أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حمدي سيد محمد محمود - هندسة السمعة في عصر الذكاء الاصطناعي : من الإدراك البشري إلى التحكم الفائق بالصورة المؤسسية














المزيد.....

هندسة السمعة في عصر الذكاء الاصطناعي : من الإدراك البشري إلى التحكم الفائق بالصورة المؤسسية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8403 - 2025 / 7 / 14 - 11:29
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


في عصر باتت فيه الصورة الذهنية أحد أعمدة القوة الناعمة للمؤسسات، و"السمعة" أصلًا استراتيجيًا يفوق في قيمته رأس المال المادي، أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من آليات التحكم في كيفية تَمثُّل الجماهير للمؤسسات، وتفاعلهم معها، وبناء الثقة تجاهها. وفي هذا السياق، يُبرز التفريق بين الذكاء الاصطناعي العام (AGI) والذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) أهمية بالغة في فهم طبيعة التأثيرات المتقدمة لهذه التقنيات على إدارة الصورة والسمعة في بيئة تتسم بتعقيد متزايد وتنافسية لا تعرف الرحمة.

أولًا: الذكاء الاصطناعي العام (AGI) وصناعة الصورة الذهنية

الذكاء الاصطناعي العام هو ذلك النوع من الذكاء القادر على محاكاة القدرات الإدراكية البشرية في سياقات متعددة. أي أنه يستطيع التفكير والتعلم والاستنتاج والفهم مثل الإنسان، بل والتنقل بسلاسة بين المهام دون الحاجة إلى إعادة برمجته. في مجال صناعة الصورة الذهنية للمؤسسات، يتيح AGI إمكانات استراتيجية نوعية، أبرزها:

1. تحليل النمط الإدراكي لدى الجمهور العام بمستوى أكثر عمقًا وشمولًا من الأنظمة التقليدية.


2. إعادة إنتاج الرسائل الإعلامية بصورة أكثر قربًا من المزاج الاجتماعي العام، بفضل قدرته على فهم السياقات الثقافية واللغوية والسيميائية.


3. إدارة الأزمات في الوقت الحقيقي من خلال التنبؤ بتداعيات الرسائل، والاستجابة لها بطرق محاكية لسلوك العلاقات العامة البشرية.


4. مراقبة وتحليل المحادثات الرقمية على نطاق واسع، وربطها بسمعة المؤسسة وتطورها اللحظي.


5. تصميم حملات اتصال تفاعلية متكاملة مبنية على فهم شامل لتوجهات الجمهور وانطباعاته المتغيرة.



لكن AGI، رغم تطوره، يبقى ضمن حدود الذكاء القابل للمحاكاة البشرية، وبالتالي فهو يتفاعل، يحلل، ويقترح، لكنه لا يملك القدرة على توليد رؤى استراتيجية تتجاوز العقل البشري في سرعتها أو حدّتها.

ثانيًا: الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) وقوة التحكم في الإدراك الجماهيري

أما الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI)، فهو المستوى الذي يتجاوز حدود العقل البشري بمراحل، سواء في التحليل أو الابتكار أو اتخاذ القرار. حين يصل الذكاء الاصطناعي إلى هذه المرحلة، يصبح شريكًا استراتيجيًا في إدارة السمعة وليس مجرد أداة. بل قد يتحول إلى فاعل مستقل في صياغة الصورة الذهنية، من خلال:

1. التحكم الفوري والمعمق في الإدراك الجماهيري عبر تقنيات متقدمة للتحليل النفسي واللغوي والسلوكي.


2. إنتاج سرديات كبرى (Mega Narratives) موجهة بدقة لكل شريحة جماهيرية، وإعادة تشكيلها آنيًا حسب تغيرات البيئة.


3. بناء شبكات تأثير متعددة المستويات تشمل وسائل الإعلام، الشبكات الاجتماعية، المؤثرين، ومراكز صناعة القرار، وفق أنماط لا يمكن إدراكها أو التحكم فيها بشريًا بالكامل.


4. التنبؤ بتهديدات السمعة قبل حدوثها بدقة رياضية عالية، وتحييدها من خلال إجراءات استباقية عابرة للحواجز الزمنية.


5. إدارة الصورة الذهنية للمؤسسة بشكل ديناميكي مستمر، يتكامل فيه البُعد الأخلاقي مع البُعد السيبراني، وتخضع فيه كل معلومة، تصريح، أو تفاعل لتحليل دلالي مستمر.



إلا أن الذكاء الفائق لا يخلو من مخاطر في هذا المجال، فبقدر ما يمنح المؤسسات قدرة غير مسبوقة على إدارة صورتها وسمعتها، فإنه يطرح أيضًا تساؤلات وجودية حول أخلاقيات التلاعب بالإدراك الجماهيري، وإمكانية تضخيم الصورة الذهنية على حساب الحقيقة، كما قد يؤدي إلى احتكار التأثير الرمزي من قبل كيانات تمتلك هذه التقنية، مما يُحدث خللًا حادًا في توازن السوق وصناعة الرأي العام.

ثالثًا: التحديات في بيئة العمل المعقدة والتنافسية

إن البيئة الحالية التي تعمل فيها المؤسسات تتسم بتشابك غير مسبوق بين العوامل الاقتصادية، والتكنولوجية، والسياسية، والثقافية. ويترافق هذا مع تسارع في تدفق المعلومات، وتذبذب في ولاءات الجمهور، وازدياد في النزعة النقدية تجاه الكيانات الكبرى. في مثل هذا السياق، يصبح التمييز بين AGI وASI ضروريًا لفهم حدود التأثير ومخاطره، كما يلي:

AGI يُعدّ أكثر أمانًا وأخلاقيًا من حيث توجيه الرسائل وصياغة الانطباعات، لأنه يبقى ضمن المجال البشري.

