حسين علي محمود
الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 07:23
المحور:
المجتمع المدني
يعد مرض البيدوفيليا (Pedophilia) أو اضطراب عشق الأطفال أحد أنواع الشذوذ الجنسي، المرتبط بالإضطرابات النفسية لإشباع الرغبات الجنسية لبالغ أو مراهق بإهتمامه جنسيًا تجاه الأطفال من كلا الجنسين أو أحدهما الذين لم يصلوا سن البلوغ؛ وهم الأطفال الرضع إلى الأطفال في سن 13 سنة غالبا، ومن الممكن أن يتضمن هذا الاهتمام الاعتداء الجنسي على الأطفال، بالإضافة إلى القيام بعدد من الممارسات أو السلوكيات الجنسية غير الطبيعية مع الأطفال، بما في ذلك مداعبة الأعضاء التناسلية للطفل، أو ممارسة الجماع معه، أو اغتصابه، أو استثارته جنسيًا.
يعود تاريخ الغلمانية إلى زمن بعيد، ووجدت العديد من الرسوم والنقوش في الآثار الاغريقية والفرعونية والرومانية والفارسية والصينية القديمة تدل دلالة قاطعة على وجود هذا النوع من الممارسات، كذلك الغلمان (الصبيان المردان) كبعض الحالات الشاذة النادرة في التاريخ الإسلامي.
ينقسم المصابون إلى الذين يعانون من خيالات واستثارة جنسية تجاه الأطفال تدفعهم نحوهم دون إيذائهم مع الشعور المستمر بالقلق والخجل والذنب، وبين من يصل بهم الأمر إلى درجة الاعتداء الجنسي والاغتصاب وهم نادرون، وبين من يكتفون بالتحرش بهم من خلال مداعبتهم عن طريق اللمس، والتعرية، والتقبيل للتلذّذ ولإشباع الحاجة الجنسية الملحة التي تتملكهم.
يصنّف هذا الاضطراب في خانة اضطرابات الولع الجنسي (Paraphilic Disordres) حسب الدليل الإحصائي والتشخيصي الخامس للاضطرابات النفسية، كما أن جل المصابين بالبيدوفيليا هم من فئة الرجال وتعد النساء المصابات بهذا الاضطراب من الحالات النادرة.
الأطفال بحكم براءتهم وعدم إدراكهم الكامل للعالم من حولهم، غالبا لا يستطيعون استيعاب ما يحدث لهم، وإذا فهموه فقد يمنعهم الخوف أو الشعور بالذنب من الإفصاح عنه.
الذاكرة الراحلة (Travelling Memory) هي فكرة قوية، حيث يمكن للصدمة أن تبقى مدفونة في عقل الطفل المتعرض للتحرش، لكنها تعود للظهور لاحقا عند البلوغ، غالبا في شكل اضطرابات نفسية، قلق، اكتئاب، أو حتى أنماط سلوكية مؤذية للذات أو للآخرين.
الدراسات النفسية تظهر أن الكثير من اضطرابات الشخصية مثل اضطراب الشخصية الحدية أو اضطراب ما بعد الصدمة المعقد ترتبط بتجارب الاعتداء الجنسي في الطفولة.
ولا تقف آثار الاعتداء عند حدود الفرد، بل تمتد إلى المجال الاجتماعي، حيث تؤثر على قدرته على بناء علاقات صحية، وتزيد من احتمالية إعادة إنتاج العنف، سواء في العلاقات العاطفية أو داخل الأسرة. وفي هذا السياق، تؤكد المقاربات السيكوسوسيولوجية أن الصدمة لا تُفهم فقط بوصفها تجربة فردية، بل بوصفها نتاجًا لبُنى اجتماعية تساهم في إنتاجها، مثل السلطة الأبوية، والصمت الجمعي، والتواطؤ المجتمعي مع الجناة، خاصة عندما يكونون من داخل الدائرة العائلية أو المؤسسة التربوية.
■ ما هي معايير تشخيص البيدوفيليا؟؟
وفقا لما ورد في الدليل الإحصائي والتشخيصي الخامس للاضطرابات النفسية DSM5 فإنّ معايير التشخيص بالبيدوفيليا تستند إلى الأعراض الآتية :
▪︎ خيالات جنسية مثيرة كثيفة ومتكررة على مدار 6 أشهر على الأقل، زيادة عن رغبات جنسية أو سلوكات تتضمن النشاط الجنسي مع طفل غير بالغ أو الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 سنة فما أقل.
