أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد محمود خدر - خواطر في محطات دروب الحياة / الجزء الثاني















المزيد.....

خواطر في محطات دروب الحياة / الجزء الثاني


خالد محمود خدر

الحوار المتمدن-العدد: 8316 - 2025 / 4 / 18 - 01:52
المحور: الادب والفن
    


جولة ونظرة من بعيد:

عصر يوم امس التقى حكيمان من حكماء اللقاء الاول ، وبعد أن تبادلا التحية اتفقا أن يبدأن بجولة في المدينة بداية من ذلك الوادي الذي لا زالت الطبيعة تعاند لتفرض وجودها فيه ، ليعودا بعدها ثانية الى ذلك المتنزه العام الذي التقيا و تعارفا فيه لأول مرة.
ولكن قبلها بادر الحكيم الاول بالاستفسار من زميله عن ثالثهما الذي تبين من إشارته له بداية انهما التقيا اكثر من مرة بحكم اختصاصهم المشترك ولقائهم مع بعض في ندوة علمية تخصصية ، ليعلم منه أنه سافر في مهمة بحثية طويلة الأمد ، وفق عقد له في مركز أبحاث في جامعة خليجية.

ابتدأت الجولة من مقدمة المجرى المتدفق بمياه تنحدر اليه عبر الوادي الذي يفصل بين شقي السلسلة الشمالية من تلك السلاسل الجبلية التي تحيط بالمدينة من اغلب اطرافها ، والتي تكسوها اشجار وشجيرات طبيعية بدرجات متفاوتة ، لتكتسب المدينة من كل هذا وغيره جمالا اخاذا، يبهج الناظر.

مجرى الماء هذا يمتد بعد ذلك عبر وادي زاحمته منشآت حديثه مختلفة ، تتوزع على جانبيه ، بدأ من تلك السفوح المحاذية له ، منتجعات ومواقع سياحية لا تعرف السكينة حتى منتصف الليل ، لكثرة ما يرتادها الزائرين من أهالي المدينة وسواح قادمين من أماكن مختلفة.

بعدها تنساب مياه المجرى عبر ذلك الوادي بمسار متعرج يفصل بين أحياء المدينة القديمة المقامة على جانبيه ، يعانق بعدها غوطة من بساتين عامرة بمختلف أنواع أشجار الفواكه والأعناب ، ويمنحها الحياة.

يشق بعد ذلك المجرى طريقه قبل مغادرته المدينة فاصلا بين أحياء وأبراج سكنية حديثة غير مكتملة تتوسطها مساحات خضراء متناسقة شبيهة في ترتيبها ذلك المتنزه العام.

وهذا بمجموعه أضفى على المدينة جمالا يترك في النفس اثرا كبيرا ، يعززه هدوئها و نظافتها المميزة بما جعلها تكتسب هويتها الخاصة التي تتميز بها عن بقية المدن.

كان اختيار الحكيمين لذلك المتنزه العام في لقاءاتهم قد جاء لجمال تصميمه المحاكي لطوبوغرافية المدينة ، كامتداد طبيعي لسفوح الجبال المحيطة وإن كان ذلك بدرجات انحدار أقل.
يفترش المتنزه العام ثيلا مشذب بعناية وانتظام يمتد على طول مساحته المقسمة الى اجزاء محاطة بأشجار من أنواع مختلفة متوسطة الطول.

يفصل بين هذه الأجزاء ممرات ضيقة تتجاوب مع طبوغرافية المتنزه وتتزاحم على جانبيها مختلف انواع الورود والازهار بالوانها الزاهية و المنسقة بما ينم عن ذوق رفيع.

جاء اختيار الحكيمين لتلك الزاوية من المتنزه الاقل تواجدا للزوار ، كونها تحفظ لهم عند جلوسهم على إحدى الأرائك جواً هادئاً عند تبادلهم لأحاديثهم مع بعض والتي غالبا ما يجده الزائر يتبادلونها بصوت مسموع وبنبرة تقترب أحيانا من حديث استاذ جامعي في مكتبه لطلبته الذين يترددون عليه حول معلومه معينه بعد القاء محاضراته ، فيما تقترب احيانا اخرى من حديث ناسكين في محرابهما.
يبدوا أنهما اختار هذا المكان كدأب الباحثين و حرص مثقفي الاجيال السابقة الذين يهمهم ان يكونوا على مقربة من الناس او بينهم ليعيشوا معهم ظروفهم بما يمكنهم بعدها ان يقدموا ما يعزز او يخفف عن شأنهم.

ولما لا ، فالباحث المثقف يفترض ان يكون كالورود والأزهار تنشر عبيرها بالمجان بلا تفرقة أو حدود.

هؤلاء عادة تجدهم يحملون افكارا سامية ورؤى غايتها الانسان و يسعون لمناقشتها بين الناس. فهي بالنتيجة ليست أسرارا تخفى حتى يمحوها النسيان.

نهار الامس الذي ارتفعت درجة حرارة منتصف نهاره عن الايام السابقة ، قد وجدا لحسن حظهما في مسائه ، ان قمم الجبال المحيطه لم تبخل بين حين وآخر بنسمة من هواء بارد بعض الشيء تهب بهدوء ، بما يزيد من برودة رذاذات ماء تتطاير من تلك المرشاة المتعددة الموزعة بانتظام على اقسام المتنزه لتنعش الروح كما الذاكرة ، وهما بالأصل قصداه ليبحثا فيه عن نسمات كهذه ، ولقاء يجمعهما في فرص متباعدة ليتبادلا اطراف احاديث في هموم مختلفة او مشتركه مع بعض ، تبعدهم عن ضجيج المدينة وحديث الناس.
ضَمن اختيارهم لتلك الزاوية موقعا يتيح لهم معه فرصة الإحساس أنهم جزء مكمل لمترددين آخرين متنوعون بما يكفي لأخذ انطباع عن انحدارهم الاجتماعي والطبقي.

هؤلاء المترددين غالبا ما يتنوعون بين عوائل وشباب من مختلف الأعمار ، بينهم من يلاعب اطفاله في ملاعيب المتنزه وبينهم من هو مأخوذ بترتيب عشاء أسرته وسط الثيل.

وبينهم من الشباب من تتأبط خطيبته ذراعه و تدور دورتها معه حول اطراف هذا المتنزه وقد اولاها جمالها غرورا ودلالا مصحوب بابتسامه لا تفارق شفتيها ملأتها الأجواء الجميلة المحيطة غبطة وفرحا غامرين ، وهي غير مصدقة انها بين يديه وقد تحقق مرادها ولم يبقى غير ان يتوج رأسها إكليل عرسها الذي يخططان معا لتفاصيله كما يبدوان من بعيد.

هناك ايضا من بعيد فتاة خجولة بقوام تبدوا معه وكأنها قد اجهدت نفسها ليتوافق مع معايير جمال جيلها هذا.
وقد مضت اليوم فترة غير قصيرة على هذه الفتاة ، وهي تتمشى مع شقيقها الصغير مرارا و تكرارا في احد الممرات وكأنما يتراءى لها أنها كبقية الزائرين مجهولة لا يعرفها احد ، دون ان تدري ان رائحة عطرها تذكر من بعيد هؤلاء المترددين الدائمين بقصة حبها ، وغالبيتهم مساء كل خميس مثلها من الدور القريبة من المتنزه الذي رسمت فيه فصول كثيرة من قصتها. مثلما تذكر رائحة عطرها تلك وتكشف عن سيماء وملامح وجه صديقها الذي يعرفونه عن بعد مثلها بما يتميزان كلاهما من اتزان البالغ وذوق رفيع وخلق مسؤول.

مضت فترة طويلة لم يشاهدا معا ، ليبدو لهؤلاء الزوار من شحوب وجهها ونظرات عينيها المنكسرتين ان صديقها الذي منح قلبها اصدق شعور كسره في لحظة دون سبب ، وهي التي ظنت طوالا ان قلبها خُلِق ليكون وطنا لا محطة عابرة يستريح فيه صديقها ليمنحها اجمل شعور قبل أن يكسره مغادرا دون وداع.

على مقربة من الزاوية المقابلة البعيدة لهما لمحا شابين جلسا للتو سوية في أقرب أريكة. ولكن سرعان ما انشغلا كل منهما بهاتفه النقال ، وكأن كل منهما يبحر بغواصة في عالم آخر لا يخرج رأسه منها إلا بين فترات متباعدة ليسمح لرئتيه باستنشاق كمية من هواء المتنزه ، وأخذ استراحة مع صديقه ليتبادلا خلالها انطباعاتهم عن ذلك العالم ، وكأنهما ليس بزائرين في ذلك المتنزه.

تلك النظرات والانطباعات عن المدينة وبعدها عن مرتادي المتنزه أخذها الحكيمين من ما يمكن أن يسمى صومعتهما في تلك الزاوية ، وهما يلقيان بين فترة واخرى نظرة على بقية أطراف المتنزه ، وكأن كل منهما يريد ان يقيّم ما يدور في عقول و ربما قلوب الناس في مكان عام يمثل مرتاديه نموذجا يصلح لبناء أفكار و رؤى عليه.

بعدها خيم الظلام فجاة على المتنزه لانقطاع التيار الكهربائي لدقائق استغلها الحكيم الثاني لكسر حاجز الصمت والظلام المطبق على المتنزه لتغيير نوع الحديث بالقول:
أن انقطاع التيار الكهربائي ذكرني بحديث جرى في لقاء بين اديسون مكتشف المصباح وبين مكتشف الؤلؤ الاصطناعي الياباني عندما بادره اديسون بالقول :
لقد اضئت جيد النساء باختراعك وفي الحال رده المخترع الياباني بالقول :

ولكن أنت اضئت الدنيا كلها باختراع المصباح الكهربائي.

