، وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية العدالة والحق في إعلام حر ومسؤول. فبدون استقلالية حقيقية للقضاء وإعلام نزيه، ستبقى مؤسسات العدالة الديمقراطية العراقية عرضة للانتهاكات والتسييس.
وما يزيد الصورة قتامة، أن المواطن العراقي – وهو يعيش هذه الاختناقات المجتمعية والسياسية – لم يعد يملك ملاذًا آمنًا في مؤسسة يُفترض أنها حامية للحق. فمع كل حكم قضائي جائر، تتآكل ما تبقى من الثقة، ويترسّخ الإحباط، وتُفتح نوافذ أوسع للانتقام الذاتي أو الانتماء القسري إلى مراكز حماية خارج القانون.
لقد أصبحت الحاجة اليوم إلى إصلاح جذري في المنظومة القضائية أمرًا وجوديًا، يتجاوز البُعد الإداري إلى البُعد السيادي، ويستلزم مقاربة شاملة تبدأ من تفعيل الرقابة على القضاة، وتحصين تعيينهم وتأهيلهم، إلى مساءلتهم الجدية في حال وقوع التجاوز، ومرورًا بإعادة تعريف معايير النزاهة والحياد والشفافية.
فالعدالة ليست بندًا بيروقراطيًا في سجل الدولة، بل هي روحها، ومتى ما اختنقت الروح، تفكك الجسد. وما نراه اليوم ليس إلا أعراض أزمة أعمق، تبدأ من محكمة، وقد تنتهي بانهيار العقد الاجتماعي بأكمله....
المصادر والمراجع
المصادر القانونية العراقية: 1. الدستور العراقي لسنة 2005 2. القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 3. قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 4. قانون التنظيم القضائي العراقي رقم 160 لسنة 1979 5. قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 6. قانون مجلس القضاء الأعلى رقم 70 لسنة 2017 7.قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل 8. مدونة السلوك القضائي بموجب قرار مجلس القضاء الأعلى رقم (3) لسنة 2006 المراجع العربية والعراقية: 1. مجلس القضاء الأعلى العراقي، النظام القضائي في العراق، متاح على: https://www.sjc.iq/Judicial-system.php 2. المعهد القضائي العراقي، ويكيبيديا العربية، مارس 2022 3. الجزيرة نت، "تداعيات استقالة رئيس المحكمة الاتحادية العليا على استقلالية القضاء العراقي"
مامش: جميع الأولويات والقرارات تحت يد الكاتب لمن يرغب بالاطلاع عليها
#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(بِرَوْثِ المَعْجَمِ أَرْهَصُ) (هَذَيانُ عِشْقٍ يَقْتاتُ مِن
...
-
( الشَّاعِرُ: صَيْرُورةُ فَرَاشةِ كَاليمَا)
-
(إضاءة نقدية على قصيدة -انتظار- للشاعر شلال عنوز)
-
(أطيافُ الخراب في مرآةِ الكابوس:شَفَقٌ أَخْضَرُ)
-
(الأنوثة المبدعة بين الزمن والرمز: قراءة سيميائية في قصيدتي
...
-
(المَنْفى)
-
(مراثي زَمانٍ يُبشِّرُ بالخُذلان)
-
(بين ازدواجية الخطاب وتكميم الأصوات: القضاء العراقي في مرآة
...
-
(حين ينتقد القضاة بعضهم علنًا: قراءة في أزمة الخطاب القضائي
...
-
(مراجعة سيميائية عامة لقصيدة الشاعرة بشرى البستاني: [أنثى ال
...
-
(رَهْبَةُ القُرْبِ وَفَزَعُ الغِياب) (مُناجاةٌ بين قيثارةٍ ر
...
-
(عن الحنين الذي لا يهدأ: جَذْبَة )
-
(مُنْفَرِدُ التَّقْسِيمِ)
-
(على قنطرةٍ من لهبٍ وظِلّ: وَاسِني بِالسُّهى)
-
(رَهِينَةُ النَّيَاسِمِ) (اتِّبَاعًا لأَثَرِ الغِيَابِ المُق
...
-
(تَلَّةُ لَوزٍ مُرٍّ) (مرثيّةُ العشقِ المصلوبِ على هودجِ الخ
...
-
(نَشِيدُ العِنْدَلِيبِ وَشَجَرَةُ التِّينِ)
-
- هدر دم خور عبد الله بتدخل القضاء العادي في القضاء الدستوري
...
-
تحليل قانوني دستوري لمقال : -أمواج خور عبد الله بين قرارين م
...
-
/(سُوبَاطُ النِّسْيَانِ: نَامُوسُ الصُّقُورِ) ديون شعري
المزيد.....
-
بوركينا فاسو تعلن منسقة الأمم المتحدة شخصا غير مرغوب فيه
-
برنامج الأغذية العالمي: الجفاف يدفع ثلاثة ملايين سوري نحو ال
...
-
بوركينا فاسو تعلن منسقة الأمم المتحدة شخصا غير مرغوب فيه
-
تعثر المفاوضات بين الكونغو ومتمردي حركة M23 في الدوحة وسط خل
...
-
صحافة عالمية: إعلام إسرائيل يتناول مجاعة غزة ونتنياهو يهاجم
...
-
صحافة عالمية: إعلام إسرائيل يتناول مجاعة غزة ونتنياهو يهاجم
...
-
سجن -الكاتراز- في فلوريدا... شكاوى من التعذيب ومحاولة الانتح
...
-
مكاتب مشبوهة تتربح من معاناة المهاجرين غير المسجلين بفرنسا
-
مصدر إسرائيلي: تلقينا رد حماس بشأن وقف إطلاق النار وتبادل ال
...
-
وزير دفاع إسرائيل: التهديد باجتياح مدينة غزة دفع حماس لبحث ص
...
المزيد.....
-
الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق
/ رابطة المرأة العراقية
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|