خالد محمود خدر
الحوار المتمدن-العدد: 8378 - 2025 / 6 / 19 - 21:11
المحور:
المجتمع المدني
تبقى ماثلة وواضحة للعيان مثلما هي كبيرة تلك الجهود المثمرة الفعالة التي بذلها خلال الاحدى عشرة سنة الماضية رجال معدودين فرادى او مجاميع ممن شاركوا في تحرير قسما كبيرا وصل إلى أكثر من ألفين فتاة من المكون الايزيدي اللواتي تم سبيهن واختطافهن من قبل الاشرار الدواعش في قضاء سنجار الواقع شمال غرب العراق ، يوم غزوهم لها في 2014/8/3.
كانت جهودا فردية جسدت واقعا الحرص العائلي الايزيدي على تحرير عفيفاته اللواتي وقعن في السبي الداعشي في القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد. صحيح أن قسما كبيرا ممن ساهم بإنقاذهم تلقى لقاء ذلك ثمنا ماديا غير قليل من منظمات إنسانية وقبلهم من أفراد عوائلهن واقربائهم.
تبقى معها جهود هؤلاء الرجال الذين يصح تسميتهم بفرسان الظل الذين تطوعوا لإنقاذ الفتيات والنساء الايزيديات ، لما حملته و تحمله تلك المبادرات الشجاعة والمواقف الرجولية ، تحمل نزعة انسانية وقيمية كبيرة ، تستحق ان يقف الإنسان امامها اجلالا وتقديرا ، بما مثلته تلك الجهود والمحاولات لتحرير الفتيات والنساء من معاني سامية تخللتها مجازفات كادت تؤتي بحياة بعضهم ، ذلك أن بعضها كان أشبه ما يكون إلى خوض غمار معركة شرسة مع الغزاة الدواعش والمتاجرين بالإنسان ، إذ كاد أكثر من مرة من شارك فيها ان يذهب شهيدا لمهمته الإنسانية والمجتمعية.
والتقدير هنا يشمل العديد من الحالات التي قام بها الابطال من رجال الجيش والأجهزة الأمنية العراقية عند كانت تأتيهم معلومة تقضي بوجود مختطفة ايزيدية في أحد الدور او المواقع ليبادروا في الحال إلى تحريرها. ويبقى قبلها دورهم الكبير المشرف في تحرير الأرض التي اغتصبها الدواعش لحين لا ينسى ابدا من الذاكرة العراقية.
تبقى تلك الجهود والمواقف الفردية لمن شارك في عمليات ومحاولات تحرير وانقاذ الفتيات الايزيديات تحسب وتذكر كمواقف رجولية وإنسانية بين الناس وفي ذاكرة التاريخ ، في وقت تقاعست دول بمؤسساتها المعنية عن أداء واجب كهذا يقع على عاتقها ومن مسؤولياتها أمام مواطنيها. تمكن فرسان الظل هؤلاء من تحرير ما وصل إلى أكثر من ألفين مختطفة هم افرادا قلائل عملوا متفرقين او في مجاميع تشكلت من متطوعين تملأ قلوبهم نخوة الرجال ، وصوت الضمير، ومعاني دمعة الأمهات ، لسيسجّلها لهم التاريخ في صفحاته المضيئة.
يمكن القول إنه لو كان ضعف أمثالهم من رجال غيارى آخرين ، لتحررت غالبية النساء الايزيديات السبايا عند الاشرار الدواعش منذ الأشهر او السنين الاولى لحملة الإبادة ، ولكن للاسف بقي العمل الفردي لفرسان الظل هؤلاء غير كافي او قادر على تحرير الجميع ، لتبقى اثر ذلك أكثر من ألفين وخمسمائة سبية بين ايادي الاشرار لحد الآن دون أن يعرف احدا عنهم شيئا بعد انتهاء داعش .
يؤشر بقاء هؤلاء أن معنى المواطن وحق المواطن للانتخاء له والايزيدي تحديدا لا ينطبق كما ينطبق ذلك على غيره ، بل يخضع لمقاييس من بإمكانه مجتمعيا ورسميا أن يفعل شيئا ملموسا ، ليبقى الحديث عن تلك الفتيات لا يزيد عن ترديد كلمات لا ترتقي إلى مستوى المهمة الجليلة.
