أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - العقيدة الشخصية. بين الحرية الفردية وأحترام الأخرين والمجتمع














المزيد.....

العقيدة الشخصية. بين الحرية الفردية وأحترام الأخرين والمجتمع


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8394 - 2025 / 7 / 5 - 08:18
المحور: قضايا ثقافية
    


في عالم يتسارع نحو التنوع والانفتاح، تبرز العقيدة الشخصية كأحد أعمق تجليات حرية الإنسان، وأشدها خصوصية. فالعقيدة ليست مجرد اختيار ديني، بل هي موقف داخلي يعكس نظرة الإنسان إلى الحياة والوجود والقيم. ولهذا، فإن احترام حرية الفرد في اعتناق ما يشاء من معتقدات، أو حتى عدم اعتناق أي معتقد، يُعد من الركائز الأساسية للمجتمعات المتحضرة. في صميم الكرامة الإنسانية تكمن حرية العقيدة، تلك الحرية التي تمثل أحد أكثر أوجه الحرية الشخصية خصوصية وعمقًا. فالعقيدة ليست مجرد انتماء ديني ظاهر، بل هي امتداد للفكر، والوجدان، والضمير، وما يختاره الإنسان عن قناعة لما يؤمن به من قيم أو معتقدات. لقد أدركت المجتمعات المتقدمة أن احترام حرية الإنسان في الإيمان أو عدمه، وفي التعبير عن معتقده دون خوف أو قيد، هو أساس الاستقرار الاجتماعي والتعايش السلمي. ولذلك، سعت معظم دساتير الدول، وكذلك المواثيق الدولية، إلى تكريس حرية العقيدة كحق مكفول لا يجوز المساس به. تنص المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 على أن "لكلِّ شخص الحقُّ في حرية التفكير والضمير والدين؛ ويشمل هذا الحقُّ حريةَ تغيير دينه أو معتقده، وحريةَ الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر، سواء أكان ذلك سرًّا أم جهرًا، منفردًا أم مع جماعة". كما جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 في المادة ذاتها تأكيد على أن "لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في اعتناق دين أو معتقد يختاره"، وهو ما يعزز أن حرية العقيدة ليست مجرد مسألة أخلاقية، بل هي حق قانوني دولي واجب الحماية. وعلى المستوى العربي، أقرت العديد من الدساتير حرية المعتقد بدرجات متفاوتة، وإن كانت بعض النصوص تقيدها بقيود تتعلق بالدين الرسمي للدولة أو بالحفاظ على النظام العام. فمثلًا، ينص الدستور التونسي لعام 2014 في فصله السادس على أن "الدولة راعية للدين... وهي ضامنة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية"، بينما يؤكد الدستور المغربي لعام 2011 في فصله الثالث أن "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية". أما الدستور الأردني لعام 1952 فينص في مادته الرابعة عشرة على أن "تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقًا للعادات المرعية، ما لم تكن مخلة بالنظام العام أو منافية للآداب"، ما يعكس سعي الأنظمة القانونية العربية إلى تحقيق توازن دقيق بين حماية الحريات الفردية واحترام الخصوصية الثقافية والدينية للمجتمع. غير أن هذا التقدم القانوني لا ينعكس دائمًا في الواقع الاجتماعي، إذ لا تزال حرية العقيدة في كثير من المجتمعات تصطدم بجدران من الأعراف الضاغطة والتقاليد المتجذرة. فالفرد الذي يعتنق معتقدًا مختلفًا أو يختار التخلي عن معتقده السائد غالبًا ما يُواجه بنبذ مجتمعي أو عزلة أو حتى تهديد مباشر، ما يطرح تساؤلًا جوهريًا: كيف نحمي حرية العقيدة دون أن نخل بتماسك المجتمع؟ الجواب يكمن في ترسيخ ثقافة الاحترام المتبادل، وفي إدراك أن التعايش لا يعني التماثل، بل هو قبول التنوع كقيمة أصيلة. فالإيمان، حين يكون نابعًا من قناعة حرة، يكون أصدق وأعمق من ذلك الذي يُفرض بالإكراه أو الخوف. والمجتمع الواعي لا يُقاس بمدى تطابق أفراده، بل بقدرته على التعدد، واحتضان الاختلاف دون خوف أو إقصاء. العقيدة الشخصية شأن داخلي، لا يجوز أن يُخضع للمحاسبة الاجتماعية أو القانونية طالما لم يُستخدم للإضرار بالآخرين. فحرية المعتقد ليست تهديدًا لوحدة المجتمع، بل دليل على نضجه، واحترامه للفرد بوصفه كائنًا حرًّا وعاقلًا. إن حماية هذا الحق تتطلب منا أن نُربي أبناءنا على التسامح، وأن نُحصن قوانيننا من كل ما يقيّد الضمير، وأن نُبقي باب الحوار مفتوحًا، لا باب الإكراه. فبهذا فقط، نضمن مجتمعًا أكثر عدلًا، وإنسانية، وسلامًا.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضابطة التي ودعت الحلم على الأسفلت
- هل تتخلى إيران عن اذرعها في العراق ضمن صفقة مع أمريكا؟
- هل تتخلى إيران عن أذرعها في العراق مقابل صفقة مع أمريكا؟
- ترامب والحرب الإسرائيلية الإيرانية: حرب إعلامية بغطاء ناري و ...
- أزدواجية المصالح عند ترامب
- أيران تكشر عن أنيابها عندما ضربت في الصميم وتفرجت عندما قتل ...
- -ما بعد الصواريخ: الشرق الأوسط بين نار الحرب وصمت الهزيمة-
- بين العناد الفارسي والخبث الأسرائلي كيف تنتهي الحرب بينهما؟
- بين الشراكة والخذلان الموقف الروسي أتجاه ايران
- أيران بين المعارضة والدعم الشعبي في ظل العدوان الإسرائيلي
- الشرق الأوسط بين ركام تحطيم أيران وطاولة التطبيع
- أمريكا والملف النووي الإيراني. سلطة القانون ام سلطة القوة
- صوت الشارع الأمريكي من المشاركة في الحرب الإسرائيلية الأيران ...
- هل نجحت اسرائیل في هجومها على أيران؟
- الأنحياز الأمريكي من حل الدولتين
- برد الشمال ....والدفئ المؤجل
- ماذا لو كنت انت غيرك؟
- الغربة موت مؤجل في الذاكرة
- الذكاء الاصطناعي ومستقبل التعليم والتعلم
- مدينة خلقها العوز واستغلتها السلطة


المزيد.....




- تامر حسني يصدر ألبوم -لينا معاد- بعد أيام من التأجيل
- أحدث دويًا عاليًا.. مغامر قفز مظلي يرتطم بخطوط كهرباء قبل سق ...
- حظر التعامل مع -القرض الحسن- لحزب الله.. مبعوث أمريكا يعلق ع ...
- الجيش السوري يدخل السويداء والطيران الإسرائيلي يقصفه
- وفاة المؤثرة المغربية سلمى تيبو بعد عملية جراحية اضطرت لإجرا ...
- عيد ميلاد لامين يامال الـ18 يثير جدلا واسعا بحضور ذوي التقزم ...
- عواصف شديدة تسبب فيضانات عارمة في نيويورك ونيوجيرسي
- ألبانيزي تشيد بمؤتمر بوغوتا حول فلسطين: أهم تطور سياسي خلال ...
- العدل ينتصر.. تأييد إدانة زعيم مافيا هدد الكاتب الإيطالي ساف ...
- في دراسة حديثة.. علماء يتنبؤون بـ-موعد- نهاية الكون!


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - العقيدة الشخصية. بين الحرية الفردية وأحترام الأخرين والمجتمع