أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد محمود خدر - قراءة جديدة لمذكرات الأرقش / الجزء الثالث والاخير















المزيد.....

قراءة جديدة لمذكرات الأرقش / الجزء الثالث والاخير


خالد محمود خدر

الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 14:56
المحور: الادب والفن
    


في نظر الأرقش، فإن الزواج ليس تتويجًا للحب، بل نهاية له ، اي ان الزواج بمثابة مقبرة يدفن فيها وهج الحب ، كما تذرو الرياح رماد شعلة كانت تضج بالحياة ، عن هذا كتب:
ان الزواج مقبره الحب كشعله النار التي تتحول الى رماد.
ثم اضاف :
تخيلتني أحب امرأة كهذه وتخيلتها تحبني . ثم فكرت في الناس كيف ينتهي بهم الحب إلى الزواج . فيموت حبهم ويموتون . إن الزواج لمقبرة الحب . الحب يسمو بالمحب إلى أعلى ؛ والزواج يشد به إلى أسفل . الحب يلتهم المحب فينشره شعاعاً في الفضاء ؛ والزواج يسحن المحب فينثره هباء في الهواء . الحب ذوبان ، فتبخر ، فانعتاق ؛ والزواج تجميد ، فتصدع ، فانشقاق .
كيف يرضى الحب ، وهو شعلة من نار ، أن يصبح بالزواج كومة من رماد ؟
ولكن ، ما لي ولمثل هذه التأملات ، وهي أبعد ما تكون عن حياتي - اليوم وبعد اليوم حتى آخر الدهر ؟

ثم يعود ليقول:
أليس غريباً أن تحب إنساناً ويبغضك ؟ وكنت أعتقد أن المحبة أقوى من البغض ، وأن البغض يولد بغضاً ، والمحبة محبة . فما بال محبتي لسنحاريب لا توقظ فيه محبة لي ، وبغضه لي لا يثير في بغضاً له ؟

يرى الارقش ان اقدارنا في أيدينا وليس في يد الغيب ولا نراها عندما يقول :
ولكن الناس عميان . فهم يحاربون القدر . وأقدارهم
منهم وفي أيديهم . إلا أنهم لا يعلمون

يا ترى هل قرأ الارقش ليقول هذا عبارة للفيلسوف الالماني نيتشه يقول فيها : ان اراده الإنسان جزء من أقداره.

اما غبطه الوجود وهيمانه بها فيقول عنها الأرقش ، وهو سارح في محبه ابديه ، أين منها الوجود بل العمر كله ليقول بلسان شاعر حكيم وكأنه شعاع من نور انار لحظه من عمره عرف بها سر الوجود والخلق ، ليردد:
ما هذه السكرة التي سكرتها الليلة وبأي الكلام أصفها ؟ إنها لتجل عن كل وصف . ألا ليتني لم أصح منها . وبماذا وكيف سكرت ؟ - لست أدري .
ثم يضيف:
لعلها ما يدعونه ، غبطة الوجود ، انسكبت علي بغتة انسكاب أشعة الشمس على كرة من البلور . فأحسستني كياناً شفافاً مترعاً حرارة ونوراً . فلا أنا من لحم ودم . ولا أنا سجين زمان ومكان ، ولا أنا أنا . فكأن الكائنات منظورها وغير منظورها قد ذابت في وذبت فيها . فالشمس والقمر والنجوم مني وأنا منها ، وهي في وأنا فيها . ومثلها الأرض بكل ما على سطحها وفي جوفها وجوها من الغرائب والعجائب . الكل ذوب لا يوصف من محبة لا توصف . والشعور بتلك المحبة لا ينقاد إلى تعريف أو تحديد . إنه الغبطة بعينها ، بل هو الغبطة فوق كل غبطة . غبطة لا يحلق إليها فكر ، ولا يطالها خيال ، ولا تعلق بأذيالها أشباح ، هموم أو شكوك أو غموم .
ذهلت عن نفسي فما أعرف أدقيقة طال ذهولي أم ساعة أم دهراً . ويا ليته كان ذهولاً لا نهاية له.
ولو أنني ما عشت من حياتي غير تلك الدقيقة لاكتفيت بها حياة كاملة
ولو أن حياتي ما كانت غير طريق مفروش بالشوك يؤدي إلى تلك الدقيقة ، لرضيت بها وباركت رب الحياة الذي متعني بها. تباركت حياة جمالها يذهل الإنسان عن نفسه .
ويستمر الأرقش في تعامله ليقول:
وما أدراك يا أرقش الخير أن ذهولا طرأ عليك الليلة فتذوقت فيه غبطة الوجود ، ليس بشيراً بذهول أطول فأطول وأعمق فأعمق حتى تبلغ الذهول السرمدي ؟
اللهم ، أذهلني عن نفسي !
سألت نفسي اليوم :
ماذا تريدين يا نفسي ؟ )
فأجابتني :
أريد أن أعرف . )
فقلت :
وماذا تريدين أن تعرفي ؟ )
قالت :
كل شيء
قلت :
ولماذا تريدين أن تعرفي كل شيء ؟
أجابت :
لأنني أريد أن أتحرر من كل شيء ..
قلت :
ألا تكون حرية بغير معرفة ؟
قالت :
بل تكون عبودية .
قلت :
ألا تكون حياة بغير حرية ؟
قالت :
بل يكون موت .


هكذا يكون اصرار الانسان ، على قبول بل وتقديس كل ما وصل اليه من أسلافه ، عبودية بحد ذاتها ، تمنعه من ان يمد اياديه بحرية مطلقة وعقل متحرر من كل ما يجده مثار انتباه او يعوقه للبدء بتجارب جديدة ، تجارب تدور حول البحث عن الحقيقة ، حقيقة وجوده وغايتها الابدية.