يبقى كبيرا دور رجال الظل أولئك الذين عملوا في صمت ليحرروا الكثيرات من المختطفات ، وهم الفرسان الذين لا يبحثون عن صورة في مشهد ختامي، ولا عن مديح زائف أو شكر من مسؤول ، و لم يبحثوا عن مجد وشهرة ، وإذا كان بعضهم قد طالب بمال ثمنا لجهده ، فالمال لا يقارن بما حققوه من تحرير فتاة يئست من الحياة بين أشرار فقدوا كل معاني الانسانية. وما السبيل غيرهم لنجدة أولئك الفتيات.
بالمقابل شاهد الكثير عبر الشاشات او منابر التواصل الاجتماعي كم مِن مٓن ادعوا البطولة في ذلك من أولئك الذين روج ا او يروجوا لأنفسهم بطولة تحرير أولئك الفتيات ليُنظر لهم كرجال ميامين ، او ليمنحوا أثر ذلك امتيازات مادية أو غيرها لمجرد حضورهم مراسيم الاستلام والتسليم الأخيرة لناجية واحدة إلى ذويها، فيما لم يُعرف لهم مع كل ذلك من جهد حقيقي سوى التقاط صورة بالمناسبة.
متى كان شرف تحرير الناجيات يقابل بثمن ، خاصة إذا كان من أهلها وشعبها ووطنها واين دور الجهات الرسمية في هذا خاصة مع من لا زلن سبايا اسيرات في المجهول مكانا وزمانا ، والغريب أن أغلب من تسببوا بهذا العمل الجبان في أسرهن وسبيهن أطلق سراحه ، وكأنما قيدت قضية سبيهن في حملة الإبادة ضد الإيزيديين ضد مجهول.
ان معظم تلك الفتيات المختطفات السبايا كن يرفضن ما تمكن حد الموت أو الانتحار من الاستسلام لرغبات هؤلاء الأشرار من بيع وانتهاكات جسدية متتاليه مصحوبة بمختلف الضغوطات في محاولة منهم لاجبارهن على ترك معتقدهن عنوة ، وان الكثير منهن عملن المستحيل من اجل الخلاص من أيدي هؤلاء الاشرار مختطفيهن ، ولكل منهن قصة مأساوية في ذلك.
قصص اختطاف وسبي حقيقية لو سمعنا انها جرت في القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد لقلنا انها جرت من قبل وحوش بقالب شبه بشري يوم كانت شريعة الغاب هي الغالبة. اما ان تحصل في القرن الحادي والعشرين بعد الميلاد وتدور احداثها في سنجار وعلى اهلها الايزيديين العزل وتنتقل فصول مآسي نسائهم المختطفات بعدها الى الموصل وتلعفر والشرقاط وقرية خضر الياس والفلوجة والمحراب والرمادي والرقة ودير الزور وغازي عينتاب وغيرها من المدن العراقية والسورية والتركيه، فانه امر يبقى في غاية الإحباط واليأس من قوادم الأيام والسنين، بعد أن ضاعت مقاييس شرف الرجولة الحقة و معاني الشهامة والتضحية واﻻيثار عن الكثير.
ان افادات الناجيات اللواتي تحررن من ايادي الدواعش بسواعد وجهود الخيرين كما اشرت له في اعلاه تمثل صرخة كبيرة موجهة منهن الى كل المسؤولين المعنيين المحليين والدوليين والى هيئة الأمم المتحدة بكل فروعها ومنظماتها ، وكذلك هي رسالة موجهة الى كل من يمثلون عموم المجتمع العراقي من شيوخ عشائر ورؤساء افخاذ وقاده ووجهاء مجتمع ورجال دين وناشطين مدنيين ومثقفين ومصلحين وغيرهم من الرجال والنساء الذين يجدون شرفهن الشخصي في شرف هؤلاء الضحايا وكرامة بناتهم من كرامة هؤلاء المختطفات الناجيات وغيرهن من السبايا الايزيديات غير الناجيات .
عليه فإن بطولات هؤلاء المنقذين فرسان الظل الجنود المجهولين الذين ضحى بعضهم بحياته، سيشير لها التاريخ بأحرف من نورتتشرف به عوائلهم وأحفادهم ويصبحوا مثل يحتذى بها في مواقف الشدة التي تطال الشعوب المغلوبة على امرها .
ومن بين هؤلاء الفرسان السيد عبدالله شريم من أهالي سنجار الايزيديين الذي سجّل اسمه في وجدان الإيزيديين بمداد من الفخر، حين قرر أن يخوض معركة إنسانية لا تقل ضراوة عن أي ميدان قتال.
