أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - العلمنة النقدية في فكر محمد أركون: بين تحرير المقدّس ونقد النقد














المزيد.....

العلمنة النقدية في فكر محمد أركون: بين تحرير المقدّس ونقد النقد


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 08:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د.حمدي سيد محمد محمود
يُعدّ محمد أركون أحد أبرز المفكرين الذين سعوا إلى إعادة قراءة الفكر الإسلامي ضمن أفق الحداثة النقدية والعلوم الإنسانية المعاصرة. وقد تمحور مشروعه حول ما سمّاه "العلمنة النقدية"، التي لا تختزل في مجرد فصل الدين عن الدولة على النموذج الغربي، وإنما تسعى إلى تحرير العقل الإسلامي من البُنى الذهنية المغلقة التي أنتجتها القراءات الأرثوذكسية للنصوص الدينية عبر قرون طويلة. فالعلمنة عند أركون ليست موقفًا ضد الدين، بل أداة تحليلية ومنهجية تهدف إلى مساءلة أنظمة إنتاج المعنى داخل المنظومة الدينية، والكشف عن الآليات الرمزية والسلطوية التي تجعل من المقدّس حصنًا ضد النقد والتاريخ.

ومنهجيًا، ينطلق أركون من توظيف أدوات معرفية متعددة مثل الأركيولوجيا المعرفية، وتفكيك الخطاب، وأنثروبولوجيا المقدّس، مستلهمًا في ذلك أعمال فوكو، دريدا، وليفي ستروس. وبهذه الأدوات، سعى إلى بناء "تاريخ نقدي للعقل الإسلامي"، يبيّن كيف تم إقصاء تيارات عقلانية كالمعتزلة والفلاسفة، وتكريس قراءات أحادية للنص، حوّلت الدين إلى خطاب سلطوي محكوم بثنائية الحلال والحرام، والفرقة الناجية والضالة.

إلا أن مشروع أركون، رغم جرأته وتفرده، لم يخلُ من انتقادات واسعة ومتنوعة. أولى هذه الانتقادات تمثلت في اتهامه بأنه أعاد إنتاج النموذج الغربي في مقاربة الدين، وإن بشكل غير مباشر. فالكثير من منتقديه، لا سيما من داخل العالم الإسلامي، رأوا أن استلهامه العميق للفكر الغربي – دون تأصيل كافٍ في السياق الإسلامي – أوقعه في انفصال عن الواقع الديني والاجتماعي للمجتمعات الإسلامية. وقد وُصفت علمنته بأنها نخبوية ونظرية أكثر من كونها مشروعًا عمليًا قابلًا للتطبيق.

كما وُجه له نقد حاد من قبل مفكرين تقليديين وإسلاميين، على خلفية تفكيكه للمقدس الديني واعتباره منتجًا تاريخيًا وثقافيًا، وهو ما رُئي أنه يهدد بإزالة الهيبة عن النص القرآني والتقليل من قيمته الروحية المتعالية. في هذا السياق، وُصم مشروعه من قبل خصومه بأنه محاولة لعلمنة الإسلام بدلًا من أسلمته، واعتُبر تقويضًا لثوابت العقيدة باسم النقد.

في المقابل، جاءت انتقادات أخرى من خارج التيار الديني التقليدي، وتحديدًا من بعض المفكرين العلمانيين، الذين رأوا أن أركون رغم حداثيته الظاهرة، لم يستطع أن يتحرر كليًا من إرثه الإسلامي، وظلّ يحمل في طيات مشروعه نزعة "مصالِحية" تحاول التوفيق بين الدين والعقلانية الحديثة، وهي محاولة يراها بعضهم عقيمة أو تلفيقية.

وقد أُخذ عليه أيضًا تعقيد لغته وغموض أسلوبه، حيث اعتمد كثيرًا على المصطلحات الفرنسية والفكر الفلسفي الغربي، ما جعل أفكاره بعيدة عن المتلقي العربي العادي، وأحيانًا حتى عن المتخصص، مما حدّ من انتشار مشروعه بشكل جماهيري. كما رأى البعض أن رهانه على أنثروبولوجيا المقدس لم يكن دائمًا دقيقًا، لأنه أسقط نماذج تفسيرية غربية على بيئة دينية ذات خصوصية مختلفة، مما جعله في نظرهم ينزلق أحيانًا إلى تعميمات أنثروبولوجية تفقد السياق المحلي أهميته.

