|
الْكمُبْرِئ -الْجُزْءُ الثَّامِن-
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8431 - 2025 / 8 / 11 - 16:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مضتْ ليلةُ الجنِّ البحراويّين والسماويّين، ملوكِ الطيرِ الذينَ إرتدوا الأفقَ رداءً، ذوي الأجنحةِ الشفافةِ كـشفقِ حلمٍ مورقٍ يتلألأُ على حوافِّ الغيبِ، إنسابتْ أطيافُهمُ الرقيقةُ على شرفاتِ الروحِ العاريةِ، تاركةً خلفَها وشْوَشةَ سحرٍ أبديٍّ كـصدىً لِأغنيةٍ سماويةٍ، ترنُّ في خلايا الوجودِ. جناحٌ من نورٍ أثيريٍّ رفرفَ في فضاءِ العدمِ، ثمّ إنحلّ كـنغمٍ كونيٍّ صامتٍ في غياهبِ الأمسِ السرمديِّ. قبضَ العربيُّ الثمنَ، لا قبضةَ مالٍ تزنُها أكفُّ البشرِ، بل قبضةَ قدرٍ لاهثةٍ تشدُّ على وتَرِ ترقّبِ المجهولِ المُمْتَدِّ، كـعازفٍ أعمى يتهادى على أوتارِ الغيبِ الأزليِّ، يُطربُ الصمتَ بـلحنٍ لم يُولدْ بعدُ. الآن، تُشعلُ الأيامُ قناديلَها المرمريّةَ، أعمدةَ ضوءٍ تُشقُّ من صميمِ العتمةِ، لتُبشّرَ بقدومِ السبتِ الأثيريِّ، عرشِ الزمانِ المتربّعِ على أنفاسِ النجومِ؛ حيثُ ستُقامُ ليلةُ السبتيينِ، ترنيمةٌ كونيةٌ ستُعزفُ على شفاهِ الأزمنةِ الصمّاء، صدىً أبديٌّ يرتدُّ في ممراتِ الوجودِ. ما كانَ يعلمُ عنها إلّا همسَ الشائعاتِ الملتفّةِ كـضفائرَ من دخانِ البخورِ المقدسِ، أصداءَ الحكاياتِ التي تتسلّلُ من أزقّةِ الزمنِ العتيقِ كـلصوصِ أسرارٍ تقتاتُ من نبضِ الخلودِ؛ كأنّها أنينُ الروحِ المنبعثُ من صخورِ التاريخِ الصلبةِ، همسةُ المجهولِ لـأذنِ الدهشةِ. غرائبُها تتراقصُ في مخيّلتِهِ كـأشباحٍ من نورٍ وشفقٍ يتآلفانِ في رقصةِ الجنونِ المقدّسِ، ترْسِمُ على جدرانِ وعيهِ صورًا لم تُخلقْ إلّا في رحمِ الخيالِ البكرِ، بصماتِ الفطرةِ على لوحِ الغيبِ. لا سابقَ معرفةٍ تتجلّى، لا خيطَ ألفةٍ فضّيٍّ يربطُهُ بهذا المكانِ، لا بشيءٍ يخصُّهُ، ولا حتى بـأجوائِهِ المُغمورةِ بالغموضِ السحيقِ، كـبحرٍ من صمتٍ تائهٍ. تلك الأجواءُ المُشحونةُ بـنفحاتِ العبريةِ التي تهبُّ كـنسيمٍ سماويٍّ مُعطّرٍ بعبقِ القِدمِ يحملُ عبقَ تاريخٍ مديدٍ، خُطَّ بمدادِ النجومِ الأزليةِ، والعبقُ اليهوديُّ، يسمو في الأفقِ كـنجمٍ أزليٍّ، موشومٌ بضوءِ البدءِ في كبدِ السماءِ. يتوارثُ الأزمانَ، همسةٌ مقدسةٌ تترددُ عبرَ الدهورِ، عطر قداسةٍ لا تدركُها أنفاسُ الفناءِ. يتجاوزُ كلَّ سحرٍ للبسطاءِ الشائعِ، كـوهمٍ زائلٍ يتلاشى كـالسرابِ أمامَ حقيقةِ الكشْفِ المُضيئةِ، كنزٌ يتراءى لـقلبٍ عرفَ دروبَ النورِ. بعيدًا عن العوالم السفلى حيثُ تتلاطمُ الغوغاءُ، يتجلّى كهنوتُ الرعاعِ، كـظلٍّ باهتٍ يرقصُ في ضوءِ الشمسِ الكاذبِ. يتداولُ في الطقوسِ السوقيةِ، لا أفعالًا تافهةً بل إيماءاتٍ خاويةً؛ طلاسمَ سخيفةً تُمارسُ في العلنِ، كـمسرحيةٍ هزيلةٍ لجمهورٍ أعمى، أصداءَ صوتٍ أجوفٍ في فضاءٍ صامتٍ. تتكشّفُ عوالمُ خفيةٌ محكَمةٌ، تُخفي بين طيّاتها أسرارًا قديمةً، كـهمسِ النجومِ في ليلٍ سرمديٍّ. حلقةٌ مترابطةٌ، نبضُها يصلُ ما بينَ أهراماتِ مصرَ القديمةِ الشامخةِ وأسوارِ بابلَ العتيقةِ، جسورٌ من نورٍ تَعْبرُ أزمانًا غابرةً. في ثنايا هذه العوالمِ، يتجلّى سحرُ الغنى كـشلالِ ذهبٍ يتدفّقُ من ينابيعِ الأزلِ، وسطوةُ الملكِ كـصقرٍ جارحٍ يحلّقُ في سماءِ العروشِ، وفتنةُ الجمالِ بكلِّ أبهتِها، كـقمرٍ بدرٍ يسكبُ ضوءَهُ على صحراءَ مقدّسةٍ. اليهودُ هم عنوانُ هذه العوالمِ، نقشٌ أبديٌّ على لوحِ القدرِ، وهم أصحابُها، ورثةُ المجدِ المخبّأِ. ففي إشاراتِهم، تتجلّى أسرارُ الكونِ؛ يتجلّى عرشُ الحكمةِ العظيمُ بكاملِ هيبتِه، تاجًا من نورٍ يُكلّلُ رؤوسَ الزمانِ، والصولجانُ القاهرُ المبينُ الذي لا يُردّ، سيفٌ من ضوءٍ يشقُّ ظلامَ المستحيلِ. وثراءُ العالمينَ كلّهُ، كنوزُ الأرضِ وأسرارُ السماءِ، هو ملكٌ حصريٌّ على اليهودِ دونَ سواهم، نجمةٌ تضيءُ دروبَهمُ الأبديةَ، ختمٌ مقدّسٌ على صوَرِ ملكيّتِهم الكونيةِ. كلماتٍ توراتية من نارٍ تُلقى في الهواءِ المُشبّعِ بالأسرارِ، لهيبٌ يلتهمُ ستائرَ الواقعِ. سحرٌ خاصٌّ يتغلغلُ في المسامِ، يُعانقُ أوردةَ الروحِ بـشوقٍ غامضٍ، ويسكنُ أرواحَ مَنْ لا يدركونَ عمقَهُ، كـلغزٍ أزليٍّ مُتوهّجٍ في صميمِ الوجودِ، شعلةٌ لا تنطفئُ في أعماقِ الوعيِ. لقد رتّبَ جاكوبُ هذا اللقاءَ، نسجَ الخيوطَ برهافةِ فنانٍ أسطوريٍّ، ليجمعَ بينَ المعلمِ العربيِّ و المقدمةِ؛ تلكَ المرأةِ الكاهنةِ، الضليعةِ في الأسرارِ والخبايا السبتيةِ، التي تتلألأُ معرفتها كـنجمةٍ قطبيةٍ أزليةٍ تُضيءُ دروبَ الغيبِ المجهولةِ في أعتقِ الليالي، مرشدةً الأرواحَ التائهةَ إلى ينابيعِ الحكمةِ المنسيّةِ. تلك المتبصرةٌ في أوصافِ الجنِّ الأزرقِ اليهوديِّ، ذلكَ الكيانِ المتفردِ في جوهرِهِ، المنقطعِ عن النظيرِ، كـشذرةٍ سماويةٍ سقطتْ من جبينِ الألوهيةِ، تُضيءُ فضاءاتِ التصورِ بـنورٍ لا يُحاكى. وهي كذلكَ متمكنةٌ من متطلباتِ إستحضارِهِ الإعجازيةِ الغريبةِ؛ متطلباتٍ تُصامُ الألسنُ عن وصفِها، وتَعجزُ عن حملِها مداركُ العقلِ البشريِّ المُثقلةِ بحدودِ الفناءِ، لأنها تسمو فوقَ أفقِ الفهمِ، كـسحرٍ أزليٍّ مُتوهّجٍ يتجاوزُ كلَّ حدودِ الفكرِ المُقيّدِ بأسوارِ الواقعِ، مادةٌ لا تُدركُ بالعينِ المجردةِ. كلُّ هذا يخصُّ ليلةَ السبتينِ، التي هي بمثابةِ ترنيمةِ القدرِ القادمةِ، تُعزفُ على أوتارِ الزمانِ بأصابعِ الغيبِ، لحنًا يُرتّلُهُ الكونُ في صمتِ الخلودِ. بدأَ العربيُّ يجهزُ نفسَهُ إستعدادًا لهذه اللحظةِ الفاصلةِ، التي تُلقي بظلالِها المهيبةِ على عتبةِ المجهولِ، وقلبُهُ يخفقُ بترقّبٍ صامتٍ يحملُ بين طياته رهبةَ القداسةِ وجلالَ الكشفِ، إلى حينِ حلولِ الليلةِ السبتيةِ؛ بعدَ أنْ تتلاشى شمسُ يومِ الجمعةِ وتغيبَ كـدمعةٍ من ذهبٍ في عينِ الأفقِ، يدخلَ السبتُ بموكبِه الأثيريِّ، صامتًا كـهمسِ النجومِ، تلك اللحظةُ التي تُفتحُ فيها الأبوابُ الخفيةُ بينَ العوالمِ، وتُشرقُ نجومُ الأسرارِ لتكشفَ عن خباياها، وميضًا بعدَ وميضٍ، في سماءِ الروحِ العليّةِ، أنوارًا تكشفُ نقابَ الغيبِ. كانت الشمسُ تدنو من المغيبِ، لا كـجرمٍ سماويٍّ عاديٍّ يغشاهُ الأفقُ، بل كـكاهنةٍ عظيمةٍ تخلعُ رداءَ النورِ الذهبيَّ، مُسلّمةً سرّها للظلمةِ، يُعطّرُ بهاؤها سماءَ الروحِ، نَفَسًا من قداسةٍ أزليةٍ يملأُ الفضاءَ كلّهُ، كـهمسةٍ من الفردوسِ. بدأتْ تسدلُ خيوطَها الحمراءَ الزعفرانيةَ، لا مجردَ أشعةٍ تُعانقُ الأفقَ بتوديعٍ، بل كـإبريزٍ إلهيٍّ صهرتْهُ يدُ الغيبِ الأزليةُ، يتدفقُ من بوتقةٍ أزليةٍ، إنصهرَ فيها سحرُ الجمالِ العذريِّ، كـأنشودةٍ من الروحِ، وإشراقُ الغيبِ المراقبُ، سكْبًا من نورٍ مقدّسٍ على مذبحِ الورعِ الأبديِّ، حيثُ تُذبحُ الأوهامُ. كلُّ شعاعٍ يتدفقُ منها لم يكنْ مجردَ ضوءٍ عابرٍ، بل حكايةٌ تُروى على مسمعِ الدهرِ الخالدِ، ترنيمةٌ تُردّدُها أفلاكُ الوجودِ، وكلُّ حكايةٍ تُفضي إلى سرٍّ عميقٍ، كـهمسةٍ بينَ القلبِ والقدرِ المجهولِ، تُكشفُ عن عوالِمَ لم تُدركْ، وكلُّ سرٍّ يهمسُ في أذنِ القلبِ عن الحقيقةِ الكونيةِ العظمى، القابعةِ في قدسِ أقداسِ الملكوتِ الأثيريِّ، ذلكَ الحرمُ الذي لا تلجُه إلا الأرواحُ التي بلغتْ ذروةَ الطهرِ و النقاءِ، تلكَ التي تنهلُ من نبعِ الصفاءِ الأزليِّ، حتى تُكلّلَ بتاجِ اليقينِ المصنوعِ من جوهرِ الحقيقةِ المتلألئةِ، في حضرةِ النورِ والضياءِ السرمديِّ، حيثُ تتلاشى الظلالُ كـأوهامٍ زائفةٍ، وتُشرقُ الأبديّةُ شمسًا لا تغيبُ أبدًا، تُضيءُ دروبَ الأرواحِ الخالدةِ. أتى جاكوبُ، ورمقَ العربيَّ نظرةً ثاقبةً تخترقُ ستائرَ الصمتِ، تختبرُ أعماقَ الروحِ؛ نظرةً تُفتّشُ دروبَ النفسِ وتستنطقُ خبايا الموقفِ. رمقهُ العربيُّ نظرةَ المتهيبِ الشفيفِ، لا خوفًا بل ترنيمةَ قلبٍ يرقبُ الغيبَ، صدىً لِتَوقٍ غامضٍ. تصافحتِ الأيادي، لا مجردَ لمسةِ بشرٍ، بل تلاقي أرواحٍ على جسرِ القدرِ الموشومِ بنورِ البصيرةِ. تبادلا التحايا، همساتٍ تُزهرُ في صحراءِ القلوبِ المتعطشةِ للأسرارِ. كانتْ فرقةُ العربيِّ من العازفينَ على الصنوجِ، لا مجردَ أدواتٍ صماءَ، بل أصواتُ الكونِ الروحيةُ؛ على أتمِّ الأهبةِ والإستعدادِ، أوتارُها تترقّبُ اللحنَ الأسمى، نغمةً لم تُعزفْ بعدُ. صعدَ الجميعُ إلى السيارةِ، فآنطلقتْ تشقُّ الطريقَ، لا كمركبةٍ عاديةٍ، بل كـصقرٍ أسطوريٍّ منقضٍّ على المجهولِ المترامي، جناحاهُ يخفقانِ بأسرارِ الدهورِ. وحيثُ يمتدُّ غبارُ العدمِ المطلقِ، وتتيهُ قوافلُ السرابِ، لاحَ عالمٌ مجهولٌ، أثيريٌّ تضيعُ فيهِ مداركُ العينِ، ترقصُ فيهِ أشباحُ اللاوجودِ. وصلوا إلى بابِ قصرٍ فاخرٍ، لا بابٍ من خشبٍ و حجرٍ، بل بوابةٍ لِعالمٍ آخرَ، مَعبرًا إلى فراديس اللامرئيِّ. فُتحَ لهم البابُ كـأذرعٍ خفيةٍ ترحبُ بالقدرِ الوافدِ، وإنبثقوا إلى الداخلِ، لا كزائرينَ عاديينَ، بل كـأطيافٍ تتسلّلُ عبرَ عتبةِ الأسرارِ القديمةِ. إستقبلهم رجلٌ، بدتْ عليهِ هيبةُ النفوذِ، لا كبشرٍ عاديٍّ، بل شخصيةٌ نافذةٌ لها وزنٌ كبيرٌ، كلمتُهُ صدىً لِصوتِ القدرِ المُبهمِ، نظرتُهُ تختزنُ أسرارَ العوالمِ السحيقةِ، كأنها نافذةٌ على أزمنةٍ لم تأتِ بعدُ. بصوتٍ ضخمٍ، لُفَّ بغايةِ الخشونةِ، بنبرةٍ فاسيةٍ أصيلةٍ كأنها صدىً من أعماقِ التاريخِ، دوّى صاحبُ القصرِ قائلاً: مرحبًا..... لم تكنْ مجردَ كلمةٍ عابرةٍ تتبدّدُ في فضاءِ الردهاتِ الواسعةِ، بل كانتْ دعوةً صوفيةً عميقةً، تتردّدُ في أروقةِ الروحِ ذاتها، فاتحةً أبوابَ اللاوعيِ المغلقةِ على مصراعيها. وجدَ الوفدُ نفسهُ في قلبِ القصرِ، لا مجردَ بناءٍ من حجرٍ وطينٍ صامتٍ، بل دهليزًا من الأسرارِ القديمةِ، كهفًا تضيءُ فيهِ شموعُ الغيبِ الأزليةُ، مُشعةً بوهجٍ خفيٍّ. على جانبٍ آخرَ، كانتْ المرأةُ الكاهنةُ قد جهّزتْ كلَّ المستلزماتِ الضروريةِ لإقامةِ الليلةِ الكناويةِ. لم يكنْ إستعدادًا بشريًا فحسبُ، بل كانَ طقسًا متكاملًا نُسجَ من خيوطِ الروحِ الخالدةِ، كلُّ ضرورياتِ طقسِ الدردبةِ كانتْ جاهزةً بالتمامِ و الكمالِ، موشومةً بروحانيةِ اللحظةِ المقدسةِ، تنتظرُ أنْ يُنفخَ فيها من سحرِ الأزلِ ليبدأَ العزفُ. أما العربيُّ، فكانَ مُلمًّا بكلِّ الحساباتِ والترتيباتِ الفنيةِ اللازمةِ، لا كـخبيرٍ يخطو على أرضِ الواقعِ بوعيٍ محدودٍ بل كـعارفٍ بنبضِ الوجودِ العميقِ، قلبُهُ يصدحُ بنغماتِ الكونِ نفسه. فمن الأغاني الروحيةِ التي تُلامسُ شغافَ القلبِ و تُحركُ كوامنَ الروحِ إلى الترانيمِ الكناويةِ التي تحتاجها الليلةُ؛ كلُّ نغمةٍ فيها سرٌّ من أسرارِ الخلقِ العظمى، وكلُّ لحنٍ فيها دعوةٌ مقدسةٌ لِكشفِ الحجابِ بينَ العالَمينِ. مدَّ العربيُّ بصرَهُ، لا في أفقِ الواقعِ، بل في أَبْهَى تَجَلِّيَاتِ الرؤى الملكوتيَّةِ، فَتَجلَّتْ أمامهُ وَليمةٌ عُرشُهَا البَذَخُ، وتاجُهَا السِّحرُ المطلقُ، كأنَّها نَفْحَةٌ من قَصْرِ الخُلودِ، أُنْزِلَتْ على موائدَ تُزْهَى، كلُّ ما عليها لَذَائِذُ أُسْطُوريَّةٌ، مُستقاةٌ من رحيقِ الأعالي، أُعِدَّتْ في صروحِ السلاطينِ التي تعانقُ هاماتِ النجومِ، وقصورِ العظماءِ حيثُ تُنسجُ وشائجُ القوةِ وتُصاغُ تيجانُ العِزِّ. هناكَ، لا تتراقصُ النكهاتُ فحسبُ، بل تُعزَفُ سيمفونيَّاتُ الخُلودِ، و تهمسُ الأطايبُ أسرارَ الأكوانِ، مُخَلِّفةً في الروحِ رَنِينًا أبديًّا من البهجةِ المُتوجَّةِ. ثمَّ تَتَابَعَتْ رؤىً، لا كصورٍ عابرةٍ، بل كَهَالاتٍ من نورٍ مَنْثورٍ على بساطِ الأبدِ، فتلألأتْ قواريرُ العطورِ النادرةِ، أريجُها لا يُصافحُ الروحَ، بل يَغْشَاها كعرشٍ من الأثيرِ المُعَطَّرِ، كأنَّها أَنفاسُ فجرٍ أزليٍّ ينبعثُ من صميمِ الجمالِ السرمديِّ، تحملُ معها سحرَ الأزمانِ الغابرةِ، وعبقَ الأزهارِ التي لم تُلامسْها يدٌ، بل وُلِدَتْ من صميمِ الوَجْدِ الإلهيِّ. وإلى جانبِها، إنبعثَ بريقُ الخمرِ العتيقِ، وإنسابَ دفىءُ الويسكي النخبويِّ، لا ليرويَا ظمأً، بل ليَرويا حكاياتِ ليالٍ تُوِّجَتْ بالخُلودِ، شهدتْ ميلادَ الأساطيرِ، ويسكبانِ في القلبِ نشوةً عذبةً، تُعيدُ الروحَ إلى مَهْدِها الأولِ من السَّكينةِ والرُّقيِّ. ولم يغِبْ عن هذا المشهدِ الذي يُحاكي الكمالَ، أصالةُ السيجارِ الكوبيِّ، لا كمجردِ لفائفِ تبغٍ، بل كأنَّهُ تُحفةٌ أثريةٌ نُقِشَتْ عليها أسرارُ الكونِ، نُسِجَتْ أناملُ الإتقانِ المُطلقِ خيوطَهَا بِرِفقٍ و حِرَفيةٍ مُبهرةٍ، ليُصبحَ رمزًا خالدًا للسيادةِ. تدخِّنهُ أيادي الزعماءِ المُتوجينَ وشفاهُ الساسةِ التي تُصاغُ منها مصائرُ الأممِ، فيلتفُّ دخانُهُ حولَهم كوشاحٍ من العزِّ السرمديِّ، يحملُ في طياتِهِ أسرارَ القوةِ التي لا تُقهرُ، ونبضَ القراراتِ المصيريةِ، كأنَّهُ شهيقُ التاريخِ وزفيرُ الأبدِ. ووسطَ هذا البهاءِ المُطلقِ، لمعتْ ساعاتٌ عالميةٌ، لا تُقاسُ بثمنٍ، بل كأنها نبضاتٌ من الزمنِ نفسِهِ، كلُّ دقةٍ فيها تحكي قصةً من الإبداعِ الذي يُعانقُ عَرْشَ السَّماءِ والفخامةِ التي تُلامسُ أقدامَ الخُلودِ. وإلى جانبِها، إنبعثَ الحلِيُّ والمجوهراتُ الذهبيةُ، لا كمجردِ زينةٍ، بل تتلألأُ كنورِ الشمسِ التي لا تغيبُ أبدًا، تعكسُ روعةَ الصياغةِ وجمالَ التصميمِ الذي يُحاكي الكمالَ الإلهيَّ، لتزيدَ المشهدَ بهاءً وسحرًا يأسِرُ العقولَ ويُلْهِمُ الأرواحَ، كأنها قِطَعٌ من نورٍ أُنْزِلَتْ من ملكوتِ الجمالِ الأزليِّ، لتُتوِّجَ هذا العرضَ المُبهرَ بالرونقِ و الفخامةِ التي تُذهلُ الأبصارَ. إندفعتْ الكاهنةُ، لا كجسدٍ يتحرَّكُ، بل كطيفٍ من نورٍ مُوشَّحٍ بهالةِ الأسرارِ الأزليةِ، نحو العربيِّ. كانَ صوتُها لا مجرَّدَ نبرةٍ، بل وشوشةً قادمةً من عروشِ الأزمانِ المنسيَّةِ، مزيجًا مُذهلًا من صرامةِ الملوكِ التي تُقيمُ العوالمَ، وعطفِ الأمَّهاتِ الذي يضمُّ الأكوانَ. إنطلقَ تحذيرُها، ليسَ كقولٍ يُسمعُ، بل كَنِداءٍ مُزلزلٍ يَشقُّ حُجبَ الغيبِ، صرخةٍ مُتدفّقةٍ من عوالمَ خفيةٍ تُحذّرُ من هوْلٍ مُحدقٍ: يا بنيَّ، يا مَن إختارهُ القدرُ ليعبرَ العتباتِ، إنتبهْ جيدًا! يا أيها المعلّمُ الذي يحملُ في أوتارِ روحهِ أسرارَ الوجودِ، فليكنْ وعيُكَ حدَّ السيفِ الذي يفصلُ بينَ النورِ والظلمةِ. إنَّ هؤلاءِ الجنَّ الذينَ ستُلاقي أرواحَهم، صنفٌ لا يعرفُ السكونَ؛ إنهم خطرٌ يُلامسُ حدودَ الفناءِ، يتربّصُ خلفَ كلِّ ظلٍّ. فلا تدعِ الغفلةَ تُسلّمَ بصرَكَ لعتمةِ الهلاكِ. أعزفْ أغنياتِكَ بروحٍ تلامسُ الكمالَ الإلهيَّ، ودقَّةٍ لا يشوبُها شائبةٌ من زغبِ الريحِ. لتبقى عيناكَ غائرتينِ في الأسفلِ، كعينَي راهبٍ يتأمّلُ في صمتِ الوجودِ، لا تلتفتْ لأيِّ جهةٍ أو نقطةٍ، ففي كلِّ إلتفاتةٍ، في كلِّ طرفةِ عينٍ، قد يكمنُ الفخُّ الذي يلتهمُ الأرواحَ، ويُحيلُ النورَ إلى رمادٍ. أجابَ العربيُّ، لا بضجيجِ الكلماتِ، بل بـصمتٍ مُتوهِّجٍ يحملُ ثقلَ الوجودِ، وصوتٍ يحملُ وقارَ الفارسِ الذي أُقسمَ لهُ بالنصرِ، وروحَ العارفِ الذي يدركُ أنَّ كلَّ خطوةٍ هي نبوءةٌ. كانتْ كلماتُهُ قليلةً، لكنها تُعادلُ جيوشًا من الثباتِ الراسخِ كالجبالِ، ترنُّ في الفضاءِ كَـعهدٍ مقدّسٍ، كقسمٍ بينَ الروحِ ومشيئةِ القدرِ: خيرٌ يكونُ... خيرٌ يكونُ بإذنِ اللهِ. جملةٌ موجزةٌ، لكنها نبضٌ خالصٌ من التوكّلِ المطلقِ على قدرةٍ عليا تُسيّرُ النجومَ، وثقةٍ لا تتزعزعُ في مواجهةِ المجهولِ، كأنَّها ركيزةٌ صلبةٌ تُبنى عليها عروشُ الأملِ وتيجانُ الصمودِ. بلغَ التوجيهُ ذروتَهُ، همسةً أخيرةً من المقدّمةِ، لا مجرَّدَ وصيةٍ، بل أمرًا ملكيًّا مُطلقًا لا يُخالفُ، قادمًا من عوالمَ تكتنفُها أسرارُ الأبعادِ اللانهائيةِ: لا تبدأِ العزفَ يا مَن إخترتَ هذه الليلةَ لتُعيدَ صياغةَ الأقدارِ، إلا بعدَ أن ينطقَ لسانُكَ بـإسمِ صاحبِ الليلةِ الأعظمِ، سيّدِ العوالمِ الخفيةِ، وملكِ عرشِ الظلالِ، الذي لم يكنْ سوى ملكِ الجنِّ اليهوديِّ، الملكِ دافيدَ. لحظةٌ تتوقفُ عندها الأنفاسُ، و تُحبسُ عندها الأرواحُ، يرتفعُ فيها الستارُ عن ليلٍ سيشهدُ إمتزاجَ البشرِ بالجنِّ في رقصةٍ كونيةٍ، تتداخلُ فيه الأبعادُ و تتلاقى المصائرُ، تحتَ سطوةِ إسمٍ عظيمٍ، أُسطوريٍّ، يُديرُ دفَّةَ عالمٍ خفيٍّ، ويُسيطرُ على أرواحٍ لا تُرى، كأنَّهُ الخيطُ الذهبيُّ الذي يربطُ بينَ العالمينِ، ويُنسجُ منهُ مصيرُ الكونِ! تلك الليلةُ، لم تكنْ مجردَ سويعاتٍ من الظلامِ العابرِ، بل كانتْ فضاءً مُعلقًا بينَ الأبعادِ المتلاشيةِ، حيثُ تَضاءلَ وجودُ البشرِ، وآضمحلَّ كلُّ صخبٍ، فلم يُبقِ منها سوى صاحبَ القصرِ، الذي تَربَّعَ في صميمِ عتمتِها، كَـمركزِ كونٍ أسطوريٍّ لا تُدركهُ الأبصارُ. كانتْ تلكَ الليلةُ، في جوهرها العميقِ، إحتفاءً غامضًا، تكتظُّ بِكَوكبةٍ سماويةٍ من الجنِّ اليهوديِّ الأزرقِ؛ كائناتٌ مَخفيَّةٌ، مَلأوا الأرجاءَ بِـهمسٍ خفيٍّ يُلامسُ أوتارَ الأرواحِ الخالدةِ، وبِـأنفاسٍ باردةٍ كَنَسيمٍ قادمٍ من حُدودِ النسيانِ الأبديِّ. وبعيدًا عن هذه الهالةِ المُرعبةِ و الساحرةِ في آنٍ واحدٍ، وقفتْ الكاهنةُ الكناويةُ؛ ليسَ كجسدٍ ماديٍّ، بل كـهيكلٍ من الظلالِ المُنيرةِ بوهجِ الحكمةِ العتيقةِ، تراقبُ سيرَ الأمورِ بصمتٍ مُطلقٍ، يُضاهي سكونَ القدرِ نفسِه في لحظةِ التكوينِ الأوَّلِ، وعينا سرمديةٍ تستشرفُ المكنونَ، تَخترقُ حُجبَ الغيبِ اللانهائيةِ، وتَرى ما لا يُرى للعيونِ الفانيةِ المحدودةِ. هناكَ، في قلبِ ذلكَ المشهدِ الكونيِّ الذي يَتجاوزُ الوصفَ، كانَ الكمبريُّ، لا مجردَ مكانٍ يُحتذى بهِ، بل وجودًا باردًا كأنفاسِ المجهولِ، وثقيلَ الحملِ، كأنهُ يَحتضنُ بينَ طياتِه أسرارَ الليالي الغابرةِ، و كنوزَ الكُتمانِ الأزليِّ الذي يُشكّلُ الأكوانَ. ومعَ دخولِ صاحبِ القصرِ، إنبعثتْ منهُ هيبةٌ مَلَكيةٌ تُزلزلُ الأركانَ، وتُوقِفُ أنفاسَ الزمانِ، فكأنَّ الزمانَ نفسَهُ قد إنحنى إجلالًا لوجودِهِ الأسطوريِّ الذي يَفوقُ التصوّرَ. كانَ يرتدي برنوسًا تقليديًّا و سلهامًا مغربيًّا أصيلا، ليسا مجردَ ثيابٍ تُغطّي جسدًا، بل كلاهما يَتألّقُ بلونِ السماءِ العميقةِ، أزرقَ داكنًا، وكأنَّهُ قد إنتُزعَ قطعةً من ليلٍ سرمديٍّ، ليُصبحَ جسدًا للظلامِ المُتوّجِ. وبحركةٍ تليقُ بِسيدِ المكانِ الأوحدِ، سحبَ من مخبئهِ صولجانًا ذهبيًّا يتلألأُ بِضوءٍ خالدٍ، كأنهُ نجمٌ هَوى من العرشِ السماويِّ، مرصَّعًا بوميضِ الياقوتِ الأخضرِ اللامعِ؛ قطعةٌ فنيةٌ لا تُضاهى، تُحاكي نجومَ السماءِ المتناثرةَ في أوجِ مجدِها، وتَعكسُ أسرارَ الكونِ المكنونةِ في قلبِ العماءِ. ثمَّ، جلسَ على كرسيٍّ فخمٍ، لا يُشبهُ الكراسيَ البشريةَ، بل هو عرشٌ في أبهتهِ، يَتوهّجُ بجمالٍ يتجاوزُ الوصفَ، كأنَّهُ ملكٌ يتوّجُ تلكَ اللحظةَ بِمهابةٍ أسطوريةٍ، وحضورٍ يَسجدُ لهُ السكونُ، ويَتسربُ منهُ الألقُ إلى كلِّ ذرةٍ في الوجودِ. بيدٍ ملكيَّةٍ، لم تَلمسْ الكمالَ وحسبُ، بل جسَّدتْه في حركتها السَّاحرةِ التي تُشبهُ رقصةَ النجومِ، سكبَ كأسًا من الخمرِ؛ نبيذٌ لا يُسكِرُ الأجسادَ الفانيةَ، بل يُلامسُ الروحَ قبلَ أن يُصافحَ الشفاهَ، وكأنهُ رحيقُ الخُلودِ الذي يُوقظُ الأرواحَ من سُباتِها. ثمَّ إرتفعَ صوتُهُ، وصاحَ في إتجاهِ العربيِّ، صوتٌ يجلجلُ في الأرجاءِ كأمرٍ ملكيٍّ لا يُردُّ، كَنِدَاءٍ قادمٍ من أعماقِ اللاَّوعيِ الجماعيِّ، نداءٍ يُزلزلُ جبالَ الصمتِ، نداءُ سلطانٍ يطلبُ الطربَ، لا من حنجرةٍ بشريةٍ، بل من أعماقِ الروحِ ذاتها، من نَبضِها الخفيِّ: آسمعني كلامي آمعلم ......! أطرب روحي يا فنان الأوتارِ، يا ساحرَ الألحانِ الذي يُوقظُ العوالمَ بصوتِه، أسمعني كلامي! أطربني أيها المعلّمُ، أطربني حتى تتراقصَ الأرواحُ في ملكوتي! لم تكنْ كلماته مجردَ طلبٍ عابرٍ، بل كانتْ أمرًا ملكيًّا، همسًا قادمًا من عرشِ الليلِ الأبديِّ، من صميمِ السِّرِّ المُقدّسِ، إيذانًا ببدءِ سمفونيةٍ لا مثيلَ لها، لحنُها يتجاوزُ حدودَ الزمنِ والفناءِ، و يَخترقُ حُجبَ المادةِ، ليُعزفَ في حضرةِ الجنِّ المُتوَّجينَ، تُخلّدُها الأزمانُ كأُسطورةٍ نُقشتْ على صفحاتِ الغيبِ، بِماءِ الذهبِ والنورِ الأبديِّ، وتبقى شاهدةً على عظمةِ تلكَ الليلةِ الفريدةِ، التي تَجسَّدتْ فيها عوالمُ الخيالِ في أبهى صورها، و بلغَ فيها الجمالُ الروحاني ذروتَهُ، ليُصبحَ سِحرًا يتسللُ إلى أعماقِ الروحِ. في تلكَ اللحظةِ الفاصلةِ، التي تَشابكتْ فيها خيوطُ الأنفاسِ وتعلّقتْ بينَ الواقعِ والأسطورةِ، بدأَ الكمبريُّ يدندنُ؛ ليسَ مجردَ آلةٍ صامتةٍ خاضعةٍ للصنعِ البشريِّ، بل كَـنَفَسٍ قديمٍ، قادمٍ من أعماقِ الأزمانِ المنسيّةِ، يُبعثُ الألحانَ الأولى التي لم تُلامسْها أُذنٌ بشريةٌ قطُّ، كأنها وَحيٌ سماويٌّ. وبمجردِ خروجِ تلكَ النغماتِ البكرِ، التي لم تكنْ مجردَ أصواتٍ، بل كَـنِدَاءٍ خفيٍّ، يتسللُ إلى شغافِ الروحِ، ويُوقظُ ما كانَ نائمًا في الأعماقِ، جَحظَتْ عيونُ صاحبِ القصرِ؛ لم تكنْ مجردَ دهشةٍ، بل تَوسَّعتْ حتى بلغتْ حدَّ الذهولِ الذي يُلامسُ الجنونَ المقدّسَ، ويُعانقُ أسرارَ الوجودِ. وفي