أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحيم حمادي غضبان - الضابطة التي ودعت الحلم على الأسفلت














المزيد.....

الضابطة التي ودعت الحلم على الأسفلت


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 00:53
المحور: الادب والفن
    


في إحدى قرى الصعيد البسيطة، حيث يتعانق التراب مع الشمس وتُنسج الأحلام بخيوط التعب، وُلدت "نجاح". فتاة سمراء، طويلة القامة، ذات عينين واسعتين كأنهما تطلان على عالمٍ أكبر من قريتها الصغيرة. كانت في السابعة عشرة من عمرها، لكنها تحمل بداخلها عمر امرأة تعرف ماذا تريد.

منذ صغرها، بدت مختلفة. كانت شديدة التنظيم، لا يسبقها أحد إلى المدرسة، ولا تُفوّت واجبًا مهما بلغت الظروف. أساتذتها يتحدثون عنها بإعجاب، ويقولون إنها "المُعلّمة الصغيرة"، لما تبديه من التزام وثقة. كانت تحفظ جدولها اليومي بدقة، توزّع وقتها بين الدراسة، ومساعدة إخوتها، وأعمال البيت، ولا تشتكي.

في المدرسة، لم تكن فقط مجتهدة، بل كانت مرجعًا لزميلاتها. تُراجع لهن الدروس، وتشرح لهن المسائل الصعبة بصبر وتفانٍ. لم تكن تتعالى عليهن رغم تفوقها، بل كانت ترفع من معنوياتهن وتشارك كتبها وأقلامها مع من لا يملكون. في إحدى الحصص، حين غابت المعلمة فجأة، تقدّمت إلى السبورة وقالت بابتسامتها الواثقة:
"ما دام الحلم كبير، لازم نكبر قدّه."
ضحكت الطالبات، لكنها شرحت لهن درس الرياضيات كأنها معلمة محترفة.

أما في البيت، فكانت الأم تستند عليها في كل شيء. تفيق قبل الجميع، تُحضّر الفطور، تنظف البيت، وتوقظ إخوتها الصغار بحنان الأم وصرامة الأخت الكبرى. لم تكن تؤمن بأن الفقر عذرٌ للكسل، بل كانت ترى في البساطة حافزًا للنجاح. كانت تقول دومًا:
"مش لازم نعيش أغنياء... بس لازم نعيش بكرامة."
تساعد أمها في الخَبز وغسل الثياب، وتعمل مع والدها في الحقل أحيانًا دون كلل. كانت شعلة نشاط لا تنطفئ.

كانت تحب قراءة الكتب عن النساء الرائدات، وتحتفظ في دفاترها بصور لضابطات شرطة وقائدات. حلمها كان واضحًا: أن تلتحق بكلية الشرطة، وترتدي زيّها بكل فخر، وتخدم بلدها، وتُثبت أن ابنة الصعيد ليست أقل من أحد.

عندما انتهت من الصف الخامس الثانوي بتفوق، قررت أن تستغل العطلة الصيفية في العمل بأحد المعامل الأهلية. لم يكن الهدف فقط كسب المال، بل أرادت أن تُشارك في عبء الأسرة، وتثبت لوالدها أنها تستحق كل ما ضحّى من أجله.

في صباح ذلك اليوم، أعدّت الإفطار كعادتها، وضعت الشاي في القارورة، وجهّزت لنفسها سندويتش الجبنة وبعض الفطير. قبّلت والدتها وإخوتها، وتوقفت أمام والدها طويلًا، كأنها تودّعه للمرة الأخيرة. قال لها ممازحًا:
"خلي بالك يا ضابطتنا."
ابتسمت، وردّت بثقة:
"من عيوني، يا بابا."

ركبت الحافلة مع زميلاتها، وكان الجو مفعمًا بالضحك والأغاني. كان المشهد كله أشبه برحلة بريئة تحمل الحلم في حقيبة، والطموح في القلب.

لكن القدر كان أسرع.