وسرعان وسط دهشتهم ما جاءهم جواب ثالث من شخص قريب مجهول ضيعت الظلمة ملامحه ويبدو انه وجد في الحال أن دوره الآن يكمن في تقديم الشكر لهما على ما التقطه من حديثهما في اللقاء السابق ، في كل مرة يكمل دورته لتخفيف وزنه حول أطراف البارك ، وهو يخطو الخطا بتثاقل واضح كلما مر قبالتهما ، ليقول:

اعذروني يا سادة واسمحوا لي بكلمة:
لعل هذا المتنزه بانقطاع التيار الكهربائي يقول في سره لكم انه كان مضاءً بهالة النور المنبعثة من احاديثكما وروحكما العامرة بمحبة الناس اجمعين ، أكثر من نور مصابيحه.

وجائه في الحال الجواب من الحكيم الاول :
اهلا بك وشكرا لكلماتك.
ولكن
المصابيح الحقيقية يا بني يبقى مكانها القلوب العامرة بمحبة الانسان للانسان بعيدا عن اي اعتبار.
واضاف:
ضياء الدنيا الحقيقي يبقى بنبذ الخلاف والاختلاف بين الناس ليعيش الكل متحابين ، متعاونين ومتآزرين ، تملأ الدنيا قلوبهم بالمحبة وتعمر نفوسهم النيه الصافيه دون نظرة وحكم مسبق ، فيه الغاء الاخر، وفيه استغلال للآخر، وفيه حرمان للاخر من حقه في في الحياة كما في بلده ، وذلك لا يكون إلا بعقد اجتماعي لا يستثني أحدا. عقد اجتماعي فيه القانون مرجعا ، لا أحد يعلو على احد فيه الا بالحق والعمل الصادق.

وسرعان ما عاد ضياء المصابيح فامتلأ لحين جو المتنزه بصراخ الأطفال لفرحتهم العفوية وعودتهم لألعابهم وملاعبهم الموزعة في اقسام المتنزه.

وهنا استأذن الحكيم الثاني صديقه من جديد بعد وداع على أمل لقاء آخر.

ب. د. خالد محمود خدر



#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خواطر في محطات دروب الحياة / الجزء الاول
- حقا ان الفساد ان دخل في مفاصل الدولة والمجتمع أصبح عار ʌ ...
- بمناسبة احتفال ابناء المكون الآشوري الكلداني السرياني بعيد ا ...
- أوجه التشابه بين تاملات جبران خليل جبران وعبدالرزاق الجبران ...
- موقع الانسان وتأملاته بين صورتين لمركبه فويجر ١ سنه &# ...
- موقع الانسان وتأملاته بين صورتين لمركبه فويجر ١------- ...
- تأملات في الكون ومسيرة الانسان فيه:
- جانب من حياة الرحاله العراقي يونس بحري ومذكراته في سجن ابو غ ...
- جانب من حياة الرحاله العراقي يونس بحري ومذكراته في سجن ابو غ ...
- جانب من حياة الرحاله العراقي يونس بحري ومذكراته في سجن ابو غ ...
- جانب من حياة الرحاله العراقي يونس بحري ومذكراته في سجن ابو غ ...
- تشييع دفعة جديدة من رفات شهداء حملة إبادة إيزيديي سنجار على ...
- لا تتناول خصوصيات الناس وتلمس جراحاتهم إن لم يكن قصدك فيها ن ...
- للحوار لغة على منصات التواصل الاجتماعي كما في واقع الحياة
- طوبى للطفولة عندما تستشهد كالكبار تحديا للدواعش في حملة اباد ...
- نسبية الزمن في تقييم وقائع حياة الناس الإجتماعية
- وقفة حوارية ثانية مع افكار الدكتور ابراهيم الفقي في كتابه ال ...
- وقفة سريعة مع افكار الدكتور ابراهيم الفقي في كتابه البرمجة ا ...
- قراءة وملاحظات على ديوان شعري الموسوم بعنوان : نرجسه في حقل ...
- تبقى تبعات نزوح وهجرة الأقليات ، بعد جرائم داعش بحقهم دون قص ...


المزيد.....




- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...
- هل تنجو الجامعات الأميركية من تجميد التمويل الحكومي الضخم؟
- كوكب الشرق والمغرب.. حكاية عشق لا تنتهي
- مهرجان الفيلم العربي في برلين: ماض استعماري يشغل بال صناع ال ...
- شاركت في -باب الحارة- و-ليالي روكسي-.. وفاة الفنانة السورية ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد محمود خدر - خواطر في محطات دروب الحياة / الجزء الثاني