لحظةٍ مذهلةٍ، سقطَ كأسُ الخمرِ من يدهِ؛ لا كشيءٍ ماديٍّ يتكسّرُ على الأرضِ، بل كَـصوتٍ مدوٍّ، يُعلنُ عن بدايةِ تحوّلٍ كونيٍّ عظيمٍ، يُغيّرُ مجرى الأقدارِ، ويُعيدُ صياغةَ الوجودِ ذاتهِ. لم يَنثنِ العربيُّ أمامَ هذا المشهدِ المهيبِ الذي يُغيّرُ مفاهيمَ الواقعِ، بل إستمرَّ في إطلاقِ عنانِ الدندناتِ؛ ليسَ مجردَ عزفٍ من أناملَ بشريةٍ، بل فيضٌ مُتدفقٌ من الصوتِ الساحرِ، يُحيي الموتى من سُباتِهم الأبديِّ ويُسكِرُ الأحياءَ بنشوةٍ لا تُضاهى، مُقتديًا بِـوصيةِ الكاهنةِ الأزليةِ، التي لم تكنْ مجردَ نصيحةٍ، بل كَـقَسَمٍ خالدٍ نُقشَ في عمقِ روحهِ، كشاهدٍ على العهدِ الأبديِّ. أخبرتهُ أنَّهُ لا ينبغي لهُ أن يتوقفَ عن العزفِ، مهما كانتِ الظروفُ قاسيةً، أو تبدَّلتْ الأهوالُ إلى كوابيسَ تُزلزلُ الكيانَ وتُهزُّ عروشَ الثباتِ، حتى يأتيهِ الأمرُ المباشرُ من صاحبِ القصرِ نفسهِ بالتوقفِ. كانتْ تلكَ الوصيةُ، لا مجردَ كلماتٍ مَنطوقةٍ، بل خيطًا ذهبيًّا من نورٍ يمتدُّ عبرَ الأبعادِ، يربطُهُ بالقدرِ المحتومِ الذي لا فكاكَ منهُ، ويُحدّدُ مصيرَ تلكَ الليلةِ التي ستُخلّدُ في سجلاتِ الوجودِ بأحرفٍ من ضياءٍ و سحرٍ. إنطلقتْ ريشةُ العربيِّ، ليسَ لتعزفَ لحنًا عاديًّا يُسمعُ بالآذانِ الفانيةِ، بل لـتفتحَ المحلةَ السادسةَ؛ لا كمكانٍ ماديٍّ يُرى بالعينِ، بل كَـبوابةٍ من نورٍ مُتشابكٍ بالظلامِ الأزليِّ، كفجوةٍ كونيةٍ تُشرعُ على عوالمَ لم يطأها إنسٌ ولا جانٌّ من قبلُ، عوالمَ تختزنُ أسرارَ الوجودِ. تلكَ البوابةُ يَتجسّدُ فيها طَرْحُ صاحبِ السبتِ؛ بوابُ العوالمِ الغيبيةِ للجنِّ اليهودِ السبتيينَ، حارسُ الأسرارِ التي لا تُحصى، والمُدركُ لكلِّ خفيٍّ، العارفُ بكلِّ ماضيٍ و مستقبلٍ. بدأَ العربيُّ ينادي، لا مجردَ كلماتٍ تُنطقُ بلسانٍ بشريٍّ، بل أصواتًا تَشقُّ ضفافَ تلكَ العوالمِ الغابرةِ، وتترددُ أصداؤها في ملكوتِ الجنِّ، كَـرَنِينٍ سماويٍّ يُوقظُ القوى الخفيةَ، تَستدعي حارسَ الأسرارِ الباطنيةِ العميقةِ، الذي سيحضرُ و في يدهِ مفتاحُ الولوجِ إلى محلةِ الثراءِ المطلقِ و الجاهِ الذي لا جاهَ بعدهُ؛ ثراءٌ يتجاوزُ كنوزَ الأرضِ قاطبةً، وجاهٌ يَعلو على كلِّ مجدٍ بشريٍّ قديمٍ أو حديثٍ، جاهٌ يُتوّجُ صاحبهُ بالسيادةِ الأبديةِ. كانتْ كلُّ دندنةٍ، كلُّ نغمةٍ صادرةٍ من الكمبريِّ، خطوةً ثابتةً نحو هذا السرِّ الكونيِّ الأعظمِ، الذي يُغيرُ مفاهيمَ الوجودِ، ويُعيدُ تعريفَ القدرِ ذاتهِ. كان العربي يعزف، وأناملُه ترقص على أوتار الروح، ساحرةً كل صمت، بينما ترنيمة النداء تتغلغل في حجب الزمن و تتردد أصداؤها: وا مول السبت أيوا أيوا... يا دافيد... إيوا إيوا... وا الحزان ... إيوا..إيوا يا الحاخام... أيوا أيوا... في الأفق المقابل، تتراءى صورة صاحب القصر، كأنه يملك الدنيا بين يديه. يجذب دخان سيجارته الهافانية ببطىء، وتغشاه ضحكةٌ مكتومة، ضحكة المتملك العظيم، الذي يتراءى له أنه سيد العالم، ومالك الأكوان. إستمر العربي في رحلته الغامضة، يغوص في أعماق ترانيم السبتية. يتنقل بين النغمات، من صيحات إلى أخرى، كأن كل معزوفة دعوة، وكل لحن إستحضار لروحٍ من ملوك الجن السبتي. يسير العربي وفق تسلسل هرمي دقيق، يراعيه أساتذة الفن الأسود الكناوي الكبار، والمقدمون الضالعون من الرجال والنساء، الذين كرسوا حياتهم لخدمة الكهنوت الكناوي العتيق. في حَضرةِ الأرواحِ السبتيّةِ، علا العربيُّ، كأنّما تتَبَدّلُ أحوالُهُ في رقصِ العزفِ، حتى بلغَ ذُروةَ الطّرحِ. بأناملهِ، إستهلَّ اللّحنَ، على أوتارِ الكونِ، نادياً ملكَ الجنَّ التّجارَ، موشي بن عامي؛ ذاكَ الذي تتَلألأُ أذرعهُ ببريقِ الذهبِ، وتتدفّقُ من كفّيهِ أنهارُ المجوهراتِ النّفيسةِ وكنوزُ التّحفِ العتيقةِ، وهبَ سرَّ الثّراءِ لمن يطلبُ. وما لبثَ العزفُ أنْ حوَّمَ، كـطيفٍ شفّافٍ، نحو الملكةِ اليهوديةِ رينا المسكينةِ؛ ذاتِ العّينينِ الحزينتينِ كـبئرٍ عميقٍ، وعِطرِها يُحدّثُ عن قصةِ وجعٍ لا ينتهي. ثمّ فاضَ نحو الملكةِ ماما مسعودةَ؛ العجوزِ التي تفتكُ بالحظوظِ، وتُدمّرُ جمالَ النّساءِ البشريّاتِ المتكبّراتِ، وتُبعثِرُ بركاتِها على الأرواحِ التّائهةِ. قبل أنْ يستقرَّ على أنغامِ الملكِ خايبروا الدمويِّ؛ ذاكَ الذي تتراقصُ الدّماءُ في عافيتهِ، وعاشقِ الحوادثِ الدّاميةِ التي تُوشّي ساحاتِ القدرِ. ثمّ سَجَدَ اللّحنُ لطرح الحمامةِ البيضاءِ المسكونِ، كرمزٍ لروحانيّةِ النّجاةِ، من قهرٍ منتشرٍ، وإضطهادٍ أبديٍّ. تلتها الملكةُ مريا اليهوديةُ؛ بهيبتِها التي تُطِلُّ من وراءِ حجابٍ من نورٍ. والملكةُ مريما زوزو نامِهْ؛ التي تُغنّي لحنَ الحبِّ العتيقِ في خفاءِ الليلِ. فـالملكُ بوريما؛ الذي يُضيءُ الظّلامَ بإبتسامةٍ حكيمةٍ. والملكُ مايو؛ ذاكَ الفارسُ الذي يُحلّقُ بجناحيْهِ فوقَ سهولِ الأرواحِ. في ختامِ هذهِ السّمفونيّةِ الرّوحيّةِ، ضُرِبَ طرحُ الملك العظيم، والقارونيونير الوسيم حمادي؛ صاحب الدولار و سيجار، ملكِ ملوكِ الجنِّ اليهوديِّ الأزرقِ، عملاقِ الثّروةِ و سلطانِ التّجارةِ، الذي تتلوّى تحتَ قدميهِ دروبُ المالِ والأعمالِ. هو كبيرُ أغنياء وتجّار ملوك الجن اليهودي، وأعظمِ عظماءِ عالمهم. ذاكَ الذي لا تكتملُ المحلّةُ إلاّ بهِ، كما جرتْ العادةُ الكناويّةُ في محلاّتها السّبعِ. هنا، تجلّتْ لغةُ الرّوحِ في كلِّ نغمةٍ، وفي كلِّ صدىً، ساحرةً كلَّ من أصغى، و كأنّها همساتٌ من عالمٍ آخرَ، تتسرّبُ من ثنايا الغيبِ، لتُلامسَ شغافَ القلبِ. حمادي يا حمادي، يا نداءَ الروحِ، يا ابنَ مشعلْ! يا يهودياً تجلّى، وفي العينينِ سحرُ الأزلْ. إقضِ حاجتي الآنَ، قبلَ أنْ يرحلَ الزمنُ، فالرّجالُ السبتيُّونَ كلُّهم حولي إلتفّوا، كأنّهمُ حرسٌ من ظِلالٍ، وعلى أعتابِكَ، روحي تهيمُ، والقلبُ إشتعلْ. حمادي يا حمادي، يا بدرَ التوهّجِ في دياجيرِ الظّلمِ البائدِ، لحيتُه نورٌ يضيءُ، كالبدر المنير في ليلة كماله خُدّاهُ وردٌ أحمرُ، نضيرٌ، يفوحُ عطرُهُ كالجنانِ الخالدةِ، أسنانُهُ لؤلؤٌ منثورٌ، وقوامُهُ الجوهرُ الحرُّ، لا يُضاهيهِ خَلْقٌ في الورى. أيها التّاجرُ، يا حمادي، يا ربَّ المالِ والكنوزِ الخافيةِ، يا منْ بيمينكَ تُمنحُ العطايا، وتزهرُ الحقولُ الخاويةُ. أيها الرّجالُ السبتيُّونَ، يا منْ حوّمتُم حولي كالأطيارِ، يا حمادي يا بنيَّ، يا ابنَ مشعلٍ، يا ذا العُلى! أيها التّاجرُ، يا منْ تملكُ مفاتيحَ الأقدارِ الدّائرةِ، أيها العربيدُ، في عينيكَ سرُّ الأسرارِ الكامنةِ، يا يهوديّاً، يا منْ سكنتَ قلوبَ الأحرارِ، يا منْ بوجودكَ، تتراقصُ الأنوارُ. حمادي يا حمادي، يا ولدي، يا نبضَ الحياةِ في عروقي، التاجرُ، يا يهوديّاً، يا منْ تمنحُنا النّجاةَ من غرقٍ. حمادي يا حمادي، حمادي يا ولدي، يا ضوءَ الفؤادِ السّاري، حمادي عنكَ أنادي، والصّوتُ يعلو، كصدىً في كلِّ وادِ. كان صاحبُ القصرِ يُجذبُ صاعدًا هابطًا، كأنّما لم تَمسسْ يداهُ قطُّ لذّةَ العطاءِ، ولم يذقْ شَهْدَهُ في دهرٍ. في لحظةٍ انفلتتْ من إيقاعِ الزّمنِ الملتهبِ بنارِ العزفِ، إنبعثَ صوتُهُ مدوّيًا، إخترقَ الأثيرَ، كصرخةِ روحٍ تُنادي الغيبَ: إنتظرْ! إنتظرْ! صعدَ إلى الأعالي، وغابَ في دهاليزِ القصرِ العليا، كأنّ الأرضَ قد إبتلعتهُ، أو السماءَ قد إحتضنتهُ. ثمّ عادَ، يحملُ على راحتيهِ كنوزاً لا تُحصى؛ أكوام من الذهبِ يتوهّجُ ببريقِ الشّمسِ، و مجوهراتٌ تُبهرُ العينَ بضياءٍ يسلبُ الأبصارَ، و يُعمي عيونَ الحسدِ. مدّها للعربيّ، فآرتجفتْ الأرضُ تحتَ وطأةِ العظمةِ. إنحنى صاحبُ القصرِ على ركبتيهِ جاثيًا، كعبدٍ أمامَ سيّدٍ، وأودعَ في الكَنمري قبلةً قدسيّةً، هامسًا بوقارٍ يرتعشُ له الفؤادُ، كوقعِ خطواتِ النّجومِ: هذهِ البركةُ من أسيادي، من دافيدَ وموشي و بوريما، خيبروا ومايو، وصارةَ اليهوديّةِ؛ هذهِ عطيتُهم لكَ، خذها، ووزّعها على مجموعتِكَ. مسكَ العربيُّ تلكَ المجوهراتِ، وفي عينيهِ صدمةٌ عظيمةٌ، كمن رأى سرَّ الكونِ يتجلّى أمامهُ، ويداُه ترتعشانِ، كأغصانٍ في مهبِّ الرّيحِ العاتيةِ، وهو يُردّدُ بصوتٍ خافتٍ، يكادُ يكونُ همسًا يضيعُ في صدى المكانِ، كأنينِ روحٍ مبهورةٍ: هذا كثيرٌ... هذا كثيرٌ سيدي... أجابَ صاحبُ القصرِ بكلماتٍ تُشعلُ الجوَّ، كأنها شراراتُ نارٍ تتطايرُ من فمِ بركانٍ ثائرٍ: هل ترفضُ الغرامةَ؟ هل ترفضُ غرامةَ اليهودِ، التي لا تُردُّ؟ هل في إستطاعتِكَ أن تُصارعَ القدرَ وتفعلَ هذا الأمرَ المستحيلَ!؟ نظرَ العربيُّ إلى الكاهنةِ المرشدةِ، عرشِ الحكمةِ المُتّصلِ بالسّماءِ، التي تملكُ السلطةَ المطلقةَ في الحُكمِ، وتُحلُّ كلَّ إختلافٍ، كأنها تفتحُ أبوابَ الغيبِ لتُبينَ الحقائقَ. هي مَن لا يخرجُ أحدٌ على الرضوخِ لصولجانِها المضيءِ، فقراراتُها نافذةٌ كقضاءِ السماءِ الذي لا يُردُّ، مُسلّمٌ بها دونَ نقاشٍ أو تلكؤٍ. أشارتِ الكاهنةُ بإيماءةٍ من رأسها، كهمسةِ قدرٍ تتسللُ إلى الرّوحِ، تأمرُ العربيَّ أن يقبلَ هديةَ صاحبِ القصرِ. مسكَ العربيُّ المجوهراتِ، وفي عينيهِ بريقٌ من الدّهشةِ، كمن رأى سرَّ النجومِ يتكشفُ فجأةً. و قالَ لصاحبِ القصرِ بصوتٍ خاشعٍ، يقطرُ إمتنانًا، كقطراتِ النّدى على الوردِ في فجرٍ نديٍّ: عذرًا سيدي، عذرًا، هديتُكم مقبولةٌ، هديتُكم مقبولةٌ. جزاكم اللهُ كلَّ خيرٍ، أسعدَ اللهُ أيامَكم كلها، وزادَكم نعمةً وجاهًا، وجعلَكم من السعداءِ المسرورينَ، في الدنيا والآخرةِ. بعدَ قبولِ الهبةِ، فاضَ صوتُ صاحبِ القصرِ، كأنّهُ نداءُ قدرٍ آفيٍّ، يخطّ في الأفقِ وعداً يترقرقُ كالماءِ الزّلالِ: في الأسبوعِ المقبلِ، سنقيمُ ليلةً على شرفِ سيدِ بوجمعةَ، و بعضِ أصدقائي اليهودِ. لا بدَّ أن تحضرَ حينها لإنجازِ هذا الطّقسِ المقدّسِ، فتُسقيَ أرواحَنا من نبعِ الإلهامِ. ردَّ العربيُّ، بصوتٍ خاشعٍ، يحملُ في طيّاتهِ تسليماً عميقاً، كأنّهُ يوقّعُ على صحيفةِ الغيبِ بقلمِ القدرِ: إن شاءَ اللهُ سيدي، إن شاءَ اللهُ. في تلكَ الأثناءِ، تنهّدَ الرّجلُ تنهيدةً كأنها صعدتْ من أعماقِ روحِهِ، حملتْ معها أسرارَ السّنينَ، و همساتِ الأزمانِ الغابرةِ. وألْقى قبلةً أخرى على جبينِ الكَنمري، وداعاً رقيقاً لموسيقاه التي تلاشتْ في الفضاءِ، كأنّها حلمٌ جميلٌ يذوبُ عندَ الفجرِ. غادرَ العربيُّ حينها، وبدأَ يلاحظُ أنَّ أوتارَ الكَنمبري بدأتْ ترتخي، كأنها روحٌ متعبةٌ، أرهقها العزفُ الشّاقُّ، وغرقَ في بحرٍ من النّغماتِ. خاطبَ نفسَهُ هامساً، كأنّما يُعاتبُ رفيق دربهِ، ذاك الذي شهد كلَّ أسرارهِ: ربما لأنّني عزفتُ عنه كثيراً خلالَ الليلةِ الماضيةِ، وأنهكتُه.
يتبع.......
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الْكمُبْرِئ -الْجُزْءُ السَّابِع-
-
الْكمُبْرِئ -الْجُزْءُ السَّادِسُ-
-
الْكِمبْرِئ -الْجُزْءُ الْخَامِس-
-
الْكِمُبْرِئ -الْجُزْءُ الرَّابِع-
-
الْكمبْرِئ -الْجُزْءُ الثَّالِث-
-
الكّْمْبّْرِيّ -الْجُزْءُ الثَّانِي-
-
الْكِمُبْرِي -الْجُزْءُ الْأَوَّلُ-
-
أَطْلَانتس وَسيِّدِي مُوسَى
-
الزَّرَادِشْتِيَّة
-
جَوْهَرٌ أَعْمَق أَسْرَار الْوُجُود
-
إخْتِرَاق الزَّمَكَان
-
المُثَقَّف الْمُزَيَّف
-
نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ
...
-
نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ
...
-
نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ
...
-
نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ
...
-
نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ
...
-
نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ
...
-
نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ
...
-
نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ -الْجُ
...
المزيد.....
-
ترامب عن خطة إسرائيل بشأن غزة: تذكروا السابع من أكتوبر
-
ثلاثة خيارات صعبة أمام حزب الله
-
اغتيال صحفيي الجزيرة.. هل تنجح إسرائيل في إسكات الحقيقة؟
-
ترامب عن قمته مع بوتين: ربما خلال دقيقتين سأعرف ما إذا كان س
...
-
بقيمة 7.7 مليار دولار.. -باراماونت- تبرم عقداً لبث -يو إف س
...
-
جورجينا تستعرض خاتما.. هل تتزوج رونالدو أخيرا؟
-
ليبيا: خليفة حفتر يعين نجله نائبا له - فما هي مهامه؟
-
دوجاريك: إسرائيل تقتل الصحفيين لمنعهم من نقل ما يحدث بغزة
-
كيف حاولت إسرائيل تبرير جريمة استهداف صحفيي غزة؟
-
القوات السودانية تصد هجوما واسعا للدعم السريع على الفاشر
المزيد.....
-
الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي
...
/ فارس كمال نظمي
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|