خالد محمود خدر
الحوار المتمدن-العدد: 8327 - 2025 / 4 / 29 - 07:56
المحور:
الادب والفن
ذات يوم، وبالصدفة، وبعد فراق طويل، التقت دينا بجهان في أحد الأسواق الرئيسية للمدينة التي نزحت إليها مع عائلتها. كان اللقاء مفاجئا، كأنما الزمن نفسه توقّف للحظة، وعادت الذكريات تلوح أمام أعينهما ، فقد سبق لسامان أن عرفّهما ببعض خلال فترة الدراسة في الجامعة، ثم تكررت لقاءاتهما في المركز الجامعي بوجود سامان أو عدم وجوده، أو في القسم الداخلي لسكن الطالبات الذي كانتا تسكنان فيه خلال السنة الدراسية الأخيرة لجهان في الجامعة.
بعد تبادل التحيات وكلمات الود والترحيب، قالت جهان بنبرة دافئة:
القلوب عند بعضها، يا دينا. كم أنا سعيدة برؤيتكِ! منذ فترة طويلة وأنا أفكر فيكِ وقلقة عليكِ. كنت أقول في نفسي: أين صارت دينا بعد أحداث الإرهاب؟
أعلم أنكِ من المناطق التي اجتاحها أولئك الأشرار (داعش). وقبل هذه الأحداث، كنتُ أسأل سامان عنكِ دون أن أدخل في تفاصيل أكثر، لأني أعلم ظروف عائلته.
ــ نزحتُ مع عائلتي إلى مدينتكم الجميلة الهادئة هذه، التي ينطق كل ما فيها بمعاني السلام والأمان والجمال. التقينا أنا وسامان مرات عديدة، وأنت تعرفين سامان، فهو من النوع الذي يصنع الفرص ليتصل بي كي نلتقي أسبوعيا.
ــ هاها…! وأنتِ تعنين بكلامكِ أنكِ كنتِ لا تتمنين ذلك! بل كلاكما كنتما تتمنيان وتسعيان لذلك، وهذا من حقكما. كم أتمنى أن أكون أول المهنئين في عرسكما.
ــ منذ مدة ليست قصيرة، بدأ سامان يعمل في شركة لإنشاء مجمعات سكنية في أطراف مدينة بعيدة، وهو مشغول جدا بعمله ليل نهار ، بحيث انني اتصلت به أكثر من مرة قبل أكثر من شهر دون أن أتلقى رداً. أنا أقدر ظروف عمله ، منتظرة عودته في إجازة.
لاحظت جهان، بعد حديث طويل، أن دينا بدت طبيعية جدا عندما أشارت إلى سامان، مثلما بدت كذلك أثناء حديثها عنه وعن انشغاله ليل نهار بعمله. ولكن ما أثار انتباهها انشغال سامان بعمله ، وعدم رده على مكالمات دينا منذ فترة، مما جعل حديث فتاة أخرى عنه ، وعن نفس هذه الفترة ، يتطلب تحليلا و تفسيرا، رغم ثقتها بسامان وقوة العلاقة بينه وبين دينا.
وجدت جهان نفسها محرجة في إخبار دينا بحديث تلك الفتاة. سرعان ما أنهت جهان دوامة تفكيرها ، بالتمني لدينا بأن يكون موعد خطوبتها وزواجها في اسرع وقت ممكن ، بالقول:
طالما أنك أصبحتِ تسكنين هنا في مدينتنا ، فان موعد خطوبتكِ و زواجكٍ سيكون قريب جدا ، فطريق سامان اليكِ من داره ، اصبح لا بتجاوز بضعة كيلومترات ، بعد أن كان عشرات او مئات الكيلومترات ، وهذا مؤشر بأن الزمن يهيئ لكما مفاجئة تسعدكما.
أجابت دينا بهدوء وثقة بالغة:
كنا نخطط حديثا للخطوبة بأي طريقة ممكنة بعد الأحداث والنزوح .. لكن عمله الأخير في الشركة بعيدا ، قلب كل شيء!.
