حسين علي محمود
الحوار المتمدن-العدد: 8408 - 2025 / 7 / 19 - 06:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يحمل مشروع ممر داوود جملة أهداف إستراتيجية تسعى لها إسرائيل ( إسرائيل الكبرى )، أبرزها إعادة تشكيل سوريا بما يخدم مصالحها، عبر تفتيتها وإضعاف السلطة المركزية في دمشق.
يعتبر المشروع شريط جغرافي ضيق يمتد عبر قلب المشرق، ويبدأ من مرتفعات الجولان السورية المحتلة في الجنوب الغربي ويمر بالمحافظات السورية الجنوبية المحاذية لإسرائيل والأردن، وهي القنيطرة ودرعا، ثم يتسع شرقاً عبر السويداء في جبل حوران ويدخل البادية السورية باتجاه معبر التنف الإستراتيجي على الحدود السورية العراقية الأردنية وصولاً إلى شرق سوريا وغرب العراق نحو نهر الفرات، تحديداً المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
يهدف المشروع إلى ربط إسرائيل مباشرة بالعراق والكرد في شماله، وتوسعة نفوذها الجغرافي إلى القلب العربي والإقليمي، كما تستند هذه الرؤية في مشروع داود إلى مؤسس الصهيونية تيودور هرتزل، في خريطة توراتية تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق.
تصاعد الحديث عنه خاصة بعد سقوط نظام الأسد في سوريا أواخر عام 2024، حيث استغلت إسرائيل الفراغ السياسي والأمني في سوريا لدفع أهدافها الاستراتيجية طويلة الأمد في المنطقة نحو التحقيق.
شرع الكيان الصهيوني بالتصعيد العسكري الفوري والاستيلاء على الأراضي خارج المنطقة العازلة وفي ريف القنيطرة وصولاً إلى مشارف ريف دمشق.
ركزت إسرائيل عليه بقوة بالتزامن مع مناشدات القيادة الروحية للدروز في سوريا بزعامة الشيخ حكمت الهجري، الذي دعا إلى فتح ممر إنساني مع الأكراد في الشمال، مطالباً بإعلان مدينة السويداء "منطقة منكوبة"
تشير "إسرائيل الكبرى" إلى تعاريف توراتية مختلفة لأرض إسرائيل، تتراوح من نطاق أضيق (الأرض المقسمة بين الأسباط الاثني عشر) إلى منطقة أوسع بكثير من "وادي مصر إلى الفرات" ولا يحمل هذا المفهوم أبعاد تاريخية ودينية فقط، بل يخدم طموحاً جيوسياسياً، يهدف إلى زيادة قوة إسرائيل وسيطرتها الإقليمية على منطقة أوسع من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويُسمى المشروع "ممر داوود" لأنه، وفقاً للتفسيرات الصهيونية، امتد حكم الملك داوود (ومن بعده سليمان) في العصور القديمة حتى نهر الفرات، كما توفر هذه السردية التوراتية تبريراً تاريخياً ودينياً للطموحات الإقليمية المعاصرة.
يُعتبر داوود نبياً في الإسلام، لكن الإسرائيليين ينظرون إليه بشكل أساسي كملك ومؤسس "مملكة إسرائيل الكبرى".
كما ان النصوص التوراتية والكتب التاريخية الدينية، يُشار أحياناً إلى "ممر داوود" أو "طريق داوود" كممر جبلي أو طريق استخدمه النبي داوود (عليه السلام) في هروبه من أعدائه، خصوصاً عندما كان يفر من الملك "شاول" قبل أن يُصبح ملكاً على بني إسرائيل.
ورد في "سفر صموئيل" أن داوود هرب إلى برية يهوذا، واختبأ في الكهوف والجبال، وقد مرَّ عبر مناطق وعرة وسرية تُوصف أحياناً بـ"الممرات".
يتماشى مشروع ممر داود مع استراتيجية إسرائيل المعروفة باسم "تحالف الأطراف" أو "عقيدة المحيط"، والتي تتضمن بناء علاقات مع قوى غير عربية أو طرفية (مثل إيران قبل الثورة وتركيا تاريخياً) وتشكيل تحالفات مع أقليات عرقية وطائفية (مثل الأكراد والدروز) في الدول العربية المجاورة، لاختراق "الجدار العربي" المحيط بإسرائيل وتوسيع نفوذها الجيوسياسي.