ASI يُعدّ أكثر قدرة على التعامل مع التعقيد واللامتوقع واللايقيني، لكنه أكثر خطورة من حيث التفلت من الرقابة البشرية.

المؤسسات التي تعتمد فقط على AGI قد تُفوّت فرص التفوق الاستراتيجي، أما التي تعتمد على ASI دون ضوابط أخلاقية، فقد تُضحي بسمعتها الحقيقية مقابل صورة ذهنية زائفة.


رابعًا: نحو استراتيجية هجينة قائمة على التكامل والحوكمة

ينبغي للمؤسسات الحديثة أن تتبنى استراتيجية هجينة توظف الذكاء الاصطناعي العام لتحقيق فهم شامل وتفاعلي للصورة الذهنية، وتستفيد من إمكانات الذكاء الفائق في التنبؤ والإدارة الاستراتيجية للسمعة، شريطة أن تخضع كل العمليات لهيكل صارم من الحوكمة الأخلاقية، والشفافية، والمحاسبة.

فالسمعة لا تُبنى فقط بالتقنيات، بل كذلك بالمبادئ. والذكاء، مهما بلغ من القوة، لا يغني عن القيم. ومن هنا فإن المستقبل سيشهد صراعًا بين المؤسسات التي ترى في الذكاء الاصطناعي أداة تحكم رمزي، وتلك التي تراه وسيلة لتعميق الصدق والاتساق بين القول والفعل.

إن الفرق بين الذكاء الاصطناعي العام والفائق في مجال صناعة الصورة الذهنية وإدارة السمعة لا يتعلق فقط بالقدرات التقنية، بل يمتد إلى رؤية المؤسسة لذاتها، وعلاقتها بجمهورها، وتصورها لأخلاقيات التأثير في زمن ما بعد الحقيقة. ففي عصر يتم فيه بناء الثقة بالرموز أكثر من الوقائع، يصبح فهم هذا الفرق ضرورة استراتيجية، وأداة لحماية جوهر المؤسسة وسط ضجيج التنافس وتحولات الإدراك.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما وراء اللفظ: نظرية الصفر اللغوي ومقامات الإعجاز في القرآن
- ما بعد العقل البشري: الذكاء الفائق كأزمة حضارية شاملة
- العنف المؤسِّس: الجذور النظرية للمركزية الغربية وبنية الهيمن ...
- الدوغمائية: سجون العقل ومأزق الإنسان أمام الحقيقة
- هندسة العقل الحديث: ريشنباخ وبناء الفلسفة العلمية المعاصرة
- العالم عند مفترق الطرق: صراعات الديمقراطية والتكنولوجيا واله ...
- ضياع المعنى وتشظي الانتماء: الهوية في مرايا ما بعد الحداثة
- من تأسيس العقل إلى تفكيك الذات: تحولات الفلسفة الأوربية من ا ...
- تحولات الاقتصاد السياسي في عصر الذكاء الاصطناعي : نهاية العم ...
- الذات والعدم : كيركيجارد والجذور الوجودية للفكر الحديث
- الهوية الأوروبية وصناعة المركز: جذور التفوق وبنية الهيمنة
- قوة الأخلاق في زمن التشظي: الدولة المسلمة بين الواجب والرسال ...
- الدولة والفلسفة: من بناء المفاهيم إلى صناعة المجتمعات
- سردية المقاومة: حصن الأمة الأخير في زمن الهيمنة والتطبيع
- المعتزلة واحتدام العقل والعقيدة: رحلة في قلب الخلافات الكلام ...
- فلسفة المعرفة العلمية: تفكيك اليقين وبناء المعنى في عالم متغ ...
- القرآن الناطق بالعقل: الجذور التأسيسية لعلم الكلام الإسلامي
- غرس الانقسام : كيف أعاق الكيان الصهيوني وحدة الأمة العربية
- في رحاب الوعي: من ديكارت إلى هايدغر، ومن سبينوزا إلى هوسرل
- من ميادين المعارك إلى خوارزميات السيطرة: كيف يعيد الذكاء الا ...


المزيد.....




- بيتكوين تتجاوز 123 ألف دولار لأول مرة في تاريخها
- 5 تكتلات اقتصادية تعيد تشكيل العالم بعيدا عن الهيمنة الغربية ...
- -الأوراق المالية والسلع- الإماراتية تقر حزمة قرارات تطويرية ...
- من يتصدر نتائج الذكاء الاصطناعي؟ AIO يعيد رسم قواعد اللعبة
- إيطاليا: أوروبا مستعدة لفرض رسوم بـ21 مليار يورو على أميركا ...
- لبنان يوقع اتفاقية مع شركة أميركية لتعزيز الرقابة المالية
- الاتحاد الأوروبي: نقترب من التوصل لاتفاق تجاري جيد مع أميركا ...
- النفط يلامس قمة 3 أسابيع قبل تصريحات ترامب حول روسيا
- صادرات الصين تقفز بـ 5.8% في يونيو مدعومة بهدنة تجارية
- الاتحاد الأوروبي أمام خيارات صعبة مع اقتراب مفاوضات الموازنة ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حمدي سيد محمد محمود - هندسة السمعة في عصر الذكاء الاصطناعي : من الإدراك البشري إلى التحكم الفائق بالصورة المؤسسية