أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - من ميادين المعارك إلى خوارزميات السيطرة: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي رسم ملامح الحروب المستقبلية؟














المزيد.....

من ميادين المعارك إلى خوارزميات السيطرة: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي رسم ملامح الحروب المستقبلية؟


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8390 - 2025 / 7 / 1 - 11:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في عالمٍ يتسارع فيه التطور التكنولوجي بوتيرة غير مسبوقة، يقف مفهوم الحرب على أعتاب تحوّلات جذرية تتجاوز التصورات التقليدية للصراع العسكري. لم تعد الحروب المستقبلية تُدار فقط عبر البنادق والمدافع والدبابات، بل باتت تدار من خلال سطور برمجية، ومعادلات خوارزمية، وتوجيهات تصدرها أنظمة ذكية قادرة على التعلم الذاتي واتخاذ القرار. ففي ظل هيمنة الذكاء الاصطناعي على مفاصل الحياة الحديثة، تتشكل أنماط جديدة من الصراعات قد لا تُعلن فيها الحرب رسميًا، ولا يُرفع فيها العلم، ولكنها تمتد في صمت لتطال العقول، والبُنى التحتية، والأنظمة السيادية للدول.

لقد دخلت الحروب مرحلة ما بعد الحداثة، حيث يتشابك العسكري بالاقتصادي، والتقني بالمعرفي، والنفسي بالإيديولوجي. ولم تعد الجيوش النظامية وحدها فاعلة في ساحة الصراع، بل صعدت قوى جديدة تمتلك القدرة على شن حروب غير متماثلة، تقودها شبكات مبرمجة، وأدوات ذكاء اصطناعي تتغذى على البيانات الضخمة، وتتحرك في بيئة رقمية عابرة للحدود.

الذكاء الاصطناعي وتغيير طبيعة الصراع

يمثل الذكاء الاصطناعي نقطة تحوّل مفصلية في طبيعة الحروب. فبفضل قدرته على التحليل الفوري للبيانات، واتخاذ القرارات في أجزاء من الثانية، أصبح بإمكانه أن يحلّ محل البشر في العديد من وظائف الحرب، بدءًا من جمع المعلومات، مرورًا برسم سيناريوهات الهجوم، ووصولًا إلى تنفيذ العمليات العسكرية الفعلية. الطائرات بدون طيار، وأنظمة الدفاع الصاروخي الذكية، والمنصات القتالية المؤتمتة، لم تعد مجرد أدوات، بل باتت أطرافًا فاعلة في الحروب، تملك القدرة على القتل والإرباك دون تدخل بشري مباشر.

ومع ظهور تقنيات التعلم العميق والتحكم الذاتي، أصبحت آلة الحرب أكثر استقلالًا، وتقلّصت المسافة بين القرار السياسي والضربة العسكرية. وفي هذا السياق، تبدو السيطرة على هذه الأنظمة مسألة بالغة الحساسية، لأن أي خلل أو اختراق قد يؤدي إلى حرب شاملة دون سابق إنذار، بما يفتح الباب أمام نوع جديد من التهديدات، وهو "الحرب السيبرانية المؤتمتة".

من الحروب الصلبة إلى الحروب الرمزية

تتجه الحروب الحديثة نحو أنماط رمزية ونفسية وثقافية، تُعرف باسم "حروب الجيل الخامس"، حيث يُعاد تعريف العدو، لا باعتباره جيشًا آخر، بل قد يكون فكرة، أو منصة رقمية، أو سردية جماهيرية، أو حتى نمط حياة. وفي هذا الإطار، أصبحت وسائل الإعلام، وشبكات التواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية، أدوات في يد القوى المتحكمة، تسعى إلى زعزعة الاستقرار النفسي والمعنوي داخل المجتمعات.

إن السيطرة على "المعنى" أصبحت جزءًا من الاستراتيجية الحربية. فبدلًا من السيطرة على الأرض، تسعى القوى الكبرى إلى السيطرة على وعي الشعوب، وتحويلها إلى أدوات طيّعة توجهها كيفما شاءت. هذا ما يصفه البعض بـ "الاستعمار الإدراكي"، حيث تُحتل العقول قبل أن تُحتل الأراضي.

صعود الحروب الرقمية: الدولة كهدف رقمي

أصبحت البنية التحتية الرقمية للدول هدفًا أساسيًا في الحروب الجديدة. فالهجمات السيبرانية لم تعد تقتصر على تعطيل مواقع إلكترونية أو سرقة بيانات، بل تطورت لتصبح جزءًا من العمليات الحربية الكبرى. يمكن من خلالها شلّ منظومات الكهرباء، تعطيل أنظمة المياه، اختراق شبكات الطيران، إرباك البورصات، وتزوير نتائج الانتخابات.

إن الدولة الحديثة أصبحت "كائنًا رقمياً" معتمدًا على الشبكات، وهو ما يجعلها هشّة أمام أي خرق سيبراني. وفي ظل تفوق بعض الجهات الفاعلة – سواء دولًا أو كيانات غير حكومية – في هذا المجال، يُعاد توزيع القوة والنفوذ في العالم، حيث لم يعد التفوق العسكري التقليدي كافيًا لفرض السيطرة.

