أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سعد محمد مهدي غلام - (بين ازدواجية الخطاب وتكميم الأصوات: القضاء العراقي في مرآة التناقض)















المزيد.....

(بين ازدواجية الخطاب وتكميم الأصوات: القضاء العراقي في مرآة التناقض)


سعد محمد مهدي غلام

الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 20:53
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


مقدّمة:
قضاء يتكلم بلغتين
في زمن يُفترض فيه أن تكون السلطة القضائية حارسة للنصوص، لا موجِّهة للرأي العام، وحامية للحقوق لا حاجبة للمعلومة، يتوالى في العراق مشهد قضائي مثقلٌ بالتناقض، يطرح أسئلة صريحة حول سلامة البنية المؤسسية ومدى احترام المبادئ الدستورية التي يُفترض أن تنطلق منها الجهات القضائية ذاتها.
فمن جهة، يُمنَع الصحفيون والمواطنون والباحثون من نشر أو تحليل قرارات المحاكم حتى التي تتعارض مع قوانين نافذة ونصوص جلية ، بحجة "الحفاظ على هيبة القضاء"، وتُمارَس رقابة مشددة على منابر التعبير القانونية.
ومن جهةٍ أخرى، لا يتردد قضاة في أعلى مراتب السلطة القضائية – تحديدًا نوّاب رئيس محكمة التمييز الاتحادية – في توجيه نقد علني لاذع لقرارات المحكمة الاتحادية العليا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبعبارات لا تقتصر على النقاش القانوني، بل تتجاوزه إلى الاتهام الضمني بالتسييس والخضوع لـ"الموجات الشعبوية".

1. نقدٌ داخلي مباح... ونقدٌ شعبي ممنوع؟
لقد دأب مجلس القضاء الأعلى على منع نشر قرارات المحاكم وتحذير وسائل الإعلام من تحليلها، بذريعة "استقلال القضاء" و"خصوصية الأحكام"، وهو ما تكرر في تعاميم رسمية وممارسات ميدانية.
لكن هذا الصمت المفروض على المجتمع المدني لا يسري – كما يبدو – على أعضاء المؤسسة القضائية نفسها، إذ شهدنا خلال العامين الأخيرين سلسلة تصريحات منشورة على صفحة "القوانين العراقية – قانونجي" على موقع فيسبوك، يهاجم فيها قضاةٌ بارزون المحكمة الاتحادية العليا بعبارات مباشرة.
من أبرزها تعليق القاضي كاظم عباس / نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية، الذي اتهم المحكمة بأنها:
"ركبت موجة شعبوية متأثرة بخطاب منظمات المجتمع المدني، وانجرت خلف أجندات لا علاقة لها بالدستور أو بحماية الأسرة، بل تهدف إلى إعادة تشكيل مفاهيم تحت غطاء العدالة الأسرية بما يخالف الشرع والدستور معًا."

هل يُسمّى هذا نقدًا قانونيًا محضًا؟ أم تسييسًا داخليًا للعمل القضائي الأعلى في البلاد؟

2. اتفاقية خور عبد الله: عندما يكتب الرئيس اعتراضه
مثال آخر على هذا التناقض المؤسسي تمثّل في موقف رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، الذي كتب في 23 تموز 2025 مقالًا بعنوان "أمواج خور عبد الله بين قرارين متناقضين"، انتقد فيه ضمنًا قرار المحكمة الاتحادية العليا الصادر في 4 أيلول 2023، والذي قضى بعدم دستورية قانون التصديق على الاتفاقية البحرية مع الكويت.
ورغم أن المحكمة الاتحادية أصدرت قرارها استنادًا إلى المادة 61/رابعًا من الدستور وقانون تصديق المعاهدات رقم
رقم (35) لسنة 2015
الذي نُشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4376) بتاريخ 24/8/2015
بتاريخ نفاذ: وفقًا للمادة (2) من القانون:
"ينفذ هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية."
تاريخ نفاذه هو: 24 آب 2015
، والتي تشترط تصديق ثلثي أعضاء مجلس النواب على المعاهدات، فإن مقال رئيس المجلس سعى إلى إعادة تأويل الفقه الدستوري لتقويض القرار من الداخل، معتبرًا إياه متعارضًا مع تفسير سابق وذا طابع "غير متماسك".
هذا السلوك – حتى وإن كُتب بلغة قانونية – يبقى تشكيكًا في حجية قرار دستوري نافذ، صَدَر عن جهة لا تخضع لأي جهة أعلى في تفسير النص الدستوري بموجب المادة 93 من الدستور.


