أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد محمود خدر - التعدد والاختلاف ثراء لا تهديد مثلما ثقافة الاعتذار والتسامح قوة لا ضعف في المجتمعات















المزيد.....

التعدد والاختلاف ثراء لا تهديد مثلما ثقافة الاعتذار والتسامح قوة لا ضعف في المجتمعات


خالد محمود خدر

الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 18:11
المحور: قضايا ثقافية
    


التعدد والاختلاف طبيعة الحياة، و ناموسها الذي لا يتبدل. به تنمو العقول، وتتعدد الرؤى، وتنهض الحضارات. فكما تتنوّع الألوان لتمنح الحياة جمالها وتوازنها، كذلك تتنوع أطياف المجتمع عرقيا ودينيا ، مثلما تتباين الأفكار بين أفراده وتختلف المواقف لتُثري التجربة المجتمعية إنسانيا وتعززها قيميا ، وتفتح أمامها آفاق التأمل والتجدد.

ليس في الاختلاف في كل جوانبه ما يُخيف، بل فيه ما يستحق الاحتفاء، ذلك أن الاختلاف لا يعني الصراع ، بل هو دليل على حيوية المجتمعات، وعمقها، واستعدادها للنقاش والتعلّم. لكن حين يُفهم هذا الاختلاف او يترجم على أنه تهديد للهوية، أو خطر على الثوابت، يتحوّل إلى أداة انقسام، بدل أن يكون جسراً للتواصل ،كما حاول ويحاول حملة الفكر المتطرف الترويج له ، بما نتج عن ذلك في العقد الماضي من اعمالا إرهابية فرقت بين المتوحد مجتمعيا وباعدت بين الموحدين إنسانيا وانتماء لارضهم ووطنهم.
بعد فترة ارهاب دامية وقتل على الهوية وصلت حد الإبادة الجماعية لبعض الاقليات ، ما أشد الحاجة اليوم الى وعي جديد، يُعيد تعريف الآخر لا كخصم، بل كشريك في الوطن والإنسانية كما كان في ميادين الويلات والمحن . وما أشد الحاجة إلى وعي يؤمن ويترجم إيمانه واقعا بأن التنوع لا يُقصي أحدا، بل يحتضن الجميع، ويجد في الاختلاف فرصة لا التنافر بل لبناء واقع مناسب للتكامل.
لقد غدا مؤلما أن تشهد مجتمعاتنا، التي عُرفت تاريخيا بكرمها وتسامحها، تنزلق في بعض الأحيان إلى دوامات من العنف، بسبب خلافات بسيطة أو أخرى مدبرة من قبل من لا ينتمون الا لافكارهم الشريرة مستغلين مواقف سطحية لا تستحق التصعيد.


كم من شجار بسيط في ملعب أو مناسبة اجتماعية تحوّل إلى معركة كبيرة سالت فيها الدماء بلا مبرر، وكم من خلاف شخصي محدود أُلقي بظلاله القاتمة على السلم الأهلي، حتى كاد يُهدد تماسك المجتمع واستقراره. وكم من كلمة قيلت سهوا او بحسن نية ترجمت وعممت بهدف زعزعت التماسك المجتمعي وبث الحقد العنصري او الطائفي لهدف غير نبيل.
هذه المشاهد المتكررة لا تُعبّر عن طبيعتنا الأصيلة، بقدر ما تكشف هشاشة ثقافة الحوار، وتراكم مشاعر الاحتقان غير المُعالجة. فالعنف، وإن بدا في لحظة ما تعبيرا عن قوة أو دفاعا عن كرامة، لا يولد إلا المزيد من الكراهية والانقسام. ولا يوجد مجتمع استطاع أن ينهض وهو غارق في ثأر لا ينتهي، أو غضب لا يُهدأ او حقد عنصري او طائفي لا ينطفأ، طالما يوجد بينه من يغذي هذا الثأر والغضب وذلك الحقد بروح التشفي.
إنّ المجتمعات التي لا تُحسن إدارة اختلافاتها، سرعان ما تقع فريسة الانغلاق والتحجرعند اول ظرف صعب يطالها ، بخلاف المجتمعات التي تتسع صدورها للاختلاف، فإنها تكتب سطورها في سجل الحضارة بأحرف من نور.