ظهرت شاحنة ضخمة فجأة، فقد سائقها السيطرة، فاصطدمت بالباص. كانت لحظة فوضى... صراخ، دماء، صمت.

وسط الركام، كانت "نجاح" لا تزال تتنفس. نقلوها إلى المستشفى، وعندما سألها الأطباء عن اسمها، لم تستطع أن تنطق سوى:
"أنا... الضابطة نجاح."
وابتسمت.

ثم أغمضت عينيها، وكأنها سلّمت حلمها لربّ السماء.

وصل الخبر إلى بيتها. بكت الأم، وجثا الأب على ركبتيه، وسقط دفتر أحلامها من بين كتبها، فُتح تلقائيًا على الصفحة الأولى، حيث كتبت بخط صغير ومائل:
"أنا نجاح، بنت الصعيد، هبقى ضابطة، وأشيل اسم أبويا فوق راسي."

واليوم، على مدخل مدرستها، كتبوا:
"هنا درست الضابطة نجاح – شهيدة الحلم."

رحلت "نجاح"، لكن سلوكها، وحلمها، وسيرتها، أصبحت درسًا يُدرَّس:
أن الحلم لا يقاس بالسن، ولا يحدّه الفقر، وأن روح فتاة واحدة... قد تترك أثرًا أعمق من عمرٍ بأكمله.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تتخلى إيران عن اذرعها في العراق ضمن صفقة مع أمريكا؟
- هل تتخلى إيران عن أذرعها في العراق مقابل صفقة مع أمريكا؟
- ترامب والحرب الإسرائيلية الإيرانية: حرب إعلامية بغطاء ناري و ...
- أزدواجية المصالح عند ترامب
- أيران تكشر عن أنيابها عندما ضربت في الصميم وتفرجت عندما قتل ...
- -ما بعد الصواريخ: الشرق الأوسط بين نار الحرب وصمت الهزيمة-
- بين العناد الفارسي والخبث الأسرائلي كيف تنتهي الحرب بينهما؟
- بين الشراكة والخذلان الموقف الروسي أتجاه ايران
- أيران بين المعارضة والدعم الشعبي في ظل العدوان الإسرائيلي
- الشرق الأوسط بين ركام تحطيم أيران وطاولة التطبيع
- أمريكا والملف النووي الإيراني. سلطة القانون ام سلطة القوة
- صوت الشارع الأمريكي من المشاركة في الحرب الإسرائيلية الأيران ...
- هل نجحت اسرائیل في هجومها على أيران؟
- الأنحياز الأمريكي من حل الدولتين
- برد الشمال ....والدفئ المؤجل
- ماذا لو كنت انت غيرك؟
- الغربة موت مؤجل في الذاكرة
- الذكاء الاصطناعي ومستقبل التعليم والتعلم
- مدينة خلقها العوز واستغلتها السلطة
- الأتفاقيات والمعاهدات والفرق بينهما


المزيد.....




- الجمعة.. انطلاق نادي السينمائيين الجدد في الرياض
- غدا.. اجتماع اللجنة الفنية للسياحة العربية بمقر الجامعة العر ...
- “مبروك لجميع الطلاب ” رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور ...
- مذكرة تفاهم رباعية لضمان التمثيل القانوني المبكر للأحداث بين ...
- ضحك طفلك طول اليوم.. تردد بطوط على القمر الصناعي لمتابعة الأ ...
- الياباني أكيرا ميزوباياشي يفوز بالجائزة الكبرى للفرنكوفونية ...
- كيف تحولت شقة الجدة وسط البلد إلى مصدر إلهام روائي لرشا عدلي ...
- القهوة ورحلتها عبر العالم.. كيف تحولت من مشروب إلى ثقافة
- تاريخ اليهود والمسيحيين في مكة والمدينة حتى ظهور الإسلام
- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لكل التخصصات “تجاري، زراعي، ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحيم حمادي غضبان - الضابطة التي ودعت الحلم على الأسفلت