|
ديوان غزة قصائد الصهيل والهديل سامي عوض الله البيتجالي
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8432 - 2025 / 8 / 12 - 13:30
المحور:
الادب والفن
ما يحسب للفلسطيني متابعة الأحداث وتقديمها بصورة أدبية، فالإبادة التي يتعرض لها أهلنا في غزة تناولها العديد من الأدباء، إن كان شعرا، أم رواية، أو قصة، أم نصا نثريا، وهذا ما سيبقي تلك المجازر حاضرة في ذاكرة كل فلسطيني وعربي، وكل إنسان حر، فالأدب أكثر بقاء وحضورا من البيانات والتصريحات السياسية والصحفية. بداية أشير إلى أن فراس حج محمد أول شاعر فلسطيني كتب ديوان عن غزة، وها وهو سامي عوض الله البيتجالي يتبعه بدوان "غزة" موثقا جرائم العدو، وتخاذل العرب والمسلمين الذين يقفون متفرجين في أحسن الأحوال، وبعضهم يساند العدو خفية أو جهرا. التناص القرآني في ديوان "غزة" نجد التناص مع القرآن الكريم في العديد من القصائد، وكأن الشاعر يقول "لن قصائده (مقدسة) ويجب التوقف عندها، فهي أكثر من مجرد (أدب) مكتوب، فهي خرجت/ كتبت بقلبه، بألمه، وكتبت عن شعب يقتل بيد العدو ويد الأخ، مما يجعلها قصائد تتجاوز (الترف) الادبي، لتمتد إلى الحالة الإنسانية التي أثبتت أنها تقول ما لا تفعل. في قصيدة "القمة الأف بعد المائة" يقول: "عواصم تدور فيها القمم لا يسمن الكلام من جوع وظمأ ولا كلام يعصم أفواههم فاغرة، فارغة إلا من الريح التي يفوح منها غائظ وعلقم" ص167. نلاحظ التناص مع الآية القرآنية "ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع" ومع الآية القرآنية التي تتحدث عن قوم نوح والطوفان الذي أخذهم: "لا عاصم اليوم من امر الله" ففي الآيتين نجد (عبثية الفعل) وهذا ما يجعل القمم مجرد أفعال/ أعمال/ أقول عبثية، لا تقدم ولا تنفع، ولا تزيل الضرر، فبدت القصيدة وكأنها (سورة قرآنية) معاصرة تتحدث عن حال العرب وقممهم التافهة. وهناك تناص معكوس جاء في قصيدة "غيث على محرقة الخيام": "نريد هذا الماء حتى نطفيء الأجساد في محرقة الخيام فلا نبي بيننا حتى تكون النار بردا وسلامة الله... يا الله! هذي الجحيم هي الجحيم" ص109. إذا تتبعنا كافية القصائد سنجد أن الشاعر يتجه نحو (تثوير) المتلقي وإعادته إلى جادة الصواب، من خلال تقديم تناص قرآني (يتناقض) ما هو مطروح وسائد، فهو يحدث من واقع غزة، يتحدث عن إبادة ممنتهجة، عن شعب يقتل أمام ناظرينا ونحن (نتمسك) بشكلية نصوص مقدسة، نؤمن أنها لم تحرف، أو تبدل، لكنها في حقيقة الأمر تم تحريفها من خلال إقناعنا أن ما يجري في غزة ناتج عن إرادة الله، وليس عن وحشية عدونا وتخاذل حكامنا وسكوتنا نحن المتلقين، وقبولنا بحالة (المتفرج) المتعاطف دون القدرة على القيام بأي فعل يوقف الإبادة، من هنا لا نجد بلا بردا ولا سلامة لحرق الأطفال في غزة، بل وجدنا "هذي الجحيم هي الجحيم" فالشاعر يستفنا (دينيا) من خلال القرآن الكريم، ليقول لنا بإننا نتمسك بقدسية نصوص صنمية/ جامدة تضر ولا تنفع، تساعد عدونا على قتل أهلنا، ونحن (نؤمن) أن ما يجري هو ناتج عن إرادة الله وليس عن وحشية عدونا وتخاذل حكامنا. وإذا ما ثار/ استفز هذا الكلام أي قارئ/ متلقي فعليه مراجعة نفسه، وليعيد النظر في (ثورة) المسلمين عن حرق المصحف في الدنمرك، وسكوتنا وتبريرنا لقتل أكثر من ستين ألف إنسان وجرح أكثر من مائة ألف، ونحن ما زلنا متفرجين على متابعة المجزرة وكأنها لعبة كرة قدم، فهل هذا هو ديننا الذين نعتز به، وهل هذا هو قرآننا الذي لم يحرف أو يبدل!!. وإذا علمنا أن الشاعر يؤرخ القصائد من الشهر الأول، وختمها في الشهر الحادي والعشرون" بقوله: "أريد لهذه القصيدة أن تنتهي" نصل إلى الهدف