يوم التاسع من مايس 2025 الماضي كتب السيد عبدالله شريم في موقعه على الفيسبوك:
تم اختياري من قبل مبادرة أورورا الإنسانية في لوس انجلوس بأمريكا ضمن أفضل 15 شخصيات مؤثرة في العالم.. ثم اضاف :
يُقدّر العالم اليوم نضالنا الإنساني ويثمّن جهودنا
لكن، ويا للأسف، لا تزال حكومتنا تهمش جهدنا الإنساني العظيم ولا تقدره.
يبقى التقدير لجهود ابو مهدي مطلوبا ، فأسمه منذ زمن بعيد يتردد ضمن من لهم إسهامات كبرى في تحرير الناجيات. وحسبه انه حرر او ساهم بعمق وشهامة في تحرير من تحررت وإنقاذ من تم انقاذها،
يبقى التقدير لأمثال أبي مهدي مطلبا مستحقا، ليس لأنه واجبا فحسب ، بل لأن الوفاء يوجبه. اسم تردد منذ سنوات بين من سطّروا ملاحم الصبر والمخاطرة والنجدة، ويكفيه أنه ساهم في تحرير وأعادة البسمة إلى من قُدّر لها أن بفضله وغيره أن تعود الى الحياة. ان مجرد كلمة شكر وتقدير من احداهن وإعادة البسمة لاحداهن تكفي له ولعائلته ذخرا وشرفا لتكون له في مجالس الرجال عنوانا ومجدا.
إنهم بحق الجنود المجهولين في معركة الكرامة وان كانوا بحكم مهمتهم مجهولين في سجلات الشعوب ان صح التعبير ، لكنهم يبقون رجالا منقذين في قلوب من تقطعت بهن السبل، وابطالا ميامين في عيون من كنّ ينتظرن المستحيل.
ان مقاييس الرجال ليست فقط في ميادين القتال، بل أيضا في ساحات البحث عن العفيفات الأسيرات ، حيث لا خريطة دالة ، ولا وقت معلوم، ولا عدو ظاهر. في تلك الساحات لا يصمد إلا الشجعان، ولا يغامر إلا النبلاء، ولا يُكمل الطريق إلا أصحاب الغيرة والوفاء والكلام هذا يشمل كل من كان له يدا من أفراد أو مؤسسات معنية في تحرير من تحررت من ايادي الدواعش سواء بمشاركته الفعلية او بمساهمته و تبرعه بمقدار من المال او ساهم في الإشراف ومتابعة عمليات تحريرهن.
لكم المجد والتقدير والعرفان بجميل ما هو عند غيركم مستحيل
فمقاييس الرجال في ساحات الوغى ، ليست باكثر من ميادين البحث عن العفيفات الايزيديات
ففي الاولى عدو تواجههه معلوما أما في الثانية فالكل مجهولي المكان والزمان ، فكيف إذا كانت الساحه بين اشرار أعداء للإنسان جبناء محتجزين لنساء لا حول لهم ولا قوة.
هنيئا لكم أنكم كنت البلسم لأسرٍ مفجوعة، وأنكم أعدتم الحياة إلى قلوب فتيات بعودتهم إلى أحضان والديهم او اخ واخت او خطيب او حبيب لاحداهن ، فما أعظم هذا الشرف، وما أسمى هذا المجد.
انكم بهذا لم تساهموا في تحقق امنياتهم بالحياة فحسب بل ساهمت باعادتهم الى الحياة بحق وكما يتمنوه . وليس بالضرورة ان تكون الاعادة للحياة باحياء الموتى كما نقرأ في كتب الاديان ، بل تكون في جعل قادم الايام من حياتهن حياة يرون فيها انفسهن واهلهن ومجتمعهن بعين بصيرة وتفكير قادر على تجاوز المحن والنكبات.
هكذا تحديتم بعملكم البطولي حملة الابادة واشرارها ، بل ساهمتم من حيث لا تدرون بتحويل بعضهن إلى رموزا كبيرة لفتيات سنجار اللواتي حولن فاجعه اختطافهم إلى فرصة ثانية للحياة ونقلن مأساتهن للعالم عبر لقاءاتهم وتجوالهن في أروقة الأمم والشعوب لبيان فداحة ما تعرضن له من ظلم، وما السيدة نادية مراد إلا واحدة منهن التي توّجت بجائزة نوبل وتعيينها سفيرة للسلام تقديرا لدورها في نقل معانات السبايا إلى أروقة الأمم المتحدة.
