أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد مهدي غلام - (إضاءة نقدية على قصيدة -انتظار- للشاعر شلال عنوز)















المزيد.....

(إضاءة نقدية على قصيدة -انتظار- للشاعر شلال عنوز)


سعد محمد مهدي غلام

الحوار المتمدن-العدد: 8431 - 2025 / 8 / 11 - 15:01
المحور: الادب والفن
    


تقدمة:
يقدّم نص "انتظار" نموذجًا بارزًا لما يمكن تصنيفه ضمن القصيدة الملحمية–الوجدانية في الشعر العربي الحديث؛ حيث تمتزج التجربة الذاتية بالهمّ الجمعي، وتتحول المأساة الفردية إلى مرآةٍ للنكبة الوطنية. هذا النمط الشعري ترسّخت دعائمه منذ خمسينيات القرن العشرين في تجارب بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي، وبلغ ذروته الاحتجاجية في نصوص مظفر النواب ومحمود درويش، حيث تتماهى الأنا الفردية وصراع الكوجيتو مع سيرورة الوطن/الأمة، ليصبح الشاعر ناطقًا باسم الجماعة المنكوبة (أبو ديب، 1990؛ إسماعيل، 1984).

1. البنية الدلالية: ارتقاء يواجه خراب الواقع

تتوزع القصيدة على ثلاث حركات نصية كبرى:

أ. الافتتاح: يبدأ النص بنداء وجداني داخلي يخاطب أنثى رمزية: «كلما اقتربت منكِ…». هنا يتشكل أفق ممتد يربط الحضور الشخصي بالمسافة العاطفية، في مشهد يحاكي افتتاحات السياب الحلمية التي تبدأ بلحظة حنين قبل الانحدار نحو مأساة المكان (حسين، 1986).

ب. التحوّل وصراع الأنا/الوطن: ينتقل النص إلى التماهي بين الأنا والوطن، حيث يتحول الجسد الشخصي إلى خريطة خراب وطني، في ما يسميه عز الدين إسماعيل (1984) بـ"التجسيد الميتافوري للمقاومة".


ج. الخاتمة (الكودا): يعود النص إلى نقطة البداية – الانتظار – ولكن بعد رحلة مثقلة بالخراب والخيانة والخيبة، لينغلق في دائرة زمنية مصمتة، تماثل ما يسميه أبو ديب (1990) "البنية الدائرية للقصيدة المأساوية".

ج. الإيقاع الداخلي وبنية الإنشاء

رغم غياب الوزن الخليلي التقليدي، تولّد القصيدة إيقاعها الخاص عبر:

التوازي التركيبي: تكرار ضمير المتكلم "أنا" يمنح النص نبرة ملحمية (فضل، 1992).

التصعيد التراكمي: انتقال الصور من الهادئ (السوسنة النافرة) إلى الصادم (لا إله إلا النحر) على نحو يذكّر بالبناء المرثوي الكبير (إسماعيل، 1984).

التوتر الأسلوبي: المزج بين الخبر المتأمل والإنشاء الندائي يحقق ديناميكية نصية تحافظ على شحنة الخطاب وحيويته.

د. شبكة الصور والرموز

تنقسم الحقول الصورية إلى ثلاثة محاور مركزية:

أولًا/ الجسد المُعَنَّى: "أنام على مسامير الحرمان… حلمي يولد مشوهًا"؛ وهي صور من "الجسد المجازي" حيث يتجسد الألم النفسي في الأعضاء (المرزوقي، 1991).


ثانيًا/ الوطن الجريح: "المدن المنكوبة… تطوف على بحيرات البترول"؛ مفارقة ثروة/خراب تتكرر في شعر الاحتجاج السياسي (النواب، 2000).


ثالثًا/ الخيانة المقدسة: "أخوة يوسف… لا إله إلا النحر"؛ إعادة توظيف رموز دينية في سياق نقدي يكشف زيف المقدس (الغذامي، 1985).