ومع كل هذه الانتقادات، يبقى مشروع محمد أركون علامة فارقة في الفكر العربي المعاصر، من حيث محاولته الجريئة في تحرير الدين من أَسْرِ السرديات السلطوية، وفتح باب العقل النقدي أمام النصوص المغلقة، وزعزعة المسكوت عنه في تاريخ الفكر الإسلامي. لقد قدّم أركون ما يمكن وصفه بـعلمنة تحريرية، تستهدف ليس القضاء على الدين، بل إعادته إلى ساحة النقاش العقلي والتاريخي والإنساني، من أجل بناء فضاء معرفي متعدد، يتجاوز الانغلاق الدوغمائي والانبهار الاستلابي بالغرب في آن واحد.

وإذا كان مشروع أركون لم يكتمل، ولم يتم استيعابه شعبيًا أو مؤسساتيًا، فإن قيمته تكمن في كونه محاولة فلسفية فكرية تأسيسية، فتحت الباب لأسئلة جديدة حول الدين، العقل، الحداثة، والتأويل. وهي أسئلة لا تزال قائمة، وتزداد إلحاحًا في ظل صعود الأصوليات من جهة، وتآكل المشروع الحداثي من جهة أخرى.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هندسة السمعة في عصر الذكاء الاصطناعي : من الإدراك البشري إلى ...
- ما وراء اللفظ: نظرية الصفر اللغوي ومقامات الإعجاز في القرآن
- ما بعد العقل البشري: الذكاء الفائق كأزمة حضارية شاملة
- العنف المؤسِّس: الجذور النظرية للمركزية الغربية وبنية الهيمن ...
- الدوغمائية: سجون العقل ومأزق الإنسان أمام الحقيقة
- هندسة العقل الحديث: ريشنباخ وبناء الفلسفة العلمية المعاصرة
- العالم عند مفترق الطرق: صراعات الديمقراطية والتكنولوجيا واله ...
- ضياع المعنى وتشظي الانتماء: الهوية في مرايا ما بعد الحداثة
- من تأسيس العقل إلى تفكيك الذات: تحولات الفلسفة الأوربية من ا ...
- تحولات الاقتصاد السياسي في عصر الذكاء الاصطناعي : نهاية العم ...
- الذات والعدم : كيركيجارد والجذور الوجودية للفكر الحديث
- الهوية الأوروبية وصناعة المركز: جذور التفوق وبنية الهيمنة
- قوة الأخلاق في زمن التشظي: الدولة المسلمة بين الواجب والرسال ...
- الدولة والفلسفة: من بناء المفاهيم إلى صناعة المجتمعات
- سردية المقاومة: حصن الأمة الأخير في زمن الهيمنة والتطبيع
- المعتزلة واحتدام العقل والعقيدة: رحلة في قلب الخلافات الكلام ...
- فلسفة المعرفة العلمية: تفكيك اليقين وبناء المعنى في عالم متغ ...
- القرآن الناطق بالعقل: الجذور التأسيسية لعلم الكلام الإسلامي
- غرس الانقسام : كيف أعاق الكيان الصهيوني وحدة الأمة العربية
- في رحاب الوعي: من ديكارت إلى هايدغر، ومن سبينوزا إلى هوسرل


المزيد.....




- ريانا تُحوّل السجادة الزرقاء إلى عرض أزياء عائلي وتستعرض حمل ...
- فضيحة محرقة الجثث.. رماد مزيف وجثث متعفنة تشعل حالة صدمة بال ...
- مصر.. أول تعليق من السيسي على تصريحات ترامب حول أزمة سد النه ...
- الجيش السوري يدخل مدينة السويداء وإسرائيل تستهدفه
- أعلى محكمة ألمانية ترفض شكوى بشأن هجوم مسيرة أميركية باليمن ...
- المغرب: فرصة ثانية.. عودة الشباب الى مقاعد الدراسة
- هل دخلت قوات الأمن السورية إلى مدينة السويداء؟
- العراق.. مريض يعزف على العود خلال عملية جراحية!
- الجيش الإسرائيلي يقصف القوات الحكومية السورية في السويداء وا ...
- ما تأثير انسحاب حزب يهدوت هتوراه من الائتلاف الحاكم في إسرائ ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - العلمنة النقدية في فكر محمد أركون: بين تحرير المقدّس ونقد النقد