▪︎ يتصرّف الفرد وفقا لهذه الرغبات الجنسية، وتسبّب الرغبات الجنسية أو الخيالات ضيقا ملحوظا أو صعوبة في العلاقات الشخصية.
▪︎ يبلغ الفرد على الأقل 16 عاما ويكون أكبر بخمس سنوات على الأقل من الطفل أو الأطفال الذين تم وصفهم في المعيار الأول.
* تجدر الإشارة إلى أن البيدوفيليا لا تشمل الطفل في أواخر مرحلة المراهقة الذي ينخرط في علاقة جنسية مع طفل في سن 12 أو 13 سنة. ويمكن تحديد أنواعها فيما يلي :
● هناك من ينجذب للأطفال فقط ويدعى هذا بالنوع الحصري.
● هناك من لا ينجذب للأطفال فحسب، بل حتى الكبار وعلى سبيل المثال قد يتضمن ذلك حسب بعض الحالات الميل للأطفال والرجال من الجنس نفسه، وهذا ما يدعى بالنوع غير الحصري.
● هناك من ينجذب للذكور فقط.
● هناك من ينجذب للإناث فقط.
● هناك من يجذب للذكور والإناث معا.
● هناك من يميل للمحارم.
■ أسباب البيدوفيليا :
▪︎ العديد من مرضى البيدوفيليا لا يكشفون عن هويتهم ولا يتقدمون لطلب العلاج إلّا بعد تورّطهم في المساءلات القانونية نظرا لوصمة العار التي تتعقبهم، ولما يحمله هذا الاضطراب من خطورة ورفض مجتمعي وديني، وهذا المرض واحد من الاضطرابات النفسية التي تتطلب تدخلا طبيا وتكفلا نفسيا.
العديد من الباحثين والمختصين اتفقوا حول البيدوفيليا على أنّ أسبابها الحقيقية لا تزال مجهولة.
▪︎ قدّمت بعض الدراسات مجموعة من النتائج المتعلقة بالنشاط الذي يحدث في دماغ المصاب، والذي يعتبره البعض مبدئيا مسؤولا على أفكاره وسلوكاته الشاذة ويجعله مختلفا عن غيره من الأشخاص الأسوياء، ويرتبط الأمر بانخفاض نسبة الذكاء لدى المصابين بالبيدوفيليا الأمر الذي نفته دراسات أخرى، فضلا عن الخلل الجيني وما يحدث على مستوى النمو العصبي في المرحلة الجنينية والذي يحفّز الإصابة بهذا الاضطراب فيما بعد.
▪︎ الاعتداءات التي يتعرّض إليها الفرد في طفولته فتمسي سلوكا متعلما يقوم على تقليد ما اختبره سابقا، وقد برّر عدد من المصابين ما يحدث لهم بما شاهدوه في الصغر من ممارسات جنسية ارتكبت في حقهم فظلت تلك الصورة مرجعا جنسيا لهم، حيث يحاولون تعويض مشاعر القوة والسيطرة التي فُقدت منهم، ولا يقتصر الوضع على الاضطرابات الجنسية فقط بل العديد من الاضطرابات النفسية الأخرى كالفوبيا والوسواس القهري والقلق وغيرها.
▪︎ ضعف الوعي المجتمعي: قلة التوعية حول أهمية حماية الأطفال والحديث عن الجرائم الجنسية قد يؤدي إلى تفشي الظاهرة في ظل الخجل الاجتماعي.
■ بما يتّسم المصابون بالبيدوفيليا؟؟
▪︎ الشعور بالذنب والقلق والخجل ممّا يحدث لهم.
▪︎ الخوف من ردة فعل المجتمع.
▪︎ السرية والتستّر على أفكارهم وأفعالهم وعدم الثقة في الآخرين.
▪︎ الاكتئاب والميولات الانتحارية
▪︎ العزلة وانخفاض تقدير الذات.
▪︎ عدم القدرة على التحمل والمعاناة في صمت.
▪︎ اضطرابات نفسية أخرى كالاضطرابات المعادية للمجتمع والاضطرابات الجنسية الأخرى.
▪︎ معاملة الأطفال بلطف شديد حتى ينجذبوا لهم.
▪︎ حساسيتهم تجاه الخلط بين البيدوفيليا والاعتداء الجنسي المباشر على الأطفال، كونهم يعتقدون أن نسبة نادرة منهم من يتعدى بها الأمر للاغتصاب وأن الاغتصاب ليس من سماتهم بل هو ناتج عن اضطرابات أخرى.
▪︎ الاستثارة لدى مشاهدة صور عارية للأطفال والسهر على جمعها.