رابعًا/الدلالات الكبرى

الزمن: ممتد ومغلق، حيث يتماهى الحاضر والماضي في انتظار عبثي يحيل إلى "اللازمن المأساوي" (أشهبون، 2008).

المخاطَب المزدوج: الأنثى الأولى تتسع رمزيتها لتكون الحبيبة/الوطن/الحرية، ما يتيح تعدد مستويات القراءة (مفتاح، 1985).

التوتر بين الرمز والتصريح: المزج بين الرمز الحلمي (السوسنة، النورس) والتصريح السياسي (البترول، الطغاة) يعكس جدلية الفن/الرسالة، والتقريرية/الشاعرية.

خامسًا/ الجدول البنيوي للحركات والدلالات

الحركة النصية السمات الأسلوبية الحقول الصورية الدلالات المهيمنة

1. الافتتاح: نداء الوجدان الفردي افتتاح حواري داخلي، نبرة حُلْمية، انتقال من الحسي إلى التأملي. أنثى رمزية، مدى ومسافة، عناصر طبيعية (سوسنة، نورس). الحنين، التهيؤ العاطفي، تمهيد ثنائية الحبيبة/الوطن.

2. التحوّل: صراع الأنا والوطن تصعيد ملحمي، استعارات جسدية، انزياح من الفردي إلى الجمعي. الجسد المعذّب (مسامير الحرمان، حلم مشوّه)، الوطن الجريح (مدن منكوبة، بحيرات البترول). التماهي الجسدي–الوطني، الخراب المادي/النفسي، مفارقة الثروة والدمار.

3. الخاتمة: الكودا الدائرية عودة إلى نقطة البدء، نبرة قدرية، إيقاع متباطئ، ثِقَل المعنى. الخيانة المقدسة (أخوة يوسف)، صور دموية (النحر)، انتظار مغلق. الزمن المأساوي، خيبة الأمل، تكرار الانتظار، انغلاق أفق الخلاص.


سادسًا/المخطط البصري لمسار القصيدة

[الافتتاح]

الحنين/المسافة الرمزية

[التحوّل]
الأنا ← الوطن
جسد/خراب/ثروة

[الخاتمة]
خيانة/دم/انتظار مغلق
↺ (عودة إلى البدء)

المسار الحلقي يجعل القارئ يعود إلى نقطة البداية مُثقلاً بالخراب، كما لو أن النص لم يكن رحلة إلى الأمام، بل غوصًا أعمق في قلب الجرح ذاته.

سابعًا/. الخلاصة

"انتظار" قصيدة تتكامل فيها النبرة المأساوية الذاتية مع الاحتجاج السياسي، معتمدة على التكرار والصور المتراكمة لبناء خطاب شعري ملحمي. ولتعميق الأثر الفني يمكن:

1. تعزيز الجسر الرمزي بين الافتتاح والخاتمة.
2. تقليل المباشرة السياسية لصالح الغموض التأويلي.
3. إدخال انعطافات دلالية تكسر خطية التصعيد.

بهذه السمات، تندرج القصيدة في تيار الحداثة الشعرية التي تحوّل "انتظار" العبثي إلى قدرٍ تاريخي وجمعي، جامع بين الذاتي والوطني، بين الحلم والخراب.

