أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سعد محمد مهدي غلام - تحليل قانوني دستوري لمقال : -أمواج خور عبد الله بين قرارين متناقضين- بقلم: فائق زيدان – 23 تموز 2025















المزيد.....

تحليل قانوني دستوري لمقال : -أمواج خور عبد الله بين قرارين متناقضين- بقلم: فائق زيدان – 23 تموز 2025


سعد محمد مهدي غلام

الحوار المتمدن-العدد: 8413 - 2025 / 7 / 24 - 04:47
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


مقدمة تأطيرية

في الأنظمة الدستورية الرصينة، تتجلى إحدى ركائز العدالة في مبدأ الفصل بين السلطات، وبالأخص بين القضاء الإداري والرقابي، وبين القضاء الدستوري الممثل بالمحكمة الاتحادية العليا. وقد شهدت الساحة القانونية العراقية مؤخرًا جدلًا واسعًا عقب نشر مقالة لرئيس مجلس القضاء الأعلى، تضمّنت تدخلًا غير مشروع في صلاحيات المحكمة الاتحادية العليا، فضلًا عن مغالطات قانونية تستحق الوقوف عندها وتحليلها بعمق.

أولًا: في المبدأ الدستوري – عدم اختصاص رئيس مجلس القضاء الأعلى بالطعن أو التقييم العلني لقرارات المحكمة الاتحادية العليا

وفق المادة (94) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005:

"قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة لجميع السلطات".

وبالتالي فإن محاولة رئيس مجلس القضاء الأعلى، وهو مسؤول إداري على رأس جهاز يشرف على القضاء العادي، تقييمَ أو نقض مشروعية قرار صادر عن المحكمة الاتحادية، هو تجاوز دستوري واضح، لا يليق بموقعه المؤسسي، ويتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات.

كما أن المادة (93/ثانيًا) من الدستور تحصر تفسير الدستور بالمحكمة الاتحادية العليا، وليس لأي سلطة قضائية أو تنفيذية أخرى – بما فيها مجلس القضاء الأعلى – إصدار مواقف علنية تحاول "تفسير تفسير المحكمة" أو التشكيك فيه، تحت أي مسمى.

ثانيًا: المغالطة الأولى – انتهاك مبدأ الفصل بين السلطات

ينص الدستور العراقي في المادة (47) على:

"تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات."

ولا يمكن لرئيس مجلس القضاء الأعلى – الذي يتولى إدارة القضاء العادي – أن يتدخل في تقييم أو تقويم قرارات المحكمة الاتحادية العليا التي تمثل قمة هرم القضاء الدستوري العراقي.

ثالثًا: المغالطة الثانية – خلط بين مبدأ العدول التمييزي والرقابة الدستورية

يحاول المقال أن يُطبّق مفهوم العدول عن المبادئ القضائية المنصوص عليه في المادة (13/أولًا/1) من قانون التنظيم القضائي – الخاص بالهيئة العامة لمحكمة التمييز – على المحكمة الاتحادية العليا، وهذا يمثل تطبيقًا مغلوطًا لمبدأ قضائي في غير موضعه.

العدول في محكمة التمييز يرتبط بالاجتهاد القضائي العادي.

أما المحكمة الاتحادية العليا، فهي ليست مقيدة بقواعد الاجتهاد السابقة، بل تملك، بموجب دستور 2005، سلطة التفسير وتعديل تفسيراتها بحسب تغيّر المعطيات الدستورية.

رابعًا: المغالطة الثالثة – الطعن في المادة (45) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا

أورد المقال أنّ المادة (45) من نظام المحكمة الاتحادية "تُجيز العدول عن مبدأ" وليست مخصصة لنقض الأحكام القطعية. لكنه تجاهل حقائق قانونية واضحة:

1. الأنظمة الداخلية لا تُنشئ صلاحيات جديدة، لكنها تنظّم ما هو موجود أصلًا بموجب الدستور أو القانون، والمادة (45) تنظم ممارسة واقعية لصلاحية أصيلة للمحكمة.

2. المحكمة لم تنقض حكمها السابق، بل عدلت عنه باجتهاد دستوري جديد، وهو ما تقرّه النظم الدستورية العالمية.