ان الاوان نعلّم الجيل الجديد أن الاختلاف ليس عيبا، بل فرصة. وأن تقبّل الآخر لا يُنقص من قيمتنها وقيمنا، بل يزيدها نضجا وإنسانية. ففي عالم يضج بالأصوات المتنافرة حتى بين أفراد مجتمع صغير ، لا خلاص إلا بصوت العقل، والحوار، والاحترام المتبادل.
في هذا السياق، تتجلى الحاجة الماسة لأن نعيد الاعتبار لقيم التسامح والعفو، لا كمجرد مفاهيم أخلاقية، بل كضرورات وجودية لحماية نسيجنا الاجتماعي. أن نكون رسل سلام لا حُماة ضغينة. أن نملك شجاعة العفو، لا رغبة الانتقام. فالاعتذار ثقافة لا يفهمها إلا من ينتمي لأهله متمسكا بقيم الفضيلة ، متعلما من التجارب أن الحياة لا تستقيم إلا بالاعتراف بالحق ، كما أن التسامح ليس ضعفا، بل هو ذروة القوة الأخلاقية، ومؤشرا على نضج الوعي الإنساني.

إنّ المجتمعات لا تُبنى على فوهات البنادق، بل على طاولات الحوار، وعلى قلوب واسعة قادرة على الإصغاء، واستيعاب الاختلاف، وتغليب العقل على الغريزة. فكل رصاصة تُطلق، تقتل معها جزءًا من مستقبلٍ كان ممكنًا؛ وكل يدٍ تُمد للمصافحة، تفتح نافذة جديدة على الأمل.
يبقى التحدي الحقيقي ليس أن ننتصر في خلاف، بل أن نمنع الخلاف من أن يتحوّل إلى شرخ ، أن نحمي أبناءنا من تكرار أخطاء ساقها إليهم نفر ضال لغاية سوداء او أخطاء صنعتها لحظة انفعال، لا بصيرة. فكل جيل لا يتعلّم من أخطائه ولا يتعلم ثقافة الاعتذار او التسامح، سيعيد إنتاج ذات الدوائر المغلقة من العنف والتشظي.
ما أحوج مجتمعاتنا إلى تربية أطفالهم على ثقافة السلام، وما أحوج الدولة إلى أن تشيّد في مدارسها وجامعاتها ومؤسساتها مساحات للحوار لا ساحات للصدام، وليكن الاعتذار والتسامح مشروعا وطنيا، لا رد فعل مؤقت لأزمة، إذا أردنا لمجتمعاتنا أن تبقى حيّة، متماسكة، جديرة بالحياة.
لقد آن الأوان أن نُعيد الاعتبار للغة العقل ونحتكم به ، وأن نُربّي أجيالنا على ثقافة التجاوز بدلا من ثقافة الثأر ، أن نُعلّم أبناءنا أن الشجاعة الحقيقية لا تكمن في رفع السلاح، بل في كسر دائرة العنف، وصون الأرواح، وحماية النسيج الاجتماعي من التمزق والانهيار.

فالإنسان الذي يغفر لا يُنكر الألم، لكنه يختار ألا يجعله مبررا لإنتاج مزيد من الألم. والمؤمن الحقيقي بالعدالة لا يُفرّغها من روحها لتصبح أداة انتقام، بل يجعل منها جسرا يعبر به إلى السلام.
نعم، في مجتمعاتنا جراح عميقة، وبعضها لا يندمل بسهولة. لكن الكراهية لا تُداويها، بل تُعمّقها. وكما قال مارتن لوثر كينغ: الظلام لا يطرد الظلام، وحده النور يفعل ذلك ، والكراهية لا تطرد الكراهية، وحده الحب يفعل ذلك.

فليكن الجميع نورا في وجه الظلام، وأملا في زمن الخيبة، وصوتا صادقا يدعو إلى بناء مستقبل تُصان فيه الكرامة الإنسانية، ويُحترم فيه التنوع، ويُحتفى بالاختلاف لا كمصدر تهديد، بل كقيمة تُغني الإنسان وتُثري المجتمع.

