أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - محمد عادل زكى - المثقف اليساري: شبح بلا تاريخ














المزيد.....

المثقف اليساري: شبح بلا تاريخ


محمد عادل زكى
(Muhammad Adel Zaky)


الحوار المتمدن-العدد: 8419 - 2025 / 7 / 30 - 07:28
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


استكمالًا لحديثنا عن "أزمة الماركسية في العالم العربي"، وعن "ماركس الَّذي لا يعرفه أحد!"، نتحدث اليوم عن "المثقف اليساري" نفسه. والواقع أنه ليس أصعب من الحديث عن المثقف اليساري، إلا الحديث مع مثقف يساري. فهو دائمًا جاهز بخطابه، محفوظ بمقولاته، كاره، رافض، مقطّب الجبين، كأنه يحمل العالم فوق كتفيه، لكنه حين تسأله: ما الَّذي تفعله تحديدًا؟ يصمت، أو يرفع كتاب ماركس ببطء، كما لو أن حمله يكفي دليلًا على انحيازه، وكأن الثورات تقوم بالنوايا. إنه يعرف كل الشعارات، ولا يملك أي مشروع. يندد بالرأسماليَّة من قلب مقهى فاخر، ويهتف باسم البروليتاريا دون أن يعرف وجهًا واحدًا منها. هو ليس يساريًا، بل صورة كاريكاتورية لرجل اعتاد أن يتحدث باسم "الشعب"، دون أن ينزل إليه.
لقد صار المثقف اليساريّ، في عالمنا العربيّ، ظلًا لصورة قديمة. لم يعد مفكرًا مشتبكًا مع واقعه، بل مكرّسًا لنصوصه، حارسًا لأيقوناته، موظفًا في جهاز لغوي ميت، يعيد إنتاجه بحماسة، وكأن التكرار مقاومة. يقول "الثورة" كما يقول المتدين "آمين"، ويذكر ماركس كما تُذكر المقدَّاسات، دون أن يتساءل لحظة: هل قرأ حقًا هذا الَّذي يتحدث باسمه؟ هل فهمه؟ هل تجاوزه؟ أم أنه مجرد نسخة باهتة من نسخة أصليَّة؟ الحقيقة أن كثيرًا ممن يصنّفون أنفسهم يساريين لا يعرفون من ماركس إلا ما يصلح للتداول العام: "الدين أفيون الشعوب"، "الطبقة العاملة"، "القيمة الزائدة"، إلى آخر القاموس العتيق الَّذي يُردَّد كما تُردَّد التراتيل في طقس بلا إيمان، محفوظة لا مفهومة، مكررة لا مُسائلة.
أنا لا أهاجم اليسار كفكرة، بل أهاجم تسطيحها، اختزالها، وتحنيطها. اليسار، حين يفقد مشروعه النقدي، يتحول إلى ديكور. إلى نبرة صوت. إلى وضعية يد. إلى وجود كميّ في الندوات. كنت أبحث في كتابات كثيرين ممن يُقدَّمون كمنظّرين عرب للماركسيَّة عن أثرٍ حقيقي لنقد الاقتصَاد السّياسيّ، عن مساءلة لقانون القِيمة، عن أي علاقة حية مع الأسئلة الَّتي طرحها ماركس بخصوص العمل والزَّمن والتراكم. فلم أجد. وجدت تكرارًا. صدى. انبهارًا باللغة. تأبيدًا لمفاهيم لم تعد تعمل. وكأن الماركسيَّة ليست مشروعًا نقديًا مفتوحًا، بل جهاز مغلق، من يدخل إليه لا يخرج، ومن يخرج منه يُعلن مرتدًا.
إن اليسار الَّذي لا يسائل نفسه، ليس يسارًا، بل سلطة تنتظر لحظتها. والمثقف اليساريّ الَّذي لا يقف في مواجهة السُّوق، ولا يجرؤ على مساءلة "القيمة" كمفهوم، ولا يفكر في شرطه المعرفيّ بوصفه امتدادًا للحداثة الأوروبيَّة، هو موظف لا أكثر. الفرق الوحيد بينه وبين الليبرالي، أن أحدهما يحتفي بالنظام، والآخر يسبّه بينما يقتات عليه. المثقف الَّذي يصفق لأي سلطة باسم "المرحلة"، أو يبرر كل شيء باسم "التناقضات"، هو مجرد وسيط رمزي بين الهيمنة وبين الجمهور. هو ليس خصمًا للهيمنة، بل لسانها المتوتر، ينقلها بلغة معارضة، فلا تُفضَح بل تُعاد صياغتها.
أنا لا أطالب المثقف اليساريّ بأن يكون قديسًا، بل أن يكون صادقًا مع أدواته، وأن يجرؤ على قتل الأصنام، حتى أصنامه الخاصة. أن يفهم أن ماركس نفسه لم يكن ماركسيًا، وأن الثورة لا تعني الوقوف على أنقاض الماضي، بل تحطيم الحاضر. أن يقرأ الاقتصَاد السّياسيّ لا بوصفه قشرة خطابيَّة، بل بوصفه سؤالًا وجوديًا: مَن ينتج؟ مَن يستهلك؟ من يُقصى؟ ومن يقرر؟ وأن يعرف أن "التحرُّر" ليس كلمة، بل بنية، لا تتحقق إلا بفهم القوانين الَّتي تُنتج العبوديَّة الجديدة، والتي يُعاد فيها تشكيل الإنسان كسلعة، والوقت كوسيلة للسيطرة، والحرية ككذبة قابلة للتَّسويق.
المثقف اليساريّ الَّذي لا يطرح أسئلة جديدة، ولا يهزّ البنية الَّتي يقف فوقها، يتحول إلى صوت إضافي في جوقة الضجيج. يساريته تصبح زيًّا لغويًا، لا فعلًا معرفيًّا. وأنا، بعد كل هذا الزمن في نقد القيمة، لم أعد أبحث عن صوت يشبهني، بل عن صوت يختلف، يزعج، يسائل، ينقض. عن يسار لا يكتفي بترديد ماركس، بل يجرؤ على تجاوزه.
إن اليسار ليس بحاجة إلى مزيد من الأصوات الَّتي تنطق باسمه، بل إلى من يجرؤ على إعادة تأسيسه من خارج لغته الميتة.