رغم وضوح إجابة دينا، فإنها وضعت جهان في موقف متردد بين تتمنياتها لها بتحقيق آمالها بأقرب وقت، وبين أن تخبرها بتفاصيل ما سمعته من فتاة قبل أيام. في هذه اللحظات دار في ذهنها أن تخبر سامان بما سمعته عن ديانا ، قبل أن تخبر دينا به. ولكن تأكدها من دينا انشغاله بعمله طوال اليوم ، إضافة إلى عدم رؤيتها له في الحي منذ فترة ، جعلها تتساءل مع نفسها عن سر هذه الفترة الغامضة التي غاب فيها سامان ، وهل هو بسبب انشغاله فعلا بالعمل كما تتوقع ام انشغاله بغرام جديد حسب ادعاء ديانا.
وجدت جهان لزاما عليها أن تُعلم دينا بما سمعته خوفا أن تسبقها ديانا إليها ، بعد ان تتمكن من معرفة عنوانها ورقم هاتفها المحمول ، وهذا ليس صعبا عليها ، لتعلمها أو بشكل ادق لتدبر لها مكيدة. عندها قالت لدينا:
يؤسفني أن أخبركِ بما سمعته من فتاة تُدعى ديانا، تعمل مع سامان في شركة والدها الذي كلفها بإدارة الشركة ، بدلا عنه ، فترة سفره خارج البلد في مهمة عمل. فقد زعمت ، وإن كنت لا أصدق ذلك ، أن سامان قد وقع في غرامها منذ فترة ويعمل المستحيل كي ينال رضاها.
قاطعتها دينا بقلق بالغ :
آه، هكذا مرة واحدة! جعلتِيني أقلق...
وقبل ان تكمل دينا تسائلها، تذكرت ذلك اليوم الذي أخطأت فيه بحق جهان حين اتهمتها ظلما. ولكن حديث جهان عن سامان ، رغم حسن نيتها، جعلها تقع هذه المرة ليس في دائرة الشك بل اليقين من صدق ما نقلته جهان ، لا سيما أن سامان لم يتصل بها منذ أكثر من شهر، رغم محاولاتها الاتصال به.
مع ذلك، تمالكت نفسها وأكملت سؤالها:
وماذا بعد غرام سامان مع ديانا هذه ، اكملي من فضلك؟
اجابتها جهان مكملة بلهجة صادقة رغم ترددها:
ديانا هذه تختلف تمامًا عن شقيقتها الكبرى، مديرة مدرستي، الهادئة الرزينة التي لا تخرج الكلمات من فمها إلا بعد أن توزنها بعناية. أما ديانا، فهي فتاة مغرورة رغم أن جمالها دون المتوسط، وقد ازداد غرورها بعد ثراء عائلتها وإهداء والدها لها سيارة فارهة وشقة كتبها باسمها في نفس المجمع الذي يملكون فيه الآن فيلا أو قصرا يسكنوا فيه منذ سنوات.
بان على دينا شرود الذهن قبل أن تسأل:
وماذا ينتظران لإتمام خطوبتهما طالما أن لديها المال والشقة ووفرت له فرصة عمل كبيرة كما هو بين ، وهو ما كان ينقصه معي او بشكل ادق ينقصني معه؟
ــ تدعي ديانا أن كل ما يحتاجه سامان الآن ، بعد أن اقتنعت به ، هو موافقة والدها، وهما ينتظران عودته من الخارج.
ثم أضافت جهان:
بالمناسبة، حدثتني ديانا بكل هذا دون أن أسألها شيئًا، وكأنها كانت تسعى لإبلاغي رسالة مبطنة…فهمت مغزاها.
توقفت جهان قليلاً أمام شرود دينا، ثم أكملت حديثها ثانية في محاولة منها تخفيف وقع ذلك عن دينا :
ارجوا منكِ ان لا تعيرين أية اهمية لما قالته لي، ولا يهمك ثرثرتها ، ولو كانت صادقة لما باحت باسرارها هذه لي في ذلك اللقاء الذي اختارت توقيته وحددت هدفه ، فهي قد جاءت للمدرسة بحجة زيارة أختها المديرة ، من منطلق عدم رؤيتها لها منذ فترة ، كون عائلة شقيقتها تسكن في حي بعيد ، ولكن زيارتها جاءت خصيصا من اجل ان تفيض لي ما يدور في تفكيرها من خطط دفعة واحدة، دون أن أسألها بالاصل عن عملها ومكانه اوعن خصوصياتها ، فهي ليست صديقتي رغم انها كانت لسنوات في نفس حينا ، كونها اصغر مني بسنوات، و مغرورة بنفسها.