الحروب المدفوعة بالذكاء الاصطناعي: نهاية القرار البشري؟

تطرح الحروب المستقبلية أسئلة وجودية حول مصير القرار الإنساني. فإذا كانت الخوارزميات قادرة على اتخاذ قرارات هجومية بناءً على نماذج توقعية معقدة، فما الحاجة للقادة العسكريين؟ بل الأخطر، ماذا يحدث إذا بدأت هذه الأنظمة تتصرف خارج إرادة صانعيها؟ وهل يمكن أن ندخل عصر "الآلة المتمردة" التي تخوض حربًا وفق منطقها الخاص؟

هذه المخاوف دفعت بعض المفكرين إلى التحذير من ضرورة وضع "أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الحربي"، أي تحديد الحدود الأخلاقية لاستخدام هذه التكنولوجيا في العمليات العسكرية، ومنع تطوير "الروبوتات القاتلة" التي قد تتخذ قرارات بالإعدام أو الهجوم دون تدخل بشري.

أنماط جديدة من الحروب: حروب المياه، والمناخ، والبيانات

في المستقبل، ستأخذ الحروب أشكالًا تتجاوز الخيال العسكري التقليدي. حروب المياه والمناخ ستكون من أبرز سمات الصراعات القادمة، حيث تسعى الدول الكبرى إلى التحكم في مصادر المياه، وتوجيه تغييرات المناخ لأغراض جيوسياسية. كما أن البيانات ستتحول إلى "ذهب جديد"، من يمتلكها يملك القدرة على التجسس، والتحكم، والتأثير في سلوك الجماهير.

بل قد نشهد "حروب بيولوجية رقمية"، حيث يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في تصميم أوبئة أو فيروسات مُعدّلة جينيًا تُستهدف بها مجتمعات معينة. كل هذا يجري في صمت مختبرات متقدمة، بعيدًا عن أعين القانون الدولي الذي لا يزال يلهث خلف سباق التكنولوجيا.


إن العالم يدخل حقبة جديدة لم تعد الحرب فيها حدثًا استثنائيًا، بل أصبحت حالة مستمرة ومتعددة الأوجه، تُدار عبر شاشات الحواسيب، وتقارير الذكاء الاصطناعي، والتلاعب بالوعي العام. في هذا العالم، تذوب الحدود بين المدني والعسكري، وتتحول الدولة من كيان سيادي إلى بنية خاضعة لسلطة المعلومات والسيطرة الرقمية.

ومن هنا، فإن فهم الحروب المستقبلية لا يمكن أن يتم من خلال النظريات العسكرية الكلاسيكية فقط، بل يستدعي رؤى متعددة التخصصات تشمل التكنولوجيا، وعلم النفس، والاقتصاد، والفلسفة، والأخلاق. إنها لحظة فارقة من تاريخ البشرية، حيث لم تعد الحرب فقط نزاعًا على الأرض، بل معركة شاملة على الإنسان نفسه: على جسده، وعقله، وهويته.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل الأداتي في الفكر المعاصر: قراءة نقدية في أطروحة يورغن ...
- برمجة الضمير: حين تعاد صياغة الأخلاق في زمن الخوارزميات
- العقل في مواجهة المادة: رؤية كانط الأخلاقية في زمن النزعة ال ...
- الظلال النووية : الصراع الأمريكي الإسرائيلي ضد طموحات إيران ...
- الاقتصاد الخوارزمي : حين يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل قوانين ...
- تحوّلات الدولة الفاشلة: عندما يفقد القلم والعنف والسلطة معنا ...
- الرقابة الذكية والأمن العام: بين الحماية والهيمنة
- الدولة الإسلامية بوصفها دولة الوقت: نحو تخييل سياسي يتجاوز ا ...
- اللعب بالنار: التحالف الأمريكي الإسرائيلي يفتح أبواب الجحيم ...
- باكستان وإيران تحالف المواقف في زمن الانهيارات الطائفية
- التحالفات المرتبكة: الحرب الإسرائيلية الإيرانية تحت مجهر الس ...
- جذور الحكمة ونُظُم الحياة: أديان شرق آسيا وصناعة الوعي الجمع ...
- المدن الذكية في العالم العربي: بين الحلم الرقمي والتحديات ال ...
- الذكاء الاصطناعي في المشهد الاتصالي: من أداة مساندة إلى لاعب ...
- الرقمنة الكبرى: تحولات الثقافة والاتصال في زمن الذكاء الاصطن ...
- من غزة إلى طهران: إسرائيل في مواجهة أعداء العقيدة والخرائط
- صعود المؤثرين: قادة الرأي في زمن الخوارزميات
- صناع الوعي: الفلاسفة الذين أعادوا تشكيل العالم
- الانفجار العظيم: من لحظة البدء إلى حدود المعنى
- الاتصالات التسويقية المتكاملة في عصر الذكاء الاصطناعي: بين ا ...


المزيد.....




- مهلة -الأسبوعين- التي حددها ترامب بشأن روسيا أصبحت الآن في ا ...
- نصائح موضة عملية لتنظيم حقيبة السفر بأناقة
- مصر.. أول تعليق رسمي على تغيير اسم شارع -قاتل السادات- خالد ...
- نتنياهو: الخطر الإيراني يفوق التهديد الذي مثلته القومية العر ...
- باريس تحترق.. القنوات المائية ومرشات التبريد هما الملاذ الوح ...
- أين اختفى الفهد الأسود؟ القضية تتفاعل في بلغاريا وتكهّنات بع ...
- بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران.. هل تتوقف الحرب في غ ...
- -نزع سلاح حزب الله-.. هل ما زال لبنان يمتلك هامشا للتفاوض؟
- إغلاق جزئي لبرج إيفل ومنع وسائل النقل الملوثة... حالة تأهب ق ...
- صحيفة لوفيغارو تستعيد وصف جحيم باريس خلال موجة الحر عام 1911 ...


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - من ميادين المعارك إلى خوارزميات السيطرة: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي رسم ملامح الحروب المستقبلية؟