حسين علي محمود
الحوار المتمدن-العدد: 8374 - 2025 / 6 / 15 - 08:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
“نيقولا دي برناردو دي مكيافيلي” مفكر وفيلسوف إيطالي، وكان يعتبر أحد أبرز المفكرين السياسيين في عصر النهضة فهو شخصية فلسفية وسياسية مهمة.
ولد عام(1469) في جمهورية فلورنسا المستقلة، عمل كدبلوماسي في خدمة حكومة فلورنتين عام(1498)
وعمره 29 عامًا فقط.
أصبح اسمه مقترنا بالمكائد السياسية والخدع والقسوة بعد نشر كتابه الشهير “الأمير” سنة(1532) الذي أصبح فيما بعد أساس المكيافيلية السياسية، المقترن بنظرية (الغاية تبرر الوسيلة)
ان كلمة مكيافيلية معناها التجرد من المبادئ الخلقية والمكر والخداع. كما يتم استخدام المصطلح الآن على نطاق واسع كـمصطلح سياسي سلبي لوصف السياسيين عديمي الضمير، في الحقيقة غالباً ما يرتبط مصطلح “المكيافيلية” بالخداع السياسي، والمكر، والسياسة الواقعية(Machiavelli)
وكتابه “الأمير”
أحد الدروس الأساسية لكتاب “الأمير”هو أن القادة يجب أن يحاولوا دائمًا إقامة توازن بين السعي إلى حب مرؤوسيهم والخوف منهم، إذا كان القائد ضعيفاً جداً أو لطيفاً، فقد يصبح الناس أكثر ميلاً للتمرد والجموح.
حين تصبح الميكافيلية نهجاً متأصلاً في إدارة الدولة، لا تنحصر في رأس السلطة فحسب، بل تتسلل لتصبح منظومة كاملة تشمل الإعلام، والتعليم، والاقتصاد، وأجهزة القمع، وتؤسس لحالة اجتماعية مرضية تنعكس على سلوك الأفراد والمؤسسات. يصبح الشعب ذاته متورطاً دون وعي في لعبة المصلحة والازدواجية، ويميل لتكرار أنماط التلاعب ذاتها التي تحكمه من فوق، وهكذا تنتقل الميكافيلية من كونها سياسة نخبوية إلى ثقافة عامة، تشيع فيها النفاق الاجتماعي، وانعدام الثقة، واحتقار المبادئ، ويُنظر إلى الذكاء بوصفه قدرة على الخداع، لا على التفكير أو الإبداع أو الاستقامة.
يعرف قاموس أوكسفورد الإنجليزي المكيافيلية بأنها
“توظيف الازدواجية والمكر (الخداع) في الكفاءة السياسية، أو في السلوك العام” من أجل الحفاظ على الدولة، حيث دعا مكيافيلي لاستخدام جميع الوسائل الضرورية في سبيل الحفاظ على الدولة، وتشمل هذه الوسائل الخداع والقوة والقسوة إذا فشلت الوسائل الأخرى في الحفاظ على الدولة.
اليوم وفي ظل أنظمة الحكم الميكافيلية، يتم تفريغ السياسة من مضمونها النبيل كفعل جماعي يهدف لبناء العدالة والكرامة، وتتحول إلى مسرحية تضليل، حيث يصبح الصراع السياسي مجرد صراع بين "ذئاب" يتنافسون على فريسة اسمها "الدولة"، بينما يُدفع المواطن إلى هامش المعادلة كأداة أو ضحية. الإعلام هنا ليس سلطة رقابية، بل بوقًا من أبواق السلطة؛ التعليم ليس مشروعًا للتنوير، بل وسيلة للترويض؛ أما الدين، فقد يُستغل لتبرير المظلومية أو للسكوت على الجريمة باسم الطاعة والخوف من الفتنة.
وهذا النموذج لا يفرز فقط الطغاة، بل يصنع أيضًا أتباعًا طيعين، بل ومدافعين شرسين عن جلاديهم، وهنا تكمن المفارقة الأخطر : فالميكافيلية لا تفرض بالقوة وحدها، بل تزرع في الوعي الجمعي كشكل من أشكال "الحكمة الواقعية"، حيث يُستهزأ بالمبادئ ويُنظر للمثالية على أنها سذاجة أو خيانة للنجاة الفردية.
لكن هل من المعقول أن يُترك المرء لاختيار أية وسيلة يريدها دون أن يضع لها معاييرا وضوابط تحفظ المجتمع من الدمار والقتل والتفكك والفساد، فتصبح الحياة مليئة بالفوضى بعيدة كل البعد عن النظام الذي يحفظ الأمن والأمان، كما هل من المعقول لحياة أن تقوم على منظومة فقدان الأمن والعيش الكريم من الحياة اليومية فتبرر للحاكم قتل شعبه والبطش بهم كما يحدث في الشرق الأوسط وبالأخص في المنطقة العربية حيث تعيش اغلب الشعوب اضطهاد وقتل واخفاء قسري نتيجة تكميم الافواه وكذب السياسيين على شعوبهم بوعود زائفة وبروباغندا مخادعة فلا ادنى لمقومات الحياة اليومية الكريمة بالمقابل الرفاهية الباذخة التي يعيشها المسؤولين وابنائهم كل ذلك ميكافيلية حمقاء وخسيسة تطبق بطرق العبودية على حياة الفرد العربي تحت مسميات عديدة منها هالة الديمقراطية المخادعة وهالة المذهب والقومية لضحك على الذقون والتصيد بالماء العكر فهذه الميكافيلية لم تعد تنطلي الا على السذج والمنتفعين من قمامة المسؤول ولياليه الحمراء.