3. المادة (93/ثانيًا) من الدستور تمنح المحكمة صلاحية تفسير النصوص الدستورية، ولا يوجد ما يمنعها من إعادة النظر بتفسير سابق إذا اقتضت المصلحة الدستورية.

خامسًا: المغالطة الرابعة – التخويف من تداعيات القرار على الاتفاقيات الدولية

يحذر المقال من أن القرار بعدم دستورية التصديق على اتفاقية خور عبد الله قد يؤدي إلى إبطال أكثر من 400 اتفاقية دولية. وهذا يُعد مغالطة منطقية تعرف بـ "الانحدار الزلق".

الطعن لم يكن ضد الاتفاقية كاتفاقية دولية، بل ضد قانون التصديق الداخلي، وهذا جائز في فقه القانون الدولي.

لا يمكن تعميم البطلان على جميع الاتفاقيات، لأن لكل اتفاقية نصابها الدستوري الخاص.

المحاكم لا تحكم ببطلان الاتفاقيات نفسها، بل تراجع مدى دستورية الإجراءات الداخلية للمصادقة.

سادسًا: مغالطة المساس بحجّية الأحكام القضائية – مع دعم من القانون الدولي العام

أشار المقال إلى أن المحكمة الاتحادية العليا قد أخلّت بمبدأ "حجّيّة الأمر المقضي فيه" المنصوص عليه في المادة (105) من قانون الإثبات العراقي، لكن هذا الاستدلال يتعارض مع طبيعة الأحكام الدستورية.

1. التمييز بين الأحكام القضائية التفسيرية والخصومية

قرارات المحكمة الدستورية ليست خصومية بين أطراف، بل تفسير معياري ملزم.

وقد أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية Zielinski v. France (1999) هذا المبدأ بوضوح.

2. اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969)

المادة (27): لا يجوز للدولة الاحتجاج بقانونها الداخلي للامتناع عن تنفيذ المعاهدة.

لكن المادة (46) تسمح للدولة بإعلان بطلان الالتزام إذا ثبت أنه تم بمخالفة واضحة لقواعدها الدستورية.

3. المحكمة الدستورية الألمانية – Solange I, 1974

أقرت المحكمة بحقها في مراجعة الاتفاقيات إذا خالفت الدستور الأساسي، وأكدت أن السيادة الدستورية الوطنية لا تُعلق بموجب اتفاقية دولية.

سابعًا: تناقض المقال مع مبدأ الشفافية القضائية – بدعم من القانون الدولي

من المفارقة أن يمنع رئيس مجلس القضاء الأعلى نشر قرارات المحاكم، ثم يكتب بنفسه مقالة علنية للطعن بحكم المحكمة الاتحادية العليا.

1. المادة (14) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (1966):

"تُعلن الأحكام القضائية علنًا، والناس متساوون أمام القضاء."

2. تعليق اللجنة المعنية بحقوق الإنسان (2007):

"حجب الأحكام القضائية انتهاك للحق في المحاكمة العادلة، ويجب أن تكون متاحة للجمهور عبر الوسائط المناسبة."

هذا يدل على أن قرار حجب القرارات القضائية، الذي أصدره رئيس المجلس، يُعد مخالفة مزدوجة: قانونية ودستورية.

ثامنًا: الطبيعة الدستورية للمحكمة العليا – دعمًا من المقارنات الدولية

1. لجنة البندقية (مجلس أوروبا):

> "لا يجوز لأي جهة تنفيذية أو قضائية أدنى أن تتدخل أو تطعن علنًا في صلاحيات المحكمة الدستورية أو قراراتها الملزمة."
(الرأي رقم CDL-AD(2010)004)



2. المحكمة العليا الهندية – Kesavananda Bharati (1973):

رفضت المحكمة تدخل البرلمان في تفسيرها للدستور، وأكدت أنها المرجعية النهائية، لا تُقيّد حتى بتشريعات البرلمان.

خاتمة

إن مغالطات مقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى لا تتوقف عند الخطأ القانوني الداخلي، بل تمتد إلى مخالفة مبادئ القانون الدولي، وانتهاك الأعراف القضائية المقارنة، وتخريب مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء الدستوري.

