سوزان ئاميدي
الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 19:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في زحمة التصعيدات العالمية، وبين هدير الحرب في أوكرانيا وظلال الصراع في غزة، يعود الملف النووي الإيراني ليتصدر المشهد مجدداً، ولكن هذه المرة بنكهة مختلفة: نكهة التسويات الصامتة والرسائل المبطّنة.
الولايات المتحدة، وقد أرهقها تشظي الجبهات، تبدو أكثر ميلاً لتثبيت التوازن مع طهران لا مواجهتها. إيران، من جهتها، تستثمر بذكاء في متغيرات المشهد الدولي، وتفاوض بعقلية من يدرك أن واشنطن لم تعد تتحمل كلفة نزاع مفتوح في الخليج أو الشرق الأوسط.
لكن ما يُحاك في الغرف المغلقة ينعكس توتراً على الأرض. إسرائيل تعيد رسم خطوطها الحمراء، والخليج يتساءل عن الثمن الأمني لهذه التفاهمات. تركيا تراقب بعين الحذر، وتقرأ الاتفاق في ضوء تنافسها الإقليمي مع طهران. أما العراق، فيجد نفسه مرة أخرى في قلب معادلة لا يتحكم بمعادلاتها، بل يُطالَب بدفع أثمانها.
الاتفاق النووي ـ إذا ما تم ـ لن يكون مجرد تسوية تقنية حول التخصيب والرقابة، بل بداية لمرحلة إعادة ترتيب النفوذ والمجالات الحيوية. وقد تكون طهران المستفيد الأكبر من لحظة دولية مرتبكة، ما لم تُقابل بتحرك عربي موحَّد يعيد الاعتبار لمفهوم الشراكة لا التبعية.
وماذا عن الكورد؟ بين ارتدادات الاتفاق وحدود الهامش
وسط هذه الحسابات الكبرى، يبقى الكورد ـ في العراق وسوريا ـ من أكثر الأطراف تأثراً، وأقلّها تأثيراً في مجريات التسويات.
في إقليم كوردستان العراق، أي تقارب أمريكي-إيراني يعني احتمال تقليص الدور الأمريكي كضامن غير معلن لتوازنات الإقليم، مقابل تعزيز اليد الإيرانية في بغداد، ما يفتح الباب مجدداً أمام محاولات خنق الإقليم مالياً وسياسياً عبر أدوات الضغط المركزية.
أما في كوردستان سوريا، فإن تحولات الاتفاق تعني تغيّراً في قواعد الاشتباك بين طهران، دمشق، وواشنطن. وكل انشغال أمريكي بالتفاهمات مع طهران قد يُترجم ميدانياً إلى مزيد من الفراغ، وهو ما قد تستغله دمشق وإيران لإعادة تثبيت سيطرتهما أو تحجيم الإدارة الذاتية تدريجياً.
هامش الكورد في هذه المعادلة يضيق، ما لم يُبادروا إلى بلورة مواقف موحدة، تعيد تعريف دورهم كعامل توازن لا مجرد ورقة بيد اللاعبين الكبار. فالمعادلات تتغير، والفرص السياسية لا تنتظر المتفرجين.
الرسالة التي ينبغي أن تُقرأ بين سطور كل تسوية غربية مع طهران هي أن الجغرافيا لا تحتمل الفراغ، والسياسة لا تعترف بالنيات، بل بالأوزان والمواقف. وفي زمن إعادة التموضع، إما أن تكون حاضراً على الطاولة، أو جزءاً من قائمة الطعام.
#سوزان_ئاميدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