سوزان ئاميدي
الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 00:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الأنفال ليست مجرّد جريمة إبادة، بل وصمة في جبين الإنسانية، تُدوَّن لا بالحبر، بل بعظام أطفال ونساء دُفنوا أحياء تحت ركام صمت العالم. إنها لحظة مظلمة في تاريخ العراق، وأشد سواداً في ذاكرة الكورد، حيث تحوّلت الجغرافيا إلى مقبرة، والتاريخ إلى شاهد خجول على فظاعة لم تلقَ حتى الحدّ الأدنى من الاعتراف الدولي.
ورغم ضخامة المأساة، ظلّ الموقف الدولي دون مستوى الحدث، أقرب إلى المجاملة السياسية منه إلى الإدانة الأخلاقية، وكأن دماء الكورد لا تستحق أكثر من استنكار خافت في أروقة مغلقة. لم يُحاسب القتلة بالقدر الذي يليق بجريمتهم، ولم تُرفع راية العدالة فوق أنقاض القرى الكوردية المدمّرة، بل رُفعت رايات المصالح والتحالفات المؤقتة.
والمفارقة أنّ هذه الجريمة لم تكن الأولى في سجل معاناة الكورد، ولن تكون الأخيرة في ظل استمرار التجاهل الدولي المزمن لحقوقهم. فالشعب الكوردي، الممتد عبر أربع دول، لم يعرف في تاريخه الحديث سوى محاولات مستمرة لمحو هويته، وتجزئة جغرافيته، وإسكاته حين يطالب بحقه في تقرير مصيره. وما بين الوعود المقطوعة والمواقف المترددة، ظلّ الكورد ضحية لصفقات إقليمية تُعقد على حسابهم، وورقة ضغط تُلوَّح بها حين تقتضي الحاجة، ثم تُطوى حين تتغير الحسابات.
اليوم، بعد أكثر من ثلاثة عقود على كارثة الأنفال، لا تزال ذاكرة الضحايا تنتظر عدالة لم تأتِ، وشعب بأكمله يعيش على هامش المعادلات الدولية، يُستخدم حيناً ويُتجاهل غالباً. إنها ليست فقط مأساة ماضٍ أليم، بل جرح مفتوح في ضمير العالم، يزداد عمقاً كلما استمر الصمت والتواطؤ.
الأنفال لم تنتهِ بعد، طالما لم يُحاسب الجاني، ولم يُعترف بالضحية.
إنها الإبادة التي تتكرّر في كل صفقة تتجاهل وجود الكورد، وفي كل تسوية سياسية تُقصيهم، وفي كل خطاب دولي يغض الطرف عن معاناتهم. وما لم يتغيّر هذا المنطق الأعوج في التعامل مع الكورد كـ “حالة وظيفية” لا كـ “قضية شعب”، فالعالم لا يختلف كثيراً عمّن دفنوا الضحايا… سوى أنه دفنهم بصمته
#سوزان_ئاميدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