أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد مهدي غلام - (لا عزاء: تمثّلات الزمن والوجع في الشعر الوجودي) (تشريح الذات المتداعية) (قراءة في قصيدة -لا عزاء- للشاعر شلال عنوز)















المزيد.....

(لا عزاء: تمثّلات الزمن والوجع في الشعر الوجودي) (تشريح الذات المتداعية) (قراءة في قصيدة -لا عزاء- للشاعر شلال عنوز)


سعد محمد مهدي غلام

الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 02:49
المحور: الادب والفن
    


تقدمة
في قصيدة "لا عزاء"، ينسج الشاعر" شلال عنوز "عالماً شعرياً مأزوماً، لا مكان فيه للمواساة التقليدية. النص لا يكتفي برفض طقوس العزاء، بل يحوّلها إلى استعارة لفشل اللغة ذاتها في إصلاح كسر وجودي. هنا، يصبح الرثاء تأملاً فلسفياً في العزلة والفقدان، حيث تتحطم الذات أمام ثلاثية قاسية: الزمن المتوحش، خيانة الجماعة، وهرم الروح.

أولاً: العنوان والاستهلال - (إعلان الانهيار )

1. العنوان:
("لا عزاء" كبيان عدمي)
العنوان ليس مجرد نفى للعزاء، بل هو رفض مزدوج:
- رفض الطقوس الاجتماعية (المعزّين، المراسم).
- رفض فكرة التئام الجراح النفسية.
هذه القطيعة تمنح النص طابعه الوجودي منذ اللحظة الأولى، وهو ما يتوافق مع مقولة مارتن هيدغر: "الوجود الإنساني هو وجود نحو الموت، حيث لا عزاء حقيقي في مواجهة العدم"*1.

2. الاستهلال:
(مشهدية الخراب )
يُفتتح النص بثلاثية دالة:
- الماء أجاج:
رمز الحياة الذي يصبح مالحاً غير صالح للشرب، وهو تناص مع القرآن الكريم:
"وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه" (سورة الكهف: 29)*2.
- الشجر عقيم:
رمز العطاء الذي يفقد قدرته على الإثمار، مما يعكس فكرة العقم الوجودي كما في شعر أدونيس: "الشجر الميت لا يموت، إنه يكتب اسمه على الماء"*3.
- الدروب المعوجة:
رمز المسار الذي يتشوّه، في إشارة إلى ضياع الاتجاه الوجودي كما عند محمود درويش:
"ضللت الطريق إلى الطريق، فماذا أفعل الآن؟"*4.

ثانياً: البنية الفنية - (لغة الانهيار )
1. الإيقاع:
(نَفَسُ المنهك)
اعتماد جمل قصيرة متقطعة: "يُحادث الزمن الساكت / يحكي وجعه المزمن للجدران"، وهو أسلوب يُذكرنا بتقنية التكثيف عند بدر شاكر السياب في "أنشودة المطر":
"أصغي إلى الريح، هل تسمع أنيني؟"*5.

2. الانزياحات:
(تحطيم المألوف )
- الزمن يُندم:
"ريح ندم الأزمنة"، وهو تحويل للزمن إلى كائن مُذنب، يشبه ما ورد عند بول ريكور:
"الزمن ليس إطاراً محايداً، بل هو فاعل في تشكيل الذات"*6.
- الألم لا يشيخ:
تناقض صارخ مع قوانين الطبيعة، يُذكرنا بقول ألبير كامو:
"الألم هو الوجه الآخر للوعي، ولا يشيخ لأنه جزء من الوجود"*7.

ثالثاً:
(الدلالات - أنطولوجيا الفقدان )
1. الزمن:
من العدل إلى القهر
الزمن هنا ليس محايداً، بل هو:
- صامت (لا يستجيب)، كما عند محمود درويش:
"الزمن الثقيل لا يسمع صوتنا"*4.
- سادي (يُمعن في إطالة الألم)، وهو ما يتوافق مع فكرة نيتشه عن "العود الأبدي" حيث يتكرر الألم بلا نهاية*8.

2. الخذلان الاجتماعي:
(وهم الجماعة )
المفارقة المركزية في النص:
"هم كثيرون في سعة الموائد / قليلون جداً عند شراسة الوقت"، وهي فكرة تذكرنا بقول جان بول سارتر:
"الآخرون هم الجحيم، خاصة عندما تكتشف زيفهم"*9.

رابعاً: التناصات - (حوار مع النصوص الأخرى)
1. التناص الديني:
- "الماء أجاج" إحالة إلى النصوص المقدسة (سورة الواقعة:
"وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل")2.
2. التناص الأدبي:
- محمود درويش:
فكرة "الزمن الصامت" تشبه "الزمن الثقيل" في "في حضرة الغياب*4.
- عدنان الصائغ:
تصوير الشيخوخة كـ"تآكل" في "مقامات التلف"*10.

خامساً: الخاتمة -( الكتابة كمقاومة)
"لا عزاء" ليست قصيدة عن اليأس، بل هي احتجاج على التزييف:
تزييف العزاء، تزييف العلاقات، وحتى تزييف الزمن. الشاعر هنا يرفض أن يكون الضحية السلبية، ويختار أن يقاوم بالكلمة، حتى لو كانت كلمة محطمة.

"يغفو على جمر قارعة الألم / والألم لا يشيخ"

هذه العبارة الختامية تؤكد أن النص ليس نهاية، بل هو استمرار للوجع عبر اللغة، كما يقول هيدغر: "اللغة هي بيت الكائن، وفيها يُحافظ على الألم كشهادة وجود"*1.

الهوامش :
*1: مارتن هيدغر، "الوجود والزمان"، ترجمة فتحي المسكيني (تونس: دار سيناترا، 2017)، ص 145.
*2: القرآن الكريم، سورة الكهف، الآية 29.
*3: أدونيس، "كتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل" (بيروت: دار الساقي، 1994)، ص 72.
*4: محمود درويش، "في حضرة الغياب" (بيروت: دار العودة، 2006)، ص 33.
*5: بدر شاكر السياب، :أنشودة المطر" (بغداد: دار الحرية، 1960)، ص 12.
*6: بول ريكور، "الزمن والسرد"، ترجمة فلاح رحيم (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2005)، ج1، ص 210.
*7: ألبير كامو، "أسطورة سيزيف"، ترجمة نهاد رضا (بيروت: منشورات عويدات، 1978)، ص 65.
*8: فريدريك نيتشه، "هكذا تكلم زرادشت، ترجمة فليكس فارس (القاهرة: دار المعارف، 1965)، ص 180.
*9: جان بول سارتر، "الوجود والعدم"، ترجمة عبد الرحمن بدوي (بيروت: دار الآداب، 1966)، ص 420.
*10: عدنان الصائغ، "مقامات التلف" (دمشق: اتحاد الكتاب العرب، 2012)، ص 55.

المراجع:
""1. أدونيس. :كتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل". بيروت: دار الساقي، 1994.
2. السياب، بدر شاكر. "أنشودة المطر". بغداد: دار الحرية، 1960.
3. درويش، محمود. "في حضرة الغياب". بيروت: دار العودة، 2006.
4. الصائغ، عدنان. "مقامات التلف" دمشق: اتحاد الكتاب العرب، 2012.
5. كامو، ألبير. "أسطورة سيزيف". ترجمة نهاد رضا. بيروت: منشورات عويدات، 1978.
6. نيتشه، فريدريك. "هكذا تكلم زرادشت". ترجمة فليكس فارس. القاهرة: دار المعارف، 1965.
7. هيدغر، مارتن. "الوجود والزمان". ترجمة فتحي المسكيني. تونس: دار سيناترا، 2017.
8. سارتر، جان بول. "الوجود والعدم". ترجمة عبد الرحمن بدوي. بيروت: دار الآداب، 1966.
9. ريكور، "بول الزمن والسرد". ترجمة فلاح رحيم. بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2005.