3. صفحة "قانونجي": ساحة تفاعلية لنقل الرأي القضائي واستقبال الرأي المقابل
تُعدّ صفحة "القوانين العراقية – قانونجي" على موقع فيسبوك واحدة من أبرز المنصات القانونية الرقمية التفاعلية في العراق، حيث تتيح مساحة للرأي والرأي المقابل، وتنشر تحليلات ومواد قانونية متنوعة تهمّ القضاة والحقوقيين والجمهور العام. وتمتاز الصفحة بأنها لا تفرض خطابًا واحدًا، بل تعكس تنوع الآراء والاجتهادات داخل الحقل القانوني، ما جعلها مرجعًا غير رسمي لمتابعة النقاشات القضائية الراهنة.
وقد نشرت الصفحة في الآونة الأخيرة تعليقات وتصريحات نُقلت عن قضاة فاعلين في محكمة التمييز الاتحادية، أبرزهم نائب رئيس المحكمة القاضي كاظم عباس، تضمنت انتقادات علنية ومباشرة لبعض قرارات المحكمة الاتحادية العليا، منها ما جاء بصيغة تحليل أكاديمي ومنها ما اقترن بخطاب يلامس حدود الموقف السياسي أو الديني. ولم تكن هذه الآراء منشورة أصلًا على الصفحة من قبل أصحابها، بل نقلتها المنصة استنادًا إلى مصادرها الإعلامية أو تصريحات منشورة في وسائل أخرى.
ورغم مشروعية النقاش العام، تبقى المفارقة في أن هذه الانتقادات صدرت من داخل المؤسسة القضائية ذاتها، ولم يُسجّل أي توضيح رسمي من الجهات القضائية العليا يحدّد الإطار السلوكي أو المهني لهذه التصريحات، في حين يُطالَب الناشط القانوني والأكاديمي غالبًا بالتحفّظ، وقد يُتّهم بالتسييس أو الإساءة عند مناقشة ذات القرارات أو انتقاد المحكمة نفسها.

4. نزاع تفسير النفقة: الاتهام يتصاعد
في تعليق جديد على ذات نشرته الصفحة، صعّد القاضي كاظم عباس هجومه على المحكمة الاتحادية، منتقدًا قرارها في القضية 33/اتحادية/2022 بشأن دستورية قرار مجلس الوزراء رقم 1000 لسنة 1983، المتعلق بزيادة نفقة الأولاد والمطلقة تبعًا للظروف.
ورغم أن المحكمة ردّت الطعن ولم تبطل القرار، فإنها فسّرت عبارة "النفقة" لتشمل الزيادة والنقصان، واعتبرت هذا التفسير ملزمًا لجميع السلطات. فهاجم القاضي هذا التوجه، واعتبره:

"تجاوزًا صريحًا لاختصاص المحكمة المنصوص عليه في المادة 93/ثانيًا من الدستور، لأنها فسّرت نصًا قانونيًا لا دستوريًا.

وأضاف أن هذا القرار يمثّل "تسييسًا للأسرة والعدالة"، وامتدادًا لتأثير "أجندات إعلامية ومنظمات منحرفة المفهوم".

كما أشاد بقرار محكمة التمييز الاتحادية (14/الهيئة العامة/2022)، الذي أعاد للقاضي الموضوعي – حسب وصفه – سلطته التقديرية، وقيّد أي تفسير ملزم تصدره المحكمة الاتحادية بعد رد الطعن.

مفارقة خطيرة: نائب محكمة تمييز يرفض التزام حكم دستوري
في السياق القانوني، لا يجوز لأي محكمة أدنى أن تتجاهل التفسير الوارد في حكم دستوري، حتى لو جاء في معرض رفض الدعوى. والاعتراف بعدم إلزامية هذا التفسير، بل رفضه علنًا، يضع السلطة القضائية في حالة صدام داخلي علني، تنال من وحدة مرجعيتها وسلطتها الدستورية.


5. المادة 93 لا تُجزّأ... والاستقلال لا يُحتكر
تنص المادة 93/ثانيًا من الدستور العراقي على أن اختصاص المحكمة الاتحادية يقتصر على تفسير النصوص الدستورية. لكن الاجتهاد القضائي المستقر – وحتى فقه المحاكم الاتحادية ذاتها – يُجيز للمحكمة، أثناء نظرها في دعوى دستورية، أن تفسّر النص محل الطعن في معرض الرد عليه.
ولا يُعدّ هذا التفسير تجاوزًا، لأنه جزء من البناء الحُكمي الكامل، ما دام لم يصدر بشكل مستقل عن دعوى. وبالتالي، فإن رفض نواب محكمة التمييز للتفسير الوارد في قرار المحكمة الاتحادية، يعني رفضًا ضمنيًا لحجية قراراتها الدستورية، وتعدّيًا على سلطتها العليا في النظام القضائي.

