سعد محمد مهدي غلام
الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 04:49
المحور:
الادب والفن
تمهيد
في كلِّ طريقٍ غير مُعبَّد، ثمة نياسم موحلة لا تفضي إلى خلاص، بل تُراكم أثر الغياب، وتربكه في قلب السائر.
وهنا، لا يبدو الغيابُ انقطاعًا، بل قيمةٌ حُضوريةٌ مقلوبة، يسكنُ الأشياء، ويلطّخ يقينها، ويكتب أسماءنا بالوحل.
هذه القصيدة لا تُنشد الفقد، بل تحاوره ككائنٍ أليف/مفترس، لا يبرح العتبة، ولا يسمح بعبورها.
هي قصيدة تمشي حافيةً في شعاب النفس، تجسّد أثر الغياب وهو يتّخذ شكلًا داخليًا:
مرآةٌ تُعيدنا إلى أنفسنا مشروخين، لا لنُشفى، بل لنتمكّن من البكاء بشكلٍ أوضح.
النياسم هنا ليست ممرّاتٍ طبيعية، بل مسالك رمزية في الذاكرة،
حيثُ الأرض تتحوّل إلى جلد، والطرقات إلى أقدار، والذات إلى رهينة.
النص
[1]
لِلَّهِ دَرُّكَ،
أَلَا تَكُفَّ عَنِّي؟
غَائِبٌ عَنكَ،
بِكَ المُتْرَعُ حَدَّ اليَقِينِ.
(أَتُرَاكَ تَسْتَبْطِنُ الخَلَاصَ،
أَمْ تَرَاكَ مَا بَرِحْتَ النَّيَاسِمَ المُوحِلَةَ رَهِينًا؟)
[2]
فِي صَمْتِكَ...
يَنْبُتُ خَزَفٌ عَلى أَطْرَافِ الأَجْوِفِ،
وَتَنْزِفُ الْمَسَافَةُ مِلْحَ الرُّؤْيَا،
وَأَنَا
أَكْتُبُكَ فِي نُسْخَةٍ مَشُوبَةٍ بِالضَّرِيرِ،
تَنْسَخُ أَشْتَاتَ رِيحِكَ مِنْ دَمِي،
كَمَنْ يَبْعَثُ الغَيَابَ فِي أَضْلُعِ الخُرُوبِ.
[3]
تَخَفَّفْ مِنْ يَقِينِكَ،
الطَّرِيقُ لَا يُنْجِبُ الْوُصُولَ،
وَالنَّيَاسِمُ تَحْفُرُ أَسْمَاءَنَا فِي وَحْلٍ يَكْتُبُنَا...
ثُمَّ يَنْسَانَا.
أُرَتِّقُ ظِلَّكَ بِنَفَسِي،
كَأَنَّكَ ثُقْبٌ فِي سُرَّةِ الْهَوَاءِ،
تَتَسَرَّبُ مِنْكَ النُّجُومُ،
وَلَا يَبْقَى مِنْكَ
سِوَى رَهْبَةٍ تُلَفْلِفُ أَجْفَانِي
عِنْدَ كُلِّ طَرْقَةِ نَدَمٍ.
[4]
لَا شَيْءَ يُجِيدُ فِكَاكِي مِنْكَ،
كُلُّ مَا فِيكَ مُقِيمٌ فِيَّ:
غِيَابُكَ، يَقِينُكَ، سُؤَالُكَ، وَنَفْيُكَ.
هَذِهِ النَّيَاسِمُ الَّتِي تَسْكُنُ جِلْدَكَ،
هِيَ نَفْسُهَا الَّتِي تَغْرِسُنِي كُلَّ صَبَاحٍ
فِي طِينِ المُنْحَدَرِ.
لَمْ تَبْرَحْ...
وَلَمْ أَبْلُغْ...
فَكُنَّا مَعًا:
رَهِينَةَ بَعْضِنَا.
خاتمة:
قد لا ننجو من الغياب،
لا لأنّه قوي،
بل لأننا صرنا أكثر قابليةً له.
صرنا ملائمين للتيه،
كما تُفصَّل الأكفّ على قياس المرايا المحطّمة.
وفي النهاية،
لا أحد بلغ،
ولا أحد برِح...
ولعلّ الشعر وحده
هو مَنْ وقف بين الضفّتين،
يُحاول أن يُسَمِّي الذي لم يَحدُث،
ويُدوِّن أثرَ الخطى التي لم تُترَك.
#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