▪︎ التموقع على مواقع الانترنت بحثا عما يشبع رغباتهم الجنسية المتعلقة بالطفل بشكل مجهول.
■ ما هو علاج البيدوفيليا؟؟
يقول الطبيب النفسي "فريد برلين" مدير وحدة السلوك الجنسي في جامعة جونز هوبكنز : "الأشخاص الذين يعانون من البيدوفيليا غالباً ما يكونون في حالة إنكار لوجود مشكلة ما لديهم"، وبالتالي أولى خطوات العلاج هي أن يدرك الشخص أن هنالك مشكلة وهو يحتاج لمساعدة ما كي يستطيع السيطرة على دوافعه ورغباته الجنسية ويعيش حياته بأقل تقديرات خطرة، ووتبعاً للمجلة الطبية الأمريكية المتخصصة (Psychology Today) تتضمن طرق العلاج عدة جوانب منها :
▪︎ استخدام الأدوية
يجب أن يقترن العلاج الدوائي مع العلاج النفسي والسلوكي حتى تكون النتائج فعالة ومن هذه الأدوية استخدام مضادات الأندروجين (Anti-androgen) وذلك لخفض الدوافع الجنسية كما تستخدم هرمونات مثل (Medroxyprogesterone) التي تؤدي لخفض نسبة هرمون التستوستيرون وتقلل من تكرار الانتصاب والتخيلات الجنسية والشروع في السلوك الجنسي كالعادة السرية أو الجماع، كما نجحت بعض مضادات الاكتئاب مثل (fluoxetine) في خفض الرغبة الجنسية ولكن تبقى الأوهام الجنسية صعبة العلاج دوائياً.
▪︎ العلاج السلوكي المعرفي
هنالك الكثير من النماذج السلوكية المعرفية الفعالة في علاج الأشخاص المصابين بالبيدوفيليا ولا سيما تلك التي تعمل على التشوهات المعرفية الموجودة لديهم لمواجهتها والتعاطف مع الأطفال من خلال تدريبات خاصة تجعلهم يدركون العواقب السلبية التي تلحق بالأطفال، كما أنه من المهم تدريبهم على تقدير الذات وكيفية التفاعل مع الآخرين بطرق إيجابية من خلال مهارات تواصل وإدارة عدة، كما يجب منع انتكاس الحالة من خلال تحديد المواقف عالية الخطورة وكيفية تعطيل السوابق السلوكية ولعل الأهم هو نظم مراقبة الحالة ومتابعتها من خلال الشركاء وهم عائلة الشخص والمقربون منه وتقييم الخط الباني للحالة دورياً.
▪︎ العلاج الكهربائي
علاج نفسي يتم عن طريق جلسات الكهرباء، بعد تنشيط الذاكرة وتوصيل المريض إلى اللذة ليظل اثر الكهرباء وألمها مرتبطا بالتفكير في السلوك.
■ ما هي الاساليب الوقائية للأطفال من البيدوفيليا؟؟
هناك بعض التوجيهات الوقائية من الممارسات الجنسية مهما كان نوعها :
▪︎ تعليم الطفل كيف يفرّق بين السلوك الشاذ والسلوك السوي.
▪︎ الحرص على التربية الجنسية وتثقيف الطفل بصورة تناسب مرحلته العمرية.
▪︎ مراقبة الطفل وعدم تركه في متناول الغرباء.
▪︎ الحرص على انتقاء ملابس مناسبة خاصة للأطفال في سنّ المراهقة، فهناك من تزيد جاذبيته حسب ما يرتديه.
▪︎ تعليم الطفل كيفية الدفاع عن نفسه وعدم الالتفات لأي شخص.
▪︎ تعليم الطفل الصراحة والصدق مع الوالدين، ونقل انشغالاته لهما مع منحه الأمان حتى أثناء الخطأ.
▪︎ الاستعانة بقصص النمذجة لتحذير الطفل من المخاطر.
▪︎ الإجابة على أسئلة الطفل بكلّ جديّة.
▪︎ الحرص على غرس التربية الدينية، والقيم الأخلاقية.
▪︎ الحرص على معرفة كل ما يجول في ذهن الطفل، وتصحيح الأفكار والسلوكات الخاطئة.
الخلاصة : يجب ان تكون أهمية فهم البيدوفيليا ليس فقط كاضطراب نفسي أو انحراف جنسي، بل كمشكلة مركبة ذات أبعاد نفسية، اجتماعية، وثقافية، تتطلب تفكيك الديناميكيات البنيوية التي تتيح استمرارها في الخفاء، وتحمي المعتدين تحت ستار العادات أو الأعراف أو حتى الصمت القانوني.
#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