وتترجم هذه الاستراتيجية في دعم الكيانات الكردية والدرزية في سوريا تحت غطاء إنساني يحمل أهدافاً استراتيجية وذلك عبر إنشاء مناطق حكم ذاتي أو شبه ذاتية تقوض وحدة الأراضي والسلطة المركزية لسوريا، وبعد هذا التفتيت يسهل بعد ذلك النفوذ والسيطرة الإسرائيلية على مناطق وموارد محددة، بينما يخلق في الوقت نفسه مناطق عازلة ويضعف خصوم إسرائيل.
■ الأهداف الاستراتيجية للمشروع :
- تقويض السلطة المركزية في دمشق وتشكيل كيانات أو اقاليم ذاتيةالحكم (دروز في الجنوب، وكرد في الشمال الشرقي) تسهل النفوذ الإسرائيلي.
- تأمين خط لنقل النفط والغاز من مناطق كردية إلى إسرائيل والعالم، مع التحكم بمصادر المياه ونفوذ اقتصادي، مما يتيح للكيان الوصول إلى موارد المياه (نهر الفرات) واحتياطيات النفطوالغاز، بالإضافة إلى اتصال بالفصائل الكردية في شمال شرق سوريا وإقليم كردستان العراق وتقليل الاعتماد على الموانئ التركية.
- توسيع النفوذ الإسرائيلي جزء من حلم ثقافي سياسي يُعرف بـ "إسرائيل الكبرى"، لتوسيع الحدود الجغرافية والإستراتيجية إلى ما وراء فلسطين التاريخية، لتتمكن إسرائيل من تعزيز الأمن القومي لكيانها، وإنشاء أحزمة أمنية ومناطق عازلة، والسيطرة على الموارد الاستراتيجية في المنطقة، وإضعاف الدول المعادية مثل إيران والعراق، وصولاً إلى بتر حركات المقاومة التي أرهقت كاهلها وقطع الدعم عنها لإنهاء أي حالة عداء ومجابهة لمخططاتها الاستعمارية التوسعية.
- تحجيم تأثير إيران وتركيا، عبر قطع خطوط الدعم الايراني لبيروت والحد من توسع نفوذها الى البحر المتوسط.
كذلك قطع الدعم التركي الى دمشق، اضافة الى اجهاض مشروع نقل النفط العراقي الى ميناء جيهان التركي مستقبلا، ما قد يقلل من اعتماد العراق على الموانئ التركية لتصدير النفط، وبالتالي يعد تهديد واضح للمصالح الاقتصادية التركية، بالإضافة إلى الدعم الإسرائيلي المستمر للحكم الذاتي الكردي على طول الممر يمثل تحدياً مباشراً لتركيا.
- من المحتمل ان يحول ممر داود إسرائيل إلى مركز اقتصادي إقليمي، ويربطها بمبادرات تجارية عالمية مثل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) الذي أُعلن عنه في قمة مجموعة العشرين، ما يضعها كبديل لطريق الحرير الصيني ويمنحها حصة من عائدات خطوط أنابيب الغاز (مثل خط أنابيب الغاز القطري-الأوروبي).
- سوريا الخاسر الأكبر من هذا المشروع، حيث يهدف لإعادة تشكيل سوريا عن طريق تفتيتها، وإضعاف الحكومة المركزية في دمشق، ومنعها من استعادة السيطرة الكاملة على أراضيها الجنوبية والشرقية، كما تهدف إسرائيل إلى تشجيع إنشاء كيانات مستقلة على أسس عرقية وطائفية، خاصة للدروز والأكراد، وبالتالي إضفاء الشرعية على حكمهم الذاتي وتعميق تفكك سوريا.
وهذا هدف إسرائيل المعلن بحجة حماية الأقليات الدرزية والكردية الذي يعد سردية استراتيجية لإضفاء الشرعية على تدخلاتها واطماعها الإقليمية، بدلاً من كونه مجرد اهتمام إنساني بالأقليات في سوريا.
■ ما هي التحديات التي تواجه مشروع ممر داود الإسرائيلي؟؟
- أنقرة تُعارض أي توسع إسرائيلي عبر الشمال السوري وتؤكد أن وجود ممر داوود يهدد أمنها القومي .
- وجود عسكري أميركي في التنف، المتمثل بالقاعدة الأميركية هناك تمثل حجر أساس يحجب السيطرة الإسرائيلية المباشرة في تلك النقطة الحساسة، وقد يكون هناك تنسيق استراتيجي محتمل أو توافق مصالح أميركية - إسرائيلية في السيطرة على هذا المركز اللوجستي الرئيسي.
- تنفيذ الممر يتطلب بنية تحتية آمنة وتأمين طويل الأمد في مناطق تشهد صراعات مستمرة وعدم استقرار، وهو ما يجعل إمكانية تطبيقه بالكامل ضعيفة في الظروف الراهنة.
#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