أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - المذهبيه وأثرها السلبي على وحدة الشعوب الاسلامية














المزيد.....

المذهبيه وأثرها السلبي على وحدة الشعوب الاسلامية


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8409 - 2025 / 7 / 20 - 00:56
المحور: قضايا ثقافية
    


الإنسان كائن مركب من عناصر متعددة تساهم في تشكيل هويته وتوجيه سلوكه وتفاعلاته الاجتماعية، ويمكن القول إن هناك نوعين من الانتماء يلازمان الإنسان: الانتماء الطبيعي والانتماء العقائدي. فالانتماء الطبيعي هو ما يولد الإنسان وهو يحمله منذ اللحظة الأولى، كالجنس واللغة واللون، وهي عناصر لا دخل للإنسان بها ولا يستطيع تغييرها أو تعديلها، لأنها ببساطة جزء من تكوينه البيولوجي والفطري. أما الانتماء العقائدي، فهو انتماء مكتسب يأتي لاحقاً في حياة الإنسان، ويتشكل نتيجة لتفاعله مع محيطه وبيئته الاجتماعية والثقافية والتعليمية، وهو ما يجعله خاضعاً للتأثير والتأثر، قابلاً للنقد والمراجعة والتغيير.

الانتماء العقائدي، بخلاف الانتماء الطبيعي، لا ينبع من الفطرة بل من التعلُّم والتنشئة، ولهذا فإن الفرد يكتسبه عبر التربية، أو التعليم، أو القناعة، أو حتى الوراثة المجتمعية غير المدروسة. ولعل من أبرز أشكال هذا الانتماء هو الانتماء المذهبي، أي تبني مذهب معين داخل الدين الواحد، وهذا أمر مشروع من حيث الأصل، طالما بقي في حدود البحث العلمي والاجتهاد القائم على الأدلة، ولم يتحول إلى حالة من الجمود أو العصبية.

لكن الإشكال يظهر حين تتحول المذهبية من انتماء عقدي مكتسب وقابل للنقاش إلى انغلاق هوياتي أشبه بالانتماءات العرقية أو القومية، حيث يتم التعامل معها على أنها من "المقدسات الشخصية" التي لا يجوز الاقتراب منها، بل ويُبنى عليها الولاء والبراء، والحب والبغض، بل وأحياناً التكفير أو التخوين، وهذا ما يشهده العالم الإسلامي في العصر الحديث بشكل متزايد، حيث أصبحت المذاهب في كثير من الحالات بديلاً عن الإسلام ذاته، وصار الانتماء لها أشبه بالانتماء القبلي أو القومي الذي يزرع الشقاق والانقسام داخل الأمة الواحدة.

وقد عالج الفقهاء هذه القضية من زوايا متعددة، فكان موقف جمهور العلماء، خاصة من أهل السنة والجماعة، يقوم على أن التمذهب ليس غاية بحد ذاته، بل وسيلة لفهم الشريعة، ولهذا فإن اتباع مذهب معين لا يعني تعصباً له، ولا يعني رفض ما عند المذاهب الأخرى من حق وصواب. يقول الإمام الشاطبي في "الاعتصام": "التقليد في المذهب جائز للعامي، أما العالم فواجبه النظر في الدليل، لا الجمود على قول إمام بعينه". كما أكد الإمام ابن تيمية أن التمذهب ليس واجباً شرعياً بل هو أمر عرفي، وقد يكون مستحباً إذا قصد به التيسير والتنظيم، لا التعصب والفرقة، محذراً في الوقت ذاته من أن يتحول التمذهب إلى تعصب مذموم يشق صف المسلمين.

ومن ناحية أخرى، فإن كثيراً من العلماء المتأخرين دعوا إلى التجاوز عن التمذهب الضيق والانفتاح على اجتهادات المذاهب كلها، شرط أن يكون ذلك قائماً على الدليل لا على الهوى، لأن مراد الشريعة هو اتباع الحق لا مجرد الانتماء الاسمي لهذا المذهب أو ذاك. أما عندما تصبح المذهبية هوية حصرية، فإنها تؤدي إلى تقسيم المجتمع المسلم إلى طوائف متناحرة، كل طائفة تزعم امتلاك الحقيقة المطلقة، بل وقد يتم استغلال هذا الانقسام من قبل قوى سياسية أو أجندات خارجية لتمزيق وحدة الأمة.

إن خطورة المذهبية عندما تُحوّل إلى هوية تكمن في أنها تغلق الباب أمام الحوار، وتُدخل الدين في صراعات لا علاقة لها بروحه ولا مقاصده، فتحل الطائفة محل الأمة، والانتماء الضيق محل الانتماء الإسلامي الواسع، وتُنتج تصنيفات تمييزية داخل الدين نفسه، فيتحدث الناس عن "السني" و"الشيعي" و"الحنفي" و"الشافعي" و"الزيدي" و"الإباضي" لا بوصفها مدارس فقهية، بل بوصفها هويات متضادة ومتصارعة. وهنا يكمن الخطر الحقيقي، حين تختلط الحدود بين الانتماء البيئي الطبيعي والانتماء العقدي المكتسب، ويُعامل الثاني كما لو كان الأول، غير قابل للنقد أو التبديل.

ومن ثم، فإن الواجب الشرعي والعقلي يحتم على المسلمين أن يعوا طبيعة الانتماء العقدي، ويضعوه في موضعه الصحيح، كأداة للفهم والاجتهاد، لا كهوية صلبة تقصي الآخر وتكفّره، وأن يُعاد الاعتبار لمفهوم "الأمة الإسلامية" الجامعة، التي تتسع لاجتهادات متعددة، لكنها تتوحد على الأصول والثوابت الكبرى. وإن حفظ وحدة الأمة لا يتم بإلغاء التنوع، بل بإدارته بالحكمة والاعتدال والاحترام المتبادل، مع إدراك أن الاختلاف في الفروع لا ينبغي أن يفسد للود دينا، فضلاً عن أن يجر إلى الاحتراب والعداوة.

فالمذهبية إذا ظلت في إطارها العلمي والاجتهادي، فإنها إثراء وتنوّع، أما إذا تحولت إلى هوية انغلاقية، فإنها تتحول إلى معول هدم في جسد الأمة، وهنا يكون الانتماء العقدي قد تنكر لطبيعته القابلة للتطور، ليحاكي الانتماء الطبيعي بطريقة زائفة، وهنا مكمن الخلل الذي يجب التنبه له والعمل على إصلاحه.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التدخل الأسرائلي في السويداء
- الاقتتال الشيعي المحتمل في العراق
- العلمانية والمجتمع الأسلامي
- المودة سبيل النجاة والصلح منهج العقلاء
- الكرد.ماذا بعد تسليم السلاح؟
- السلاح المنفلت بين الارادة الداخلية والأوامر الخارجية(لبنان. ...
- أمي ثم أمي
- بريكس والدولار
- الشرق الأوسط بين المطرقة والسندان
- العقيدة الشخصية. بين الحرية الفردية وأحترام الأخرين والمجتمع
- الضابطة التي ودعت الحلم على الأسفلت
- هل تتخلى إيران عن اذرعها في العراق ضمن صفقة مع أمريكا؟
- هل تتخلى إيران عن أذرعها في العراق مقابل صفقة مع أمريكا؟
- ترامب والحرب الإسرائيلية الإيرانية: حرب إعلامية بغطاء ناري و ...
- أزدواجية المصالح عند ترامب
- أيران تكشر عن أنيابها عندما ضربت في الصميم وتفرجت عندما قتل ...
- -ما بعد الصواريخ: الشرق الأوسط بين نار الحرب وصمت الهزيمة-
- بين العناد الفارسي والخبث الأسرائلي كيف تنتهي الحرب بينهما؟
- بين الشراكة والخذلان الموقف الروسي أتجاه ايران
- أيران بين المعارضة والدعم الشعبي في ظل العدوان الإسرائيلي


المزيد.....




- -اكتفيت إلى هنا-.. دانا مارديني تعلن اعتزالها -كممثلة في مجا ...
- اليابان: رئيس الوزراء ينوي البقاء في منصبه بعد توقعات بهزيمة ...
- إسرائيل تأمر الفلسطينيين في وسط غزة بالتوجه جنوبًا.. ومنتدى ...
- -آليات لأعداء الأمة-.. ضاحي خلفان يحذر من مخاطر الميليشيات و ...
- أزمة السويداء: ما الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه في سوريا؟
- إذا اندلعت حرب جديدة مع إيران.. ما الجديد في حسابات تل أبيب؟ ...
- ألمانيا ودول أوربية أخرى تستعد لبدء محادثات جديدة مع إيران
- طواف فرنسا: البلجيكي تيم ويلينس بطلا للمرحلة الخامسة عشرة
- غزة تتضور جوعا.. قصة أقسى حصار وتجويع في التاريخ الحديث
- دمشق تعلن تهدئة الأوضاع في السويداء وقلق أميركي من سياسات نت ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - المذهبيه وأثرها السلبي على وحدة الشعوب الاسلامية