أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الأمن القومي في زمن السيادة الرقمية: الذكاء الاصطناعي والخوارزميات كحدود جديدة للتهديد والسيطرة














المزيد.....

الأمن القومي في زمن السيادة الرقمية: الذكاء الاصطناعي والخوارزميات كحدود جديدة للتهديد والسيطرة


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8406 - 2025 / 7 / 17 - 11:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
لطالما ارتبط مفهوم الأمن القومي بتلك الإجراءات والتدابير التي تتخذها الدول لضمان سلامة أراضيها وسيادتها ومؤسساتها في مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية، سواء كانت عسكرية، سياسية، أو اقتصادية. غير أن التحولات الجذرية التي شهدها العالم في العقود الأخيرة، نتيجة الثورة الرقمية الهائلة، وانفجار قدرات الذكاء الاصطناعي، فرضت إعادة تعريف هذا المفهوم وجعلته أكثر تعقيدًا وتشعبًا من أي وقت مضى. فقد أصبح الأمن القومي لا يقتصر على حراسة الحدود أو حماية المؤسسات، بل امتد ليشمل الفضاء السيبراني، وحماية البيانات، والسيطرة على التدفقات المعلوماتية، ومراقبة الخوارزميات التي تتحكم في أنماط التفكير، واتخاذ القرار، وسلوك المواطنين.

في العصر الرقمي، لم تعد الحروب تُخاض فقط بالأسلحة التقليدية، بل باتت تُشن في الفضاء السيبراني، من خلال الهجمات الإلكترونية، وسرقة البيانات، وزرع البرمجيات الخبيثة، والتحكم في البنى التحتية الحيوية عن بعد. كما أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي أدوات لتأجيج الرأي العام، وبث الإشاعات، وتهديد الاستقرار الداخلي، في ما يُعرف بـ"حروب الجيل الخامس". وهذا ما جعل حماية الفضاء الرقمي ركيزة من ركائز الأمن القومي، تتطلب بنى تحتية رقمية مؤمّنة، وتدابير تشريعية صارمة، وقدرات استخباراتية متقدمة قادرة على الرصد المبكر والتصدي السريع.

ولعل الذكاء الاصطناعي يمثل التحدي الأكبر أمام الأمن القومي في القرن الحادي والعشرين. فهذه التقنية القادرة على التعلم الذاتي، وتحليل كميات هائلة من البيانات في وقت قياسي، تُستخدم اليوم في تطوير نظم الأسلحة الذكية، والمراقبة المتقدمة، وصناعة القرار السياسي والعسكري. وفي المقابل، يمكن توظيفها أيضًا من قبل جهات معادية أو فاعلين غير حكوميين لشن هجمات رقمية دقيقة، أو تضليل الرأي العام، أو اختراق الخصوصيات السيادية. الأسوأ من ذلك أن بعض الدول الكبرى باتت تمتلك القدرة على استخدام الذكاء الاصطناعي في صياغة استراتيجيات هيمنة غير تقليدية، تقوم على احتكار البيانات والتحكم في الأنظمة الخوارزمية التي تُوجّه سلوك الأفراد والدول معًا.

أما الخوارزميات، فتُعدّ اليوم قلب النظام المعلوماتي العالمي، وهي تحدد ما نراه ونقرأه ونصدقه، مما يمنحها قوة غير مسبوقة في إعادة تشكيل الإدراك العام وتوجيه الخيارات الفردية والجماعية. وهنا تكمن الخطورة: إذ يمكن لخوارزميات مضلّلة أو مصممة بشكل منحاز أن تزعزع الأمن الثقافي والمعرفي للدول، وتغرس الانقسامات الاجتماعية، وتُضعف تماسك الهوية الوطنية. ومن ثمّ، لم يعد من الممكن تصور الأمن القومي بمعزل عن التحكم في الخوارزميات ومساءلتها أخلاقيًا وقانونيًا، وفرض رقابة سيادية على نظم الذكاء الاصطناعي المدمجة في كل مناحي الحياة.

