أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - محمد عادل زكى - ماركس: الوثن الَّذي صنعته الهيمنة














المزيد.....

ماركس: الوثن الَّذي صنعته الهيمنة


محمد عادل زكى
(Muhammad Adel Zaky)


الحوار المتمدن-العدد: 8419 - 2025 / 7 / 30 - 04:55
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


ما نغفله، دون أن نجرؤ على الاعتراف به، أن ماركس نفسه كان جزءًا من البنية التي حاول نقدها. فماركس لم يكن طارئًا على الفكر الأوروبيّ، ولا طعنة في قلب الحضارة الَّتي أنتجته، بل كان، على نحو أكثر دقة، أحد أكثر أبنائها شرعية. كتب ضدها؟ نعم. تمرّد على اقتصادها السّياسي؟ بالتأكيد. لكنَّه لم يخرج منها لحظة واحدة. لم يغادر أفقها، ولم يعثر على لغة خارج بنيتها. كل شيء في مشروعه ينتمي إلى تلك القارة الَّتي أعلنت على العالم وحدانيتها: لغته، أدواته الفكرية، فرضياته النظرية، وحتى طريقة نقده. فحين قرر أن يُسائل الرأسماليَّة، لم يُنتج جهازًا مفاهيميًا من خارجها، بل استعار لغة أسلافه، بتي، وكينيه، وسميث، وريكاردو، وحاول أن يقلبها على رأسها، لكنه لم يُغادرها. هو ابن شرعي للهيمنة، لا خصم خارجي لها. عدوّ داخلي، نعم، لكنه من نفس البيت. والأدهى، أن لحظة "العالمية" الَّتي بلغها ماركس لم تكن لحظة فكر، بل لحظة تبنٍ سياسي. ماركس الَّذي عرفه رفاقنا في "وسط البلد" ليس مفكر قانون القيمة ولا منظّر ثمن الإنتاج، بل ماركس الدولة، الَّذي صِيغ على يد السلطة، ووُزّع على الشعوب منقّحًا، مُبسّطًا، صالحًا للاستهلاك، مخصيًا من أسئلته، محميًا من النقد. ما كان لهؤلاء أن يعرفوا شيئًا عن الرسالة الَّتي كتبها لزوجته، ولا عن حياته الممزقة بين الطرد والمطاردة، ولا عن جدله العميق مع هيجل، لولا أن أجهزة دول، وأحزابها، ومطبوعاتها، هي من سمحت بمرور صورته عبر الترجمة، والنشر، والتلقين. إن ماركس الَّذي نقرأه اليوم ليس ذلك الَّذي كتب رأس المال، بل ذلك الَّذي صاغته لجان المركزيات الحزبية في موجزات أوليه وكتيّبات صغيرة الحجم، رخيصة الثمن، محشوّة بالاقتباسات الجاهزة. هذا ماركس لا يزعج أحدًا، بل يُرضي الجميع: سهل، واضح، حزبيّ، ثوريّ دائمًا، صاخب، لكنه بلا عُمق. هذا ماركس تُتلى جمله على المنابر، لكن لا أحد يقرأ منه سطرًا كاملًا. هذا ماركس الَّذي يمكن أن تحفظه، ثم تتحدث باسمه، دون أن تكون قرأته حقًا. والمفارقة أن أسماء المفكرين الَّذين صنعوا الاقتصاد السّياسيّ من الأساس، لا وجود لها في الوعي الجمعيّ اليساري. من من هؤلاء المثقفين قرأ ريتشارد كانتيون؟ مَن يعرف فرانسوا كينيه أو جدوله الاقتصادي؟ مَن ناقش كانتيون، أو انشغل بطريقة صياغته لمفهوم القيمة المبكر؟ حتى سميث وريكاردو، وهما من الآباء المؤسسين لعلم الاقتصاد السّياسي، يبدوان كأشباح غامضة، تُلعن أسماؤهم، دون معرفة، أو وعي، أو حتى فضول. هؤلاء لم تُترجم أعمالهم بما يكفي، ولم تتبنّهم أجهزة الدول الثورية، ولم يظهروا في "كراسات التعميم" أو كتب "التثقيف الحزبي"، فظلوا في الظل، بينما ماركس وحده، المدعوم سياسيًا، المعلّب إيديولوجيًا، خرج إلى النور… أو ما ظنّوه نورًا. ليس العيب في ماركس، بل في الطريقة الَّتي حوّلته إلى رمز، ثم نزعت منه جوهره. ماركس، الَّذي أراد تفجير الرأسماليَّة من الدَّاخل، تحوّل هو نفسه إلى وظيفة رمزية داخل النظام: صار أيقونة، صار شعارًا، صار ورقة اعتماد في السيرة الذَّاتية للثوري الَّذي لم يقرأ. هكذا تبتلع الهيمنة أعداءها: لا بمحاربتهم، بل بإعادة إنتاجهم. تمتصّ فكرهم، ثم تُفرغه من معناه، وتعيد ضخه بعبارات جاهزة، حتى لا يبقى فيه أثر للقلق، ولا خطر في السُّؤال. إن إعادة التفكير في ماركس، اليوم، لا تعني نقده فحسب، بل تعني أيضًا مساءلة التَّاريخ الَّذي جعله "مسموعًا". علينا أن نتوقف عن التعامل معه كحقيقة جاهزة، وأن نعود إلى اللحظة الَّتي جعلته ممكنًا. لا لنعاديه، بل لنفهم لماذا نعرفه، ولماذا نجهل من قبله. ولماذا صار، هو دون سواه، صوتًا ثابتًا في كل مكتبة حزبية، بينما اختفى الآخرون، من دون أن يحزن عليهم أحد. ولذلك، فإن السؤال لم يعد: ماذا قال ماركس؟ بل: لماذا صرنا لا نعرف غيره؟ من قرر أن يكون هو الواجهة الوحيدة لنقد الرأسماليَّة؟ من اختزلنا في صورة مفكر واحد، وأخفى كل ما قبله وكل ما بعده؟ إن إنقاذ ماركس لا يكون بإعادة قراءته، بل بإعادة تفكيك اللحظة الَّتي صنعت صورته، وفرضتها كحقيقة. لا يكفي أن نحفظ جُمله، بل يجب أن نكسر تمثاله. لا لأنه خطأ، بل لأن تماثيله تمنعنا من رؤيته كما هو: مفكرًا من المفكرين الَّذين حاولوا المساهمة في بناء فهمنا للعالم، لا استثناءً خارقًا، ولا لحظة مطلقة، بل حلقة في تاريخ، ينبغي أن نقرأه كما نقرأ غيره: بعين ناقدة، لا بعين خاشعة.



