أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد محمود خدر - العقل البشري بين التهميش والتفعيل: كيف يُصنع الغباء الاجتماعي














المزيد.....

العقل البشري بين التهميش والتفعيل: كيف يُصنع الغباء الاجتماعي


خالد محمود خدر

الحوار المتمدن-العدد: 8409 - 2025 / 7 / 20 - 11:19
المحور: قضايا ثقافية
    


إن تجاهل دور العقل في حياة الإنسان لا يؤدي فقط إلى التخلف ، بل يسهم مباشرة في ترسيخ الغباء الجمعي. فالعقل ، بما يملكه من قدرة على التمييز والتحليل، هو الأداة الأساسية التي تمنح الإنسان تفوقه المعرفي وتميّزه عن سائر الكائنات. وبتعطيل العقل يصبح الإنسان خاضعا لردود فعل آلية ، يكرر السلوك ذاته دون وعي، كما تفعل الكائنات المدفوعة بغرائزها.

وصف الفيلسوف أرسطو الإنسان بأنه حيوان ناطق ، أي أنه كائن يتميز بالعقل والمنطق. لكن هذه الميزة تفقد قيمتها حين لا يُستخدم العقل، أو حين يُقمع لصالح الخضوع الأعمى للعادات والخرافات. يشير قانون الاعتقاد في علم النفس إلى أن الإنسان لا يحقق النتائج عبر أفكاره المجردة فقط ، بل من خلال ما يعتقد به على مستوى عقله الباطن. ومع تكرار التجربة، تصبح الاستجابة نمطية، وتنتقل من الوعي إلى اللاوعي، مما يجعل تغييرها أكثر صعوبة مع الوقت.

من هذا المنطلق، فإن الأفكار المتكررة المدعومة بالثقة والتوقع ترسّخ في العقل الباطن ، لتُنتج فيما بعد سلوكيات تبدو تلقائية، ولكنها في حقيقتها ناتجة عن برمجة ذهنية سابقة. وهذا ما يفسر كيف أن الخرافات والمعتقدات الباطلة تستمر عبر الأجيال، حتى دون وجود مبررات عقلانية لبقائها.

لتوضيح هذا المبدأ ، يمكن الإشارة إلى تجربة علمية شهيرة أجراها مجموعة من الباحثين حول مفهوم السلوك الجمعي الموروث. حيث وضعت خمسة قرود داخل قفص ، في وسطه سلّم يؤدي إلى بعض الموز المعلّق في الأعلى. كلما حاول أحد القرود صعود السلم لإلتقاط الموز، كان الباحثون يرشون باقي القرود بالماء البارد، مما يدفعها إلى ضرب القرد المتسلق.

بمرور الوقت، امتنعت القرود جميعها عن محاولة الوصول إلى الموز خوفا من العقاب ، رغم عدم وجوده بشكل مباشر. ثم بدأ الباحثون بتبديل القردة تدريجيا، واحدا تلو الآخر. كل قرد جديد يحاول الوصول إلى الموز، يتعرض للضرب من بقية القرود، دون أن يعلم السبب. ومع الوقت، تغيّر كامل أفراد المجموعة، ولم يبقَ أحدٌ ممن تعرّض فعليا للعقوبة الأصلية (الرش بالماء البارد)، ورغم ذلك استمرت عملية الضرب كعادة اجتماعية بلا سبب مفهوم. ولو سُئلت تلك القرود لماذا تمنع الآخرين من تسلّق السلم، لكان الجواب المتوقع: لا ندري، ولكننا وجدنا من سبقنا يفعل ذلك.

هذه التجربة تلخص آلية صناعة الغباء الاجتماعي عبر الاستمرار في أنماط سلوكية غير عقلانية لمجرد أنها متوارثة. إنها صورة مصغرة لما يحدث في المجتمعات البشرية حين تُغلق أبواب التساؤل، ويُكبَت التفكير الحر، ويُستبدل النقد بالعُرف، والبحث بالتكرار.


يقول العالم ألبرت أينشتاين: هناك شيئان لا حدود لهما: الكون وغباء الإنسان، ولست متأكدا من الأول.
أما الفيلسوف فريدريك نيتشه، فقد رأى أن الغباء الإنساني يكمن في الخوف من التغيير.
ويضيف نيكولاس غوميز دافيلا بمرارة: الذكاء يعزل الأفراد، بينما الغباء يجمع الحشود.
فيما عبّر برتراند راسل عن مأساة هذا الواقع بقوله: مشكلة العالم أن الأغبياء والمتشددين واثقون من أنفسهم أشدّ الثقة، بينما يملأ الشك نفوس الحكماء.