من أجل ذلك، لنعمل معا في كل الظروف على إغلاق أبواب الفتنة ، وفتح نوافذ السكينة، ولنُشيّد بالحوار جسرا نعبر به نحو مجتمع أكثر عدلا، أكثر تسامحا، وأكثر إنسانية.
وعلى كل فرد من أفراد المجتمع أن لا ؤضل متفرجا لا غير مباليا او يبحث عن الخلاص مما اشرت له من قوة تأتيه من الخارج لتنقذه ومجتمعه ، فالجحيم والسماء كلاهما يكمنان في اعماقه إن أراد ، وبرفع همته وشد عزيمته وتعاونه مع غيره يتشكل مجموعا قادرا على خلاص مجتمعه مما يلم به. أن أعظم انتصار للإنسان ليس أن يُصلح العالم، بل أن يظل إنساناً وسط عالم يصرّ على نزع إنسانيته. فالإنسان لا يُقاس بنقائه، بل بمعاركه في سبيل ذلك النقاء ، كي لا يتوقف عن أن يكون إنسانا ، وإن خانه الجميع في سبيل ذلك ، فعليه أن لا يخون نفسه كي يحافظ على ضميره النقي ، الذي يمثل وفق قول فيكتور هوغو روح العالم، به يعرف البشر بعضهم البعض. العالم لا يعاني من غياب القوانين والعقوبات، العالم يعاني من غياب الضمير الإنساني، الضمير هو الرادع الحقيقي لا العقوبة.
وقريبا من قول فيكتور هوجو يقول ميخائيل نعيمة:
قبل أن تفكروا بالتخلص من حاكم مستبد ،
تخلصوا مما يستبد بكم من عادات سيئة وتقاليد سوداء.
لا مكان في المجتمع السوي للعقلية الإقصائية التي تفصل بين أبنائه بمختلف انتماءاتهم وانحداراتهم الدينية أو الاثنوغرافية. فمن يبني الجدران بين الناس بدلا من الجسور، لا يمكن اعتباره مواطنا سويا يهمه امر مجتمعه او بلده.



#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تكون هجرة الأقليات قدرا من صنع البشر
- قصة من القصص المأساوية في الإبادة الإيزيدية / قصة الام العجو ...
- قراءة جديدة لمذكرات الأرقش / الجزء الثالث والاخير
- قراءة جديدة في مذكرات الأرقش / الجزء الثاني
- قراءة جديدة لمذكرات الأرقش / الجزء الاول
- تقديم لكتاب (ناجيات من جحيم داعش ) / الجزء الخامس من موسوعة ...
- بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لوفاة المربي الشيخ صبري مراد شيخ ...
- كن بابا للضوء ، وإن ضاق بك الطريق
- لو صاير شيوعي كبل عشر سنين ما جان انطوج فصلية، هكذا قالها اب ...
- سيرة وآراء عالم الفيزياء ستيفن هوكينج في الكون والحياة
- ماذا لو اجتمع الضمير الإنساني للفرد والمجموع بوجود القانون ا ...
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء السابع والأخير
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء السادس
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب/الجزء الخامس
- عندما يكون الحب في غير زمانه / الجزء الرابع
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب /الجزء الثالث
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء الثاني
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء الاول
- خواطر في محطات دروب الحياة / الجزء الثالث
- خواطر في محطات دروب الحياة / الجزء الثاني


المزيد.....




- هرب من أصحابه وانتهى به الأمر مُحلقًا في الجو.. إليكم قصة -إ ...
- رحلة سفينة مادلين تنتهي قبل وصولها إلى غزة
- لوس أنجلوس ..استمرار الاحتجاجات ضد سياسات ترامب للهجرة
- هل تطمع السعودية في منصب الأمين العام للجامعة العربية؟
- حرب الرسوم الجمركية: الهدنة التجارية بين واشنطن وبكين هشة؟
- قرار حاسم منتظر للذرية الدولية بشأن نووي إيران وطهران تحذر
- اختام مناسك الحج والمملكة تتيح للحجاج الحصول على شهادة إلكتر ...
- مجلس الأمن القومي الإيراني: بنك الأهداف الصهيوني على طاولة ا ...
- هل زيلينسكي جاد في المفاوضات مع روسيا؟
- قائد حرس الثورة في إيران: الضربات الصاروخية ضد إسرائيل ستصبح ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد محمود خدر - التعدد والاختلاف ثراء لا تهديد مثلما ثقافة الاعتذار والتسامح قوة لا ضعف في المجتمعات