ولعل أعظم درس يمكن استخلاصه من تجربة الميكافيلية السياسية هو : أن الدولة التي تُبنى على الخوف لا يمكن لها أن تستمر، وأن السلطة التي تستهين بالشعوب، ستواجه ذات يوم شعوباً تستهين بها وتطيح بها، لا بالمؤامرات، بل بالوعي.
اليوم يراهن الجميع على يقظة الوعي الشعبي التي بدأت تتجلى في عدد من المجتمعات، تحمل أفكار ثورية توعوية ضد هذه "الميكافيلية السامة"، وبدأت تعي ما حولها من قذارة الأفكار والوعود الكاذبة، هذا الوعي أصبح يترجم عن طريق السخط الشعبي والمظاهرات ضد انظمة الحكم الديكتاتورية وشعارات الديمقراطية الهاوية الزائفة.
وإن كانت الميكافيلية قد هيمنت لقرون على مفاصل السلطة، فإنها اليوم تُواجه تحدياً وجودياً، لا يأتي من الفلاسفة ولا النخب وحدها، بل من وجوه الناس المطحونة التي لم تعد تقبل أن تكون وقوداً في ماكينة التبرير، فالديمقراطية لم تعد مجرد صناديق اقتراع، بل صارت مطالبة بأن تكون منظومة أخلاقية قائمة على الشفافية والمساءلة والعدالة، وهي بالضبط النقيض لما تريده الميكافيلية.
لقد بات المواطن اليوم أكثر دراية بأن السياسات التي يتم تبريرها بحجة "مصلحة الوطن" ليست سوى مسوخ للنهب والقمع وتزييف الإرادة، في ساحات الاحتجاج، وعلى منصات الإعلام البديل، وفي الوعي الجمعي الجديد الذي يصوغ لغته ومفاهيمه من الألم والتجربة لا من الشعارات، بدأنا نرى نسفًا تدريجياً للصورة القديمة للزعيم "الأب"، والمخلص القاسي، والبطل الضرورة.
يقول ميكافيلي(Machiavelli) “نظراً لأن الحب والخوف لا يمكن أن يوجدا معاً، إذا كان يجب علينا أن نختار بينهما، فسيكون الخوف أكثر من الحب، إنه أكثر أماناً!!”
أصبح كتاب “الأمير”بعد وفاته واحد من أشهر الكتب السياسية حول العالم حيث لم يتم نشره إلابعد خمس سنوات، بعد ذلك أصبح مرجع مهم لمعظم الحكام، وخاصة المبدأ الشهير الذي يرتكز عليه “الغاية تبرر الوسيلة”، في الحقيقة وفي عالم علم النفس، تم تصنيف “المكيافيلية” كواحدة من ثلاث سمات شخصية معروفة للخبراء بإسم “الثالوث المظلم Dark triad”
هذه السمات الشخصية الثلاثة (المكيافيلية، النرجسية، والاعتلال النفسي) هي نوع من الثالوث غير المقدس الذي يلهم السلوك المدمر والخبيث عند البشر.
حيث هي سمة للشخصية الذي تركز بشدة كبيرة على اهتماماتها الخاصة إذ يقوم هذا الشخص بالتلاعب بالآخرين، وخداعهم، واستغلالهم لتحقيق كل ما يسعى له، وغالباً ما تكون الميكافيلية شائعة لدى الرجال أكثر من النساء، ولكن من الممكن أن تكون الميكافيلية مشكلة لدى النساء، وحتى الأطفال.
■ هناك بعض الإشارات والدلائل على الشخصية الميكافيلية:
- دائم السخرية والانتقاد
- عديم الثقة
- الميكافيليون كاذبون جدا وهم يجيدون الكذب
- يقدمون لك العديد من جمل الإطراء لجعلك تقوم بواجباتهم وتستعطفهم.
- الهوس بالمال، والسلطة، حيث يفضلون المال عن الأسرة، والسلطة عن الناس، والمكانة عن الأخلاق
- التملق سر تقدم الميكافليين فهو يجامل وينافق من أجل مصلحته الخاصة.
- الميكافيليون لا يحبذون الظهور في الأضواء، بل يفضلون أن يكونوا في الظل.
ينبغي الابتعاد عن الميكافيليون وذلك عدم التعامل معهم والابتعاد عن الجدال مع الشخصية الميكافيلية لانه من الصعب إقناعه بالصواب من الخطأ فهو لا يعير أي إهتمام بالنواحي الأخلاقية وحتى آداب الحديث، لا ينبغي اظهار له المشاعر السلبية الناتجة عن أفعاله لأن ذلك أكبر سلاح بالنسبة له يستخدمه ضدك ليستفزك به أو يبتزك.
#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