6. العدالة لا تُحمى بالصمت... ولا بالمزايدة
تُظهر هذه الأمثلة المتتالية أن المؤسسة القضائية في العراق تُمارس خطابين متوازيين: خطابًا رسميًا يرفض النقد العلني ويحجب الأحكام، وخطابًا داخليًا هجوميًا يسمح للقضاة الكبار بمهاجمة المحكمة الدستورية علنًا.
والمفارقة أن هذا الصمت المؤسسي تجاه النقد الداخلي، لا يُقابله إلا تضييق متزايد على الإعلام والباحثين والجمهور القانوني.
فإذا كانت قرارات المحكمة الاتحادية تُهاجم من نوّاب التمييز على منابر التواصل، فكيف يُمنع الأكاديمي من تحليلها؟ وإذا كان رئيس مجلس القضاء يُعيد تأويلها سياسيًا، فبأي حقّ يُمنع نشرها على الصحف والمواقع؟

خاتمة:
المؤسسة التي تُناقض نفسها تفقد سلطتها
إن ما يجري اليوم في جسد القضاء العراقي هو أزمة خطاب، لا مجرد اجتهاد مخالف.
أزمة فيمن يحق له أن ينتقد، ومن يُمنع.
أزمة فيمن يُحمى من المساءلة، ومن يُدان قبل أن يتكلم.
وأزمة في صمت مجلس القضاء الأعلى إزاء انفراط وحدة منابر القضاء.
وإذا لم تبدأ المؤسسة القضائية بضبط لغتها من الداخل، فلن تنجح أي محاولة لإقناع الناس باستقلالها أو عدالتها.
فلا العدالة تُحمى بالخطب، ولا الدستور يُحتَرم بالمقالات، ولا القضاء يُبنى بالتناقض.



#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (حين ينتقد القضاة بعضهم علنًا: قراءة في أزمة الخطاب القضائي ...
- (مراجعة سيميائية عامة لقصيدة الشاعرة بشرى البستاني: [أنثى ال ...
- (رَهْبَةُ القُرْبِ وَفَزَعُ الغِياب) (مُناجاةٌ بين قيثارةٍ ر ...
- (عن الحنين الذي لا يهدأ: جَذْبَة )
- (مُنْفَرِدُ التَّقْسِيمِ)
- (على قنطرةٍ من لهبٍ وظِلّ: وَاسِني بِالسُّهى)
- (رَهِينَةُ النَّيَاسِمِ) (اتِّبَاعًا لأَثَرِ الغِيَابِ المُق ...
- (تَلَّةُ لَوزٍ مُرٍّ) (مرثيّةُ العشقِ المصلوبِ على هودجِ الخ ...
- (نَشِيدُ العِنْدَلِيبِ وَشَجَرَةُ التِّينِ)
- - هدر دم خور عبد الله بتدخل القضاء العادي في القضاء الدستوري ...
- تحليل قانوني دستوري لمقال : -أمواج خور عبد الله بين قرارين م ...
- /(سُوبَاطُ النِّسْيَانِ: نَامُوسُ الصُّقُورِ) ديون شعري
- (ثُلاثيّة الإدراك، الصمت، الصدى: قراءة سيميوطيقية فلسفية – ج ...
- (لا عزاء: تمثّلات الزمن والوجع في الشعر الوجودي) (تشريح الذا ...
- (بورنو… في مُحْرَابِ الغياب ) (نصٌّ عن المحراب حين يُفتَح من ...
- (نُبُوءَةُ الزَّفِيرِ فِي كَفِّ العَابِرِ)
- (نَسِيجٌ عَلَى نَوْلِ الفَقْد)
- (أزمة القضاء في العراق: بين الاجتهاد الخارج عن النص وغياب ال ...
- (حَرْفٌ:جُفولُ الكينونةِ)
- ( المَخْدَعُ أَمِينٌ..... حُلِّي إزارَكِ... )


المزيد.....




- الأونروا: قدمنا قرابة 10 ملايين استشارة صحية منذ بدء الحرب ف ...
- الجفاف وتراجع الإغاثة يتركان ثلث أطفال توركانا فريسة لسوء ال ...
- عَلمان وصورة.. مظاهرات تطالب بـ-تقرير المصير- في السويداء
- الجفاف وتراجع الإغاثة يتركان ثلث أطفال توركانا فريسة لسوء ال ...
- -العضوية الكاملة-.. ما هو المسار القانوني لدولة فلسطين في ال ...
- الجفاف وتراجع الإغاثة يتركان ثلث أطفال توركانا فريسة لسوء ال ...
- مركز حقوقي فلسطيني: الاحتلال يحاول خلق أمر واقع تستحيل معه ا ...
- الاحتلال ينفذ مداهمات واعتقالات وهجمات للمستوطنين في الخليل ...
- -الحكم المحلي- تستنكر اعتقال الاحتلال رئيس وأعضاء مجلس قروي ...
- الاحتلال ينفذ مداهمات واعتقالات وهجمات للمستوطنين في الخليل ...


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سعد محمد مهدي غلام - (بين ازدواجية الخطاب وتكميم الأصوات: القضاء العراقي في مرآة التناقض)