لقد أصبح الأمن القومي في العصر الرقمي مرهونًا بقدرة الدول على بناء سيادة رقمية، قوامها حماية البيانات الوطنية من الاختراق أو التلاعب، وتطوير صناعات تكنولوجية محلية منافسة، وصياغة منظومات تشريعية تواكب التحديات الجديدة. كما يتطلب الأمر تعاونًا دوليًا فعالًا لضبط استخدام الذكاء الاصطناعي، ومنع انزلاقه إلى سباقات تسلّح غير خاضعة للضوابط، قد تُهدد الأمن العالمي بأكمله.

إن المستقبل يضع الدول أمام معادلة جديدة: من لا يمتلك المعرفة الرقمية والذكاء الاصطناعي والسيطرة على الخوارزميات، سيفقد القدرة على الدفاع عن نفسه، وعلى ضمان أمنه واستقراره واستقلاله. ومن هنا، فإن الأمن القومي لم يعد شأناً عسكريًا فقط، بل أصبح قضية حضارية شاملة تمسّ جوهر الدولة الحديثة ومصيرها في عالم يعيد تشكيل ذاته تحت سيطرة البيانات والآلات الذكية.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة في مواجهة الزمن : قراءة عميقة في تحولات العقل الأورو ...
- الفاتيكان والسردية الاستعمارية: من بركات الغزو إلى مباركة ال ...
- العلمنة النقدية في فكر محمد أركون: بين تحرير المقدّس ونقد ال ...
- هندسة السمعة في عصر الذكاء الاصطناعي : من الإدراك البشري إلى ...
- ما وراء اللفظ: نظرية الصفر اللغوي ومقامات الإعجاز في القرآن
- ما بعد العقل البشري: الذكاء الفائق كأزمة حضارية شاملة
- العنف المؤسِّس: الجذور النظرية للمركزية الغربية وبنية الهيمن ...
- الدوغمائية: سجون العقل ومأزق الإنسان أمام الحقيقة
- هندسة العقل الحديث: ريشنباخ وبناء الفلسفة العلمية المعاصرة
- العالم عند مفترق الطرق: صراعات الديمقراطية والتكنولوجيا واله ...
- ضياع المعنى وتشظي الانتماء: الهوية في مرايا ما بعد الحداثة
- من تأسيس العقل إلى تفكيك الذات: تحولات الفلسفة الأوربية من ا ...
- تحولات الاقتصاد السياسي في عصر الذكاء الاصطناعي : نهاية العم ...
- الذات والعدم : كيركيجارد والجذور الوجودية للفكر الحديث
- الهوية الأوروبية وصناعة المركز: جذور التفوق وبنية الهيمنة
- قوة الأخلاق في زمن التشظي: الدولة المسلمة بين الواجب والرسال ...
- الدولة والفلسفة: من بناء المفاهيم إلى صناعة المجتمعات
- سردية المقاومة: حصن الأمة الأخير في زمن الهيمنة والتطبيع
- المعتزلة واحتدام العقل والعقيدة: رحلة في قلب الخلافات الكلام ...
- فلسفة المعرفة العلمية: تفكيك اليقين وبناء المعنى في عالم متغ ...


المزيد.....




- اغتصبها -رئيس وزراء معروف جدا-.. مزاعم تكشفها نسخة أمريكية م ...
- سُكب بنزين عليه وأُحرق بالنار.. كلمات مؤثرة لمسؤول بأول يوم ...
- تطبيق للتوصيل في أنغولا يقدّم -كل شيء- في كل مكان
- هجوم جديد على مطار الخرطوم والإمارات تدعو لوقف القتال وانتقا ...
- حرص أمريكي لاستمرار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.. لماذا؟
- قوات الأمن السورية تشن عملية تستهدف جهاديين فرنسيين في -فرقة ...
- جاي دي فانس: يجب على حماس الالتزام بالاتفاق وإلا..؟
- إهتمام متزايد بالتصاميم الخضراء داخل المنازل التونسية رغم ند ...
- ماكرون يتحدث من جديد عن إصلاح نظام التقاعد في فرنسا.. فماذا ...
- ضغوط أمريكية على إسرائيل لوقف التصعيد والالتزام باتفاق وقف إ ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الأمن القومي في زمن السيادة الرقمية: الذكاء الاصطناعي والخوارزميات كحدود جديدة للتهديد والسيطرة