#محمد_عادل_زكي (هاشتاغ)       Muhammad_Adel_Zaky#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركس: الوثن الَّذي صنعته الهيمنة
- إحياء قانون القيمة
- الإمبرياليَّة والنفط، وخرائط الدّم
- هل يمكن إنقاذ الاقتصاد السياسي؟
- من بابل إلى لانكشير: تاريخ مقنّن للسيطرة
- أزمة الماركسية في العالم العربي
- صدمة الحداثة
- الرأسمالية كحضارة نفي: حين يحكم الربح مسار الإنتاج
- الأزمة البيداجوجية للاقتصاد السياسي
- الإصلاح الاقتصادي: لحظة من لحظات الهيمنة
- مَن يربح حين نموت؟ الإمبرياليَّة تُجيب
- القانون: شرعنة القهر الرأسمالي الحديث
- قفاز حريري يُخفي مخالب من حديد
- نهب القارة الأفريقية: جرحٌ نازفٌ في جسد التَّاريخ والإنسانيّ ...
- الاقْتِصَاد السِّياسيّ: تحطيم المركزيَّة وبناء الإنسانيَّة
- أطلال الحضارات المغدورة: أمريكا اللاتينيَّة في ظل الهيمنة ال ...
- في التَّاريخ الذي كُتب بالذهب والدم: نقد المركزيَّة الأوروبي ...
- الهيمنة بالفائدة: الرأسمالية حين تُدير العالم كخزينة خاصة
- هيمنة التداول وأزمة الاقتصاد المتخلف
- الآلهة الجديدة: الرَّأسمال، والسُّوق، والإمبرياليَّة


المزيد.....




- مصر.. هكذا رد علاء مبارك على سؤال عن -سيدة- تدعي أنها ابنة ح ...
- ترامب يستهدف الهند برسوم جمركية نسبتها 25 %
- ترامب يفرض رسوما جمركية بنسبة 25% على الهند بسبب صفقاتها مع ...
- موحا الزياني مغربي أذاق الفرنسيين مرارة الهزيمة
- مجلة أميركية: العنف بغزة ليس حربا بل تطهير عرقي تمهيدا لطرد ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يرفض وقف بيع القنابل والبنادق لإسرائيل ...
- تحطم مقاتلة أمريكية -إف- 35- في كاليفورنيا.. وهذا ما حدث للط ...
- وسط طلقات الرصاص والهروب من الموت.. إليك قصة 3 نساء يكافحن ل ...
- الفلسطينيون، بثلاثة مناصب رئاسية، وحكومة، وبلا دولة
- هآرتس: لا تمنحوا نتنياهو صكّ براءة حيال ما يفعله بغزة


المزيد.....

- نعوم تشومسكي حول الاتحاد السوفيتي والاشتراكية: صراع الحقيقة ... / أحمد الجوهري
- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - محمد عادل زكى - المثقف اليساري: شبح بلا تاريخ