هكذا أبو مهدي السيد عبدالله شريم
وهكذا يا دكتور محمود مارديني
وهكذا يا استاذ هادي نايف محسن الزبيدي بوقفاتك في ساحة التحرير في بغداد مطالبا بانقاذ المختطفات الايزيديات.
وهكذا ايها الرجال الميامين المجهولين غيرهم وعذرا أنني اسمع عن بطولاتهم كعناوين دون أن أتمكن من التعرف عليهم سواء مجتمعيا او عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ليكونوا هكذا بحق رجال الظل الذين غفت على ظل قاماتكم المئات من الفتيات بعد رحلة تحرير مظنية وشاقة في ليالي قاسية.
بوركت اياديكم جميعا بانقاذ هذه المجموعة من العفيفات من ايادي الاشرار.
وها انتم والطيبين الشجعان مثلكم الذين ساعدوكم في مشواركم المقدس قد حولتم المستحيل الى حقيقه افرحتم بها الكثير واولهم عوائل هذه العفيفات بعد سنوات عجاف قضوها في الأسر والسبب بلغة الدواعش.
وستبقى السبايا المختطفات الباقيات هم كل الطيبين في كل مكان وزمان .
كم حملوا همكم في قلوبهم واحاديثهم و كتاباتهم ، و اذكر هنا المفكر والروائي الكبير الأستاذ حمودي عبد محسن الذي خصكم انتم فقط بإهدائه روايته الكبيرة التي حملت عنوان (حب في ظلال طاؤوس ملك ) التي طبعت سنة 2017. وجاء نص اهدائه :
إليك أنت أيتها الأم الأيزيدية التي حملت عذابك في أكثر من أربعة عشر قرنا، وحملت أنا هذا العذاب في الليالي الطويلة العميقة كي اكتب هذا السفر الذي كلفني كثيرا، كلفني جهدا وسهرا، وأنا أتعايش مع نبض الدماء الجارية في العروق ، أتعايش مع تلك الصرخات الخالدة التي تفزع الحجر، وتحزن الشجر، وتبكي القمر.
أجل، ذلك كلفني كثيرا، وأنا أردد مع نفسي أيعقل أن يكون هؤلاء الطغاة الأشرار بشر؟ ، وذلك في إشارة منه إلى منفذي حملات الإبادة الأربع والسبعين على المكون الايزيدي وآخرهم الدواعش.
وكأهداء يضيف المفكر والروائي الكبير القول :
أما أنت أيتها الصبية الأيزيدية بذرة الأرض الفتية وخضرة الربيع اليانع، النقية الطاهرة العذراء، أنت حاملة عنفوان النبل لأرضك ومعتقدك التي وقعت أسيرة طاحونة الشر داعش لتسحق عذريتك دون رحمة من سفاحي القرن الواحد والعشرين، يبقى صراخك الناعم إنشودة نقية جليلة توغل في صميم البشر الأنقياء، ويرجع صداها أشبه برثاء على أولئك القتلى الأيزيديين الذين سالت دماؤهم الغزيرة على أيدي الإرهابين المتمرسين بالقتل أيادي مدنسة التي لا تعرف إلا الظلام المختوم على عيونهم.
أنت يا من قاسيت أبشع الآلام والعذاب من وطأة الإستعباد والشقاء في تاريخ بشع سيء على أيدي سفاحين منغمسين في الجهل والكراهية أقدم إليك هذا الإهداء.
أنت أيتها العذراء ابنة الشمس ترنيمة مخلدة على شفاه البشر(انتهى اقتباس الاهداء).
وحدها الايام والظروف الصعبه تكشف معادن البشر في ما يدعيه.
امثالكم من اصحاب الاراده التي لا تخمد ولا تهمد تهون عليكم الشدائد ، طالما تتذكرون أن كل شىء زائل ، الا المواقف الشريفة ،فتلك مآثر تتناقلها الاجيال عبرا وحكما بين الناس.
نجاحكم في تحقيق ما تنشدونه اثبتت ان النجاح لا يكون الا من نصيب من يسعى اليه مثابرا عنيدا في صبره وارادته واصبلا في قيمه.
سـلامــاً لـقلـوبكم الـطـيـبـة
سلاما لإرادتكم الحديدية التي أثمرت اعادة الحياة والأمل فيها لمن ضاعت عنه سنينا طويلة.
#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