سوزان ئاميدي
الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 00:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ سقوط النظام السابق في العراق عام 2003، لم يعرف الكورد طعم الاستقرار الحقيقي مع الحكومات المتعاقبة في بغداد. فبدلاً من طيّ صفحة الماضي والانطلاق نحو شراكة وطنية عادلة، استمر نهج الإقصاء والتهميش تجاه إقليم كوردستان، رغم وضوح الدستور العراقي الذي أقرّ بالشراكة والتعددية والفيدرالية.
لا يكاد يمر شهر دون أن يُصدم الكورد بإجراءات أو تصريحات تنتهك حقوقهم الدستورية، وتتعدى على صلاحيات الإقليم بشكل صارخ. والأدهى من ذلك، أن هذه السياسات تُبرر بحجج واهية لا تقنع إلا الجهلة أو المتعصبين، وتُسوّق عبر وسائل الإعلام التي دأبت على تشويه صورة الإقليم لدى المواطن العربي، وخاصة في الأوساط الشيعية، حتى باتت النظرة السائدة إلى الكورد أنهم “طارئون” في العراق، وكأن التاريخ لا يشهد بجذورهم العميقة في هذه الأرض.
التاريخ يُحرَّف، والوقائع تُزوَّر، والنتيجة أن الشارع العراقي – نتيجة التحريض الإعلامي والتعبئة الخاطئة – بات يتقبل بل ويبرر أي قرار مجحف بحق الإقليم، وكأن ذلك “حق مكتسب” للدولة المركزية.
اليوم، يواجه المواطن الكوردي تهديداً مباشراً في مصدر رزقه وكرامته. تُستخدم الرواتب كسلاح سياسي، وتُمنع المنتجات الكوردية من دخول المحافظات الأخرى، ويُحظر تصدير النفط، وتُلوَّح التهديدات العسكرية باستمرار لإعادة الإقليم إلى ما يُسمى بـ”الوضع السابق”. كل هذه الممارسات تتم بينما يُطلب من الإقليم، تحت ضغوط إقليمية ودولية، أن “يتفاهم” مع بغداد وكأن المشكلة تكمن في أربيل لا في مركزية القرار المتعنت في بغداد.
منذ 2003، التزم إقليم كوردستان بسياسة الحوار والتفاهم، ولم يخرق الدستور، في حين لم تلتزم الحكومات المركزية بأي من وعودها أو التزاماتها الدستورية. لم يبقَ للدستور مكان في الواقع السياسي، بل تحوّل إلى وثيقة تُستخدم عند الحاجة وتُهمل عندما تتعارض مع المزاج السياسي السائد.
محاربة بغداد للإقليم لا تقتصر على الأبعاد الاقتصادية فحسب، بل تمتد إلى الجوانب المعنوية والسياسية ايضاً . فالشركات الأجنبية العاملة في كوردستان بدأت تُحمّل الإقليم وحده الخسائر الناتجة عن الخلافات، ما يُقوّض بيئة الاستثمار ويضرب الاستقرار. ورغم أن بغداد نفسها تخسر نتيجة هذا التعامل المجحف، إلا أن الإصرار على إذلال الإقليم يبقى أقوى من أي منطق سياسي أو اقتصادي.
إن ما يعانيه الكورد اليوم ليس مجرد أزمة سياسية أو اقتصادية، بل هو ظلم تاريخي مستمر، تُكرّسه سلطة لا تريد أن تعترف بشراكة حقيقية، ولا أن تلتزم بدستور كان من المفترض أن يكون ضمانة لكل مكونات العراق
#سوزان_ئاميدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