عماد الطيب
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 00:16
المحور:
الادب والفن
كانوا ثلاثة أحلام، أودعتها في صدري كما يودع القلبُ نبضاته الأخيرة في أمانة السماء. كبرتُ بهم، ونَمَوا بي، وسهرتُ على لياليهم كما تسهر القناديل على طريق الغريب. كانوا أولادي… وكلّ واحد منهم كان شجرة أمل زرعتها بيدي في حديقة العمر، وسقيتها بدمع الفرح وعرق الصبر.
وحين وجدوا لأنفسهم موطئ قدم في دنيا العمل، بسطوا أجنحتهم، وطاروا بعيدًا عن عشي، تاركين خلفهم قلبًا يتقوّس من الوحدة. بقيتُ أنا عند عتبة الدار، أحتضن الصمت، وأنتظر طرقة باب تحمل بين أنفاسها بعضًا من ملامحهم، أو همسة تعيدني إلى أيّامهم.
لكن الأمل الذي كان يملأ صدري صار رمادًا، والرماد صارت تذروه الرياح كلما همستُ باسم أحدهم. ورغم ذلك… لم أتخلّ عن عادتي اليومية: النظر إلى الدروب التي خطّوا عليها خطواتهم الأخيرة نحو الوداع، علّ إحدى الخطوات تعود أدراجها، ولو مرة، نحو قلبي.
سألتُ عنهم العابرين، وناجيتُ السائرين في دروب الحياة: هل لمح أحدكم وجوهًا تشبه وجهي في ملامحها، أو يحمل في عينيه ظلّ أيامي الماضية؟ كانوا يهزون رؤوسهم بأسفٍ صامت، ويواصلون السير، وكأن السؤال لا يعنيهم، وكأن قلبي ليس على وشك الانكسار.
بحثتُ في وجوه الغرباء عن بقايا من دفء ابتساماتهم، وفي أصوات المارّة عن نبرةٍ تشبه نداءهم القديم لي، فلم أجد سوى صخب الحياة الذي يبتلع الحنين.
ومع كل يوم يمضي، يزداد الفراغ حولي اتساعًا، حتى غدت الدار أوسع من قلبي، والدروب أطول من صبري… ومع ذلك، ما زلتُ أترك الباب مواربًا، وأضع قلبي عند العتبة، تحسبًا لخطوةٍ عائدة أو صوتٍ يبدّد هذا الصمت الثقيل.
#عماد_الطيب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