المراجع

1. أبو ديب، كمال. جدلية الخفاء والتجلي. بيروت: دار النهار، 1990.
2. أشهبون، عبد المالك. مدخل إلى التحليل السيميائي للنص الأدبي. الدار البيضاء: إفريقيا الشرق، 2008.
3. البياتي، عبد الوهاب. الأعمال الشعرية الكاملة. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1996.
4. حسين، عبد الله. تطور الشعر العربي الحديث في العراق بين عامي 1900–1950. بغداد: دار الشؤون الثقافية، 1986.
5. درويش، محمود. الأعمال الشعرية الكاملة. بيروت: رياض الريس.
6. الغذامي، عبد الله. الخطيئة والتكفير. بيروت: المركز الثقافي العربي، 1985.
7. المرزوقي، عبد القادر. بنية الصورة الشعرية في الخطاب العربي الحديث. بيروت: دار الحداثة، 1991.
8. مفتاح، محمد. تحليل الخطاب الشعري. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1985.
9. النواب، مظفر. القدس عروس عروبتكم. بيروت: دار المدى، 2000.
10. إسماعيل، عز الدين. الشعر العربي المعاصر. القاهرة: دار الفكر العربي، 1984.
11. فضل، صلاح. بلاغة الخطاب وعلم النص. القاهرة: دار الشروق، 1992.



#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (أطيافُ الخراب في مرآةِ الكابوس:شَفَقٌ أَخْضَرُ)
- (الأنوثة المبدعة بين الزمن والرمز: قراءة سيميائية في قصيدتي ...
- (المَنْفى)
- (مراثي زَمانٍ يُبشِّرُ بالخُذلان)
- (بين ازدواجية الخطاب وتكميم الأصوات: القضاء العراقي في مرآة ...
- (حين ينتقد القضاة بعضهم علنًا: قراءة في أزمة الخطاب القضائي ...
- (مراجعة سيميائية عامة لقصيدة الشاعرة بشرى البستاني: [أنثى ال ...
- (رَهْبَةُ القُرْبِ وَفَزَعُ الغِياب) (مُناجاةٌ بين قيثارةٍ ر ...
- (عن الحنين الذي لا يهدأ: جَذْبَة )
- (مُنْفَرِدُ التَّقْسِيمِ)
- (على قنطرةٍ من لهبٍ وظِلّ: وَاسِني بِالسُّهى)
- (رَهِينَةُ النَّيَاسِمِ) (اتِّبَاعًا لأَثَرِ الغِيَابِ المُق ...
- (تَلَّةُ لَوزٍ مُرٍّ) (مرثيّةُ العشقِ المصلوبِ على هودجِ الخ ...
- (نَشِيدُ العِنْدَلِيبِ وَشَجَرَةُ التِّينِ)
- - هدر دم خور عبد الله بتدخل القضاء العادي في القضاء الدستوري ...
- تحليل قانوني دستوري لمقال : -أمواج خور عبد الله بين قرارين م ...
- /(سُوبَاطُ النِّسْيَانِ: نَامُوسُ الصُّقُورِ) ديون شعري
- (ثُلاثيّة الإدراك، الصمت، الصدى: قراءة سيميوطيقية فلسفية – ج ...
- (لا عزاء: تمثّلات الزمن والوجع في الشعر الوجودي) (تشريح الذا ...
- (بورنو… في مُحْرَابِ الغياب ) (نصٌّ عن المحراب حين يُفتَح من ...


المزيد.....




- سعيد يقطين: أمريكا توجه دفة الإبادة والتطهير العرقي بدعمها ل ...
- افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن ...
- -شومان- تستعيد أمجد ناصر: أنا هنا في لغتكم
- افتتاح مهرجان هولندا السينمائي بفيلم -ناجي العلي- وأفلام عن ...
- سطو -سينمائي- بكاليفورنيا.. عصابة تستخدم فؤوسا لسرقة محل مجو ...
- فيلم -ني تشا 2-.. الأسطورة الصينية تعيد تجديد نفسها بالرسوم ...
- تعاطف واسع مع غزة بمهرجان سان سباستيان السينمائي وتنديد بالح ...
- -ضع روحك على يدك وامشي-: فيلم يحكي عن حياة ومقتل الصحفية فاط ...
- رصدته الكاميرا.. سائق سيارة مسروقة يهرب من الشرطة ويقفز على ...
- برتولت بريشت وفضيحة أدبية كادت أن تُنسى


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد مهدي غلام - (إضاءة نقدية على قصيدة -انتظار- للشاعر شلال عنوز)