في نهايه هذه المذكرات كتب ميخائيل نعيمه عن شخص الأرقش ومذكراته التي وقعت بين يديه ، ليقول انني بعد ان قرأتها بداية تركتها في أحد مدرجات مكتبته ، وذهب بعدها ليشارك كمهاجر جديد في امريكا تم تجنيده في أواخر الحرب العالمية الأولى كمجند أمريكي في الجيش الأمريكي المتحالفة مع جيش الحلفاء الذي يقاتل جيش المحور في اطراف باريس. عاد نعيمة بعد انتهاء الحرب إلى أمريكا حيث كانت تنتظره هذه المذكرات فكتب مقيما حال الأرقش:
عدنا من الحرب ، ولكن نشوتي الأولى بروحك ما عادت إلي . فما عاد قلمي إلى مذكراتك . ومرت من السنين ثلاثة عقود - وما أسرع ما مرت ! وظن الناس إني نسيتك.
وفي النهاية كتب نعيمه عن هذه المذكرات ليقول:
ما كان لهم أن يعرفوا أن ما بيني وبينك أقوى من السنين وأبقى من الأرض . ولا كان لهم أن يعرفوا مقدار حبي لك والتصاقك بي. وإنه لمن الخير لي ولك أن يجهل الناس مقامك عندي ومقامي عندك.

الغريب أن علة الأرقش ومن ثم كنيته هذه التي تشير إلى من اصيب بالجدري ، وملابسات هروبه من أعين الناس ووجود قصاصات من صحف حديثة فيها تتناول اوصاف شاب ، ينحدر من اسرة لبنانية ثرية مهاجرة تعيش في نيويورك منذ فترة طويلة ، تزوج من فتاة لبنانية وحيدة والديها ، وتعيش مثله في نيويورك . وذلك حصل بعد أن تعارفت العائلتين المغتربين وازدادت اللقاءات بينهما ، لتأتي معها فرصه طيبه ليتعارفا خلالها الفتى والفتاة ، فكانت الخطبة ثم الزواج والعرس الفخم الذي حضره جمع كبير من الجالية اللبنانية والسورية ، ولكن الشاب اختفى اثر حادث قتل غامض وقع لعروسته في غرفتها بالفندق التي وجدت مقتولة فيها ليلة زفافهما كما يفهم من احدى قصاصات صحیفة وجدت مرفقة مع مذكراته التي تركها في المقهى الذي عمل به سنينا طوال وكانت الصحيفة قد كتبت في أحد عناوينها الرئيسة ما يشير الى غياب العريس بشكل غامض ومبهم تاركا عروسته قتيلة في غرفتها غارقة في دمائها.

لعل الأرقش بمذكراته ترك اجمل ما يتمكن منه ، مذكراته التي تحوي عصارة ما فكر به ليخرج منه بحكم ومواعض تنير طريق الاجيال. وكأنه يريد بها القول إن الإنسان لم يخلق للبقاء الابدي ، فكم حري به ان يصنع لروحه أثراً طيباً يبقى من بعده.

إنها مذكرات تستحق القراءة والتأمل ففيها من عبر الحياة ما يكفي زادا فكريا لسنين عند من يتأمل كلماتها.

ب. د. خالد محمود خدر
استاذ جامعي



#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة جديدة في مذكرات الأرقش / الجزء الثاني
- قراءة جديدة لمذكرات الأرقش / الجزء الاول
- تقديم لكتاب (ناجيات من جحيم داعش ) / الجزء الخامس من موسوعة ...
- بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لوفاة المربي الشيخ صبري مراد شيخ ...
- كن بابا للضوء ، وإن ضاق بك الطريق
- لو صاير شيوعي كبل عشر سنين ما جان انطوج فصلية، هكذا قالها اب ...
- سيرة وآراء عالم الفيزياء ستيفن هوكينج في الكون والحياة
- ماذا لو اجتمع الضمير الإنساني للفرد والمجموع بوجود القانون ا ...
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء السابع والأخير
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء السادس
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب/الجزء الخامس
- عندما يكون الحب في غير زمانه / الجزء الرابع
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب /الجزء الثالث
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء الثاني
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء الاول
- خواطر في محطات دروب الحياة / الجزء الثالث
- خواطر في محطات دروب الحياة / الجزء الثاني
- خواطر في محطات دروب الحياة / الجزء الاول
- حقا ان الفساد ان دخل في مفاصل الدولة والمجتمع أصبح عار ʌ ...
- بمناسبة احتفال ابناء المكون الآشوري الكلداني السرياني بعيد ا ...


المزيد.....




- من -ستري- إلى -لاباتا لايديز-.. صعود بطيء للسينما النسوية في ...
- الكاميرا الذهبية بمهرجان كان لفيلم عراقي عن صدام.. ما قصته؟ ...
- -مفكرة عابر حدود-.. حكايات مأساوية وسخرية سوداء من واقع الهج ...
- -حادث بسيط- ظفر بالسعفة الذهبية.. هكذا توهجت السينما الإيران ...
- -كعكة الرئيس- أول فيلم عراقي على مائدة مهرجان كان السينمائي ...
- مهرجان كان 2025: فيلم -مجرد حادث- للمخرج الإيراني جعفر بناهي ...
- -لكمة سينمائية-.. تشيزني يضرب ليفاندوفسكي ويسقطه أرضا (فيديو ...
- الشعب السوري وثقافة رفض التطبيع
- محمد لخضر حمينة... المخرج الذي -فتح عيون العالم- على معاناة ...
- محافظة خوزستان الإيرانية: بوابة التجارة والثقافة


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد محمود خدر - قراءة جديدة لمذكرات الأرقش / الجزء الثالث والاخير