القضاء الدستوري في العراق لا يمكن اختزاله في رأي إداري أو استهدافه عبر مقالات تفتقر إلى التوصيف المؤسسي والدستوري السليم، ومثل هذا الخطاب، حين يصدر عن رأس السلطة القضائية العادية، لا يُعبّر عن اجتهاد قانوني بل يُنذر بانهيار مبدأ توازن السلطات، الذي عليه تقوم شرعية النظام القانوني.

المراجع الدستورية والدولية المعتمدة

دستور جمهورية العراق (2005): المواد 47، 59، 61، 93، 94.

قانون التنظيم القضائي العراقي رقم 160 لسنة 1979.

قانون الإثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979، المادة 105.

اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969)، المواد 26، 27، 46.

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966)، المادة 14.

تعليق اللجنة الأممية لحقوق الإنسان العام (رقم 32) لسنة 2007.

رأي لجنة البندقية: CDL-AD(2010)004.

المحكمة الدستورية الألمانية – Solange I, 1974.

المحكمة العليا الهندية – Kesavananda Bharati v. State of Kerala, 1973.

المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان – Zielinski v. France, 1999.



#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- /(سُوبَاطُ النِّسْيَانِ: نَامُوسُ الصُّقُورِ) ديون شعري
- (ثُلاثيّة الإدراك، الصمت، الصدى: قراءة سيميوطيقية فلسفية – ج ...
- (لا عزاء: تمثّلات الزمن والوجع في الشعر الوجودي) (تشريح الذا ...
- (بورنو… في مُحْرَابِ الغياب ) (نصٌّ عن المحراب حين يُفتَح من ...
- (نُبُوءَةُ الزَّفِيرِ فِي كَفِّ العَابِرِ)
- (نَسِيجٌ عَلَى نَوْلِ الفَقْد)
- (أزمة القضاء في العراق: بين الاجتهاد الخارج عن النص وغياب ال ...
- (حَرْفٌ:جُفولُ الكينونةِ)
- ( المَخْدَعُ أَمِينٌ..... حُلِّي إزارَكِ... )
- (قَنادِيلُ الغِيَابِ العَاشُورَائي : سُرَّةُ النَّارِ في جسد ...
- (دراسة عملياتية جيواستراتيجية)
- (تحولات الهيمنة الغربية المنحدرة و المحور الأوراسي الصاعد.)
- (أَناشِيدُ القَنْدِيلِ فِي كِتابِ الغِيابِ لِأَسْفارِ الرَّم ...
- (قراءة في ديناميكيات المواجهة الكوكبية 2025-2026)
- (تحولات النظام الدولي 2025-2026: انهيار الهيمنة الغربية وصعو ...
- (انهيار النموذج الدولي الغربي: قراءة في ديناميكيات المواجهة ...
- (صَمْتٌ يَكْتُبُهُ الهَامِشُ)
- (غَيْمَةُ العَيْنِ تَسْقي زَنْبقَةَ الوَجْدِ)
- (الحِرْمَانُ: مِلْحُ البَوْحِ) (صرخةٌ تتشكّل في فم الغياب)
- 4/ الجزء الأخير من الورقة البحثية الجيوستراتيجية


المزيد.....




- فلسطينيون يتظاهرون في الضفة تنديدا بالإبادة والتجويع بقطاع غ ...
- لجنة بـ-الجنائية الدولية- تحيل المجر إلى هيئة رقابة لعدم اعت ...
- المحكمة الجنائية تدين قياديين في -أنتي بالاكا- بجرائم حرب بأ ...
- التعذيب بالماء الساخن والإجبار على شرب الخمر: شهادات مروعة ل ...
- نشطاء يشوهون بطلاء أحمر واجهة بعثة إسرائيل لدى الأمم المتحدة ...
- وفاة طفل بسبب المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة
- الإعلامي الحكومي في غزة: ازدياد المجاعة في القطاع لعدم دخول ...
- قضية إنستالينغو في تونس بين حرية التعبير وأمن الدولة
- صندوق الأمم المتحدة للسكان: تزايد خطر الاستغلال الجنسي المرت ...
- الأمم المتحدة تطلق نداء لجمع 3 مليارات دولار لمساعدة السوريي ...


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سعد محمد مهدي غلام - تحليل قانوني دستوري لمقال : -أمواج خور عبد الله بين قرارين متناقضين- بقلم: فائق زيدان – 23 تموز 2025