أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد محمود خدر - قصة من القصص المأساوية في الإبادة الإيزيدية / قصة الام العجوزة المعروفة بداي بيري














المزيد.....

قصة من القصص المأساوية في الإبادة الإيزيدية / قصة الام العجوزة المعروفة بداي بيري


خالد محمود خدر

الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 20:04
المحور: المجتمع المدني
    


في أعماق الظلمة ، تتجلى حكاية مأساوية تتصاعد فيها التراجيديا مع مرور الزمن. إنها قصة امرأة ايزيدية سنجارية اختارت العزلة في وجه قسوة العالم، تُدعى داي أرزان، المعروفة بين أبناء منطقتها بـ"داي بيري" أو "ألام العجوز". لم تكن داي بيري تسعى إلى شهرة أو ثراء، بل كانت تفر من ألم الحياة بعد أن أثقلتها الأحزان والمآسي.

كانت تقيم في إحدى المجمعات السكنية في شمال جبل سنجار، حاملة في قلبها جراح الماضي وما تركه من مآسي وهموم ، بعد أن فقدت زوجها في غفلة من الزمن، واستُشهد ابنها الوحيد في الحرب العراقية الإيرانية ، لتغدو وحيدة في بيتها تعيش الماضي وما تركه من ذكرى موجعة والام لا تطاق، لم تتحمل الصدمة واثر ذلك أخذت صحتها النفسية تتدهور لتصل حد الانهيار ففقدت عقلها، لتفضل بعد ذلك الأنعزال عن الناس، و مع تقادم الزمن لم تعد تطيق العيش في بيتها البالي، فهامت في الارض الممتدة بين المجمّعين السّكنين المعروفين باسم مجمعي دهولا ودوكري في ناحية الشمال التابعة لقضاء سنجار الواقع شمال العراق . هناك في احضان الطبيعة وجدت مهربا وهميا من ضجيج العالم الذي شعرت أنه قسى أكثر من المفروض مع امرأة لا حول لها ولا قوة لتعيش وحيدة تقضي لياليها قرب الطرقات الخارجية رافضة المجيء إلى بيتها الطيني رغم المحاولات الكثيرة من أهل مجمعها السكني ، لتبقى هائمة يكسوها الصمت وتلفّها الوحشة، لكنها لم تكن منسيّة تماما ، فقد بنى لها الاهالي كوخ صغير من الطين ، في تلك الارض الواسعة ،قريبا من الشارع الرئيسي ، ليقيها من الحر والبرد. كانوا يحترمونها وياسفوا لما آل إليه حالها ، يساعدوها ويتاسفون على وضعها الماساوي.
فقد كان الكل يعرف قصتها، ويحملوا لها قدرا كبيرا من الاحترام والشفقة. كانوا يمدّون لها يد العون، يقدّمون لها الطعام والماء والكساء. لكنها كانت ترفض ان يقترب احدا من كوخها الصغير، لذا كان عليهم ان يتركوا ما يحملونه على مسافة قصيرة من الكوخ لتأخذه فيما بعد. وكأنها كانت تتجنب أن تتلاقى روحها مع أرواح الآخرين و تخشى أن يُسرق منها ما تبقى من هدوء في روحها.

عاشت حياتها هكذا لسنين طويلة ، وعندما بلغت السبعين من العمر ، وفي فجر يوم الثالث من آب عام 2014، اجتاحت عصابات داعش الظلامية أرض أهلها الايزيديين في سنجار. فهرب من تمكن من الأهالي نحو جبلهم المعروف بجبل سنجار صديقهم الوحيد اوقات النكبات والمحن والابادات الجماعية المعروفة عندهم بالفرمانات التي وصلت إلى 74 فرمانا. هربوا صوب الجبل يطلبون النجاة من نيران الحقد والشر والدمار. وحدها داي بيري بقيت في كوخها الصغير، متمسكة بعزلتها، متجاهلةً كل نذر الخطر ، وكأنها توقعت متوهمة أن مصابها يكفي ليحن عليها الحجر فكيف البشر ، دون ان تدري أن هناك بين المحسوبين على بني البشر من كان الصخر احن منهم ومن كانت وحوش البراري ارحم منهم ، ولنا في هذا مثلا بما فعله داعش في مناطق كثيرة ومنها في غزوته لمنطقة سنجار الايزيدية هذه وما تبعها من قتل وذبح الآلاف من الرجال وسبي اكثر من سته الاف امرأة ومثلهم من الأطفال.

دخلت عصابات داعش ذلك الكوخ ، كوخ داي بيري المتواضع، ليجدوها وحدها غير عابئة بما يجري من حولها. و بدلا من مساعدتها والرأفة على حالها صبوا البنزين على الكوخ،واضرموا النار فيه، فاصبحغ الكوخ قطعة ملتهبة من النار وداي بيري داخله ، فاحترقت الام العجوز حتى الموت. بعد تحرير السهل الشمالي من جبل سنجار ، شاهد الرجال المحررين للسهل عظامها فقط ، اما جسمها فقد اصبح رمادا.