دينا، أرجوكِ ألا تصدقي ما قيل. أنا أعرف مثلك سامان جيدا، وهو شاب ملتزم ولا أظنه ابدا يفرط بكِ من أجل مغريات مادية أو فتاة مغرورة. وأغلب الظن أن ديانا هي من تسعى خلفه بكل الوسائل ، وأنها قالت ذلك ، لأنها وضعت سامان في مخها بداية وامثالها عند هذه الحالة لا يتوانون عن عمل المستحيل لتحقيق غاياتهم. ومن المؤكد أنها وضعت لذلك مخططا لإيقاع سامان في شركها ، ويبدو انها لم تفلح ، فوضعت لذلك احتمالا أن يكون سامان يفكر بي مثلا ، أو ربما تتصور أنني أنا من أفكر به. كان ذلك واضحا في نظراتها لي، إذ كانت تراقب ردة فعلي، خاصة أنها تعلم أن سامان يتردد على منزلنا بحكم صداقته لشقيقي.
واصلت جهان حديثها :
لقد أخبرت ديانا عن العلاقة العميقة التي تربطكِ بسامان منذ أيام الجامعة، وعن صبركِ الطويل، وعن حبكما الذي تحدى كل الصعوبات. وختمتُ حديثي معها بالقول: كم هو جميل أن نرى منذ زمن بعيد رسامان ودينا ٢يتبادلان لغة الحب الحقيقي بعيدا عن المصالح المادية……..
عندها، قطعت ديانا حديثي بشكل مفاجئ وغادرت مكتبي دون وداع، وقد بدا عليها الغضب والصراع الداخلي. مما زاد شكوكي بأنها كاذبة.
لاحظت جهان أن دينا لم تعد تسمع ما كانت ترويه لها؛ كانت غارقة في عالم آخر. فسألتها:
ألم يتصل بكِ سامان في الأيام الأخيرة؟
أجابت دينا بصوت خافت:
لا، آخر اتصال بيننا كان قبل أكثر من شهر. لكن أصبح السبب واضحا الآن... لقد وجد من ينشغل بها عني ليبني مستقبله عن طريقها. آه، لو كانت والدتي في غنى عني بسبب مرضها ، لبحثت عن عمل كمهندسة في اي مكان. عندها لم تكن الفرصة متاحة لديانا هذه أن تبني سعادتها واحلامها على حساب احلامي. ولكن يبقى اللوم اولا واخيرا على سامان الذي دس السم في حياتي بغدره لي هكذا ، واستكثر عليّ ان يتصل بي ليعلن موت علاقتنا….يا لسوء حظي في هذه الحياة.
في محاولة من جهان تهدئتها كررت قولها :
دينا، أرجوكِ ألا تعيري حديثها أي أهمية. هذه الفتاة جاءت إلى المدرسة خصيصًا لتبث سمومها لا لزيارة شقيقتها كما ادعت.
ثم أضافت جهان:
لم أستطع السكوت عن أكاذيبها، فأخبرتها بالحقيقة الكاملة عنكِ وعن سامان، مما دفعها إلى المغادرة غاضبة وهي تنوي على مكيدة لك ، وبدلا من ان تستعدي لها ،استسلمت لها من الآن.
بعدها لاحظت جهان أن دينا اصبحت في حالة شرود كامل، وبان عليها انها في عالم آخر وان كل ما افادت هي لها لم تسمع منه شيئا.
عند ذلك نبهت دينا كمن يوقظ من اغمي عليه، لتقول لها بنبرة حزينة وموسفة:
يؤسفني أن أكون سببا في حزنكِ، لكنني فضّلت اعلامكي بحقيقة ما سمعت ورأيي به واجابتي لديانا عنه ، احتراما لكِ ولسامان ولعلاقتكما ، وخوفا من أن تسبقني ديانا إليكِ لتبث لك سموما اخرى، بخروجها من مكتبي وهي غاضبة منفعلة.
اليوم يا دينا ، أدركت تماما ، أن الأمثال التي تُقال عن كيد النساء لم تأتِ من فراغ، بل هي تعبيرا او رد فعل عن ما تخططه امثال ديانا.
استأذنت دينا من جهان مودعة إياها بحجة انتظار والدتها المريضة ، لإعداد طعام الغداء قبل موعد المدرسة.
طلبت جهان منها ان ترافقها بعد ان وجدتها في وضع كئيب ومتعب ،ولكن دينا شكرتها واستاذنت ثانية لتطلب اقرب سيارة اجرة وتغادر السوق في الحال.
#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