أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد محمود خدر - في الذكرى الحادية عشر للإبادة الجماعية للمكون الايزيدي في سنجار : أم شهداء الإبادة داي شمي ديرو اصبحت أيقونة الصبر والتحدي















المزيد.....

في الذكرى الحادية عشر للإبادة الجماعية للمكون الايزيدي في سنجار : أم شهداء الإبادة داي شمي ديرو اصبحت أيقونة الصبر والتحدي


خالد محمود خدر

الحوار المتمدن-العدد: 8390 - 2025 / 7 / 1 - 09:12
المحور: المجتمع المدني
    


في فجر يوم الثالث من آب 2014 وقع قضاء سنجار بالكامل تحت قبضة تنظيم داعش الإرهابي، الذي سرعان ما فرض قوانينه المتطرفة على الفور، مستهدفا إبادة أبناء المكوّن الإيزيدي في القضاء ، البالغ عددهم نحو 400 ألف نسمة.

بدأ الدواعش بمذابح جماعية ، ففي أول يومين فقط من اجتياح القضاء، قُتل وذُبح الآلاف من الرجال على الهوية الدينية، وهم في منازلهم او في طريقهم فارين إلى المجهول عبر طرقات المدينة أو المجمعات السكنية أو الدروب الترابية المودية إلى جبلهم ، أما النساء والفتيات، فكان مصير أكثر من خمسة آلاف منهنّ الاختطاف والاسترقاق الجنسي أو ما سمّاه التنظيم بالسبي ومعهنّ آلاف الأطفال، اقتيدوا مباشرة إلى مناطق مثل البعّاج والموصل وأماكن أخرى داخل سوريا والعراق وأماكن أخرى كانت وقتها تحت سيطرتهم.
اما دورهم واموالهم وممتلكاتهم فقد تعرضت للنهب من قبل هؤلاء الدواعش كغنائم اقتسموها بينهم. ويقتضي الحديث هنا الإشارة إلى مشاركة الكثير من جيران الايزيدية من ابناء القرى والمناطق المجاورة والبعيدة في كل اعمال القتل والسبي والنهب متناسين معاني الجيرة والمواطنة وكل الاعراف والقيم والقوانين المعمول بها بين بني البشر.

أمام هذا الجحيم، لم يكن أمام مئات الآلاف من الإيزيديين سوى الفرار إلى جبل سنجار، حيث حوصروا هناك لأسابيع طويلة في ظروف لا تليق بالبشر: لا ماء ولا طعام، ولا حماية من الدواعش او من حرارة الجو التي تجاوزت الخمسين درجة مئوية. نجح من نجا في الوصول بشق الأنفس إلى إقليم كردستان، وهناك لا يزال أكثر من نصفهم حتى اليوم يعيشون في مخيمات النزوح في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق ، رغم مرور أكثر من سبع سنوات على تحرير سنجار في عام 2017.

ومن بين العوائل النازحة ما تبقى من عائلة السيدة الشجاعة شمي ديرو المعروفة ب داي شمي ، ام الكل ، من مجمع تل عزير السكني التابع لقضاء سنجار. لا يمكن الحديث عن مأساة سنجار دون التوقف عند سيرة صبر السيدة داي شمي النبيلة ، لأنها باختصار أمّ الشهداء ، وأمّ الجميع.
اجل انها ام شهداء الإبادة ، فقد فُجعت هذه المرأة الجبل داي شمي ، في حملة ابادة الدواعش هذه ، بفقد اثنان وثلاثين شهيدا من أحبّ الناس إلى قلبها من أبناؤها، أحفادها ، و من بينهم الشهيدة جيلان ، أيقونة الطهر والبطولة ، جيلان التي قتل الدواعش 7 أشخاص من أسرتها أمام عينيها، من بينهم والدها واثنان من أشقائها احدهم كان طالبا بكلية الطب / جامعة الموصل . بعدها تم اقتيادها هي واثنتين من شقيقاتها، غالية وشيلان، مع فتيات أيزيديات أخريات إلى مبنى مدرسة في مجمعها السكني تل عزير الواقع جنوب سنجار لتوزيعهن كسبايا على المسلحين. أجبرت جيلان كرها على دخول أحد حمامات المدرسة لكي تغتسل وتعدّ نفسها لما يسمى بأمير المجموعة الإرهابية الذي كان ينتظر أن تنتهي جيلان من الاستحمام. ولكن انتظاره طال ، بعد ذلك تبين بأن جيلان أنهت حياتها داخل الحمام بعد أن قطعت شرايين يدها بشفرة حلاقة.