لم تجد الرحمة طريقا إلى قلوب الدواعش وهي في هذا العمر و الحال من الوضع النفسي ، عندما انهالوا عليها بوحشية، قتلوها حرقا وسلبوا روحها المرهقة ، أضرموا النار في الكوخ، ليمحو وجودها بالكامل.

هكذا انطفأت شمعة داي بيري، المرأة التي آثرت الصمت على الضجيج، والوحدة على الضياع. حتى ذئاب البراري كانت لتترفق بها، لكنها لم تسلم من وحشية أعداء الحياة ، الذين لا يعرفون الشفقة والرحمة ، مثلما لا يعرفون أنين الأرواح المتعبة ، ولا يُفرّقوا بين المسالم والمقاتل، بين المُذنب والبريء، فهم لا يملكون قلبا بشريا ولا ضميرا إنسانيا.

إن حكاية داي بيري ليست حكاية فردية، بل صورة صادقة عن حكايات كثيرة أخرى تحمل بين سطورها معاناة آلاف الأرواح البريئة التي حاولت الهرب من عصابات داعش ، فلاحقها الموت كما لاحق داي بيري إلى عزلتها.

الطيبون في كل مكان من العالم يحترموا حاجة الآخرين إلى العزلة والسكينة، ليُنصت فيه الانسان كل انسان إلى أنين غيره ويحترم كرامته وحقه في الحياة الآمنة. أما مع الدواعش فالموقف يختلف ، فهم لم يعجبهم سوى منظر الدماء التي تسيل على الأرض بقتلهم من لا يوفقهم في غيهم وشرهم حتى لو كان يعيش بين الموت والحياة معزولا مهموما في صمت يعيشه وحده.

إن قصة داي بيري تشير إلى جزء من ماضٍ مؤلم، سوف لن يتكرر بهمة الغيارى من الذين نذروا أنفسهم لمحاربة أعداء الحياة لكنها تبقى قصة تعلّم معاني الفرق بين الرحمة والإنسانية والتسامح وبين الظلم والعدوانية والشر.



#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة جديدة لمذكرات الأرقش / الجزء الثالث والاخير
- قراءة جديدة في مذكرات الأرقش / الجزء الثاني
- قراءة جديدة لمذكرات الأرقش / الجزء الاول
- تقديم لكتاب (ناجيات من جحيم داعش ) / الجزء الخامس من موسوعة ...
- بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لوفاة المربي الشيخ صبري مراد شيخ ...
- كن بابا للضوء ، وإن ضاق بك الطريق
- لو صاير شيوعي كبل عشر سنين ما جان انطوج فصلية، هكذا قالها اب ...
- سيرة وآراء عالم الفيزياء ستيفن هوكينج في الكون والحياة
- ماذا لو اجتمع الضمير الإنساني للفرد والمجموع بوجود القانون ا ...
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء السابع والأخير
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء السادس
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب/الجزء الخامس
- عندما يكون الحب في غير زمانه / الجزء الرابع
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب /الجزء الثالث
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء الثاني
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء الاول
- خواطر في محطات دروب الحياة / الجزء الثالث
- خواطر في محطات دروب الحياة / الجزء الثاني
- خواطر في محطات دروب الحياة / الجزء الاول
- حقا ان الفساد ان دخل في مفاصل الدولة والمجتمع أصبح عار ʌ ...


المزيد.....




- الأونروا: جياع بغزة أجبروا على الزحف وسط إطلاق نار إسرائيلي ...
- الولايات المتحدة تعيد رجلًا تم ترحيله إلى السلفادور لاتهامه ...
- أهالي الأسرى الإسرائيليين يطالبون ويتكوف بصفقة شاملة وترك مق ...
- سلام يكلف «العليا للإغاثة» بمسح أضرار العدوان على الضاحية
- ألمانيا تكشف نتائج ضربة -العنكبوت- واتهامات متبادلة بين أوكر ...
- ريما دياب: -كنت أول من أدخل روبوت إلى مخيم الزعتري-
- الأونروا: 82% من غزة تحت أوامر نزوح قسرية.. وإسرائيل تمنع إم ...
- نتنياهو يتجاهل الأسرى ويدفع حكومته إلى الحضيض
- ليبيا.. بنغازي تمنع المهاجرين من التواجد في الأماكن العامة خ ...
- عائلات إسرائيلية تطالب ويتكوف بتقديم مقترح جديد لإعادة الأسر ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد محمود خدر - قصة من القصص المأساوية في الإبادة الإيزيدية / قصة الام العجوزة المعروفة بداي بيري