سوزان ئاميدي
الحوار المتمدن-العدد: 8348 - 2025 / 5 / 20 - 22:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رغم الاستعدادات المكثفة والرهانات السياسية التي سبقت القمة العربية المنعقدة في العراق، جاءت النتائج مخيبة للآمال، ليس فقط على مستوى الحضور والقرارات، بل في الرسائل السياسية التي حملها غياب البعض، والمواقف المواربة للبعض الآخر. لم تكن القمة سوى انعكاس صارخ لوضع عربي مأزوم، تتغير فيه الأولويات بتغير العواصم، ويُختزل فيه العراق إلى مجرد هامش على أجندات أكبر.
شهدت القمة غياب عدد من القادة المؤثرين في النظام العربي، ما قلل من زخمها السياسي والإعلامي، وأوحى بعدم اعتبار بغداد مركزاً لصنع التوافقات. ولم تحمل البيانات الختامية جديداً يُذكر، بل أعادت تكرار عبارات التضامن والدعم دون خطوات عملية أو مواقف حاسمة، مما كرّس الفجوة بين الخطاب والواقع. أما الخلافات البينية وصراع المحاور، فقد بدت حاضرة بقوة في مواقف الدول المشاركة، وكأن العراق مجرد ساحة لتوازنات خارجية أكثر من كونه مضيفاً له وزنه ومكانته.
كما عجزت القمة عن مناقشة الملفات الجوهرية التي تعصف بالمنطقة، من القضية الفلسطينية إلى الأزمات المتفاقمة في السودان وسوريا ولبنان واليمن، دون أن تخرج برؤية أو مبادرة واقعية، مما كشف عجزاً جماعياً لا يمكن تغطيته بالبلاغة الدبلوماسية. والأهم أن القمة كشفت مجدداً عن فقدان العراق لهويته الجامعة عربياً؛ إذ لا تزال بعض العواصم تنظر إليه من منظور طائفي أو اصطفافي، لا كطرف قادر على لعب دور الجسر بين الفرقاء.
كان يُفترض أن تكون استضافة القمة فرصة لإعادة تقديم العراق كطرف جامع، لا مجرد مضيف مؤقت. لكن هذا الهدف يصطدم بعقبتين أساسيتين: الأولى، انعدام الثقة العربية في استقرار القرار العراقي بسبب التأثيرات الخارجية المتداخلة، خصوصاً الإيرانية. والثانية، ضعف الدور العراقي في الملفات العربية الساخنة، مما جعل حضوره السياسي يبدو تكميلياً لا محورياً. وبهذا، لم يكن الفشل في القمة مجرد حادث دبلوماسي، بل نتيجة لمسار طويل من التراجع في وزن العراق عربياً، سواء بسبب سياساته الداخلية أو مواقف جيرانه العرب منه.
فشلت القمة في تحقيق ما وعدت به، ولكن الأهم أنها نجحت دون قصد في كشف واقع العلاقات العربية مع العراق. بلدٌ لا يحتاج إلى استطلاع للرأي كي يعرف موقعه من خريطة الانتماء العربي؛ فالصمت والغياب أحياناً أبلغ من التصريحات.
#سوزان_ئاميدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