#محمد_عادل_زكي (هاشتاغ)       Muhammad_Adel_Zaky#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إحياء قانون القيمة
- الإمبرياليَّة والنفط، وخرائط الدّم
- هل يمكن إنقاذ الاقتصاد السياسي؟
- من بابل إلى لانكشير: تاريخ مقنّن للسيطرة
- أزمة الماركسية في العالم العربي
- صدمة الحداثة
- الرأسمالية كحضارة نفي: حين يحكم الربح مسار الإنتاج
- الأزمة البيداجوجية للاقتصاد السياسي
- الإصلاح الاقتصادي: لحظة من لحظات الهيمنة
- مَن يربح حين نموت؟ الإمبرياليَّة تُجيب
- القانون: شرعنة القهر الرأسمالي الحديث
- قفاز حريري يُخفي مخالب من حديد
- نهب القارة الأفريقية: جرحٌ نازفٌ في جسد التَّاريخ والإنسانيّ ...
- الاقْتِصَاد السِّياسيّ: تحطيم المركزيَّة وبناء الإنسانيَّة
- أطلال الحضارات المغدورة: أمريكا اللاتينيَّة في ظل الهيمنة ال ...
- في التَّاريخ الذي كُتب بالذهب والدم: نقد المركزيَّة الأوروبي ...
- الهيمنة بالفائدة: الرأسمالية حين تُدير العالم كخزينة خاصة
- هيمنة التداول وأزمة الاقتصاد المتخلف
- الآلهة الجديدة: الرَّأسمال، والسُّوق، والإمبرياليَّة
- رامساي (1789- 1864)


المزيد.....




- يشبه المعكرونة.. أصغر ثعبان في العالم يظهر مجددًا بعد اختفائ ...
- -تحاملت عليكِ أحيانًا كثيرة-.. فجر السعيد تتوجه باعتذار علني ...
- اجتماع لمناقشة تبعات اتفاق التجارة الأمريكي الأوروبي
- ما هي ملفات جيفري إبستين؟ ولماذا تثير الجدل؟
- ضغط أمريكي على لبنان لإصدار قرار وزاري بنزع سلاح حزب الله قب ...
- ماذا نعرف عن زلزال كامتشاتكا وموجات التسونامي حتى الآن؟
- أستراليا تعتزم حظر استخدام يوتيوب لمن هم دون سن 16 عاما
- ألمانيا: حديقة حيوانات تقتل 12 قردا بسبب -الاكتظاظ- وسط غضب ...
- -الله لا يمتحن أحدا بالجوع-
- -أوبن إيه آي- تكشف عن وضع جديد مخصص للطلاب


المزيد.....

- نعوم تشومسكي حول الاتحاد السوفيتي والاشتراكية: صراع الحقيقة ... / أحمد الجوهري
- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - محمد عادل زكى - ماركس: الوثن الَّذي صنعته الهيمنة