رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)
الحوار المتمدن-العدد: 8403 - 2025 / 7 / 14 - 00:13
المحور:
المجتمع المدني
العلمانية في المجتمعات الإسلامية والشرقية تُطرح في الخطاب العام بوصفها مبدأ فصل الدين عن الدولة، وهو التفسير الظاهري الذي يُروج له بين الأغلبية، غير أن هذا الطرح لا يعكس إلا السطح الخارجي للفكرة، بينما يكمن في عمقها مشروع أوسع وأكثر تأثيرًا، وهو نقل الأفكار الغربية إلى هذه المجتمعات بشكل تدريجي وممنهج، وذلك بهدف إعادة تشكيل البنية الفكرية والاجتماعية والثقافية فيها، لا سيما في ما يتعلق بالثوابت الدينية والأخلاقية التي يقوم عليها الدين الإسلامي. فالقيم الكبرى مثل الصدق والأمانة والعفاف والشرف، لم تعد تُطرح بوصفها مبادئ راسخة في ضمير الأمة وهويتها، بل يُعاد تعريفها ضمن سياقات نسبية، قد تُفرغها من مضمونها وتُحولها إلى مجرد خيارات شخصية لا صلة لها بالعقيدة أو الواجب الجمعي. بهذا التحول، تُصبح المجتمعات أكثر تقبّلًا للأفكار والقيم الوافدة، حتى وإن كانت مناقضة للدين الإسلامي وثوابته، بل تُقدم هذه القيم الغربية أحيانًا تحت لافتات براقة مثل الحرية والتحديث والتقدم، في حين أن جوهرها في كثير من الأحيان يتناقض مع الفطرة السليمة وروح الشريعة. إن ما يُخشى منه في هذا السياق هو أن يتحول الإنسان المسلم، دون أن يشعر، إلى كائن مُغترب عن دينه وهويته، يستقي قيمه من ثقافات لا تشبهه، ويُعيد ترتيب أولوياته وفق ما يُملى عليه من منظومات فكرية خارجية، مما يُضعف التماسك الأسري ويُشوّه التصورات الأخلاقية، ويفتح الباب أمام أنماط من السلوك والتفكير تتعارض جذريًا مع تعاليم الإسلام. العلمانية ليست مجرد تنظيم إداري لشؤون الحكم، بل هي منظومة فكرية تحمل في طياتها مشروعًا أيديولوجيًا يُعيد تعريف الدين وأدواره في المجتمع، ويسعى إلى إحلال نموذج ثقافي جديد محل النموذج الإسلامي الأصيل، ولهذا فإن التعامل معها يتطلب وعيًا عميقًا لا يتوقف عند المظاهر، بل يغوص في المضامين، ويميز بين التجديد المشروع الذي يتسق مع مقاصد الشريعة، والتغريب الذي يُعيد صياغة هوية الأمة على غير ما أراد الله لها.
#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)
Raheem_Hamadey_Ghadban#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