من هذا التاريخ، فهو يريد أن نثور، نتمرد، نصرخ، ننتحر، المهم أن نفعل شيئا، أي شيء لنكون صادقين مع أنفسنا، مع دينننا، مع الله، مع القرآن كتابنا الذي نعتز به بصدقه وبحكته، ومن يفهم غير ذلك في غارقا في غيه، في جهله، في تمسكه "هذا ما وجدنا عليه آبائنا" وسيكون عقابه جهنم وبئس المصير. الحدث والقصيدة قبل تناول ما جاء في الديوان، نتوقف عند القصيدة المركزية "سورة غزة" التي تعطينا حقيقة ما جرى يوم السابع من تشرين أول عام 2023، يقول الشاعر: "كانت غزة تغرق في البحر وتغرب من ذاكرة الزمن وكان العالم ينسحب ويبتعد ويعطي غزة ذاكرة النسيان غزة تغفو في الليل وتستيقظ في الليل وطويل هذا الليل وأطول من هذا الليل الجدران وجه الأرض ظلام كانت غزة تبحث في الأنفاق وتبحث عن ضوء كوني قزحي ذي سبعة ألوان سبع سنابل سبع أبواب سبع مثاني سبع سنين سيع ليال سبع طرائق هذي آيات الرحمن والسابع من تشرين الأول آيتها قالت غزة: (أقرأ باسم الطوفان) تلك قيامتنا فافتح أبواب جحيمك غزة لن تغرق في البحر وغزة تهزم ذاكرة النسيان يا أحرار القارات السبع غزة كل مكان" ص18-20، سأحاول التوقف عند لفظ غزة الذي تكرر سبع مرات في القصيدة، وهذا يتوافق مع "السابع من تشرين" كما نجد تكرار للفظ "سبع" سبع مرات بعد: "قزحي ذي سبعة ألوان" إلى مقطع: "هذي آيات الرحمن" فمثل هذا (الترتيب) والدقة يشير إلى أن الشاعر تماهى مع الحداث ومع المكان، فكان يكتب بقلبه لا بعقله، مما جعل تكرار "غزة، سبع" يتماثل مع تاريخ الحدث، وإذا ما ربطنا ذلك مع آخر مقطع في القصيدة: "يا أحرار القارات السبع غزة كل مكان" نصل إلى امتداد الحداث السابع من تشرين أول، وامتداد المكان/ غزة إلى كل بقاع الأرض. ونلاحظ أن لفظ "الليل" تكرر في بداية القصيدة أربع مرات، بمعنى أنها محاصر من أربع جهات قبل الطوفان وبعده، مما يعطيها (تبريرا) لتنتفض على الليل/ على الحصار. من وهنا وجدنا الشاعر يعطي قدسية للطوفان: "(أقرأ باسم الطوفان)" فبدا وكأنه يقدم (قرآنا) جديدا نزل في السابع من تشرين أول، وما يؤكد هذا الاستنتاج عنوان القصيدة "سورة غزة"، مما يجعل القدسية مركز القصيدة، وإذا تقدمنا من رقم سبعة سنجده يحمل معنى القدسية، والاستمرار، وما تكراره وبكثرة إلا ناتج عن قدسية زمن الحدث، وقدسية المكان. هذه المسائل تجعلنا نتجاوز(الوضوح) قي القصيدة، ونقول إن الألفاظ التي استخدمها الشاعر تخفي وراءها العقل الباطن، وما أحدثه "الطوفان" من إغراق للغته/ لقاموسيه الشعري، فبدا أسير لألفاظ يعينها، مما جعل القصيدة تبدو للوهلة الأولى (عادية)، لكن التوقف عندها يشير إلى أنها عميقة، لم تكتب بحالة الوعي، وإنما كتبت من خلال اللاوعي، وهذا ما يعطيها قيمة أدبية وفنيه. العناوين وخواتم القصائد إذا ما توقفنا عند عناوين القصائد ومتنها، سنجد أن الشاعر يقدم خلاصة القصائد في الخاتمة، في قصيدة "عروش من قصب" التي يتحدث فيها عن الواقع الرسمي العربي والتبعة (لروم) العصر، يختمها يقوله: أنتم كلابي الآن تاريخكم ذاك الذي من ذهب.. ب!" ص17. فالشاعر في خاتمة القصيدة يشير إلى النظر الدونية التي ينظر بها (الإمبراطور) للحكام العرب، وما خاطب ترامب لأكبر (قائد) عربي، إلا صورة عن الواقع الرسمي العربي. وفي قصيدة "يا مصر" يختمها بقوله: "يا مصر لا نصر بدونك فافتحي بوابة النصر الكبير وجردي سيفا بغمدك إن سيفك لو تجرد كل مجد يفتح" ص74. نحظ أن الشاعر يكرر لفظ "نصر/النصر" وكأنه يذكرنا بعهد عبد الناصر وما فيه من تحدي للغرب وللأعداء، كما أنه يشير إلى حقيقة دور مصر وقوتها من خلال: إن سيفك لو تجرد" كل مجد يفتح" فهذه الحقيقة يتجاهلها العديد