انطلاقا من هذه التأملات العميقة لكبار العلماء والمفكرين ، يمكن القول إن الغباء الاجتماعي ليس مجرّد نقص في المعرفة، بل هو حالة مركبة من الجمود الذهني، وغياب الحس النقدي، والعجز عن ربط المعارف والخبرات ببعضها. إنه جمود يستولد أنماطا مدمّرة من السلوك كالتعصب الديني والاثني والمناطقي ، وغيرها من أشكال التحجر والانغلاق التي تفتك بالنسيج الإنساني.

وهذا هو، للأسف، حال شريحة كثيرة من المجتمعات البشرية، حيث تتكرّس ثقافة اللامبالاة، ويُقصى العقل عن دوره في التفكير والتغيير.
لكن هذا الواقع، مهما بدا مظلما، ليس قدرا محتوما.
ذلك أن التحوّل يبدأ حين يستعيد العقل مكانته، ويكفّ الإنسان عن الارتهان لموروث ماضوي يقيّده، وينفتح بدلا من ذلك على فضاء الحقيقة، تلك التي لا تتغير بتغيّر الأزمنة، بل تبقى نورا هاديا للعقل الحرّ الباحث عن المعنى.

ب. د. خالد محمود خدر



#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى مأساة الإبادة الجماعية الحادية عشرة لايزيدي سنجار ، ...
- أزمة المياه والجفاف تضع العراق على مفترق طرق خطير لا تفيد مع ...
- في الذكرى الحادية عشر للإبادة الجماعية للمكون الايزيدي في سن ...
- شخصيات مجتمعية خدمت ولا تزال تخدم اهلها بإخلاص وتترك أثرا عم ...
- نظرة وتحليل عن بعد لنموذج حي من التعايش السلمي يصلح أن تحتذى ...
- أحد عشر عاما على الإبادة الإيزيدية وأكثر من نصف المختطفات ال ...
- أحد عشر عاما على الإبادة الإيزيدية وأكثر من نصف المختطفات ال ...
- التعدد والاختلاف ثراء لا تهديد مثلما ثقافة الاعتذار والتسامح ...
- حين تكون هجرة الأقليات قدرا من صنع البشر
- قصة من القصص المأساوية في الإبادة الإيزيدية / قصة الام العجو ...
- قراءة جديدة لمذكرات الأرقش / الجزء الثالث والاخير
- قراءة جديدة في مذكرات الأرقش / الجزء الثاني
- قراءة جديدة لمذكرات الأرقش / الجزء الاول
- تقديم لكتاب (ناجيات من جحيم داعش ) / الجزء الخامس من موسوعة ...
- بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لوفاة المربي الشيخ صبري مراد شيخ ...
- كن بابا للضوء ، وإن ضاق بك الطريق
- لو صاير شيوعي كبل عشر سنين ما جان انطوج فصلية، هكذا قالها اب ...
- سيرة وآراء عالم الفيزياء ستيفن هوكينج في الكون والحياة
- ماذا لو اجتمع الضمير الإنساني للفرد والمجموع بوجود القانون ا ...
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء السابع والأخير


المزيد.....




- -اكتفيت إلى هنا-.. دانا مارديني تعلن اعتزالها -كممثلة في مجا ...
- اليابان: رئيس الوزراء ينوي البقاء في منصبه بعد توقعات بهزيمة ...
- إسرائيل تأمر الفلسطينيين في وسط غزة بالتوجه جنوبًا.. ومنتدى ...
- -آليات لأعداء الأمة-.. ضاحي خلفان يحذر من مخاطر الميليشيات و ...
- أزمة السويداء: ما الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه في سوريا؟
- إذا اندلعت حرب جديدة مع إيران.. ما الجديد في حسابات تل أبيب؟ ...
- ألمانيا ودول أوربية أخرى تستعد لبدء محادثات جديدة مع إيران
- طواف فرنسا: البلجيكي تيم ويلينس بطلا للمرحلة الخامسة عشرة
- غزة تتضور جوعا.. قصة أقسى حصار وتجويع في التاريخ الحديث
- دمشق تعلن تهدئة الأوضاع في السويداء وقلق أميركي من سياسات نت ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد محمود خدر - العقل البشري بين التهميش والتفعيل: كيف يُصنع الغباء الاجتماعي