رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)
الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 01:59
المحور:
المجتمع المدني
إنّ في تقلبات الحياة وتعاقب الأيام ما يكشف عن نزعات النفس البشرية التي تتأرجح بين الخير والشر، بين الصفح والانتقام، بين السلم والنزاع، وتظهر في المجتمعات صور متعددة من الخصومة والعداوة والنزاع، تلك الحالات التي ما دخلت بيتاً إلا نزع الله منه الطمأنينة، وما فرّقت بين أخوين إلا ومزقت وشائج القربى، وما حلت بين جارين أو صديقين إلا وزرعت القلق والتوجس والقلوب الموصدة، وليس ثمة أمر يهدد سلام الإنسان وطمأنينته كاستمرار التنازع والخصام الذي يأكل العمر ويضعف الوعي ويشوّه الروح، ولقد أظهرت التجارب أن الخصومة مهما علت أسبابها، والعداوة مهما كانت شديدة، فإن مردّها إلى خراب داخلي، وخسارة نفسية، وتشويه جماعي، فكم من خصام على كلمة أفسد عمراً، وكم من نزاع على تافه أدى إلى القطيعة والدمار، وكم من عداوة بلا سبب سوى الغرور والكِبر أورثت المجتمعات سلسلة من الكراهية لا تنتهي، وفي خضم هذا الواقع تأتي المودة والتراضي والصلح كأبهى تجليات السلوك الإنساني الراقي، وكصورة من صور النضج الذي يجعل الإنسان يسمو فوق الأذى ويترفّع عن المهاترة، فالمودة ليست ضعفاً بل شجاعة، والتراضي ليس خنوعاً بل وعي، والصلح ليس تنازلاً بل حكمة، وكل مجتمع لا يبني أسسه على ثقافة الصلح والتراضي محكوم عليه بالتفتت، إذ لا قوانين ولا أنظمة تعوّض عن غياب القلوب المتصالحة والنفوس التي تسامح، وإنه لَمن المؤلم أن يغدو الخلاف هو الأصل، وأن يصبح الشك سيد العلاقات، وأن نغفل عن أن الله ما أرسل الأنبياء إلا ليصالحوا بين الإنسان ونفسه، بينه وخالقه، وبينه وبين الناس، فالخصومة حين تكون من أجل الباطل هي خصومة مع الحق نفسه، والعداوة التي تُورَث وتُغذّى لا تختلف عن النار التي يُلقى بها في الحطب، والنزاع الذي يستمر ويتكرس يصبح أسلوباً للعيش لا للحل، في حين أن الأصل في الإنسان أن يعيش بسلام، وأن يسعى في الأرض بالإصلاح، وأن يجعل من عفوه ذخراً، ومن مروءته سبيلاً، وإننا لو زرعنا ثقافة المودة في بيوتنا، ولو تعلمنا فن التنازل لا الذل، وفقه التسامح لا الغفلة، وعظمة الاحتواء لا السيطرة، لأثمرت حياتنا استقراراً لا توتر، ومحبة لا ريبة، ولأصبح كل نزاع درساً، لا قيداً، وكل خصومة تجربة لا عثرة، وكل عداوة تاريخاً يُنسى لا جرحاً يُورّث، فالمودة لا تُشترى، لكنها تُمنح، والتراضي لا يُفرض، لكنه يُبنى، والصلح لا يُنتزع بالقوة، بل يورق بالنية الصادقة، وهنا يكمن جوهر الحياة الكريمة، حياة يسودها الأمن لا الخوف، والسلام لا الحرب، والصفح لا الانتقام، حياة يتساوى فيها القلب والعقل في تقرير مصائر العلاقات، فلا نُساق بعاطفة الكره ولا بجنون الغضب، بل نمشي على صراط الإنسانية حيث الحب هو الأصل، والتسامح هو اللغة، والصلح هو المصير.
#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)
Raheem_Hamadey_Ghadban#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