من العامة والخاصة، فمصر بوقتها والجغرافيا التي تملكها قادر على تغيير العالم وليس المنطقة، طبعا لو امتلك حكامها الإرادة. وفي قصيدة "أطفال" يختمها بقوله: "في غزة تكبر قامات الأطفال ويصغر هذا العالم ذو الجبروت ويصغر.. ويصغر" ص77. اللافت في هذا المقطع الحركة المتعاكسة، فالعالم يصغر وقامات الأطفال تكبر، ونلاحظ أن الشاعر يركز على صورة تصغير العالم واستمرارها من خلال تكرارها ثلاث مرات، فبدت القامات التي ذكرت مرة واحدة ترتفع عاليا، مما جعل الآخر يصغر بصورة مطردة ومستمرة. ويختم قصيدة راء العروبة بقوله: "وأقسم لا يرث الدين سوى الضعفاء ولا يرث الأرض إلا العسكر" ص141. هنا ينوه الشاعر إلى أن الدين زاد/ أمل الضعفاء الفقراء، والأرض/ الوطن حصة الأقوياء، بمعنى أن الخاتمة تحمل بعدا طبقيا، يقودنا إلى ما قاله ماركس: "الدين أفيون الشعوب" هذا حال المنطقة العربية التي يتوارثها العسكر ويتقاسمون خيراتها، بينما الشعوب تأن من وطأت الفقر والجهل والقهر والظلم، وإلا ما كان حال فلسطين بهذا الحال. وإذا ما اخذنا خاتمة الديوان: "الشهر الحادي والعشرون أريد لهذه القصيدة أن تنتهي" نصل إلى الانسجام بين القصائد منفردة، وبين الشكل الذي قدم به الديوان، فكانت (قصيدة) الخاتمة تلخص مضمون الديوان، الذي أراد به الشاعر إنهاء إبادة هلنا في غزة، وتمردنا/ ثورتنا على واقعنا البائس، وقيامنا بواجبنا الوطني/ القومي/ الديني/ الإنساني. الديوان من منشورات الرعاة للدراسات والنشر، رام اله فلسطين، الطبعة الأولى 2025.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية قطة فوق صفيح ساخن مراد ساره
-
رواية أبناء السماء يحيى القيسي
-
رواية نهر يستحم في البحيرة يحيى يخلف
-
الأعداد في قصيدة الطوفان صلاح أبو لاوي الطوفان
-
الثورة في قصيدة -يأتي الصباح- سامي عوض الله (البيتجالي)
-
الشاعر سميح محسن في ديوان (اخلع سماءك وانتظرني): تجسيد لفكرة
...
-
الشكل والمضمون في كتاب أزاهير وقوارير محمد حافظ
-
أنا الشاعر في ديوان -شجر اصطفاه الطير- عمر أبو الهيجاء
-
المرأة في مجموعة -الأخوات الحزينات- نجاتي صديقي
-
المكان في مجموعة -حين تموت المدن- صلاح دهني
-
عزوف الحياة في قصيدة -خذ روحي إليك- علي البتيري
-
الشعبية في رواية خرفيش محمود عيسى موسى
-
الاستعمار الاستيطاني في رواية -الحريق- محمد ديب، ترجمة سامي
...
-
البياض المطلق في -أمي- مراد السوادني
-
التسلية في قصة -معضلة الزنزانة رقم 13-
-
الشعر وتقديم الواقع في قصيدة- طفلان يبتسمان-
-
غزة في رواية -سلالة من طين، غزة الباكية- قمر عبد الرحمن
-
الواقع والتغيير في -خطابات الإسكندر- فيصل زريقات
-
الوطن في قصيدة -حين ثملت يا وطني- نزيه حسون
-
عودة الحياة في قصيدة -صديقي الشاعر من غزة- لشاعر المتوكل طه
المزيد.....
-
صدر حديثا ؛ الأدب الشعبي الفلسطيني الدكتورة جهينة عمر الخطيب
-
كوسوفو.. اختتام فعاليات المهرجان الدولي للجداريات
-
مطاردة أشبه بالأفلام… لصّان يسرقان مركبتين وشاحنة ويُجبران ا
...
-
تايلور سويفت تُعلن عن ألبومها الجديد -The Life of a Showgirl
...
-
هل هناك إشارات صهيونية في أدب كافكا؟
-
تحولات الهوية الثقافية الكردية في سوريا.. من القمع إلى التأص
...
-
سوزان بريسو تروي عن طه حسين الذي غيّر حياتها وألهم العالم
-
-كانت تدغدغني-.. شاهد حشرة تزحف على جينيفر لوبيز خلال عرضها
...
-
سوزان طه حسين: الحب الذي أضاء ظلام عميد الأدب العربي رغم اخت
...
-
فنان سوداني لاجئ يصرخ في وجه العالم.. -لماذا يهملوننا-؟
المزيد.....
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|