رغم اتساع الوجع وضراوة الفقد على داي شمي ، فإنها لم تنكسر، بل وقفت، بصبر قلّ نظيره، لتعلن للعالم أن النساء الأيزيديات من معدن لا يُهزم، وأن الألم يمكن أن يُعاد تدويره ليصبح نورا للآخرين.

إن داي شمي ليست فقط أمّ الشهداء، بل هي أمّ الصبر ومعلّمة الصابرين. بعد فاجعة الإبادة الجماعية للايزيديين واولهم افراد عائلتها ، لم تستسلم لليأس، بل استجمعت شتات روحها وقررت أن تحوّل الحزن إلى طاقة للحفاظ على ما تبقى من أحفادها وتربيتهم والعناية بهم بعد أن فقدوا والديهم.

فأي بطولة أعظم من هذه ، واي موقف اعظم من هذا الموقف؟
لقد فهمت بحدس الأم ووعي الإنسانة أن الغرق في البكاء وتذكر المأساة لن يعيد أبناءها، وأن الانهزام هو ما يريده العدو الجبان ، فقاومته بما تملكه: بالعقل، والصبر، والتمسّك بما تبقى من الحياة من اجل ان تحيي ما تبقى من احفادها وتدير شؤونهم وترعاهم وتتابع حاجتهم.

اختارت أن تتعزى بالصبر وان تكون ناطقة بأسم من رحلوا شهداء او مختطفات (سبايا بعرف الدواعش) ، وأن تسرد وجعهم للزائرين الشعبيين منهم والرسميين، كي لا يضيع حقهم في الزحام. صارت حارسة لذاكرة سنجار، تحفظ أسماء الشهداء، وملامحهم، وساعات فراقهم، كي لا تُنسى.
وبفعلها هذا، شاركت في معركة أخرى، لا تقلّ ضراوة عن معركة المقاومة التي قادها مجاميع لرجال من اهلها اهل سنجار. هي معركة الكلمة والكرامة والذاكرة في وجه عدوّ لم يعرف من الإنسانية سوى نقيضها ، عدو أراد أن يُمحى وجود مكون ديني بأكمله، فجاء صبر أمّ كداي شمي ليقول له: نحن باقون. مثلما رددها بلغة السلاح رجال المقاومة على سفوح جبلهم جبل سنجار.

إنها اليوم تُحيي الأمل في نفوس أحفادها ومن حولها، وتغرس فيهم حبّ الحياة ، لا رغبة في النسيان، بل إصرارا على محبة الحياة رغم كل شيء ، لأن وجدت ان العيش بعد الإبادة هو شكل من أشكال المقاومة ، ولأن الأمل في ذاته قيمة تُرعب أعداء النور والحياة.

في زمن تتشظّى فيه القيم، كانت ام الشهداء داي شمي ، وما تزال، مرآة ناصعة لصبر الأنبياء، وكرامة الأمهات اللواتي يُجبلن الأمل من رماد الخسارة ، ويُعلّمن أن التمسك بالقيم مثل الحق والعدالة والوفاء للضحايا هو طريق طويل ، لكنه وحده القادر على أن ينقذ ما بقي من إنسانيتنا كبشر اجمعين.

تحية اعتزاز وتقدير لموقف أم شهداء الإبادة ، داي شمي، رمز الصبر والإباء في سنجار الجريحة، وهي تقترب من الذكرى الحادية عشرة للإبادة الجماعية التي لم تندمل جراحها بعد.

في زمن خذل فيه العالم الضمير، وقفت داي شمي شامخة كجبل سنجار، تودّع أبناءها وبناتها واحفادها عن بعد واحدا تلو الآخر، لا بعين دامعة فقط، بل بقلب نابض بالإيمان والكرامة والتمسّك بالحق. لم تكن أماً لضحايا الإبادة فحسب، بل كانت أماً لقضية، لحكاية شعب أراد له الاشرار الدواعش أن يُمحى، فأعادت مع غيرها من الابطال بصبرها الحياة لذكراه، والكرامة لدمه المسفوح.