《قصيدة الشاعر شلال عنوز》

[(لا عَزاءَ)

الـماءُ أُجاجٌ
والشَّجَرُ عَقيمٌ
والدُّروبُ تَعَوْسَجَ فيها الخُطوُ
والمَسافاتُ نامَ على ضَجيجِها الفُقدانُ
ابتَلَعتْها ريحُ نَدَمِ الأزْمِنةِ
كانَ يُداعِبُ بَعضًا مِن حُلمٍ عَتيقٍ
يُجَرْجِرُهُ تِيهُ الـمَمرّاتِ الرّاعِفةِ
يَصْفَعُهُ ذُهولٌ مَقيتٌ
فَيَرى على ناصِيةِ الخَيْبةِ
عُرْيَ حَيْرَةِ الـمَحَطّاتِ وَوَجَعَ بَوْحِ الـمَشاويرِ
ولا عَزاءَ...
ما زالَ يُهَمْسُ بِبُطْءٍ في أُذْنِ الـوَجعِ
يُشاغِلُ عَصاهُ الّتي تَتوَكَّأُ عَلَيْها الشَّيْخوخَةُ مُكْرَهَةً
يَتَلفَّتُ عِندَ عَيْنِ الضَّياعِ، عَلَّهُ يَجِدُهُمْ
هُمْ كَثيرونَ في سَعةِ الـمَوائِدِ
قَليلونَ جِدًّا عِندَ شَراسةِ الوَقْتِ
قَليلونَ جِدًّا حَدَّ أنَّهُ لا يَراهُمْ
في نَزْفِ تَمَلْمُلِ عُكّازِهِ الـبَليدِ...
يُحادِثُ الزَّمنَ السّاكِتَ
يَحْكي وَجَعَهُ الـمُزْمِنَ لِلجُدْرانِ
يَتَمَدَّدُ على وُجيبِ آهاتِهِ
حَتّى احْتِراقِ الأنينِ
يَغْفو على جَمْرِ قارِعةِ الأًلمِ
والألَمُ لا يَشيخُ.]
النجف ١٩٧٢٠٢٥



#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (بورنو… في مُحْرَابِ الغياب ) (نصٌّ عن المحراب حين يُفتَح من ...
- (نُبُوءَةُ الزَّفِيرِ فِي كَفِّ العَابِرِ)
- (نَسِيجٌ عَلَى نَوْلِ الفَقْد)
- (أزمة القضاء في العراق: بين الاجتهاد الخارج عن النص وغياب ال ...
- (حَرْفٌ:جُفولُ الكينونةِ)
- ( المَخْدَعُ أَمِينٌ..... حُلِّي إزارَكِ... )
- (قَنادِيلُ الغِيَابِ العَاشُورَائي : سُرَّةُ النَّارِ في جسد ...
- (دراسة عملياتية جيواستراتيجية)
- (تحولات الهيمنة الغربية المنحدرة و المحور الأوراسي الصاعد.)
- (أَناشِيدُ القَنْدِيلِ فِي كِتابِ الغِيابِ لِأَسْفارِ الرَّم ...
- (قراءة في ديناميكيات المواجهة الكوكبية 2025-2026)
- (تحولات النظام الدولي 2025-2026: انهيار الهيمنة الغربية وصعو ...
- (انهيار النموذج الدولي الغربي: قراءة في ديناميكيات المواجهة ...
- (صَمْتٌ يَكْتُبُهُ الهَامِشُ)
- (غَيْمَةُ العَيْنِ تَسْقي زَنْبقَةَ الوَجْدِ)
- (الحِرْمَانُ: مِلْحُ البَوْحِ) (صرخةٌ تتشكّل في فم الغياب)
- 4/ الجزء الأخير من الورقة البحثية الجيوستراتيجية
- ((شيءٌ من الفَرَجِ) مع (كَوَابيسُ وَجَعٍ إِسْكاتُولُوجيَّةٌ) ...
- 3/ (المواجهة الحرجة بين إيران والكيان الصهيوني بمنظور رؤيا ك ...
- (طقوس العطر والغيم)


المزيد.....




- كتّاب وأدباء يوثقون الإبادة في غزة بطريقتهم الخاصة
- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي
- -خطر على الفن المصري-.. أشرف زكي يجدد رفضه مشاركة المؤثرين ف ...
- هل يحب أطفالك الحيوانات؟ أفلام عائلية أبطالها الرئيسيين ليسو ...
- أحمد عايد: الشللية المخيفة باتت تحكم الوسط الثقافي المصري
- مهرجان -شدوا الرحال- رحلة معرفية للناشئة من الأردن إلى القدس ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد مهدي غلام - (لا عزاء: تمثّلات الزمن والوجع في الشعر الوجودي) (تشريح الذات المتداعية) (قراءة في قصيدة -لا عزاء- للشاعر شلال عنوز)