المجد لداي شمي
التي أعطت للعالم درسا خالدا في معنى الصبر، الصبر الذي لا يرضى بالانكسار، بل الصبر الذي يصوغ من الألم طريقا للكرامة، ومن الغياب نداء للحياة.
علمتنا داي شمي أن الأم ليست فقط من تنجب، بل من تبقى واقفة على رماد الخيام، تحرس ذاكرة أبنائها، وتورّث للأجيال معنى البقاء والوفاء.

في ذكرى حملة الابادة الحادية عشر ننحني إجلالا لكل شهداء سنجار الذين ذهبوا ضحية الدواعش وفكرهم المتطرف.
وننحني اجلالا لقضيتهم قضبة الابادة
ونرفع الصوت عاليا:
لن ينسى اهل سنجار قضيتهم
ولن يسكتوا عن حقهم
فما زال في حكاية الإبادة صبر لم يُكتَب بعد، وما زال في قلب داي شمي نورٌ يُضيء الطريق لكل من يريد أن يفهم معنى أن تكون ايزيديا سنجاريا ضحية ومعنى ان تكون إنسانا مغبونا



#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شخصيات مجتمعية خدمت ولا تزال تخدم اهلها بإخلاص وتترك أثرا عم ...
- نظرة وتحليل عن بعد لنموذج حي من التعايش السلمي يصلح أن تحتذى ...
- أحد عشر عاما على الإبادة الإيزيدية وأكثر من نصف المختطفات ال ...
- أحد عشر عاما على الإبادة الإيزيدية وأكثر من نصف المختطفات ال ...
- التعدد والاختلاف ثراء لا تهديد مثلما ثقافة الاعتذار والتسامح ...
- حين تكون هجرة الأقليات قدرا من صنع البشر
- قصة من القصص المأساوية في الإبادة الإيزيدية / قصة الام العجو ...
- قراءة جديدة لمذكرات الأرقش / الجزء الثالث والاخير
- قراءة جديدة في مذكرات الأرقش / الجزء الثاني
- قراءة جديدة لمذكرات الأرقش / الجزء الاول
- تقديم لكتاب (ناجيات من جحيم داعش ) / الجزء الخامس من موسوعة ...
- بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لوفاة المربي الشيخ صبري مراد شيخ ...
- كن بابا للضوء ، وإن ضاق بك الطريق
- لو صاير شيوعي كبل عشر سنين ما جان انطوج فصلية، هكذا قالها اب ...
- سيرة وآراء عالم الفيزياء ستيفن هوكينج في الكون والحياة
- ماذا لو اجتمع الضمير الإنساني للفرد والمجموع بوجود القانون ا ...
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء السابع والأخير
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء السادس
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب/الجزء الخامس
- عندما يكون الحب في غير زمانه / الجزء الرابع


المزيد.....




- مدير الإغاثة الطبية بغزة: القطاع يعاني من حالة جوع قاسية لم ...
- مسؤول دولي: الواقع الإنساني يتدهور بأفغانستان وعودة اللاجئين ...
- عائلات الأسرى الإسرائيليين تتخوف من العمليات العسكرية وسط غز ...
- الإغاثة الطبية بغزة: الاحتلال يستهدف المنظومة الصحية في القط ...
- برنامج الأغذية العالمي يفضح مذبحة إسرائيلية بحق مجوّعي غزة
- برنامج الأغذية العالمي يفضح مذبحة إسرائيلية بحق مجوّعي غزة
- رئيس أركان إسرائيلي سابق يقر: ما يجري في غزة جرائم حرب
- منظمات حقوقية: إساءات بالغة ومعاملة مهينة لمهاجرين في مراكز ...
- حماس: اعتقال مدير المستشفيات الميدانية بغزة أثناء عمله إمعان ...
- بينهم أطفال ونساء.. الشبكة السورية لحقوق الإنسان: هذا عدد قت ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد محمود خدر - في الذكرى الحادية عشر للإبادة الجماعية للمكون الايزيدي في سنجار : أم شهداء الإبادة داي شمي ديرو اصبحت أيقونة الصبر والتحدي